قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 06:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-05-2010, 09:56 PM

خالد المحرب
<aخالد المحرب
تاريخ التسجيل: 01-14-2007
مجموع المشاركات: 5705

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره (Re: خالد المحرب)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    مستقبل حكم السودان في غياب
    الثقافة والتجربة الديمقراطية










    المقدمة:
    تنطلق هذه الدراسة من تحليل للواقع السياسي والمجتمعي السوداني منذ الاستقلال، وتجربة الحكم الانتخابي وثقافته على مستوى القيادات السياسية والقواعد (مجموع الشعب السوداني) وممارساتها، وصلة تلك الثقافة والممارسات بثقافة الحكم الديمقراطي المضمرة في مفهومها المفتاحي (حكم الشعب بواسطة الشعب من أجل الشعب). ننطلق لذلك من مفاهيم بناء النظام الديمقراطي في محاضنه الأصلية المستخلصة من صيرورات تكون نظمها التي حققت هذا المفهوم. كما نتناول بالتحليل الواقع السالب لفرص ترسيب وبناء نظام الحكم الديمقراطي الذي رسخته النظم القسرية، التي قطعت تجربة جميع الدورات الانتخابية قبل أن تكمل أي منها دورتها الدستورية التي تتيح للقوى الحاكمة أن تطرح نفسها وممارساتها على الشعب السوداني ليصدر تقويمه وحكمه عليها أو لها، الشيء الذي لم يحدث قط، وتظل هذه الحلقة المفقودة في ممارسة الحكم باسم الديمقراطية من ابرز عيوب تلك الممارسة وعائقاً خطيراً في طريق البناء الديمقراطي والحكم الراشد.
    يلي ما تقدم تحليل شامل، نستنتج منه ونستخلص العلل والأسباب التي أدت وتؤدي إلى فشل الممارسات السابقة باسم الديمقراطية، ونبين العلل التكوينية التي أدت لهذه الإخفاقات التي حالت دون النهوض الذي ظل يحلم به أهل السودان. كما نقدم في نهاية البحث رؤية متكاملة لتأسيس وبناء النظام الديمقراطي، والنظم المكملة له، آملين بذلك وعاقدين العزم، بكل تجرد وأمانة وصدق، أن تكون ثمرة ذلك هي سيادة الشعب ورعاية الوطن، وضم أطرافه النافرة بالتنمية والعدل والمساواة، وإشراك كل مواطن في عمليات التنمية والبناء، في مشاريع مفصلة يتدامج فيها التخطيط النظري بالخطط المدروسة بعقلانية لأغراض كيفيات التنفيذ، ويدعم ذلك مشروع تأسيسي سياسي ينبع من هذه الرؤية، يبدأ من القواعد في كل ولاية، صعوداً إلى قمة التنظيم السياسي، تشرف عليه وتنظمه وتعد وتصوغ مشاريع وثائقه ولوائحه وبرامجه، مجموعة من المبادرين في المركز وفي الولايات، يشترط فيهم استيفاء شروط الفزعة والنجدة الوطنية وامتلاك الرؤية المطروحة بالتحاور والتفاكر حولها، والاستعداد والجدية لتمليكها لجماهير الشعب السوداني بجميع الوسائل، ومن ثم طرحها على ممثليهم للتداول حولها وإقرارها كنظام يلتزم به الجميع ويأتي تفصيل كل ذلك لاحقاً.
    المشهد السوداني لحظة الاستقلال:
    تشكل الإقليم المعروف بالسودان، على مراحل منذ الحكم التركي سنة 1821م، انضمت إليه أطرافه الجنوبية على مراحل أثناء فترة الحكم التركي وحكم المهدية، وضُم إقليم دارفور عام 1916م، في فترة الحكم الثنائي.
    أما على المستوى الديمقرافي، فكانت تشكيلته من قبائل عديدة، واثنياتٍ مختلفة، وطوائف تفصل بين كل منها ومجموعها ونظام الحكم المقترح مساحات من التنازع حول الماء والمرعى والدار فيما يخص القبائل، وحروب ونزاعات فيما بينها، أما الطوائف والفرق الصوفية، فكانت اهتماماتها تتعلق بنفوذها فيما يخص التطرق وخدمة المريدين الروحية، وتعود توتراتها السياسية، وتداعياتها إلى فترة المهدية خصوصا في فترة حكم (الخليفة عبد الله). تجسدت هذه العداوة في التنازع والتعادي بين طائفتي الأنصار والختمية، وإلى حدٍما الطائفة الهندية التي كانت تحتل منزلة بين المنزلتين فيما يخص الطائفتين المتقدم ذكرهما.
    كان هنالك شعور وتوجس عدائي كامن، تعود جذوره إلى الاختلاف العرقي بين المجموعات ذات الصلة بالأصول والثقافة العربية من جهة، والمجموعات ذات الأصول الأفريقية في الجنوب من جهة أخرى، وبعض مناطق غرب السودان، والنيل الأزرق، وإلى حدٍما شرق السودان، يسنده واقع تاريخي ومجتمعي مؤسف، كانت أولى تبدياته في التمرد الأول في جنوب السودان الذي سبق إعلان الاستقلال، الذي أضاف إلى المسببات المتقدمة، اختلاف العقيدة الدينية بين المسلمين والمسيحيين، والمعتقدات العرفية الأخرى، واختلاف اللغة، والثقافة، والعادات. كما ظل ذات الشعور الكامن يعمل في النفوس بجنوب كردفان والنيل الأزرق، يعززه إضافة لما تقدم التفاوت في الخدمات ومستويات المعيشة في المُدُن الشمالية من جهة، والجنوب والمناطق المذكورة أعلاه من جهة أخرى - وإن كان ذلك واقع شامل لمعظم مناطق شمال السودان المماثلة خارج المدن، ولا يقتصر على الأقاليم الطرفية وحدها.
    الحكم:
    لم يعرف الشعب السوداني على امتداد تاريخه منذ 1821م وحتى 1956م، حكما ديمقراطياً على أي مستوى من مستويات الحكم، كان الحكم استبدادياً وسيلته الاحتلال بالقوة، وأهدافه استغلال موارد البلاد لمصلحة الدولة التي يمثلها المحتل، لا ينتفع منها أهل البلاد إلا بما يحقق هذه الأهداف الرئيسية واستقرار الحكم. لا توجد خدمات مياه، أو تعليم، أو رعاية صحية، أو غيرها من الخدمات الضرورية في مناطق القبائل والأرياف والفرقان والبوادي، التي تمثل الأغلبية الساحقة من أهل السودان. كانت تقوم على هذه المناطق إدارات أهلية، تقتصر مهامها على تدبير موارد الماء، وحفظ الدار، والمرعى، والأمن، ولا تمتد إلى أي من الخدمات الضرورية الأخرى.
    لم تشارك هذه القيادات، أو غيرها من الزعامات السودانية في الحكم المركزي طيلة فترة الحكم الاستعماري. يضاف إلى ذلك، أن ثقافة الحكم التي عرفها الشعب السوداني، هي الثقافة التي يملك فيها الحاكم السلطة، ولا يملك الشعب حظاً في توظيفها، أو المشاركة في تصريفها.
    الحكم الديمقراطي:
    اقتضت ضرورة انتقال سلطة المحتل إلى سلطةٍ وطنية، اختيار النظام الديمقراطي، ربما كأداة لانتقال السلطة - في واقع مقطوع الصلة تماما بالنظام الجديد، ومجتمع تعددت كياناته البدائية، وانقساماتها على نفسها، والعلل السالبة فيما بين مكوناتها، وداخل كل كيان، وفي مجموعها، وتباعد أطرافها بما يجعل تطبيق النظام الإجرائي الديمقراطي لأغراض الانتقال أمراً شكلياً بحتاً، ولم يكن بدٌ من اللجوء الى الكيانات القائمة الطائفية والقبلية لأحداث التحول، وهو الخيار الذي لجأ إليه أباء الاستقلال - عليهم رحمة الله - نُجِلهم ونقدرهم ونلتمس لهم العذر فيما لم يكن لهم فيه خيار إلا ما لجأوا إليه، ومع ذلك فإن الأداة الطائفية والقبلية حددت وجهة الحكم والسلطة في مسار مناقض تماما لوجهة النظام المطلوب لبناء الحكم الديمقراطي. ولنا أن نتساءل ربما من الناحية النظرية البحتة: لماذا لم يسبق الحكم الوطني منذ مؤتمر الخريجين وعياً بهذه العلل؟ ووضع مشروعٍ لتناولها؟ والشروع في معالجاتها؟ ولو تلازماً مع إدارة وتصريف الحكم؟.
