على شفا بؤرة من ... جنون

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 06:56 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة جلال داوؤد(ابو جهينة)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-14-2004, 04:46 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
على شفا بؤرة من ... جنون

    الواقع المعاش يستمد توازنه من جنون الخيال المتزن و تمرده المقنَن و تبعثره المتناسق، يتقابل كل هذا الجنون و التمرد و التبعثر عند تقاطعات و نقاط إلتقاء مع هذا الواقع سلبا و إيجابا، لذا فإن العقل الباطن يتقبل مجريات الواقع و يتعايش معها لأن تربته تكون مبللة بقطرات ذلكم الخيال ، و مرتوية حد الثمالة من رحيقه ، و يكون سطحه مدهونا بطبقة رقيقة من ألوان طيفها التي تفوق السبعة ، و رذاذها يتطاير فوق أوراقه فيجعلها ندية براقة ، قابلة للمس رغم ملمس الحقيقة الخشن أحيانا.
    هكذا كان حال ( الفاضل ) ،، لا يدري أين هو و لا كيف أتى و ماذا حدث ،، أيعيش واقعا حيا أم خيالا يلتف حوله فيجعله كمومياء حية. ما آل إليه جعله يهذي كالمحموم ، لا يدري كيف تمر أيامه و لياليه ، تتداخل رؤاه مع واقع حاله كمياه النهر و البحر عند إلتقاءهما في برزخ لا يبغيان.
    يتقلب على ( عنقريب الحبل ) ،، يبصق ( سفته ) و التي خُيِل إليه أنها تنتفخ و تكبر و تزداد حجما مع ما يعربد في ذهنه ،، يعاجل تجاويف مزاجه بسيجارة من نوع رخيص ينفث دخانها إلى أعلى فيتصاعد في خط مستقيم بفعل الهواء المعدوم حوله.
    رحم الله أيام الجناح الخاص الذي كنت تتقلب فيه في فندق ( جورج الخامس ) ،، كنت كمن يملك نجمة من نجماته الخمس ، تتقلب على السرير ذو ( المرتبة ) المائية ، تدخن السيجار الكوبي الفاخر ،، و الكل يناديك(مسيو ) ،، توزع ( البقشيش ) يمنة و يسرة ،، تتجول في ردهات الفندق ( بالروب دي شامبر ) المصنوع من القطيفة الحمراء تتهادى منتعلا الصندل الجلدي كسلطان زمانك ، يتهافت كل من يعمل بالفندق لخدمتك و تلبية طلباتك..... أواه يا زمن أواه.
    إبتسم إبتسامة باهتة ... سرعان ما إنزوتْ.
    ( الراديو ) القديم يطلق صوتا متحشرجا متقطعا غير مفهوم ، يضربه على جنباته بعصبية دون فائدة ، فيغلقه و يضعه على الطاولة ذات الثلاث أرجل بجانب كوب به بقايا من الشاى الأسود يحتضن عدة ذبابات منتحرة.
    تئن حبال ( العنقريب ) من تقلبه ، و تنثني إحدى أرجله إلى الداخل منذرة بسقوط قريب.
    تناوشه ذبابة عنيدة ،، فيرد الصاع بالطاقية و تارة بيديه ، ثم يتركها أحيانا تمارس هوايتها على بشرته الجافة.
    يحك رجله برجله ، ثم تلك بتلك ، و لا يدري سبب الحكة و لكنه يتجاوب معها و هو يحس بخدر كلما تأخر عن الإسراع بالتجاوب.
    تخيل نفسه غاطسا في ( الجكوزي ) و كأسه على يمينه ،، و موسيقى كلاسيكية حالمة تدغدغ وجدانه ، و فتاة المساج في إنتظاره لينعم بتدليك يجعل المتعة تسري في أنحاء جسده المرهق دونما عمل.
    يقدم ( طاقيته ) للأمام ، ثم يعاود فيرجعها للخلف ،، ثم يعضها بين أسنانه ،، ثم يضعها تحت رأسه المثقلة بالهموم و الهواجس ، و يعيد الكرة في رتابة دون وعى.
    يغمض عينيه إتقاء ( رقراق ) أشعة الشمس من بين فرجات الراكوبة المغطاة بحصير سيقان القمح و ( البروش ) المهترءة.
    يحط طائر على السقف ، يشق جدار الصمت بصوته باحثا عن رفيقته ، فيتساقط التراب متناثرا من تحت مخالبه ، فتضيع حبات الغبار بين طيات ( العراقي ) المتسخ.
    يقوم متثاقلا ، يكرع الماء ( بالكوز ) من ( الزير ) الذي تكسوه من الخارج طبقات من الطحالب الخضراء و السوداء.
    يسكب محتويات ( الكوز ) دفعة واحدة في جوفه. يلفظ آخر جرعة متأففا ،، فقد شاركه ( جندب ) الشرب من نفس الجرعة.
