وكان احتفالا" يليق بعظمة الراحل الخاتم عدلان .... بوست توثيقي .... توجد صور الفعالية

Quote: الخاتم عدلان السياسي .. المفكر .. الإنسان • محمد سليمان حينما شرعنا في الإعداد لهذا الحفل، جلسنا نعد البرنامج ونوزع المسئوليات وعماذا سنتحدث ومن سيتحدث، وأتفقنا أن يتحدث الصديق جعفر عباس عن الخاتم عدلان، الإنسان الصديق في علاقاته الاجتماعية، وأن أتحدث أنا عن الخاتم عدلان، المفكر والسياسي. وبعد أن أنتهى اللقاء، جلست أفكر فيما اتفقنا عليه، وساءلت نفسي، هل يمكننا حقا أن نقسم الخاتم هكذا؟ هل يمكننا أن ننظر إليه من زاوية ما دون أن نجد أنفسنا أمام الصورة بكاملها؟ ولم أستغرق زمنا طويلا كي أصل إلى الإجابة القاطعة، كلا. لا يمكننا أن ننظر إلى الخاتم من زاوية واحدة، لأن الخاتم كان بانوراميا أنى نظرت إليه، في حياته وفي رؤيته للأشياء، ولا يمكننا أن نقسم الخاتم إلى أجزاء، لأن كل جزء منه هو كل متكامل مكتمل في تجسيده لوجود الخاتم في كل حالاته وصوره. فالخاتم، الانسان، الصديق، الأب، الأخ، الجار، الرفيق، الدفعة، الأديب هو ذاته الخاتم، المثقف، المفكر، القائد، السياسي، المناضل. هذه الوحدة وهذا الاتساق كان هو المغزى الحقيقي لحياة الخاتم، وحدة المظهر والمخبر، المعرفة والسلوك، الفكرة والتطبيق، القول والفعل والخاص والعام. لا زلت أذكر صورة الخاتم، طالب الفلسفة النابه، وهو منغمس في مناقشات وحوارات طويلة مع أصدقائه وزملائه، حول كوب شاي في الفناء الواقع أمام داخلية القانون، يدحض مقولات فتجنشتاين أن "على الفلسفة أن تترك كل شيء كما كان عليه". لم يكن الخاتم ينطلق فقط من مقولات الماركسية النمطية، بأن دور الفلسفة ليس هو تفسير التاريخ وإنما تغييره، بل عن وعي عميق بأن النظرة التي تفصل بين النظر والعمل، وبين الفكر والممارسة، وتحول الجهد الفلسفي إلى نشاط نظري مجرد لا علاقة له بمصير الإنسان وتطلعاته ومصالحه ولا بالصراعات الاجتماعية، بدعوى حياد الفلسفة أيديولوجيا، إنما هي في حقيقة الأمر نظرة أيديولوجية تهدف إلى كبح التغيير والحفاظ على الوضع الراهن وتكريسه. وهكذا، حتى في تلك السنين الغضة، لم تكن الفلسفة بالنسبة للخاتم نشاطا ذهنيا صرفا شغله التحليل المنطقي أواللغوي، يمارس في غرف الدرس والمحاضرات فقط، وإنما عمل نضالي خلاق يسهم في امتلاكنا رؤية شاملة ومتماسكة للعالم، نشاط مجاله حياة البشر وتطور المجتمعات، يمارس وسط الجماهير في الشوارع والساحات والفضاء العام، ويهدف ليس فقط إلى فهم العالم وإنما أيضا إلى تغيير الواقع. تلك الرؤية الشاملة المتماسكة ظلت هي العلامة المميزة لمسيرة الخاتم، الرؤية الشاملة المتماسكة التي تنظم الخاص والعام في حياة الخاتم، والرؤية الشاملة المتماسكة التي تنسج لحمة الفكر بسداة السياسة. الجموع التي كانت تتدافع لتستمع إلى الخاتم في ندوة أو ليلة سياسية أو مناظرة، لم تكن تفعل ذلك مدفوعة فقط بحسن تحضير الخاتم لموضوعه، ولا بموسوعية معرفته وإحاطته بمادته، ولا ببلاغته وفصاحة بيانه في التعبير عما يريد قوله، رغم صحة ذلك كله، ولكنها كانت تأتي لتصغي إلى تحليله العميق والماهر للقضايا والإشكالات، كانت تأتي لتستمع بقدرته