    هل لغياب الوعي بمطلوب الحكم الجديد وصلته بالواقع؟.
    أم هو امتداد لثقافة الحكم الممارس على السودان منذ 1821م؟.
    وهذا سؤال لا يزال مطروحاً!















    الحلقة الثانية

    أنهينا الحلقة الأولى من هذا البحث، بالتساؤلات الآتية:-
    (لنا أن نتساءل ربما من الناحية النظرية البحتة: لماذا لم يسبق الحكم الوطني منذ مؤتمر الخريجين وعياً بهذه العلل؟ ووضع مشروعٍ لتناولها؟ والشروع في معالجاتها؟ ولو تلازماً مع إدارة وتصريف الحكم؟).
    (هل لغياب الوعي بمطلوب الحكم الجديد وصلته بالواقع؟).
    (أم هو امتداد لثقافة الحكم الممارس على السودان منذ 1821م؟).
    (وهذا سؤال لا يزال مطروحاً!)
    هذه التساؤلات تتعلق الإجابة عليها وتتصل بمفهوم مركزي لهذا البحث, وهو مفهوم التَكَوّن بأنواعه العديدة التي لها شروط وأطر منطقية، هي:
    1. وجهة التَكَوّن.
    2. المدى الزمني المحسوب أو المقدر لسيرورته.
    3. الاستمرارية التي يتحقق من خلالها الترسيب التراكمي, الذي تتشكل منه أطوار التَكَوّن المختلفة, والمحتوى المعرفي والفعل الذي تجري به عمليات التَكَوّن, وبلوغ التراكم مرحلة الرسوخ الذي تتداوله الأجيال فيما بينها. مفهوم التَكَوّن هذا يعرفه المزارع فيما يجري في حقله منذ بذر البذرة إلى جني الثمرة, والطالب منذ بدء العملية التعليمية إلى نهايتها, ويعرف مداها الزمني المحدد وغير المحدد, الذي هو وفق الأثر: من المهد إلى اللحد, ولو في الصين القديمة. وهكذا في السياسة, والاقتصاد, والفن, والتميز, والإبداع. وفقاً لذلك لا يتم التَكَوّن إلا على المدى الزمني المطلوب, واستمرارية فعله وترسيبه التراكمي, كما لا يتم أي طور تكويني قبل مداه الزمني المحدد, وتنقطع في تلك الحالة سيرورته القاصدة لوجهته وتبدء سيرورة سالبة لنقض ما ترسب منه إن وجِد. كل هذا معلوم بالاستقراء والممارسة والتقدير المستنير, فمثلاً: التَكَوّن الفردي التعليمي مداه الزمني الأدنى لسيرورته الشاملة - بما فيها التنشئة قبل مرحلة بدء الدراسة إلى نهايتها عند التخرج والتدريب - لا يقل عن عقدين من الزمن, إذا سارت العملية في خط مستقيم, ويتم الترسيب التراكمي لمردود أي سيرورة ويتواصل من بدايتها إلى نهايتها في أطوار متصلة ومتواصلة.
    التَكَوّن على شيوع شواهده في حياتنا اليومية في مجالات تحيط بنا كما في الأمثلة التي سلفت فيه خفاء واستعصاء على الفهم, فيما يخص فعله التراكمي ومداه الزمني, وقد لاح هذا الفهم لفيلسوف قرطبة (ابن رشد) في رده على أفلاطون الذي رأى استحالة تحقيق المدينة الفاضلة معتمدا، أي ابن رشد، على أن هذا التحقق لا يحدث مرة واحدة وإنما من خلال التراكم, ووصفه العلامة ابن خلدون بأنه: داء دوي شديد الخفاء، إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يتفطن إليه إلا الآحاد من أهل الخليقة، وذهب في شرح ذلك إلى مفهوم الاتصاف الذي يتم بالمداومة والاتباع للتصورات النظرية وتحويلها إلى مقام الحال.
    مفهوم السيرورة وترسيبها التراكمي هو أسلوب سنن التَكَوّن التي تحول الأحلام والرغبات إلى أفعال وواقعٍ معنوي أو مادي, ولا يتم شيء من ذلك خارج السيرورة الزمنية, وبرغم ذلك نجد من يتصرف مع عمليات التَكَوّن وكأنها تتم هكذا خارج الزمن، ويتعامل معها كثيرون وإن تمثلوا نماذجها في الأصل وكأنها سلعة تقتنى دون سيرورة تكون, وهذه إشكالية تعيق الفهم والفعل المطلوب لسيرورات التَكَوّن, خصوصا في النظم المجتمعية والنظام الديمقراطي الجامع لها.
    ولتقريب الفهم نقول: أن تكون هذه النظم فيه ملامح مقارنة, يقترب من المماثلة مع العملية التعليمية في وجهتها, ومحتوى مناهجها, وترسيب تراكمية محصولها, وتخلق أطوارها, وامتداد وتواصل سيروراتها وصيروراتها, وتعدد قنوات دفعها.
    كما بينّا في الحلقة الأولى من هذه الدراسة, فإن الواقع السوداني مقطوع الصلة تماما بالنظام الديمقراطي الذي ينبغي أن يحل مكان النظام الذي سبقه, وأن تحل ثقافته محل ثقافة ذلك النظام السالب وواقعه, بكل تفاصيله ومجموعه لبناء النظام الجديد والواقع الذي يتخلق منه, وهو يتطلب سيرورة تكونٍ تنقض هذا السلب وترسب التراكم المطلوب وفق الشروط التي تقدمت في سيرورةٍ يتلازم في مجراها وعلى مداها الزمني ترسيب المطلوب للنقض والبناء من بداية السيرورة وعلى امتدادها.
    التَكَوّن المطلوب لذلك، الذي على ضوئه يمكن الإجابة على التساؤلات التي طرحناها في بداية هذه الحلقة, يتمثل في انطلاقة مشروع توعية للمواطنين جميعاً بصلتهم بالنظام الجديد, بصفتهم أصحاب سلطته وأهل السيادة فيه, تترتب لهم فيه حقوق وتفرض عليهم واجبات. تتمثل حقوقهم في اختيار من ينوب عنهم في ممارسة السلطة والتزامه المقابل بممارستها لنفعهم ومصالحهم المتمثلة في الخدمات والتنمية وصون وحفظ أمنهم وكرامتهم ووطنهم واستغلال موارد بلادهم والإيرادات المتحصلة منهم كمال عام لهم جميعاً والتصرف فيه في أوجهه المشروعة, وفق ممارسةٍ تتوخى الأمانة والشفافية والرشد وموجبات العقلانية, وفعل كل ما يلزم لصون حقوقهم الطبيعية والأساسية, وسن التشريعات التي تحقق ذلك, وإقامة الأجهزة المحايدة والمتجردة لتطبيقها. كما يلتزم من يتولى أمر تصريف شأنهم العام - نيابة عنهم - الحفاظ على السلطة وعدم التفريط فيها, وإشراكهم في المحافظة عليها, من خلال توظيفها لمصالحهم, وإشراكهم في إعداد وتخطيط المشاريع ذات النفع المشترك, بما يحقق الوعي المشترك والفهم المشترك والفعل المشترك لتحقيقها من خلال توعيتهم وحفزهم، واستشارتهم في ترتيب أولويات احتياجاتهم.
    هذا فيما يتعلق بصلة المواطن بمن ينوب عنه في الحكم, أما فيما يخص صلته بالأحزاب السياسية, فمن حق المواطن, أن يتوقع ويطالب - من خلال التوعية - أن تطرح الأحزاب نظماً تحدد العلاقة بين القواعد وأجهزة الحزب بما يحقق المشاركة القاعدية التي تحقق بالتدرج والممارسة ديمقراطية هذه الأنظمة, وصلتها بالحكم كسلطة شعبية توظف لمصلحة جميع المواطنين.
    كل ما تقدم لا يتحقق في الواقع, إلا من خلال انطلاق سيرورات تكون, تجري وفق ما تقدم من شرح. وهي سيرورة لا تنطلق من تلقائها وإنما بفعل من يؤمن بضرورتها ولزومها للتحول المطلوب. كما أنها أي السيرورة لا تنطلق من مجرد التوعية وحدها وإنما من خلال إشراك أفراد الشعب في عمليات البناء, وسنوضح ذلك في موقعه المناسب.
    الإيجاز المتقدم لمشروع التَكَوّن المطلوب عند الاستقلال, لم يقصد به إعداد حيثيات إدانة لآباء الاستقلال, بقدر ما هو تمهيد لفهم السؤال الذي تصدر هذه الحلقة, وفهم الإجابة عليه بما يبرر مشروعية طرحه في تلك الفترة, وما تلتها من ممارسات وإلى يومنا هذا.