    يعود إلى رقدته ،، ، لا يبالي بطعنات زوائد الحبال المنتصبة تحته و لا بوخزاتها عبر ( العراقي ) الذي بالكاد يستر جلده.
    من يصدق أيها الهاجد في هذا السكون تحت سماء هذه القرية الوادعة ، من يصدق أنك أنت ،، نعم أنت بشحمك و لحمك ،، هو ذاك الآتي من خضم الزحام و بهرج الأضواء و صخب المدائن ؟ أنت ذاك الذي كان يرفل في حلل زاهية الألوان من ماركات ( دافنشي ) و ( بيجان ) و ( آنجلو ) ،، تنتقيها من شوارع روما و أنت تفاصل في أسعارها بلغة ( طليانية ) تنافس لسان البرتو مورافيا و زعماء عصابات صقلية.
    يزدرد ريقه الجاف ،، و هو ينظر ( للعراقي ) الذي ذهب لونه.
    تفوح منه رائحة العرق ،، فيسرح بخياله أيام التجوال في محال باريس ، متأبطا ذراع ( رشيدة المغربية ) ينتقيان العطور الراقية و الغالية الثمن.
    إيه يا رشيدة يا سليلة ( البربر ) ،، أين أنت الآن ؟ أما زلت تلك الفتاة التي تتراقص خصلاتها الطويلة على أردافها كذيل جواد رامح ، تبهرين كل من حولك بعينيك الواسعتين و وجهك المستدير الطفولي ،، و رقصاتك المجنونة الشبيهة بإيماءات الزار ؟ ألا زال نهارك كليلك ، و ليلك كنهارك ؟ أين أنت الآن يا همجية المزاج ؟
    زفر زفرة طويلة و إنقلب على جنبه الأيمن و هو ( يطقطق ) أصابع يديه.
    مرق كلب و أنحنى يشرب من إناء تحت الزير و هو يتلفت في حذر.
    تذكر ( الكلبة المدللة ) لفتاته رشيدة ،، كانت تأخذها لكوافير الكلاب كل شهر مرة ، و ها هو رأسه مثقل بالشعر الأكرت دونما ( حلاقة ) منذ شهور مضت ، لا يذكر متى تخلله ( المشط ) ،، يستعمل أصابعه في تخليله.
    إبتسم في إمتعاض ،، يمضغ الحسرة.
    أحس في لسانه الجاف بطعم طبقه المفضل الذي كان يتناوله في ذلك المطعم الفرنسي الصغير في إحدى الأزقة المتفرعة من شارع الشانزليزيه. رشيدة لا تحب إستعمال الشوكة و السكين ،، تستعمل كلتا يديها غير مبالية بنظرات الإستنكار ،، و من حين لآخر تلقمه في فمه قطعا من لحم ( الإستيك ) المفضل لديها ،، فييزدردها و هو ينهاها عن تكرار ذلك ، و لكنها تضحك في عفوية و غنج بصوت مجلجل و تعاود الكرة وسط نظرات رواد المطعم ،، تستفز خجله و تمتحن إستجابته لشيء تراه طبيعيا في هذا البلد.
    لا ينسى يوم أن أكثرتْ رشيدة من شرب النبيذ الأحمر المعتق ، ثم سحبتْ مفرش الطاولة و تحزمتْ بها و إعتلتْ طاولة الطعام و صارت ترقص رقصا شرقيا على أنغام أغنية عربية كان يضعونها كلما أتى زبون عربي ، تجمع كل رواد المطعم حول طاولتهما يصفقون و هم يبحلقون في هذا الجسد الجامح كما الفرس البرية يتلوى في ليونة ، و ينساب مع الموسيقى إنسياب مياه نافورة في فناء منزل دمشقي يترقرق متدفقا من بين ثنايا ( الفسقية ) ،، فتحمستْ و قذفتْ بحذاءها ( كل فردة في إتجاه مختلف ) و صارت تتلوى كأفعى تخرج من سلة فقير هندي ينفخ في مزماره السحري. و عندما أنهكها التعب ، إرتمتْ عليه وسط تصفيق و تهليل الحضور ،، تحيط عنقه بكلتا يديها،، لاهثة الأنفاس محمرة الوجه ، تلوذ بأحضانه من جنونها و نزقها.
    إنقلب على الجهة اليسرى و جسده يهتز لهذه الذكرى ،، فأطلق آهة مكتومة.
    مرتْ من أمامه عربة من طراز قديم تطلق صوتا مبحوحا ،، و قد تكدس بداخلها و على سقفها الركاب ، تطل أجسادهم في إنبعاج و ترهل. هل ترى ما زلت تقودين عربتي ( البيجو ) الصغيرة يا رشيدة ،، أما زالت تتأرجح على مرآتها الداخلية المسبحة التي أهدانا إياها الشاب الموريتاني في حفل عرس صديقتك ؟
    إستلقى على ظهره ،، و قد إتسعت إبتسامته الممتعضة.