الفائقة على النفاذ المباشر إلى جوهر الأشياء، وكانت تأتي لتخترق معه الحجب وتمزق معه الأستار، كي تلمس الحقائق الموجعة عارية وناصعة. لقد كانت مواقف الخاتم السياسية صلبة ومتسقة لأنها كانت تستند دائما إلى مثل ذلك التحليل العميق النافذ والكاشف والمباشر. ولعل إصراره على اتباع ذلك المنهج في تحديد الموقف من نظام الإنقاذ كان أحد أسباب رحيله عن الحزب الذي قضى فيه سني صباه وزهرة شبابه، إذ يذكر في حسرة شديدة في مقدمة ورقته "تكتيكات فعالة من أجل إسقاط السلطة الديكتاتورية" والتي رفضت قيادة حزبه نشرها عند كتابتها الأولى في عام 1990، وبعد أن يعدد الشروط الضرورية للنضال ضد السلطة الديكتاتورية ومن أهمها تحليل طبيعة السلطة الطبقية، والمصالح التي تمثلها، والفلسفة التي تتبناها والبرنامج السياسي الذي تطرحه، أن اعتبارات عديدة "هي التي حدت بكاتب هذه السطور ليكتب في سبتمبر 1990 أي قبل ثلاثين شهرا من الان ورقة بنفس عنوان هذه الورقة ويتقدم بها الى قيادة حزبه لتتبناها وتنشرها ولكن أسبابا كثيرة، لا يفيد احدا الخوض فيها حاليا، حالت دون ذلك". في تلك الورقة التي أعاد الخاتم كتابتها ونشرها على نطاق ضيق بعد خروجه من السودان، قدم الخاتم تحليلا مكتملا لطبيعة سلطة الإنقاذ اجتماعيا وسياسيا وفلسفيا وتصورا متكاملا لاستراتيجية ووسائل النضال ضد تلك السلطة مستقى من تحليله الضاف لأن، وكما ذكر هو في ورقته "معارضة سلطة وإسقاطها ليست عملا عشوائيا يترك للصدف العمياء، أو التصورات المبهمة أو الرغبات الذاتية الفاقدة للأساس، بل هو عمل جاد، يتطلب الدراسة والتحليل، ويستند الى التخطيط الواعي الدقيق، ويرصد المتغيرات ويحدد الاستجابات التي تقتضيها. ولم يعد مثل ذلك التصور وقفا على مدرسة فلسفية بعينها، بل هو امر تتفق عليه وتنادي به العلوم الاجتماعية والسياسية والعسكرية"، ثم ينعى على حزبه السابق أنه كان "يبادر دائما بفضح الحكومات الدكتاتورية، ويحدد طبيعتها الطبقية وتوجهاتها السياسية، ويتوصل بمنتهى الوضوح الى التكتيكات التي يراها ملائمة لاسقاطها، هذا ما حدث إبان دكتاتورية عبود وإبان دكتاتورية نميري. وقد كانت تحليلاته وتكتيكاته منشورة للجماهير ومعلومة للقاصي والداني، ومعلومة على وجه الخصوص بالنسبة للسلطة التي يتم النضال ضدها.... وإننا إذ نعيد كتابة هذه الورقة، باعتبار كامل للمستجدات التي طرأت منذ كتابتها لأول مرة، إنما نواصل ذلك التقليد العظيم". إذا كانت مهمة الفكر، بالنسبة للخاتم، هي فتح الآفاق أمام تحسين حياة البشر، وإذا كانت مهمة المثقفين، كما قال هو في أحد حواراته "هي ارتياد الآفاق الجديدة، وتوسيع الفضاء المعرفي، واجتراح الرؤى الخصبة الجريئة" فإن مهمة السياسة، كما يراها الخاتم، هي خدمة الناس وتلبية حاجاتهم، وذلك يعني بالنسبة للسودان، تعميم السلام، واستعادة الديمقراطية، وسيادة حكم القانون، وتأسيس المساواة والعدالة الاجتماعية بمداخلها المتعددة، وتوفير الخدمات الأساسية والاجتماعية، وفق أولويات مدروسة بعناية، وبروح من المسئولية والشفافية والأمانة والنزاهة. لقد منح اجتماع وظيفتي الفكر والسياسة ميزة فارقة للخاتم، وهي هذه القدرة الفائقة على نقد