    بناء على الشرح المتقدم ورغم وجود مجموعات مستنيرة من قيادات مؤتمر الخريجين في الساحة السياسية آنئذ, وهي على دراية نظرية بالنظام الجديد، غير أني لم أقف على بدايات مشروع تكون يفي بالمطلوب الذي تقدم إيجاز شرحه أو أي مشروع دونه؛ ربما لقصر المدة وجسامة أعباء الانتقال والحكم مع التنازع الحاد حول السلطة. في غياب هذا المشروع في مظانِه ومحارِيه تُصبح فرضية استمرارية ثقافة الحكم السابق هي الأرجح, وتعزز ذلك إشارات وقرائن أحوال وسلوكياتٍ تواصلت حتى الآن, نوجزها فيما يلي:-
    • التنازع حول السلطة بين زعيمي الطائفتين بعد كل انتخابات, لا يتعدى دور المواطن فيها العملية الشكلية في مرحلة الاقتراع كمجداعٍ لسلطة الزعيمين مع غياب أي مجهودات للتوعية الصحيحة التي ينبني عليها اختيار النواب.
    • التنازع حول السلطة بما أضاعها في كل دورة من دوراتها, بما أعاق سيرورات التَكَوّن.
    • غياب الصلة التنظيمية التي تقتضيها علاقة الحكم الراشد بين الجماهير والقيادات الحزبية وغياب النظم التي تحدد هذه العلاقة بما يؤكد سيادة الشعب.
    • غياب أي مجهود لطي المسافات العازلة بين الكيانات المختلفة بين الطائفتين في المشاركة في التنمية في الحالة الأولى والتوافق الذي تمليه الحكمة التي تقتضي أن يفهم الزعماء أن السودان في واقعه التعددي والاختلافي لا يمكن أن تحكمه طائفة واحدة أو حتى حزب واحد في غياب هذا التوافق والحكمة.
    • العجز التام في الحكم والمعارضة لإغفال إعداد المواطن لدوره في كليهما.
    • العجز الذي مكن المجموعات الانقلابية من الاستيلاء على السلطة, والسلوك المريب الذي أحاط ظروف الانقلابات التي حدثت حتى الآن.
    • الالتفات والعجز التام عن إيجاد حلول تفاوضية لمشكلة الجنوب، والمنازعات القبلية في دارفور
    • إقصاء القواعد الشعبية وهي صاحبة السلطة وفق النظام الجديد عن:
    • التشكيلات الحزبية الفوقية الهلامية التي تشكل وفق إشارة الزعيم والتصرف فيها وبها تصرف المالك.
    • اعتبار الطائفة وعلاقتها بالزعيم الطائفي بديلا للحزب وتوظيفها في كافة الأمور المتعلقة برغبات الزعيم.
    • ومن ذلك على سبيل المثال تفويض الزعيم لاتخاذ القرارات الهامة التي تخص الحزب أو الوطن.
    جميع هذه الممارسات تعزز سلطة الزعيم, التي تنفي سلطة الشعب التي هي من أساسيات النظام الديمقراطي الجديد والتنازع حولها إلى حد التفريط فيها, بما يغري بها الانقلابيين وتسليمها لهم في نهاية فترة الديمقراطية, التي انتهت في 17 نوفمبر 1958م.
    الحلقة الثالثة:
    كان الانقطاع الذي استمر ست سنوات في فترة حكم عبود انصرافا تاما عن وجهة الحكم الديمقراطي وتوجهه لأنه حكم قسري لا صلة له بالحكم الديمقراطي، وتُشَكِل فترته هذه خصما على التكون والثقافة والتجربة الديمقراطية ونقضاً لأي ترسيب خفي قد يحسب للممارسة النيابة في المرحلة السابقة.
    لم تفلح القيادات السياسية التقليدية على مدى ست سنوات من إسقاطه أو تنظيم كوادرها المستنيرة في معارضة النظام خصوصا في الجامعات والمعاهد العليا والتنظيمات المهنية والعمالية كما فعلت التنظيمات السياسية الأخرى التي كان لقيادة كوادرها الطلابية والنقابية والسياسية دورٌ بارز في الأحداث التي أدت لإسقاط النظام وكان حضور الزعامات الطائفية والتقليدية استدراكاً بعد اللحظات الحاسمة للتغيير الذي يبدو انه فاجأهم كما فاجأ الكثيرين خارج دائرة الفعل اللحظي.
    أدت مشاركة ومبادرة الطبقة المستنيرة وأخذها زمام المبادرة في التغيير إنشاء دوائر الخريجين التي أتاحت نتيجتها لكل من الاسلاميين والشيوعيين مدخلاً للعمل السياسي داخل الإطار النيابي الذي حدث بعد ذلك وأدخلت بذلك ولأول مرة عنصرين في العمل السياسي هما الأصولية الإسلاموية والتنظير الشيوعي والاشتراكي. لم يكن لأي منهما حظ في المشاركة من خلال صندوق الانتخابات العامة لمحدودية تمثيلهم في القواعد الشعبية برغم تفوقهم التنظيمي والتخطيطي وحصر وتوظيف كوادرهم مقارنة بالحزبين التقليديين. إلا انهما على طرفي نقيض في العقيدة والأهداف بما أضاف عنصر خلاف فيما بينهما في العمل السياسي وبين كل منهما والقيادات التقليدية من جهة أخرى. كما أدخل كذلك لحاق السيد/ الصادق المهدي ركب النواب بعد الانتخابات العامة التي لم يكن في بدايتها قد بلغ عمر الثلاثين الذي يؤهله للترشيح عنصرا جديدا في الساحة السياسية. كان طموح الوافد الجديد لحزب الأمة الذي لم تسنده خبرة أو تنظير ينطلق من الواقع واقع السودان التعددي الانقسامي في كل شي، طموح بلا حدود. على رأس أجندته رئاسة الوزارة والحزب وزعامة بيت المهدي وطائفة الأنصار وتحويل التعددية الحزبية إلى الحزب الواحد، حزب السودان الذي لا يزال على باله حتى الآن. تحقق من كل ذلك رئاسة الوزارة التي شقت حزب الأمة وأسرة المهدي وزعامة طائفة الأنصار واستعداء اعظم الرجال في حزبه السيد محمد أحمد محجوب وبالحزب الوطني الاتحادي الشريف الحسين الهندي وغيرهما من الرموز الوطنية في الشمال.
    كما أيد في فترة حكمه وبالتعاون والتنسيق مع النواب الإسلاميين وأعضاء حزبهم خارج الجمعية حل الحزب الشيوعي ورفض قرار المحكمة العليا الذي قضى بعدم دستورية الحل وغير ذلك من الممارسات التي خلقت الأجواء والمبررات لانقلاب مايو 69.
    تشكلت قيادات الانقلاب لأول مرة من عسكريين ومدنيين من اليسار الشيوعي والناصري والبعثي لا مطمع لهم أو فرصة في الحكم التعددي أو التكون الثقافي اللازم له أو ممارسات ترسيخه. على عكس ذلك ظل حكم مايو سالبا لكل ذلك.
    لم تتعلم معارضة حكم مايو من تجاربها السابقة التي أهملت تنظيم قواعدها في الداخل خصوصا المستنيرة منها في الجامعات والمؤسسات التعليمية والنقابات وقياداتها الوسيطة التي ذاب معظمها في تنظيمات حكم مايو وأصبحت عازلاً للقواعد التي تعتمد عليها هذه القيادات عن فعل التغيير المطلوب. ظهر ذلك جلياً في فشل محاولتها الانقلابية التي قادها المرحوم حسن حسين التي نتج عنها تشتت المعارضة وانضمام بعض قياداتها من الإسلاميين وحزبي الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة بمن فيهم الصادق المهدي واحمد علي الميرغني لنظام مايو أعضاء في أجهزته العليا. ومثلت عملية الانضمام لنظام شمولي رافض للنظام الديمقراطي طعنة نجلاء لمعارضي الحكم الشمولي وقائد تلك المعارضة الشريف حسين الهندي وأعوانه. من جهة أخرى كان النظام المايوي مكمناً حصيناً ومفيدا للاسلاميين بقيادة الدكتور حسن الترابي استغلوا فيه موارد الإغاثة وإنشاء البنوك الإسلامية ورعايتها واستغلالها كأدوات للتمكين المالي. كما أتاحت لهم المشاركة العمل المكشوف والمحمي وسط الطلاب ومن خلالهم لتعزيز عضويتهم وتدريبها لما كانوا يكمنون له.
