بيوت من طين لا تجرفها السيول

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 01:54 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة جلال داوؤد(ابو جهينة)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-30-2003, 03:29 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بيوت من طين لا تجرفها السيول

    فتيل الشمعة يتمايل راقصا بفعل نسمة مرت متباطئة و كأنها تعرف أن الجسد المسجى على ( العنقريب ) يحتاج إلى هواء ينعشه.
    الأم تعدل من جلستها بين الفينة و الأخرى على الأرض مفترشة ( برشا ) مهترءا و في يدها ( هبابة ) تصطاد بها هواءا معدوما في الغرفة الطينية ذات النوافذ الضيقة.
    يدها الأخرى تمررها على جبين الصبي ، فيلسعها فيح الحمى.
    يقطع نياط قلبها أنين فلذتها الذي يأتيها في حشرجة متقطعة .
    الجسد واه و البطن خاوية.
    أواه أيها الحبيب ، فديتك روحي ، ما بيدي حيلة.
    بالكاد سيأكل وجبته الثانية ( فول حاف ) دون زيت أو جبن.
    روشتة الدواء لم تستطع أن تأتي بها كاملة ، إكتفت بدواء واحد ( على قدر قريشاتها ).
    باعت آخر ( غويشة ) و ذهبت بثمنها للطبيب و عادت بدواء واحد.
    ماذا لو إستمر يرتعش هكذا ؟
    من سيقرضها ؟ إقترضتْ من كل الجيران.
    ماذا سيأكل غدا ؟ و عشرات الأسئلة تطن في أذنها ، تتجاهلها و تعصر قطعة القماش المبللة على جبين الصبي.
    نزلت دمعة حارة تبلل خدها المتقرح.
    كيف كان سيكون الحال لو لم يكن هذا البيت المتهالك ملكا لزوجها؟
    أين أنت يا ترى ؟ هل أنت حى نرجو عودتك و نحتفظ بباقي كرامتنا التي تمنعنا من سؤال الناس ، أم ميت أنت فنبكيك و نعلن تسولنا و تطفلنا على موائد اللئام ؟
    ثلاثة سنوات منذ أخذت نصف ما أملك من ذهب و سافرت للعمرة و لم تعد. كل الذين من حولها ، لا يملكون سوى مواساتها بكلمات الشفقة و زيارتها من حين لآخر.
    الأنين يتصاعد من صدر الصبي .
    البنت ترقد على الأرض بجانبها ، متكومة تتلاعب بضفيرتها المتسخة.
    بكت طويلا لأن حذاءها المقطوع لن تستطيع أن تنتعله في المدرسة بعد اليوم.
    كان إفطارها اليوم بقايا فول سوداني نخر السوس معظمه.
    الزير القابع وسط الصالة يموسق لحنا بنقاط الماء على ( الجردل الصديء ) ، ترن في أذن الأم كسقوط الماء من السبلوقة الوحيدة الصامدة في جدار منزلها المتآكل.
    الكلب الهزيل يثاءب بعد أن تعب من إنتظارما يسد رمقه . يحشر ذيله بين فخذيه في كسل و تراخ.
    يتململ الصبي ، فتحادثه ، لكنه كان يهذي.
    إلتقطت منه بضع كلمات ( أبوى ما تتأخر ، ما تنسى العجلة و شنط المدرسة و علب الألوان ).
    خنقتها عبرة ، فدفنت رأسها في طرف ثوبها المهتريْ ، المعبق برائحة دخان المطبخ ، فأهتز جسدها و ( عنقريب ) الصبي .
    إزداد الصبي هذيانا. إرتعش و إنتفض ، ثم تشنج.
    هبتْ صارخة تضمه إلى صدرها ، تقيأ عليها.
    أفاقت البنت على ولولة الأم ، فتشبثتْ بأطراف ثوب أمها خائفة مذعورة.
    مالو يا يمة ؟ أكان مات أنا بزعل منك.
    جفل الكلب و هرول خارجا للحوش.
    حملته بين يديها و انطلقتْ تدق على أبواب جيرانها.
    لم تخف من ظلام الليل الحالك ، فتنقلت بين كل الأبواب تطرقها.
    و الصبي يتشنج ، ثم تقوس فإبتعدت رأسه و قدماه عن حضن أمه .
    كلاب الحى تنبح و هي لا تسمع غير نبضات قلبها و أنين فلذتها.
    تجمع الرهط من الحى ، و لكن بلا حول و لا قوة.
    تبادلوا حمله من يد لأخرى ، و الأم تلطم و تئن.
    ثم هدأ الولد ، خالته قد فارق الحياة . العرق البارد يتصبب من على جبينه الصغير فينزل منحدرا على وجنتيه الباهتتين.
    حملته راجعة لبيتها. عادت به لتسهر معه و مع مرضه.
    ذهبت باكرة لدكان بابكر . حدجها بنظرة فهمتْ مغزاها.
    ربنا يخليك يا خوي. الولد أمبارح كان داير يروح مني. أدينا سلفة تاني ، و ربنا كريم ، الولد لازم أوديهو الدكتور حسع.
    قال لها و هو يخبط طاولة دكانه : أنا فاتح الدكان دة سبيل ؟ ديونك بقت أكتر من تمن بيتكم.
    ظلت تتوسل و هو يسد أمامها كل أبواب الأمل.
    جاءت إبنتها مهرولة : يمة أروح المدرسة حفيانة و لا أروح بي سفنجتك؟
    تجاهلتْ الأم سؤالها.
    رجعت خائبة. نظرات الإبن الزائغة تدعوها لمعاودة الكرة مع بابكر ( سيد الدكان ).
    إستوقفت أستاذ المدرسة تسأله : ممكن أبيع البيت بدون وجود زوجي ؟
    طبعا ما ممكن.
    طيب ممكن أرهن البيت ؟
    برضو صعبة يا أختي.
    فماذا ترهن و ماذا تبيع ؟ الموت أهون يا زينب يا بت الرجال.
    ( إن شاء الله يجي يومي قبال أفكر في جنس دا ).
    مسحتْ دمعة قهر بطرف ثوبها ، و رفعتْ رأسها بشموخ مهرولة لصغيرها.
    الحمى تدب من جديد.
    عيون الصبي تغور في المحجرين.
    ينظر إليها في توسل و رجاء .
    تزيدهانظراته وجعا على وجع.
    يناديها بصوت خافت. يمسك بيدها بقوة لا تدري من أين أتى بها.
    وجدتْ ( سيد الدكان ) على عتبة الباب يقف دون أن يستأذن.
    تنظر إليه و رأسها مليء بعشرات الأسئلة.
    إزداد ضغط يد إبنها على يدها.
    ينظر الرجل إليها نظرة أخافتها ، و لكنها رمقته متحفزة ، فوقف مترددا .
    إنزلقتْ يد الصبي.
    إرتسمتْ على محياه بسمة هادئة.
    لمستْ جبينه فكان باردا كالثلج ، رفعته بين يديها ، خمدتْ أنفاسه. إنتهت عذاباته .
    لم تعد أمه تحتاج للتوسل ( لسيد الدكان ) الواقف كالذئب عند عتبة دارها ينتظر أن تتوسل إليه لكى ( ينهش لحما ).
    ضمته إليها ، دونما صرخة أو عويل. لثمتْ خده و أبقتْ شفتيها على خده و كأنها تنفث فيه الروح.
    إبتلعت حزنها و الجسد البارد يغوص بين حناياها
    و البنت تتشبث بعنق الأم :
    يمة ، أنا زعلانة منك شديد.
                  

