|
Re: ماذا نريد؟ رؤية يسارية جديدة (Re: أحمد أمين)
|
ومرت ثلاثون سنة منذ ذلك الحين.
لو كان باستطاعتنا أن نصنع كومة من كل الخطب والأحاديث والمناقشات والكتب والمقالات التى صدرت خلال الثلاثين سنة الأخيرة عن كيف تؤذى الرأسمالية البشر - ولو كان باستطاعتنا أن نصنع كومة أخرى من كل الخطب والأحاديث والمناقشات والكتب والمقالات التى صدرت خلال الثلاثين سنة الأخيرة عن بدائل الرأسمالية وكيف يمكن لهذه البدائل أن تفيد البشر........ سوف ترتفع الكومة التى تصف شقاء البشر إلى السماء, بل قل قد تصل برأسها إلى القمر, أما كومة البديل الفاضل فلن ترتفع فوق سطح الأرض إلا قيد أنملة. قضية ما الذى نود أن نكون عليه مازالت قائمة. هذا السؤال يسأله الناس طول الوقت. إلا أننا ما زلنا نعطى لهذا السؤال العميق والملح والمنطقي الحد الأدنى من اهتمامنا.
يا الهول!!
اعتقد أننا فى حاجة لإعادة صياغة أوجه التعاون بين طاقاتنا وبصائرنا فى هاتين القضيتين, باحثين فى ما هى العلة وما هو مصدرها, هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى نطرح رؤيتنا لما هى مطالبنا والمنطق الذى يحكم هذه المطالب وكل ما يتعلق بها. إننا نحتاج لفعل الكثير فى الناحية الثانية.
لكن, لماذا نهتم بإجابة سؤال "ماذا نريد؟" إلى الدرجة التى تلزمنا بان نكرس لها المزيد والمزيد من طاقتنا ووقتنا؟
تخيل أنني القي خطبة بليغة مؤثرة باهرة عن متاعب الشيخوخة. وأنني أخذت اعدد كيف تقلص الشيخوخة الخيارات المطروحة أمامنا, وتكبتها...... وفى النهاية تقتلنا. وأنني عرضت وثائق دقيقة تحرك المشاعر لهذه الآلام والمعاناة. حقائق لا تقبل الشك. وكانت الحقيقة التى عرضتها فظيعة بشكل لا يمكن إنكاره. فى النهاية, تكبل الشيخوخة كل امرئ منا, وتقريبا تقتل كل منا.
انتهى من هذا الحديث الدقيق والوجداني وأقول, حسنا, التحقوا بي فى حركة ضد هذه الشيخوخة القاتلة الظالمة الفظيعة. من الواضح الجلي انه لن يلتحق بى احد... فى الحقيقة, سوف يظن كل منكم أنني مجنون. يدرك الناس ومعهم الحق أن تنظيم حركة ضد مالا يمكن تداركه, ضد الذى ولى هو الجنون بعينه.
والناس يدركون, أيضا, أن الشروح البليغة الدقيقة لمتاعب الشيخوخة لن تحملهم على تغيير موقفهم من تجاهل النداءات التى تدعوهم إلى الانتظام فى حركة ضد الشيخوخة. من السخف الانضمام إلى حركة اجتماعية ضد حقائق الحياة التى لا يمكن تداركها.
ما نحتاج لإدراكه, بالتأكيد فى الولايات المتحدة الأمريكية, بل اشك أن فى معظم الأماكن تحتاج أيضا إلى إدراك, انه بالنسبة إلى عشرات الملايين من البشر الذين نحاول دعوتهم – تبدو الخطب والتجمعات والدورات التدريبية والأحاديث والكتب التى نقدمها عن الفقر, والمهانة, والحرب, والتعصب الجنسي, والعنصري, وإلى حدود اقل عن عبودية العمل لقاء اجر, يشبه بالضبط الحديث عن الشيخوخة.
الحديث عن المتاعب والآلام قد يبدو بليغا, للحد الذى تسفح من اجله الدموع وينفجر الغضب, ولكن كدافع لاختيار أسلوب حياتنا, لا يرقى مثل هذا الحديث إلى هذه المرتبة.
يشعر الناس انه لا يوجد بديل لعالم تسوده هذه الظروف الظالمة. انهم يشعرون أن محاربة أشكال الظلم مثل محاربة الشيخوخة: لا جدوى منها. حتى لو حققنا بعض المكاسب سوف يتم سحقها سريعا بواسطة ضغوط لا قبل لنا بها تعيد تأسيس كل العفن القديم
وهكذا يشعر الناس أن تجميع كل روشتات الآلام التى تتسبب فيها الرأسمالية, تلك الآلام التى يعرفها غالبيتهم بأنفسهم من خلال خبرتهم الخاصة, لا تجلب سوى القشعريرة لأبدانهم....... وهى بالتأكيد لن تثمر شيئا. والمسألة هى, طالما لا يعتقد الناس انه يوجد شيئا أفضل يمكن الحصول عليه, فعملية شرح شرور الرأسمالية والعنصرية والاضطهاد على أساس الجنس تصل إلى أسماعهم كما لو كانت عملية شرح لآلام الشيخوخة: انك تغرس شوكة فى جنوبهم يعيشون بها.
وهم يخبروننا بذلك. "هات حياة اخرى", انهم يقولون لنا ذلك فى الولايات المتحدة, على سبيل المثال.
تعطل لنا كمبيوتر مؤخرا فى مكاتبنا فى "z", حيث اعمل, وأيضا حيث أعيش. وجاء رجل ليقوم بإصلاحه, شاب ابيض صاحب شركة إصلاح صغيرة. وتجاذبنا أطراف الحديث عن ضرب أفغانستان أثناء قيامه بالإصلاح, ولمدة ساعتين بعد انتهاءه من العمل.
وكان كلامي هو أن دوافع رد فعل الولايات المتحدة استهدفت نزع شرعية القانون الدولى, والاحتفاظ بمصداقيتنا كفتوة قادر على تدمير هؤلاء الذين يقدمون على التحدي, وبدء حرب على الإرهاب كذريعة لإعادة توزيع الثروة على الأغنياء فى الأعالي, وكتدابير قمعية شيطانية للفقراء, فى الأسفل.
ولم يكن لديه أي مشكلة فى أن يتفهم ذلك كله, وان يرى ويشعر بفظائع تدمير بلد ما بكل هذه الأسلحة التى تفتك بشكل يشبه السلاح النووي بأرواح ملايين البشر الذين طحنتهم المجاعة إلا أنها ليست نووية. غير انه قال, "من الضروري, يا مايكل, أن تفهمني وتفهم أمثالي من الناس. إننا لا نرغب فى سماع ذلك. ولا نريدك أن تقول لنا ذلك. ولا نرحب بوقوفنا أمام هذه الحقيقة المرة بعد الأخرى".
|
|
|
|
|
|