    أتاحت لهم كذلك مشاركتهم والتغلغل في أجهزة الدولة بما في ذلك الأمن والقوات المسلحة والنظامية الأخرى والخدمة المدنية والقضاء والاقتصاد وما إلى ذلك من لوازم التمكين. يبدو أن ذلك أثار ريبة وشكوك جعفر محمد نميري قبيل سقوط نظامه فاعتقل القيادات الإسلامية المشاركة في حكمه فظلوا في الحبس حتى لحظة تغيير النظام المايوي لم يخرجوا منه إلا عندما اقتحمت الجماهير ذلك السجن وأخرجت جميع من فيه من السياسيين بمن فيهم الإسلاميين. هذا الواقع أعطى الإسلاميين مبررا - وإن كان واهيا - للمشاركة في حكم ما بعد مايو.
    شكل الإسلاميون - لغرض المشاركة - تنظيمهم الجديد المسمى بالجبهة الإسلامية القومية لجميع السودانيين المسلم وغير المسلم فانضم إليها بجانب الإسلاميين العديد من القياديات المايوية من زملائهم في فترة الكمون من المدنيين والعسكريين ورجال الأعمال وقادة النقابات العمالية والمهنية والطلابية وشكلت هيمنتها على المصارف الإسلامية ومنظمات الإغاثة والعون الإنساني المسنودة بشعارات حكم الشريعة الإسلامية اتساع عضويتهم وانتشارها في المؤسسات التعليمية. كما استفادت من مشاركتها في الفترة الانتقالية والمتعاطفين معها في تشكيل لجنة الانتخابات ووضع نظام انتخاب دوائر الخريجين بالكيفية التي أدت إلى فوزهم فيها.
    عادت معظم القيادات الحزبية التي شاركت في مايو حتى لحظة سقوطها إلى احزابها التقليدية وأتت بذلك نتيجة للانتخابات بما يعرف بالديمقراطية الثالثة. تشكلت أغلبية نوابها ممن شاركوا في مايو وظل الواقع الاقتصادي وأجهزة الدولة ومؤسساتها والحراك السياسي بذات الطابع المايوي. ظلت آثار مايو من قوانين سبتمبر الإسلامية كما تركها النظام المايوي كما ظل كمون الجبهة الإسلامية القومية للانقضاض على السلطة والتدبير لذلك الانقضاض مستمراً. رتبت له في الجلسة الأولى والتي تلتها من جلسات الجمعية التأسيسية. وسنتطرق إلى ذلك بالتفصيل في الحلقة القادمة.
    أردنا من ذلك أن نبين أن ما يسمى بالديمقراطية الثالثة كانت امتدادا في معظم شخوصها وأدائها وأجهزتها والواقع الذي أدت فيه وما عجزت عن فعله أو رغبت عنه فيما يخص إزالة آثار مايو ومحاربة الفساد وغياب الرشد ومصلحة المواطن والوطن والتدبير الأخرق الذي فرط تفريطا بينا في السلطة حتى وثبت عليها الإنقاذ. نخلص من كل ذلك أن الحكم الاستبدادي بالنتيجة ظل مستمرا منذ بداية مايو دون انقطاع فعلي لثقافته وتجريبه بما في ذلك فترة الديمقراطية الثالثة. ويصبح بذلك مدى الانقطاع أربعين عاماً منذ حكم مايو إلى حكم الإنقاذ الراهن وهي فترة كافية وكفيلة بقطع أي تراكم - على افتراض وجوده - لثقافة الحكم الديمقراطي وتجريبه في أي فترة سابقة للحكم المايوي. يضاف إلى ذلك حقيقة ثابتة أن أي مواطن سوداني أو مواطنة دون الأربعين لم يسبق له أو لها حتى هذه اللحظة ممارسة الجانب الإجرائي الانتخابي بجانب غياب المعايير التي يتم علي أساسها الاختيار, وهذا أمر خطير لا أرى في الأفق والخطاب السياسي ما يطمئن على إزالة عوائقه التي تحول قطعا دون التحول الديمقراطي الحقيقي.
    الحلقة الرابعة
    خلصنا في الحلقة الثالثة من هذا البحث, إلى أن الممارسات السالبة لفرص تكون النظام الديمقراطي, وما تتكامل معه من نظم أخرى, امتد مداه الزمني وفعله السالب منذ أكتوبر 69, بما شكل واقعاُ مغايرا لواقع فترات الانتقال السابقة التي تبدأ بسقوط النظام الشمولي وخروجه التام عن السلطة التي, تحل فيها حكومة انتقالية محل حكومة النظام المزال بما يقطع العشم والأمل في سلطتها وثروتها و استمرار المنافع التي يقدمها ذلك النظام للقيادات الوسيطة التي تنتمي للأحزاب الطائفية والتقليدية الأخرى, ويطمئنها على زوال الرهبة والخوف الذي يمثله النظام المزال, ويتيح ذلك عودتها مرة أخرى لأحزابها القديمة دون خشية من تلك الرهبة.
    يقابل واقع النظم الاستبدادية التي تقطع سلطتها وحكمها حكومة الانتقال وضع مختلف تماما في الظروف الراهنة. لم تنص اتفاقية السلام الشامل ولا الدستور الانتقالي على فترة انتقالية كما أن مشكلة المحكمة الجنائية وتزامنها مع الأزمة المالية العالمية, وحل مشكلة دارفور, وغيرها من المشاكل والخلافات القائمة بين القيادات السياسية تجعل التوافق علي حكومة انتقالية قومية أو حزبية أمراً صعباً وغير رشيد في الظروف الراهنة.
    فالنظام الراهن لا يزال في السلطة وواقعه الذي راكمه في جميع اوجه الحياة,يظل باقيا وفاعلا إلى نهاية مرحلة التحول الديمقراطي والانتخابات التي تجري فيها والتي يسعى النظام الحالي بجميع ما لديه من إمكانات للفوز بها أو إحراز نتائج تمكنه من المشاركة في السلطة أو المعارضة. هذا من شانه طمأنت أصحاب المصالح من قواعد الأحزاب الطائفية الذين انخرطوا في التنظيمات السياسية لحزبي الإنقاذ الوطني والشعبي علي مصالحهم, والاستمرار في تأييد النظام الراهن.
    يضاف إلى ما تقدم، أن النظام الراهن افرغ جميع أجهزة الحكم والدولة والمؤسسات التابعة لكل منهما من مكوناتها الوطنية الشاملة، وسلبها بذلك قوميتها وحيدتها واستقلالها. كما حصن هذه الأجهزة في نصوص وأحكام اتفاقية السلام الشامل ودستورها الانتقالي، بما يبقي على الواقع الذي راكمته، والبيروقراطية التي تديره مركزياً وولائيا ومحليا. لا يختلف الأمر سواء ظل نظام السلطة الراهنة في الحكم او في المعارضة.
    يحق لنا أن نتساءل إن كان ثمة وعي بخطورة هذا الواقع والتفكير فيه وتدبير ما يلزم للتعامل مع عوائقه في الساحة السياسية, التي تتوسل في مجموعها للسلطة عن طريق صندوق الانتخابات سواء المعارضة للحكم الحالي أو تلك المتوالية المشاركة فيه. وهي شظايا من الحزبين التقليديين الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي منذ توحد شطريه في عام 67.
    نفعل ذلك بغية الوقوف على مدى وعيها بهذا الواقع القائم استقراءا وتشخيصا لممارساتها السابقة في أوضاع الانتقال من واقع شمولي انقطعت صلته بالحكم تماما إلى حكم نيابي انتخابي. ونخلص من ذلك لمعرفة أوضاعهم الراهنة ومدى استعدادهم وتسلحهم بالوعي الناتج عن دراسة الواقع الراهن وتحليله كما تقدم وتشخيص عوائقه في الظروف الراهنة المغايرة تماما لأوضاع الانتقال السابق مقارنة بأوضاع التحول الديمقراطي الموعود. نوجز ذلك فيما يلي:-
    أ. الانقسامات التي تمت في كل من الحزبين، هي في حد ذاتها مدانة، خصوصا في الظروف الراهنة، بكونها انصرافا تاما عن مطلوب التغيير الأساسي، وهو المحافظة على وحدة القواعد التي هي الأداة الرئيسية في النظام الانتخابي وتشتيتها لا يفيد منه إلا النظام القائم، من ناحية أخرى تدلل على غياب الديمقراطية والنهج العقلاني التحاوري لدى القيادات الطائفية في الحزبين. كما أن النزوع إلى النهج السلطوي من بعض الفصائل يباعد بينها وبين الفهم الصحيح لبناء النظام الديمقراطي المطلوب. هذا مأخذ لا تسلم منه بعض الفصائل التي انشقت وتوالت مع النظام الحاكم.