    سمع صوت إمرأة تتحدث مع أخرى تبدو أنها بعيدة عنها ،، صوت حاد و قوي ينقله الهواء إليه أحيانا ، و أحيانا يذهب به بعيدا ، لم يفهم ماذا تقولان ،، طفا إلى سطح ذاكرته يوم أن أخذ رشيدة و ذهبا لمشاهدة حفل الأوبرا لأول مرة بعد أن حصل على التذكرتين مجانا من صديق فرنسي.
    أصابهما الذهول و هما يبحلقان في مبنى الأوبرا الضخم و الديكور المتناسق و الستائر المخملية المتدلية من الشرفات و البلكونات ،، و رشيدة منتشية و في أبهى حللها و هي تتأبط ذراعه و عيناها الواسعتان تتفحصان المكان ،، و ما أن إنطلق المغني يتدرج صوته الأوبرالي بطبقاته المتعاقبة ،، حتى إنطلقت رشيدة في ضحك هستيري لم يستطع أن يسكتها ،، تسكت قليلا واضعة يدها على فمها ، ثم تستمع إلى المغني فاغرة فمها ثم تنطلق ضاحكة تتدرج ضحكاتها مع المغني و كأن صوتها قد تشابك مع صوته الأوبرالي ،، أتاها المشرفون على الصالة مرتين لتحذيرها من مغبة الإستمرار في الضحك بهذا الشكل ،، و في الثالثة كانا خارج الصالة تصحبهما همهمات الغضب و الإستياء ، فشاركها الضحك الهستيري.
    ضحك في سره لتلك الحادثة ،،،،،،، فرشيدة عفوية لا تستطيع كبح جماح إنفعالاتها و مشاعرها. سببتْ له الكثير من المشاكل و لكنها كانت تعرف كيف تطفيء غضبه و حنقه.
    وقف صبي نحيف حليق الرأس أمامه و هو يلهث : عمي الفاضل ، قالوا ليك تعال إتغدى.
    هاهو يا رشيدة ( الروم سيرفس ) ،، و قائمة الطعام لا جدال فيها ،، فهي جاهزة ( كطبق الشيف ) و ( طبق اليوم ) ،، فالأكل هنا تلبية لنداء البطن و الجوع ، لا مجال للمزاج و التنويع.
    تذكًرَ عندما شرب لأول مرة شوربة الضفادع تحت إلحاحها الذي لا يستطيع أن يقاومه ،، أحس أن ورما يلازمه في إمعاءه طوال الليل حتى منتصف نهار اليوم التالي ، حتى أنه ليلتها رأى في منامه أن عشرات الضفادع تطارده على طرف جدول مليء بالحساء تنمو الحشائش على جانبيه و نقيقها يملأ المكان.
    أما زلت ترتادين ذلك المطعم ؟ ترتفع حرارة غيرتي كلما دلفنا إليه.
    أشار إلى الصبي بأن لا رغبة له.
    و غطى وجهه بكلتا يديه ،، و راح في غفوة لعل أحلام يقظته تسافر به إلى هناك ،، طفق يتخيل و يحلم كيف أنه يمكن أن يأتيه منها ما يجعل الأمل يفرهد من جديد في قلبه ليحزم أمره و ينطلق عاتقا نفسه من ربقة هذا الأسْر القاتل .

    (عدل بواسطة ابو جهينة on 03-14-2004, 04:53 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
على شفا بؤرة من ... جنون ابو جهينة03-14-04, 04:46 PM
  Re: على شفا بؤرة من ... جنون ابو جهينة03-15-04, 08:59 AM
    Re: على شفا بؤرة من ... جنون ترهاقا03-15-04, 09:37 AM
  Re: على شفا بؤرة من ... جنون ودقاسم03-15-04, 09:34 AM
    Re: على شفا بؤرة من ... جنون ابو جهينة03-15-04, 09:44 AM
      Re: على شفا بؤرة من ... جنون ابو جهينة03-15-04, 09:48 AM
  Re: على شفا بؤرة من ... جنون Tabaldina03-15-04, 09:45 AM
    Re: على شفا بؤرة من ... جنون ابو جهينة03-15-04, 10:59 AM
  Re: على شفا بؤرة من ... جنون THE RAIN03-15-04, 03:10 PM
    Re: على شفا بؤرة من ... جنون ابو جهينة03-15-04, 03:39 PM
      Re: على شفا بؤرة من ... جنون شتات03-15-04, 04:32 PM
        Re: على شفا بؤرة من ... جنون ابو جهينة03-15-04, 04:44 PM
          Re: على شفا بؤرة من ... جنون د.كرار التهامي03-15-04, 06:35 PM
            Re: على شفا بؤرة من ... جنون ابو جهينة03-16-04, 09:14 AM
  Re: على شفا بؤرة من ... جنون ali othman03-16-04, 11:47 AM
    Re: على شفا بؤرة من ... جنون ابو جهينة03-16-04, 12:52 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de