من اجل وطن متسامح ، واحد ، دعوة للاعتزار لاخوتنا في الجنوب

الأخ عيون الحرية ....لك التحية و الشكر

لا تقلق فأنا لم أتسرع و أفهم غير ما أردت أنت قوله، فلي يومان أقرأ في ردودك دون التمكن من الرد عليها لضيق الزمن المتاح ...لنعد إلى الموضوع إذا ، و لنناقش القضية نقطة بنقطة

أولا: أنت تقول أت الشماليين هم الذين حرروا السودان من الإستعمار ، و هم الذين دفعوا دمائهم من أجله في حين لم يفعل الجنوب و أبنائه نصف مقدار ذلك، دعني أسألك هنا ....و ماذا تعرف عن تاريخ المقاومة في الجنوب ؟ ...ببساطة تاريخ السودان النضالي الذي بين أيدينا اليوم هو في أغلبيته العظمى تاريخ شمالي، و لكن هذا لا ينفي و جود تاريخ نضالي جنوبي ، و لكن تسلط الشمال حجبه عن الرؤية

ثانيا: الشماليين عندما حاربوا الإستعمار، لم يكن الجنوب في بالهم أساسا كشعب ، و إنما كأرض ، و الفرق كبير، و على هذا فهم لم يدفعوا دمائهم من أجل تحرير الإخوة في الجنوب ، فهذا كلام مردود لعدم منطقيته و واقعيته، الشمال أخذ الوصاية على الجنوب من قبل المستعمر دون إستشارة الجنوب ، و لم يناضل من أجله كما ذكرت ، و إعتمادا على هذا يمكن أن نقول أن الشمال بالنسبة للجنوب أقرب إلى المستعمر من (البطل المحرر) و هو أصبح مستعمرا حتى دون تعب ، فأين نضال الشماليين و حقهم في الجنوب في هذا ؟ إنها لمشكلة في حد ذاتها أن يكون هناك من يفكر في أرض الجنوب من الشماليين بهذه الطريقة

ثالثا:اعتبار الجنوبيين للشماليين أنهم عرب نوافقك فيه ، و لكن أليس من الإنصاف أن نذكر دور الشمال في ترسيخ هذه الفكرة في أذهان الجنوبيين؟ فالشماليين بحكوماتهم المتتالية رفعوا شعار الهوية العربية عاليا خفاقا لا يبغون سواه ، و بعد هذا تلوم الجنوب إعتباره للشمال عربي دخيل؟

رابعا: من الطريف أن نتسب أمجاد أجدادك الشماليين و تضحياتهم إليك بكل عزة و أنفة، و لكن تتنكر لهم حين يأتي ذكر مخازيهم التاريخية، فأنت هنا تنتظر حق تعب أجدادك في تحرير السودان شمالا و جنوبا (إن كان هذا صحيح أصلا) و لكن تقول أنك لم تسترق أحدا و ليس لك علاقة بما فعله الشماليين قبلك من إسترقاق شعب الجنوب و غمطهم حقهم قبل كل شئ .....ألا ترى الخلل في هذه الرؤية المشوشة؟ ....عندما تنتسب إلى شخص أو أمة و تطالب بإرثها ، فلك إرثها كله لا تجزئة فيه حسب هواك، و يكفيك حينئذ شرفا و نبلا الإعتراف بأخطائها دون تورية

خامسا: كلامك عن الديموقراطية التي رفضها الجنوبيين أو القيادات الجنوبية فيه شئ من الإجحاف ، فحتى عندما دعت الحكومات الشمالية الجنوبيين لحل المسألة ديموقراطيا كانت تعلم أن الجنوب و الجنوبيين لم يصلوا بعد للمرحلةالتي يخافون منهم فيها في ظل الديموقراطية، فالحكاية كانت مجرد خدعة سياسية خبيثة، كان يكون لدى أخيك الصغير ورقة نقدية من فئة العشرة آلاف جنيه ...ثم تبادله بورقتين من فئة الخمسمائة جنيه ظنا منه أن ورقتان أكثر من واحدة، و الجنوب لم يكن قد وصل مرحلة النضوج السياسي بعد، فكان الأحرى بالحكومات الشمالية إقامة الفيدرالية في الجنوب و من ثم السعي إلى تحسين خدمات التعليم و الصحة و ما إلى ذلك هناك من المقومات ....ثم تأتي بعد ذلك و تدعي الحق فيه .....القيادات الشمالية لم تفهم أن الحركات المعادية في الجنوب ليست إتفصالية و حسب ، و لكنها صاحبة حق أيضا....و شتان بين هذا و ذاك ، و طريقة التعامل معهما

جون قرنق كان ذكيا لأنه تعلم من مواقف القادة الجنوبيين قبله و خيبة آمالهم، الشعب الجنوبي في ظل تلك الديموقراطية المدعاة لم يكن ليتقدم قيد أنملة فكريا و لا سياسيا، و لطغى عليه الشمال بقوة الإقتصاد و الثقافة المستعربة ، و لضاع الجنوب و أهله

سادسا: ذكري للإعتذار الذي قدمته الحكومة الأمريكية للأفارقة الأمريكان ليس عديم الفائدة هنا، فالغرض منه كان التنويه أن هذه الطريقة طريقة حضارية مطبقة و لها نتائج مثبتة

سابعا: بالنسبة لمظالم الشماليين الذين قتلوا و ذبحوا في الجنوب في حوادث التصفية العرقية ليست منكورة، و لكن نعود هنا لمثال الأخ رقم صفر في قصة الإعتذار الذي قدمته الحكومة البيضاء في جنوب أفريقيا للسود قبيل إعتزالها، فمن المعروف أن الكثير من البيض أيضا ماتوا ظلما و ذبحوا من قبل السود أثناء فترة العنصرية، و لكن تأتي المقارنة في حجم الخسائر و الظلم و المبادئة، و لهذا إعتذر البيض دون (أو قبل) أن يعتذر السود

فكرة الإعتذار الشمالي للجنوب واجب من أجل وحدة الوطن الغير موحد حاليا و لم يكن كذلك في يد أبنائه في يوم من الأيام، و هي دعوة دعا بها الكثير من المخضرمين سياسيا و تاريخيا في شمال البلاد ، و لاقت قبولا معقولا و تأييدا من أنداد لهم في جنوب البلاد، و هي فكرة لها أسبابها المنطقية ..و نتائجها المرجوة ....فإن لم يقبل بهذا الإعتذار الغالبية من أهل الجنوب (أقول الغالبية حتى نكون واقعيين ، فمن المحتمل جدا أن لا يقبل البعض الإعتذار ..و أظن في هذا ردا على رسالتك التي أوردت فيها مقال (بلاك جيسس) فذلك ليس رأي جميع الجنوبيين) فإن لم يكن الإعتذار مقبولا .....فليس من سبيل سوى الكونفدرالية أو حتى الإنفصال التام لننتهي من هذه الصفحة السوداء في تاريخنا الحديث ..شمالا و جنوبا