    2/أ. سبق أن بينا في الحلقات السابقة, غياب الثقافة والتجربة الديمقراطية في فترات الحكم التي هيمنت عليها النخب الطائفية, وتنازعت حولها استهدافا للسلطة وانشغالا بها عن التفكير والتدبير في عوائق الواقع السالب لممارستها الذي راكمته نظم الحكم الشمولية السابقة لحكمها بما في ذلك هيمنة أجهزة النظام السابق وبيروقراطيتها التنفيذية. هذا دون شك قصور في النظر وفي التدبير.
    ب. قصور آخر تمثل في غياب التفكير والتحليل الاستباقي لتحركات وأنشطة الجماعات التي ترفض فكرة النظام النيابي الانتخابي من أساسه لتعارضه مع تكوينهم الفكري والوجداني والسياسي العَقَدي. تمثل ذلك في العمل الدؤوب المتواصل لاستقطاب القوات المسلحة أثناء فترة الانتقال التي سبقت تشكيل حكومة الديمقراطية الثالثة، وفي التظاهرات التي َحشٌدت لها ونظمتها قيادات الجبهة الإسلامية القومية التي تتجمع ويتواصل تجمعها أمام القيادة العامة للقوات المسلحة, معبرة عن دعمها المعنوي والمادي، والوعد بجمع التبرعات من المال وحلى النساء, لتسليحها وإعدادها.
    كما تمثل هذا الاستقطاب في الزيارات والاجتماعات التي داوم عليها زعيم المعارضة المنتمي للجبهة الإسلامية القومية لقيادات ووحدات القوات المسلحة في المركز والأقاليم وخصوصا الإقليم الجنوبي.
    غفلت القيادات الطائفية تماما لما يُخطط له وراء تلك الزيارات والتظاهرات، بما يقدح في مقدراتها على التفكير والتحليل الاستباقي، وقلة الحيلة في التصدي لهذه التحركات لغياب الصلة التنظيمية والتوعوية بينها وبين قواعدها التي أفقدت التجريب باسم الديمقراطية سنده الشعبي في المعارضة كما في الحكم، وحال في الماضي دون استمرارية ذلك التجريب لإكمال أي دورة من دوراته.
    ج. برغم غياب أي توافق بين زعماء الطائفتين في الحكم إلا أنهما يتعاونان على محاربة وإقصاء المستنيرين من عضوية حزبيهما خارج الإذعان الطائفي. يعاونهم في ذلك أصحاب المصالح في تغويض السلطة من الانقلابيين الذين أتيحت لهم فرص المشاركة في الحكم النيابي الثاني والثالث.
    3- ومن شواهد غياب التفكير والتحليل الاستباقي بما يحاك ضد التجريب باسم الديمقراطية غفلة القيادات الطائفية عن المخطط الذي هدف لإحداث فراغ دستوري تمهيدا وتبريرا للانقلاب على النظام الذي تجلى في الآتي:-
    أ. محاولة مجموعة من قيادات الجبهة إقناع نواب الحزب الاتحادي الديمقراطي لنقض ما اتفق عليه الحزبان لتشكيل حكومة وحدة وطنية وحضهم على التصويت ضد مرشح حزب الأمة لرآسة الجمعية قبل ساعات من انعقاد الجلسة الأولى للجمعية.
    ب. إعلان المجلس العالي الانتقالي في الجلسة الأولى استقالته على أن يسري مفعولها بنهاية الجلسة الثانية وهي الجلسة المحددة لاختيار أعضاء مجلس راس الدولة المكون من خمسة أعضاء اثنان لكل من الحزبين وخامس تختاره كتلة النواب الجنوبيين والحزب القومي.
    ج. في اليوم السابق للجلسة الثانية، كنت على موعد مع مجموعة نواب الأحزاب الجنوبية والحزب القومي في الساعة العاشرة صباحا. كان موضوع الاجتماع الذي مثل فيه حزب الأمة الدكتور/ بشير عمر طرح فكرة المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية. ترأست ذلك الاجتماع الذي ابتدر النقاش فيه متجاوزا أجندته الأب فلب عباس غبوش، مستنكرا بحدة فكرة تكوين حكومة لا تشارك فيها الجبهة الإسلامية. أيد بقية المتحدثين من ممثلي الأحزاب الجنوبية، رأي الأب فلب.
    في هذا الأثناء دار في ذهني الاجتماع الذي سبق الجلسة الأولى والاستقالة التي تنتهي بنهاية الجلسة الثانية وأيقنت بوجود تدبير وتخطيط لإحداث فراغ دستوري يجب التحوط له واقترحت على المجتمعين تأجيل الاجتماع حتى السابعة مساء نسبةً لغياب ممثلي بعض الأحزاب الجنوبية.
    بعد الاجتماع أبلغت الدكتور بشير لما توصلت إليه من استنتاج واحتمال حدوث الفراغ الدستوري إذا لم يرشح الجنوبيون العضو الخامس لمجلس رأس الدولة فلا بد أن نتحوط لذلك باختيار مرشح من الجنوبيين أو غيرهم شريطة أن يوقع على استقالته بدون تاريخ.
    د. أمضينا حوالي أربعة ساعات في محاولة للاتصال بأي من قيادات الحزبين ولم نوفق إلى أن علمنا أخيرا بأنهم في اجتماع بمنزل السيد/ عبد الرحمن فرح بالمنشية، ضم يجانب قيادات الحزبين وقيادات الجبهة الإسلامية القومية عددا من أعضاء المجلس العالي الانتقالي, وأن الاجتماع انفض بعد الاتفاق على ما يلي:
    • تعديل سبع مواد من الدستور الانتقالي.
    • أخطار قادة الحزبين بعد الساعة الثانية بعد منتصف الليل بقرار الجبهة الإسلامية القومية، أما بموافقتها على المشاركة أو رفضها. كان واضحاً أن هذا الاجتماع مثل الحلقة الأخيرة للإعداد للفراغ الدستوري الذي يتم اخراجه بانسحاب مجموعة الجنوبيين والحزب القومي السوداني أو التداول حول تعديل مواد الدستور حتى نهاية الجلسة وقبل اختيار أعضاء مجلس راس الدولة ويتم بذلك الفراغ الدستوري.
    أيقنت بوجود مخطط لإحداث فراغ دستوري يُتَخذ مبررا للانقلاب على السلطة؛ لأن الجلسة المقررة لسريان مفعول استقالة المجلس العالي الانتقالي لا يتسع وقتها لتعديل هذه المجموعة من المواد الدستورية، بل تستغرق عدة أيام، مع نفاذ الاستقالة في نهاية تلك الجلسة.
    ه. نقل كل منا الموقف لحزبه وضرورة التحوط، وفق ما اتفقنا عليه، وكانت لحسن الحظ موافقة أول شخصية جنوبية مرموقة نلتقي بها، دكتور/ باسيفيكو لادو لوليت، الذي تفهم الموقف ووقع دون تردد على استقالته، كما أشرنا.
    في بداية الجلسة انسحب النواب الجنوبيون ونواب الحزب القومي السوداني وتم على ذلك ترشيح وفوز دكتور/ باسيفيكو عضوا خامساً، وتأكد لي بعد أيام من ذلك، وجود تنوير بانقلاب تم قبل الجلسة الثانية.
    أيقنت بعد ذلك، وخلال الفترة التي كنت فيها وزيرا في الحكومة، أن القوم لا يملكون ملكة التفكير والتخطيط والتدبير والتحليل الاستباقي وظل ذلك دأبهم حتى انقلبت عليهم الجبهة القومية الإسلامية وهم ينظرون، عشت غربة شكل مؤلمة في كل ما يتصل بتلك التجربة، أوجزتها في البيت التالي:
    أمضيتُ عاماً بينكم في غربةٍ فكشفتُ فيه الأعمى والمُتعامي
    ومن المؤسف أن هذه الغربة ستظل حظ كل من يرجو خيرا لهذا الشعب وهذا الوطن من تنظيماتنا السياسية الراهنة، وسيظل هذا العمى والتعامي عن مقصود الحكم الراشد الديمقراطي ومقاصده وكون نظمهِ واستدامته, وتوظيفه لمصلحة المواطن والوطن مصيراً محتوماً لا فكاك منه. ثم أن هؤلاء القوم وإن هرِموا واستعصت نفوسهم على الترويض والرياضة لما يحملهم على فعل الخير والرشد، وما تقتضيه المروءة والفزعة، أصبح من العناء حضهم على ذلك. غير أنهم ما زالوا يتعاملون مع الشعب السوداني كـ (تركة) يرثها الأبناء عن الأباء، ولا فكاك لنا ولأبنائنا وأحفادنا من تكرار ما قاسينا منه.