الممارسة السياسية، السودانية على وجه الخصوص، بمنظار يراقبها عن بعد ومن عل، ومجهار يفحصها عن قرب كحبل الوريد. ففي تقصيه لتناقضات القوى التقليدية والقوى الحديثة، مثلا، يتوصل الخاتم في بساطة متناهية وبسلاسة شاعرية إلى نتائج مدهشة وهي أن القوى التقليدية عندما تتبنى الأساليب الحديثة فإنما تفعل ذلك في إطار تجويد تضليلها ومحاصرتها للناس البسطاء و"ذلك هو الخلل الأساسي، المثير للحنق والضغينة، من زعماء نالوا اعظم الشهادات، ودرسوا في أرقى الجامعات، وأتقنوا ما قاله فلاسفة التنوير والنهضة والحداثة، ولكنهم يعودون إلى بلادهم ليواصلوا إبقاء الجماهير في جهلها وتخلفها، لأن ذلك يخدم مصالحهم ويؤبد نفوذهم وسلطانهم .. إن الأساليب الحديثة هي الشراك التي تنصبها القوى القديمة لمحاصرة الوعي وإشاعة الغباش والتشويش واختلاط الحابل بالنابل .. إن حداثة الزعماء هي الوجه الآخر لتخلف بلادنا وأمراضها وأوبئتها وخرافاته". أما القوى الحديثة فهي تتبنى الأساليب القديمة لأنها "لم تنضج ولم تفطم بعد من رضاعة القوى التقليدية الممتدة عبر الحقب .. الأساليب القديمة هي ماضي القوى الحديثة الذي لم تتخطاه بعد .. وهي علامات ميلادها في واقع مأزوم". كان الخاتم يرى أن الفساد الجوهري في الممارسة السياسية في السودان لا يتمثل فقط في هزيمة المشاريع الفكرية والسياسية للقوى السياسية الرئيسة، وإنما أيضا في الوهن بل والخواء الأخلاقي الفظيع لزعماء تلك القوى. ولكن استفظاع الخاتم للسلوك غير المستقيم لدى القادة السياسيين لم يكن بسبب مجافاة ذلك السلوك لمنظومة الخاتم القيمية فقط، وإنما لأثره الماحق في إفساد الوجدان الشعبي وتحبيط مشاريع بناء الوطن، فإذا كان الاحترام بين الأجيال يقوم على ما يرثه كل جيل من إنجازات لما سبقه، فكيف يتوفر هذا الاحترام لدى جيل ما عندما يكتشف فجأة أنه إنما يستند إلى تراث ضخم وعريق من الأكاذيب؟ ولأن السياسة ذبحت على أعتاب القداسة في السودان، فقد ظل سؤال القداسة في تجلياته المختلفة يشكل هاجسا قويا ومستمرا عند الخاتم. لم يكف الخاتم عن فضح القداسة سياسيا، كما فعل وهو يتحدث عن أكاذيب ذلك الرجل "المقدس" مشيرا إلى زعيم طائفي وسياسي كبير ولتآمره لمنع التنظيم الذي كان يقوده الخاتم من دخول التجمع الوطني الديمقراطي. أو في إشارته للجؤ زعيم طائفي سياسي كبير آخر "للاستخارة" لتسويغ تحالفه مع الجبهة القومية الإسلامية وإدخالها الإئتلاف الحاكم ضد كل قيادات حزبه. أو في تساؤله عن كيفية استطاعة حركة ولجت المجال السياسي في السودان "بدعاوى اخلاقية كبيرة، وبمفاهيم التقوى والامانة التي تعصم صاحبها من الخطا والظلم وتورد امثلة المسؤولية المطلقة للحاكم عن شعبه، أن تجلس على مناكب شعب بكامله بعد ان حولته الى هياكل عظمية، وعلى انقاض بلاد حولتها الى مقبرة كبرى؟" هذا غير الأسئلة الحرجة التي ظل الخاتم يطرحها على كل أولئك القادة السياسيين شفاهة في ندواتهم ومقابلاتهم وكتابة على صفحات الصحف وفي الرسائل، إلى أن رحل عن عالمنا دون أن يتلقى ردا منهم عليها. وفي إثارته لمثل تلك الأسئلة، لم يكن الخاتم يقنع بالإجابات البسيطة والمريحة سياسيا، من شاكلة أن ذلك لا علاقة