|
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي (Re: abubakr)
|
Quote: الأديب الراحل ( جمال محمد أحمد ) و لُغته المُورقــة لو قرأت وصفه لمحة من طفولته حين يعتلي ظهر بَغلٍ ، و يُمسِك شقيقه محجوب بخاصرته رديفاً عند غدُوهما والرواح إلى المدرسة الأولية من قريتهما ( سرة شرق ) في شمال السودان القصي ، لعلمت كيف تستنبِت البوادي والأرياف عندنا من نُطفة تكورت في رحم أنثى ، حين تنمو وتُفرد لنا من بعد شجرة باذخة الظلال . حُلو ثمرها ، تتخطى أقواس العُمر برشاقة عبقرية أديب يكتُب بإزميل نحّات و يرسم لُغة مُتجددة الإبداع و مُتفردة الهوى . لن نُغالي أبدا إن حسبنا قلمه مدرسة في ترفيع العربية وتغذية شرايينها من الآداب المُعاصرة .اقرأ معي كيف استفتح مقالة له دعاها ( مشاهد من هارفارد ) حين استكتبه الأديب الراحل ( علي المك ) لمجلة الدوحة القطرية في السبعينات عندما كان مراسلا من الخرطوم :1ـ { في الشقة رقم 34 من الطابق الثالث والأخير من عمارة تُمسِك باثنتين أخريين عن يمين ويَسار . تُطل كلها على بستانها الخاص وأشجارها الطوال حولها ، قضيت فترتي الدراسية في هارفارد بدءاً بأول الشتاء ختماً بأوائل الصيف ...} حين يُمسِك الأديب الراحل بيدك ويُدخلك مسكنه كضيف وقارئ ، تتخطى معه العتبات . يُلبِسكَ جُلبابه وتتجول أنت معه كأنك سيد الدار ، بضَمير لُغة يتغمص فيها القارئ روح كرفيق عُمر ! . كرمٌ لُغوي لا تُدانيه ضيافة ، حين يكتب : ـ2ـ { تدخُل تجِدَكَ توّاً فيه . قُبالَتك خِزانة المعاطِف ، للبرد وللحر ، ومشاجِب للطواقي صُنِعت لتحمي الرأس والأذنين ، وقُبعات خفيف بعضها للرذاذ ثقيل بعضها لحمأة الشمس ، ...وفراغاً لغير هذه من واقيات الحر والبرد ، .. خزانة الصيف والشتاء هذه داخل الحائط في الصالون ، حيث مجلِس أضيافك ومجلسك . خطوات قليلة عبر هذا الصالون يهسار مدخلك فتحة لدهليز عرضه متر طوله أمتار معدودة }أو حين يكتُب :3ـ { ..خطوات من بعد قبالتكَ ، باب آخر يقود لمطبخك أعدّ ليخدُم من يخدُم نفسه.. على اليسار فتحة أخرى كفتحة المدخل على دهليز تقود للمكتبة ، أفسح غرف البيت ، اقتعدت فيها طاولة الكتابة والقراءة مكاناً وسطاً ...}أو حين يكتب :4ـ { إن اضطررت ليوم تقضيه داخل البيت لن توحَش . النافذتان على يسارك عيناك لهذه الرئة الخضراء للطوابق الثلاث هُنا وأخواتها هناك عبر الطريق . تخضر الأشجار ويخضر العُشب في الربيع ، وتُزهر الشجيرات فتؤنس ، أول الصيف يذوي الورق تسمعه يتساقط ..}5ـ أو حين يكتُب :{ في الذي رأيت حولي من كُتب ومن متاع . هذه فئة من الناس كبُرت على الطموح نفسه ، سكونها كان داخلها عُلواً على صخب حروب المذهب والسلطان ، يستحيل لغير كبير على السلطان والجاه والمال والرفاه ، أن يغني كما فعل ( أوفيد ) في أيكولوجي أغانيه التي جمعها عشاق الحياة ، ما كان يدرِك وهو يُغني بأنّا نهتز لها نحن اليوم ألفا سنة من بعد ،..}تتمهل أنتَ حين تقرأ للأديب (جمال محمد أحمد ) ، تحس ألفة ومحبة تشعّ من أحرُفه التي بها يكتُب . يتخطى التُراث في الكتابة العربية بخطو العارِف ، الناهِل من حلاوة الإيجاز البليغ والسينمائية التي تأتيك بالدهشة من حيث تدري و لا تدري . تتلمس حليات القص وفخامته وأنت تقرأ . يتبدى لك الدفين الذي هضَمته ثقافته الباذخة ، واطلاعه العميق على آداب الدُنيا . يُزاوج فيها حُراً كما يشاء ، خاتماً لنا بَصمَته عند كل مُنعطف برقة وسلاسة . عسير على من أراد تقليده أن يمتطي فرساً لُغوياً نافراً ،وهو عند صاحبه الخلُوق رفيق درب لا مُستعبداً يُركَبُ ظهره ! .ساقتني قدماي ذات صُدفة مطلع الثمانينات . حضرت لزيارة بعض الصحاب الدارسين بمعهد الدراسات الأفريقية والأسيوية بجامعة الخرطوم . تحت ظل شجرة في فُسحة مُمكنة جلست في مقعد مع آخرين جواري في الهواء الطلق . كُنا بضعاً وعشرين فردا لسماع مُحاضرة يُلقيها هو علينا عن القرار ( 242 ) الذي أصدره مجلس الأمن قبيل وقف إطلاق النار أيام حرب السادس من يونيو 1967م . جلست مستَمِعاً تُدهشني اللغة والبلاغة والمنطق والتحليل والدقة والسرد الباهر . ينهمر سلسبيل المعرفة بمائه الثقيل من أثر الموسوعة الثقافية والأدبية والسياسية المٌترَفة لسيدنا . تسمع حفيف حركات الأغصان بأوراقها مع الريح كموسيقى تُصور لك الأحداث الجِسام التي تخطت العقلية الدُبلوماسية العربية ، وهي تُقبِل على موافقتها لنص تلك الوثيقة الماكرة . تبدو النصوص كجرَّة تنضح ندىً يحسبها الظمآن مورداً يُطفئ عطشه .. ولكن !؟