    الآن لابد من مخرج من أجل أبنائنا وأحفادنا والأجيال القادمة، هذا بناء لا يتنزل علينا من السماء ولا تتكشف عنه الأرض
    فهو بناء لا يُهدى
    أو يصرف
    أو يتدلى كي يقطف..
    ثمرة سعي موصول وتفكر
    وعصف تلاقِ عقول وتدبر
    نمو لا يتبدى كي يوصف
    حتى تلقاه وقد أثمر
    حذو لا يحذى من غير أداء وتدبر
    ثمرات غراس وبناء وتعهد كد وعناء
    سيرورة سعي ممتد..
    لا تغني فيه وكالة
    كتبدي جنين من نطفة في الخلق وفي الإجراء
    تتضامم فيه الأجزاء إلى الأجزاء

    وإلى الحلقة القادمة














    الحلقة الخامسة
    النظر والتحليل الذي اشتملت عليه الحلقات الماضية، كان مقدمات للاستنتاجات التالية:-
    • الحكم قبل الاستقلال كان سلطويا، وكانت الثقافة المتاحة للحكم هي ثقافة حكم الاحتلال، حتى تاريخ الاستقلال.
    • لم يتم طيلة الفترة التي عقبت الاستقلال، ما يدل على تغيير في النظر أو الممارسة. ظلت الكيانات القبلية والطائفية عند أطوارها البدءئة وتكليسها بفعل الأنظمة التي دارت بها في حلقة مفرغة كما ظلت العلاقات المتوترة داخل هذه الكيانات وفيما بينها دون تغيير ملموس.
    • تكون على مدى دورات الحكم النيابي والأنظمة الشمولية القاطعة له واقع سالب للتكون والبناء الديمقراطي المطلوب، واتضح عجز القيادات الطائفية والتقليدية عن التدبير والتخطيط اللازم لنقد هذا الواقع السالب في أطوار تكونها المتتابعة وعزونا ذلك لغياب الصلة التنظيمية بين هذه القيادات وقواعدها القاعدية وإشراكها في الحكم وصونه والمدافعة عنه واستعادته من الأنظمة الانقلابية.
    • المؤتمر الوطني قبل اتفاقية السلام الشاملة، مكن لنفسه في السلطة وحصن ذلك من خلال نصوص واحكم اتفاقية السلام الشامل، بما في ذلك أجهزة حكم الدولة.
    لم نتلمس في الساحة السياسية المعارضة والموالية لهذا النظام وعيا بهذا الواقع يطرح أي رؤية تهدف لنغض هذا الواقع, وبناء الواقع الديمقراطي الحقيقي ثقافة وممارسة.
    انطلاقا من هذه الاستنتاجات، تتضح ضرورة تغيير هذا الواقع من واقع سالب يجب نغضه إلى واقع تكون، يجب الشروع في سيرورات بنائه، تنطلق من الواقع وتشخيص علله وهذا لا يتأتى إلا من خلال مجموعة مُلمة بمتطلبات التغيير المعرفية، وسيرورات التكون والبناء والفعل المطلوب لهذا البناء في الإطار الشكلي والموضوعي لبناء النظام الديمقراطي والنظم المتكاملة معه في الديمقراطيات العديدة الذي استمرت سيروراتها لما يزيد عن ثلاثة قرون ومعالجة غياب ثقافته وممارسته لدى المجموعات التي حكمت باسم الديمقراطية وغياب الوعي بمطلوبها لدى القواعد القبلية والطائفية، والقواعد خارج هاتين الحلقتين.
    غياب مشاركة القواعد في ممارسة السلطة وتوظيفها للتنمية والتوحد الوطني بما أدى إلى واقع وطني اشد انقساما في قواعده وزعاماته وبعدا عن التقارب والحوار والوفاق بما أعاق الوجهة والتوجه نحو بناء ديمقراطي حقيقي يعيد السلطة وتوظيفها وحمايتها للشعب ومعالجة قضايا السودان ومواطنيه في التنمية والأمن والاستقرار بما يؤمن له العيش الكريم والأمن والحرية والعدل.
    هذا البناء مازال كامنا في طيات الغيب لا يتخلق من تلقائهِ كما لا يتخلق دون فكر ومفكرين متخصصين في المعارف التي يتخلق منها مطلوب البناء وفعله وثمراته وتوعية المواطن من خلال ذلك بحقوقه في السلطة وممارستها وكيفيات هذه الممارسة بما يشكل شراكةً بين هذه المجموعات والمواطن السوداني في مجموعة للفزعة والنجدة التي تخرج الوطن والمواطن من واقعه الكارثي الراهن الذي تتسارع خطاه نحو التشظي والتفتت الذي لا نحول دونه للأحلام والأماني والمبادئ والمفاهيم المجردة عن واقع وقيم تكونها الفردية والمجتمعية التي تؤمن الالتزام بمطلوبها. المطلوب من هؤلاء المبادرين:
    1. معرفة مطلوب التغيير من المعارف اللازمة لإحداثها، التي تستخلص من نموذجه التاريخي في الأنظمة الديمقراطية العريقة والنظم الأخرى المكملة لها.
    2. تنزيل هذه المعارف لتوعية القواعد بمطلوب البناء.
    3. تنظيم عمل المبادرين وأجندتهم.
    4. تنظيم القواعد.
    5. تحديد العضوية.
    6. تنظيم مشاريع المشاركة.
    7. المسار المتلازم.
    8. تبيان دور الدولة في بناء النظم في السياسية، الاقتصاد، التعليم.
    9. المخزون المعرفي.
    10. المصالح المشتركة.
    11. تأجيل القضايا الخلافية في واقع الانقسام والتعددية.
    12. تحويل المعارف إلى سلوك ونمط حياة.
    13. العوائق.
    14. السلوكيات والأنماط السالبة، القبلية والطائفية.
    15. النهج التجزيئي.
    16. منظمات المجتمع المدني.
    17. إشكالية الزمن.
    18. الاعتماد على المفاهيم والشعارات.
    19. فلسفة القانون وفرضياته، لا تسن لخلق واقع مجتمعي وإنما لحماية وضع قائم لقلة لا تلتزم بما يجري فيه وتلتزم به الأغلبية الساحقة.
    20. النظرة المرآئية.
    21. التنظيم الحزبي.
    22. الاستفادة من نتيجة الإحصاء.
    23. الأسس التي يبنى عليها التنظيم.
    24. نسب الشرائح العمرية في التنظيم.
    25. الشباب والمرأة.
    26. تحديد الأولويات.
    27. لجان المشاركة في المنافع المشتركة والمهددات المشتركة.
    28. تدامج وربط عناصر التكون.
    29. طرح الرؤية على المبادرين.
    30. المجموعات المركزية والولائية.
    31. لا نعادي القبيلة ولا الطائفة، ولكن نعادي الجمود الذي يعيق التطور.
    32. تحديد موقعنا على سلم رقي أدراج التقدم والتطور، ولا نأخذ دون مراعاة لموقعنا من أطواره التي تجاوزت الطور الذي نحن فيه, ونحدد بذلك علاقاتنا مع دول الشمال,التجارة الحرة,الخصخصة,منظمة التجارة العالمية. ونرفض محاكمة واقعنا وفق واقع دول الشمال الذي بلغ مبلغة للتطور والنهوض.
    33. التعامل مع دول الجنوب.
    34. إبداع النظام المطلوب لتسريع وتائر البناء والنهوض وتقصير المدى الزمني الذي استغرقته عملية النهوض في الديمقراطيات العريقة من قرون إلى عقود من خلال المسار المتلازم والمخزون المعرفي الذي لا حاجة لإعادة اكتشافه ووسائل الاتصال والتقنيات والسوق العالمي في الخبرات والقدرات المطلوبة للتنمية والعقلانية.
    35. مركز البحوث.
    لا نملك بطبيعة الحال إرادة أو مقدرات تنزيل هذا المخزون المعرفي بضغطة زر يتنزل فيها في لحظة وتزامن واحد العطاء الفكري على الواقع العاري منه والسالب لتكوينه ولا حيلة لنا إلا اتباع سنن الكون وسيرورات فعلها في آمادها الزمنية حتى يتفاعل ما يؤخذ منه والقبول عليه في اقصر وقت يتحقق فيه مطلوبه الكلي الشامل في الواقع الذي أشرنا إليه. واقع مجتمع فزع منقسم على نفسه ساقته تراكمية العلل والـ لا تدبير إلى حالة العناية المركزة يستصرف من بنيه من يشترون الحمد بالثمن الربيح ولا اربح من فزعة الوطن عدتهم للتصدي لها وعتادهم المخزون المعرفي الديمقراطي في الحكم والنظم الأخرى المتكاملة معه وقدراتهم الإدراكية على إعادة هيكلته وقولبته في أوعية قيم التعامل المرعية في كياناته المختلفة بما يحقق توطينه وقبوله والإقبال عليه. ومعالجة شمولية علله وتحقيق أهدافه وتساوقه مع حركة المجتمع وما يستجد فيها من مشكلات. ثم تداوله نقلا وتجديدا من جيل إلى جيل.