العنوان الكاتب Date
بيوت من طين لا تجرفها السيول ابو جهينة12-30-03, 03:29 PM
  Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول خالد عويس12-30-03, 04:27 PM
    Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول سجيمان12-30-03, 04:54 PM
    Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول ابو جهينة12-31-03, 08:50 AM
  Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول Osman Hamad12-30-03, 05:16 PM
    Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول ابو جهينة12-31-03, 08:51 AM
      Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول ابو جهينة12-31-03, 08:52 AM
  Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول ودقاسم12-31-03, 10:41 AM
    Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول hamid hajer12-31-03, 11:38 AM
    Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول ابو جهينة12-31-03, 11:53 AM
      Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول ابو جهينة12-31-03, 12:01 PM
  Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول Omer5412-31-03, 03:02 PM
    Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول ابو جهينة12-31-03, 03:11 PM
      Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول haneena01-05-04, 03:51 PM
        Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول ابو جهينة01-05-04, 03:59 PM
  Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول Nada Amin01-06-04, 05:37 PM
    Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول معتصم دفع الله01-06-04, 11:33 PM
      Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول ابو جهينة01-07-04, 09:02 AM
        Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول ابو جهينة01-07-04, 09:05 AM
          Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول شتات01-07-04, 01:27 PM
            Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول shiry01-07-04, 01:53 PM
              Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول ابو جهينة01-07-04, 02:22 PM
                Re: بيوت من طين لا تجرفها السيول ابو جهينة01-07-04, 02:26 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de