لا أعرف كيف أصف لكم مشهداً لن يُنسى من صفحة العُمر كأن بيني وبينه يوم وليلة ! . صوت الأديب ( جمال ) يُبعثر اللُغة بين كنوزها الأدبية و خطوط القانون الصارمة التي خطتها أصابع ماهرة من الطرف الأقوى ، وغفلة تاريخية من الطرف الغض من المُعادلة المُجحِفة ،لم تزل تأخذ بدُنيا المُستضعفين حيثما حلُّوا ! .أفقت من الذهول عند الخاتِمة وأسئلة الحضور تتقاطر ، فأعماق الردود وخُلق سيدنا ، وتواضعه الجّم حين يُمسك بطِفل السؤال و براءته ، ليُجلسه معه في مقعد الدبلوماسية الفخيم . تجد نفسكَ أمام خيارات أمة وقفت عارية و تداعت مصائرها في جملة لُغوية ، ارتضاها من لا يُدرك أبعادها أو أجبرته حوامض الدهر أن يرضى ، فأضحت نصاً يشخص له طلاب الدبلوماسية في كل زمان عند مفاصل التَعلُم : كيف تُفسِح للنص أن يُرضي المُتنازعَين ، كل يُفسِر وفق هواه ، ويُفلِت المُحتل من سيف العدل !.لن تفِ الأديب الدُبلوماسي الراحل (جمال محمد أحمد ) صفحة مقال أو نثر كتاب ، فالسماوات تضيق على سعتها بالحديث عن سيرة ذاك الطود الشامِخ الذي سرقته منّا دُنيا الثمانينات من القرن الماضي . أسفاره الروائية و دراساته في الأدب الأفريقي وأسفاره المكتوبة والمُمارسة في الدبلوماسية و الترجمة والتدريس الجامعي ، أو حين الجلوس لمآدب التفاوض المُضني أو من وراء كواليس صياغة وثائق المُنظمات الإقليمية ، عندما كان أصحاب القرار من وراء قيادات الأمم الأفريقية والعربية الناهضة من أطواق الاستعمار القديم لا تُميِّز الأثداء التي تأخذ منها وجبات حليب التغذية ! .لم يزل الوطن يتسربل بالخسائر الفادحة ، إلا إن الأعمار ومصائر الأجساد لها السُقوف ، وهي سُنة الحياة . لم يتركنا الراحل فقراء على أبواب التسول ، بل ترك لنا الثراء المكتُوب .رحمه المولى ورَطب مرقده وأفسح له في أفنان الرياض الموعودة .سنكتُب عنه حين تأذن سانِحة أخرى .عبد الله الشقليني 23/02/2006 |
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-16-10, 03:46 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | محمد سنى دفع الله | 05-16-10, 03:56 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-16-10, 04:10 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-16-10, 04:19 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-16-10, 06:01 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-16-10, 07:35 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-17-10, 07:57 AM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-17-10, 08:54 AM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-17-10, 04:18 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | عبدالله الشقليني | 05-17-10, 05:47 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-18-10, 08:26 AM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | Asma Abdel Halim | 05-18-10, 12:06 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | محمد أحمد الريح | 05-18-10, 12:34 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-18-10, 02:35 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-18-10, 02:37 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | Mamoun Ahmed | 05-18-10, 06:49 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-18-10, 07:27 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | عبدالله الشقليني | 05-19-10, 03:37 AM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | عبدالله الشقليني | 05-18-10, 07:56 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-18-10, 08:32 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-19-10, 09:38 AM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 05-19-10, 03:48 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | عبدالله الشقليني | 06-07-10, 05:32 PM |
Re: مركز جمال محمد احمد الثقافي | abubakr | 06-08-10, 05:50 AM |
|
|
|