    على المبادرين أن يعوا أن ما ينقل من المخزون المعرفي للقواعد الشعبية هو علم "عين" ومشهد، وليس تنزيلا للمحتوى المعرفي العفوي على هذه القواعد. لا تتحقق القناعة بهذا العلم إلا بعد التجريب ومشاهدة نجاح الحلول في الواقع. هذا يتطلب بالضرورة منهجا تطبيقيا لهذا المخزون المعرفي، تعد له النماذج والمشاريع وكيفيات التطبيق والتنظيم والمتابعة التي تستلزم النجاح.
    مهام المبادرين:
    بناء على ما تقدم يمكن إجمال مهام المبادرين في الآتي:
    1. الانطلاق من الواقع وعلله السالبة للنهوض وتأسيس النظام الديمقراطي وإبداع الأتي:
    • تأسيس مفهوم علم "العين" ومشاهده المختلفة وإعداد النماذج المطلوبة لذلك.
    • تحديد عوائق تحديد المشهد المعد للممارسة الفكرية والنفسية والسلوكية والعمل على إزالتها.
    • تقريب فهم السيرورة والتكون من خلال صورهما وشواهدهما في الواقع المعاش.
    • تقصير المدى الزمني الذي استغرقته سيرورات التكون في النظم الديمقراطية الأصلية، وتسريع مساره بما يحقق عدة أهداف من خلال نفس الأداء وفي نفس الوقت.
    • التعددية والاختلافات الأساسية العرقية والدينية والثقافية وتفاديها من خلال إعداد المشاريع المشتركة التي تحقق النفع المشترك بالفعل المشترك من الجميع، وتأجيل كل مختلفٍ حوله, وترتيب كافة الأولويات على هذا النهج.
    • اتخاذ القيم المحلية ذات الصلة بالعمل العام الموجودة في جميع كيانات المجتمع السوداني والمرعية في سلوكياتهم كأوعية لقولبة المحتوى المجلوب من المخزون المعرفي بوصفه امتداداً لتحقيق مستقبل ماضي القيم المشار إليها، التي توقف فعلها التطوري التاريخي. كما يجب اتخاذ الأدوات التي تشكلت من هذه القيم مثل الفزعة والنجدة والنفير معينات للأداء المطلوب.
    2. تنظيمات المجتمع المدني:
    • إعداد نماذج ومشاريع وبرامج بما يحقق الرؤية من خلال الممارسة السياسية الديمقراطية ونظام الحكم الذي تنتجه والمفهوم المفتاحي للديمقراطية كحكم للشعب وبالشعب ومن اجل الشعب وصلة التنظيم بالاحداث التحول الديمقراطي الحقيقي.
    • منظمات المجتمع المدني الأخرى المرتبطة بأهداف الرؤية وتحقيقها.
    3. دراسة اتفاقية السلام الشاملة وتحديد جوانبها التي لا تتوافق مع مرحلة ما بعد التحول الديمقراطي.
    4. مرحلة ما بعد إعداد الرؤية وتفعيلها
    بعد هذه المرحلة للمجموعة أن تقرر :
    - الاستمرار كمنظمة مجتمع مدني تطوعية شمولية العضوية لكل من يرغب في الانضمام إليها من قواعد الشعب السوداني دون عزل.
    - تأسيس حزب سياسي يتخذ النماذج والبرامج المعدة نظاما للحزب أو
    - تشكيل جبهة سياسية متعاونة على تنفيذ المشترك من جوانب الرؤية في مكوناتهم الحزبية القائمة.
    5. المخاطبون بهذه الرؤية:
    • جميع المواطنين بعد التداول حولها وإقرارها من جانب المبادرين المركزيين والولائيين.
    • في هذه المرحلة المخاطبون هم: أصحاب القدرات الإدراكية في موضوعها. أملنا أن يجد من يطلعون على ملخصها المعمم هذا دافعا للانضمام للمشاركين فيها كمجموعة فزعة للوطن والمواطن.
    بقي أن أقول أني لا أدعي الكمال لهذا الطرح وما أجمله وانتهى إليه في موضوع خفي الدروب عميق الغور شديد الخفاء بعيد المرتقى.
    لكم جميعا تقديري وإجلالي وفيكم العشم
    د. محمد يوسف أبوحريرة









    الحلقة السادسة
    ما قدمناه في الحلقات التي نُشرت في جريدة الأيام شكلت المقدمات التي استخلصنا منها الآتي:-
    • الحكم قبل الاستقلال كان سلطويا، واستبداديا بحكم انه حكم احتلال. يوظف السلطة أساسا لأغراض الاحتلال لا لمصلحة المحتل.لم نقف للأسف في فترات الحكم باسم الديمقراطية تغييرا في ثقافات الحكم أو ممارسته, بما حبس الكيانات القبلية والطائفية عند أطوارها البدئية ورسخ تكليسها فعل الأنظمة التي دارت بها في حلقة مفرغة. كما ظلت العلاقات المتوترة داخل هذه الكيانات وفيما بينها تزداد سوءً إلى أن بلغت حد الاحتراب والقطيعة في كثير من أقاليم السودان. مبررة ذلك بفعل الإقصاء والتهميش الذي عزته لاختلاف الدين والعرق في بعض الحالات أو العرق في حالات أخرى أو التهميش المجرد من شبهة العرق أو الدين.
    • تكون على مدى دورات الحكم باسم الديمقراطية والأنظمة الشمولية القاطعة له واقع سالب للبناء الديمقراطي المطلوب، والتنمية والتكامل الوطني. اتضح على أحسن تقدير عجز القيادات الطائفية والتقليدية عن التدبير والتخطيط اللازم لنقض هذا الواقع السالب.
    لم نتلمس في الساحة السياسية المعارضة والموالية للنظام الحالي وعياً بهذا الواقع أو أي رؤية تهدف لنقض هذا الواقع, وبناء الواقع الديمقراطي الحقيقي ثقافة وممارسة.
    انطلاقا من هذه الاستنتاجات وغيرها تتضح ضرورة تغيير هذا الواقع من واقع سالب يجب نقضه إلى واقع تًكًون، يجب الشروع في سيرورات بنائه انطلاقا من الواقع وعلله وهذا لا يتأتى إلا من خلال مجموعة مُلمة بمتطلبات التغيير المعرفية، وسيرورات التكون والبناء والفعل المطلوب له. أولئك مجموعة المبادرين
    لا نملك بطبيعة الحال إرادة أو مقدرات تنزيل هذا المخزون المعرفي وما نبدعه فيه من مكون محلي بضغطة زر يتنزل فيها في لحظة وتزامن واحد الغطاء الفكري على الواقع العاري منه والسالب لتكوينه.
    لا حيلة لنا إذن إلا اتباع سنن الكون وسيرورات فعلها في آمادها الزمنية حتى نحقق له المهايأه التي تؤمن القبول له والإقبال عليه وتفعيله في أقصر وقت يتحقق فيه مطلوبه الكلي الشامل في الواقع الذي أشرنا إليه. واقع مجتمع فًزِع منقسم على نفسه، ساقته تراكمية العلل واللا تدبير إلى حالة العناية المركزة, يستصرخ من بنيه من يشترون الحمد بالثمن الربيح ولا اربح من فزعة الوطن. فازعين عدتهم وعتادهم للتصدي لها تحصيلهم من المخزون المعرفي الديمقراطي من معارف في الحكم والنظم الأخرى المتكاملة معه ومن قدراتهم الإدراكية على إعادة هيكلته وقولبته في أوعية قيم التعامل المرعية في كياناته المختلفة بما يحقق توطينه وقبوله والإقبال عليه. ومعالجة علل الوطن الشامل وتحقيق أهدافه تساوقاً مع حركة المجتمع وما يستجد فيها من مشكلات. ثم تداوله نقلا وتجديدا من جيل إلى جيل.