له بالإسلام، وإنما كان يشحذ عقله ويغوص في أعماق الظاهرة مستقصيا جذورها، ليتوصل، مثلا، إلى أن القداسة ليست خاصية الهية بحتة، وإنما قد تكون بشرية أيضا، وأن الصراع حولها وحول تقسيمها هو الذي يكوّن التراتبية الدينية التي تتحول في جميع الحالات تقريبا الى تراتبية سياسية، "ولذلك يمكن القول بأن الزعامة الدينية قابلة قابلية مطلقة لتتحول الى زعامة سياسية، بل ليست هي في واقع الامر سوى زعامة سياسية تتخذ هيئة الانصراف عن الدنيا في نفس الوقت الذي تقبل عليها اقبالا بالغ الشراهة. وأن القداسة تمثل رأسمالا رمزيا هائلا يمكن استخدامه للخير والشر، حسب الظروف الاقتصادية والسياسية للبلد المعين او العصر المعين. ففي اقتصاد يقوم اساسا على الندرة الشديدة، كما هو حال الاقتصاد السوداني، فان القداسة ستوظف على وجه العموم من اجل الاستحواذ على الخيرات المادية. وهذا هو بالضبط ما حدث بالنسبة للطائفتين الكبيرتين في السودان. وعلى خلفية الندرة الشديدة فان تحقيق الرخاء لا بد ان يحدث على حساب إملاق مئات الالاف من الأتباع. واحتمال هذا الإملاق من قبل الأتباع يتم مقابل عوائد روحية، غالبا ما تكون مؤجلة الى يوم الحساب، ولكنها يمكن ان تكون آنية مثل شفاء المرضي وتيسير أمور المعاش. والمشترك بين كل هذه البضائع المعنوية هو أنها غير موثوقة مطلقا، وربما تكون وهما خالصا. ولكن كيف يحتمل الزعيم أن يرى هذا الإملاق دون أن يؤرقه تأنيب الضمير وهو يرفل في هناءة العيش؟" ذلك مثال بسيط لقدر المعالجة الفكرية الأصيلة والمبدعة التي ما انفك الخاتم يحاول ان ينضر بها عتامير السياسة السودانية الموحشة. لقد ناضل الخاتم في مضمار السياسة السودانية مستخدما ذات أسلحته التي ساهم بها في مجال الفكر، العقل والعقلانية والمنهج العلمي والموضوعية والاستقامة والأمانة والوضوح، ولكن إن كانت تلك الأسلحة ماضية في فضاءات الفكر الرحبة، فإنها مثلومة في مستنقعات السياسة السودانية وأوكارها، حيث تسود الخديعة ويسيطر التآمر ويكون مصدر التشريع هو الكذب. سألت الخاتم ذات مرة ونحن نغادر اجتماعا مع زعيم سياسي كبير عن لماذا كان يستعجل إنهاء اللقاء، فقال لي أنه كان مختنقا لدرجة أنه فكر في أن يطلق ساقيه للريح في منتصف الإجتماع، ثم أضاف أنه قد يحتمل أن يكذب بعض الناس، وقد يحتمل أن يكذبوا مع علمهم أنك تعلم أنهم يكذبون، وقد يحتمل أنهم قد يفلتوا من المساءلة وينجوا من المحاسبة على أكاذيبهم، ولكن ما لا يحتمله قط هو كيف يمكن لأولئك الناس أن يغمض لهم جفن وهم مسئولون عن إزهاق أرواح الآلاف من أتباعهم في سبيل تلك الأكاذيب؟ لقد كانت قضية المسئولية الأخلاقية، مسئولية القادة، أحد القضايا الهامة والمؤرقة للخاتم ولم يكن يهادن فيها أو يناور حولها، وحينما واجهه أحدهم بأنه كان مسئولا عن دخوله الحزب الشيوعي السوداني فكيف يبرر له خروجه من ذلك الحزب، لم يتهرب الخاتم من مسئوليته وإنما أجاب بأنه قد مارس تلك المسئولية على مستويين " مستوى الحزب الشيوعي وعضويته وأصدقائه عندما كتبت (آن أوان التغيير)، وعلى نظاق أوسع عندما خاطبت الشعب من خلال ما أتيح لى من وسائل إعلام عن سقوط المشروع الماركسي للتغيير الإجتماعي .. إن فداحة المسئولية الأخلاقية، ومهددات الهوية الشخصية، والاستقامة الفكرية في مثل هذا الخروج تستدعي التصدي لها بكل الجدية .. وقد كان بعض الناس يريد لنا أن نتسلل كالجرذان .. ونتعامل مع الناس كأن شيئا لم يكن .. غافلين عن أننا ننظر إلى مسائل الإنتماءات الفكرية باعتبارها لا تقل خطرا عن الحياة أو الموت". حينما يطالب الخاتم عدلان التجمع الوطني الديمقراطي بأن يقدم صحائفه للشعب، وأن يقيم تجربته ويعلنها على الملأ، وحينما يطلب من السيد الصادق المهدي أن يرد على اتهامات السيد مبارك الفاضل المهدي العلنية المباشرة والمشينة له، فإنه لا يطالبهم إلا بما طالب نفسه به، لا أكثر ولا أقل، تحملا للمسئولية الأخلاقية. لقد أدرك الخاتم، وبعد كدح شاق ومؤلم وعذاب وخسارات واعتقالات وسنوات من الاختفاء والمطاردة، أن ممارسته السياسة بأدوات الفكر لم يكتب لها النجاح الذي كانت تستحقه بما امتلكته من محتوى غني ومتفرد. لقد أدرك من واقع تجربة الحركة السياسية الصغيرة التي أنشأها وظل على قيادتها حتى رحيله، أن ممارسة سياسية قائمة على العقل والعلم والشفافية والمسئولية والوضوح والاستقامة والتجرد ستظل غريبة على مناخ السياسة السودانية في المستقبل المنظور، وأن التربة السياسية السودانية تحتاج إلى إصلاح وحرث عميق قبل أن تتهيأ لممارسة سياسية جديدة، كما توصل إلى أن القيام بمثل هذا الجهد "من مواقع حركة صغيرة كحركتنا، يؤلب ضدها قوى ربما تتمكن من سحقها .. ومن الناحية الأخرى فإن ممارسة النقد السياسي للأحزاب والبرامج، إذا جاء من فرد، فإن المسئولية عنه تكون فردية و لاتطال الآخرين إلا بصورة غير مباشرة، ومن هنا يصبح هو الموقع المناسب." ويكتب في موقع آخر وبصورة أوضح وأكثر جلاء "وصلت فعلا إلى أن نقد السياسة السودانية، بصورة لا رحمة فيها للأحزاب وللقوى السياسية، وفيها الرحمة كلها للشعب ومستقبله، هو المهمة الأساسية للمثقفين في الوقت الحالي، وهذه مهمة يصعب تماما ممارستها من مواقع سياسية لأن ذلك سيكون بمثابة الدخول في الجب بدلا من مساعدة الآخرين على الخروج منه، إنما يمكن ممارستها من مواقع فكرية لا مكان فيها لاعتبارات الصداقة والعداء، ولا سعي فيها لإرضاء فلان، ولا هيبة فيها من إغضاب علان. هذه مهمة فكرية، كما قلت، وهي مهمة بالغة الصعوبة ولكنها كثيرة الخير." لقد اختار الخاتم فعلا في آخر أيامه الحافلة أن يتنازل عن منصبه القيادي في حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) في سياق الموقف الأخلاقي الذي اتخذته الحركة بنقل القيادة فيها إلى داخل السودان، وبدأ يهيء نفسه لدور جديد في خدمة وطنه وشعبه، دور لا يبعده عن دائرة النشاط السياسي الفعال، لأن نقد الفكر السياسي هو أيضا عمل سياسي، ولكنه يمنح عطاءه الفكري السامق سموات أكثر رحابة .. لقد ظل الخاتم طيلة حياته مدافعا أمينا عن دور العقل المتجاوز للواقع المستشرف للتغيير، وفي ذلك كانت الوحدة العضوية للمفكر والسياسي، ولكن الأقدار التي حرمت السودان من إنجازات المناضل السياسي، حالت أيضا بينه وبين إشراقات المفكر الثورى، الإنسان .. الخاتم عدلان.

(عدل بواسطة بهاء بكري on 05-01-2007, 11:27 PM)