    يفعلون ذلك عن وعي بأن ما ينقل من المخزون المعرفي للقواعد الشعبية هو علم "عين" ومشهد، وليس تنزيلا للمحتوى المعرفي ذاته علي هذه القواعد لأن ذلك ليس في الإمكان أو المعقول ولا يتسق مع طبيعة الأشياء. كما أن القناعة بهذا "العلم" لا تتحقق إلا بعد التجريب ومشاهدة نتائجه المطلوبة في الواقع. هذا يتطلب بالضرورة منهجا تطبيقيا لهذا المخزون المعرفي، تعد له النماذج والمشاريع وكيفيات التطبيق والتنظيم والمتابعة التي تستلزم النجاح.
    مهام المبادرين:
    بناء على ما تقدم يمكن إجمال مهام المبادرين في الآتي:
    6. الانطلاق من الواقع وعلله السالبة للنهوض وتأسيس النظام الديمقراطي وإبداع الآتي:
    o تأسيس مفهوم "علم العين" ومشاهده المختلفة وإعداد النماذج المطلوبة لذلك.
    o تحديد عوائق الممارسة المتوهمة النفسية والسلوكية التي تحول دون العمل بهذه النماذج, والعمل على إزالتها.
    o تقريب فهم السيرورة والتكون من خلال صور وشواهد حصولهما في الواقع المعاش.
    o تقصير المدى الزمني الذي استغرقته سيرورات التكون في النظم الديمقراطية الأصلية، وتسريع مساره بما يحقق عدة أهداف من خلال نفس الأداء أو ما يماثله في نفس الوقت وجميع أنحاء القطر كل ما كان ذلك ممكنا.
    o معالجة أشكال التعددية والاختلافات الأساسية العرقية والدينية والثقافية وتفاديها من خلال إعداد المشاريع المشتركة التي تحقق النفع المشترك بالفعل المشترك من جميع أفراد الشعب في المنافع الجامعة بينهم وتأجيل كل مختلفٍ حوله, وترتيب كافة الأولويات على هذا النهج بما يحقق التقارب والتفاهم والتعايش بين أفراد هذه الكيانات, ويمد بينهم عُرى التماسك التي هي لحم التكامل الوطني.
    o اصطحاب الموروث للقيم المحلية ذات الصلة في العمل العام الموجودة في جميع كيانات المجتمع السوداني والمرعية في سلوكياتهم كأوعية لقولبة المحتوى المجلوب من المخزون المعرفي بوصفه المحتوى الطبيعي لتحقيق مستقبل ماضي القيم -التي ورد ذكرها- لولا توقف فعلها التطوري التاريخي. كما يجب اتخاذ الأدوات التي تشكلت من هذه القيم مثل الفزعة والنجدة والنفير معينات للأداء المطلوب.
    7. تنظيمات المجتمع المدني:
    • إعداد نماذج لمشاريع الوثائق التكوينية واللوائح والمشاريع ومن ثم البرامج التي تنطلق من وحي الرؤية والقيم الوطنية. ومن المنظور الالتزام بالممارسة السياسة الديمقراطية ونظام حكمها بما يرسخ ذلك النبض المفتاحي "الذي هو حكم الشعب وبالشعب ومن اجل الشعب" وجميع المقتضيات مما يدفع المفهوم وتجسيده في التحول الديمقراطي القادم.
    تعد علي ذات النسق نماذج لمنظمات المجتمع المدني المرتبطة بأهداف الرؤية وتحقيقها.
    8. دراسة اتفاقية السلام الشاملة وتحديد جوانبها التي لا تتوافق مع مرحلة ما بعد التحول الديمقراطي وتقديم تقرير وتوصيات محددة بذلك
    9. مرحلة ما بعد إعداد الرؤية وتفعيلها
    بعد هذه المرحلة للمجموعة أن تقرر :
    - الاستمرار بذات الرؤية كمنظمة مجتمع مدني تطوعية منفتحة العضوية للراغب في الانضمام إليها من قواعد الشعب السوداني دون عزل.
    - تأسيس حزب سياسي تنطلق برامجه من الرؤية ويتخذ النماذج والبرامج المعدة نظاما للحزب أو
    1. تشكيل جبهة سياسية رشيدة تتعاون على تنفيذ المشترك من جوانب الرؤية في الأطروحة.
    2. أي قرار آخر غير ما تقدم.
    10. المخاطبون بهذه الرؤية:
    أبداً - جميع المواطنين بُعيْد التداول حولها وإقرارها من جانب المبادرين المركزيين والولائيين.
    المرحلة الراهنة - من مثل لهم وضحها رؤية كانت غائبة عنهم لكنها دأبت تزاولهم من حين لحين.
    أملنا أن يجد من يطلعون على ملخصها المعمم هذا دافعا للانضمام للمشاركين فيها كمجموعة فزعة للوطن والمواطن.
    بقي أن أقول أني لا أدعي الكمال لهذا الطرح وما أجمله وانتهى إليه موضوع عصي الدروب عميق الغور شديد الخفاء بعيد المرتقى.
    لكم جميعا تقديري وإجلالي وفيكم العشم
    د. محمد يوسف أبوحريرة
                  

العنوان الكاتب Date
قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-02-10, 11:26 PM
  Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره rummana04-03-10, 00:01 AM
    Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره Mohamed Abdelgaleel04-03-10, 10:08 AM
      Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره أحمد الشايقي04-03-10, 10:32 AM
        Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره الطيب شيقوق04-03-10, 11:32 AM
          Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره خالد المحرب04-03-10, 11:59 AM
            Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره طارق عبد اللطيف نقد04-03-10, 12:50 PM
              Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-04-10, 07:48 PM
            Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره الطيب شيقوق04-03-10, 01:04 PM
              Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره حمزاوي04-03-10, 01:20 PM
                Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره أحمد الشايقي04-03-10, 01:40 PM
                Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-04-10, 07:53 PM
              Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره احمد عبدالوهاب محمد04-03-10, 01:44 PM
                Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره محمد عيسي محمد04-03-10, 02:33 PM
                  Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره باسط المكي04-03-10, 02:49 PM
                    Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره Yousif A Abusinina04-03-10, 03:06 PM
                      Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره الطيب شيقوق04-03-10, 05:57 PM
                        Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره الشامي الحبر عبدالوهاب04-03-10, 06:22 PM
                          Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره خالد المحرب04-03-10, 07:32 PM
                            Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره خالد المحرب04-03-10, 09:21 PM
                            Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره طارق ميرغني04-03-10, 11:08 PM
                              Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره rummana04-04-10, 08:11 AM
                                Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره الطيب شيقوق04-04-10, 08:48 AM
                                  Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره Yousif A Abusinina04-04-10, 08:57 AM
                                  Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره Mohamed Abdelgaleel04-04-10, 09:02 AM
                                  Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره حبيب نورة04-04-10, 09:03 AM
                                    Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره الطيب شيقوق04-04-10, 11:00 AM
                                      Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره rummana04-04-10, 04:10 PM
                                        Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره الصادق صديق سلمان04-04-10, 05:10 PM
                                          Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره saif massad ali04-04-10, 05:37 PM
                                            Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره خالد المحرب04-04-10, 06:26 PM
                                          Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-04-10, 09:05 PM
                          Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-04-10, 08:51 PM
                      Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-04-10, 08:29 PM
                    Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-04-10, 08:15 PM
                  Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-04-10, 08:09 PM
                Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-04-10, 08:02 PM
          Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-04-10, 07:38 PM
        Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-04-10, 07:26 PM
      Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-04-10, 07:21 PM
    Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-04-10, 07:11 PM
      Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره الطيب شيقوق04-04-10, 07:41 PM
        Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره الطيب شيقوق04-04-10, 07:52 PM
          Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره Adam Omer04-04-10, 08:55 PM
      Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره شادية حامد04-04-10, 09:19 PM
      Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره شادية حامد04-04-10, 09:20 PM
      Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره شادية حامد04-04-10, 09:20 PM
      Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره شادية حامد04-04-10, 09:20 PM
      Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره شادية حامد04-04-10, 09:21 PM
        Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره الطيب شيقوق04-04-10, 10:15 PM
          Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره Mohamed Abdelgaleel04-05-10, 09:40 AM
            Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره خالد المحرب04-05-10, 09:20 PM
              Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره خالد المحرب04-05-10, 09:56 PM
                Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره Mohamed Abdelgaleel04-06-10, 07:53 AM
                  Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-06-10, 08:28 PM
                  Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-06-10, 08:37 PM
                  Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره عفاف أبو حريرة04-06-10, 08:41 PM
                    Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره Mohamed Abdelgaleel04-07-10, 07:11 AM
                      Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره حليمة محمد عبد الرحمن04-07-10, 06:58 PM
                        Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره الطيب شيقوق04-07-10, 10:46 PM
                          Re: قديما قالها دكتور محمد يوسف ابو حريره rummana04-08-10, 07:37 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de