|
ابعد من رفض القوات الدوليه ( الجزء الاول ) عبد العزيز حسين الصاوي
|
ابعد من رفض القوات الدوليه ( الجزء الاول ) عبد العزيز حسين الصاوي نلهث دون كثير جدوي، ومعنا لغتنا، خلف عالم يتقدم بالطفرات لاسيما في مجال التكنولوجيا. ماهو المقابل العربي لمصطلح virtual reality الكومبيوتري ؟ هل هو شبه الحقيقه، الواقع الافتراضي، الواقع الخيالي ام الخيال الواقعي؟ ايا كانت الترجمة الصحيحه فأن مؤدي المصطلح هو ذوبان الحدود بين الخيال والواقع منصهرة بحرارة العقل الطليق وانجازاته الجبارة في حقول العلوم الطبيعية والانسانيه. كلمة طفره، لو نذكر، دخلت قاموس بؤسنا السوداني وعدا مايويا ( 69 ) بطفرة تنمويه تلحقنا بالبرازيل، أنتهي بنا الي استئناف حرب الجنوب اهليا ومجاعة زحفت علي الغرب ممهدة الارض لحرب دارفور الاهلية بوعد يونيو 1989. من تفاعل الحصيلة الكارثية لوعود هاتين الشموليتين وجدنا انفسنا أمام مجموعة مازق متداخله تعج بالاسئلة والطلاسم. الحاضر الان بقوة من بين هذه الاسئلة: لماذا يرفض المؤتمر الوطني القوات الدولية في دارفور وكان قد قبلها في مواقع اخري وبالضد من موقف شريكيه الكبير والصغير، الحركة الشعبيه وحركة التحريرجناح مناوي، واصدقائه الدوليين مثل فرنسا؟ ماهي مصلحة المؤتمر في استعداء تحالف غربي لعب دورا اساسيا، ان لم يكن الاساسي، في جعل اتفاقية نايفاشا ممكنه وهي التي تبقيه القوة الكبري في الحكم خلال الفترة الانتقاليه قبل الانتخابات وبعدها وتضمن بذلك استمراربقائه فيها علي المدي المنظور مهما كانت نتيجة الاستفتاء علي تقرير المصير ؟ قتل هذا الموضوع بحثا واجابات. المؤتمر نفسه قدم اكثر من تفسير لموقفه يتمحور حول التباينات بين طبيعة وظروف اتفاقيتي نايفاشا وابوجا وحول بعض جوانب قرار الامم المتحده رقم 1706 وماأعتبره نوايا خفيه وراء دوافع امريكا والغرب. وهناك تفسيرات الجهات غير المتعاطفة مع المؤتمر الوطني وتدور حول صراع بين جناحين الاقوي منهما هو الرافض للقوات الامميه ويترجح تأثيره لان ضغوط الامم المتحده والدول الغربية بقيت حتي الان ضعيفة بما لايحد من وزنه. التفسير الاخر اكثر بساطة وهو ان مجئ القوات يعني حتمية التعامل مع المحكمة الدوليه بقائمة متهميها التي بدأت بأثنين ولكنها لن تتوقف عندهما عدد ومقاما. يجمع بين هذه التفسيرات انها تنتمي لعالم الواقع ولكن هناك تفسيرا ينتمي لعالمي الواقع والخيال تمتزج فيه عناصر من كليهما قد يكون اكثر سلامة وهو، علي الاقل، افتراض يستحق التأمل فيه كبديل او مكمل لتلك التفسيرات. مختصر هذا التفسير ان الرفض تعبير عن استقرار المجموعة الفاعلة في المؤتمر الوطني والحكم علي استراتيجية ترمي لنسف اتفاقية نايافاشا كلية او جعلها غير ذات موضوع بدفع الطرف الجنوبي، حركة شعبية وشعبا، الي حسم امره بالانفصال . حسب هذا السيناريو شبه الخيالي او شبه الواقعي المقصود من الرفض استخدام قضية القوات الدوليه المرتبطة بأتفاقية ابوجا كأداة لتعكير العلاقة مع الامم والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا في سياق هذه الاستراتيجيه. وفق هذا المنطق تغدو مفهومة تصرفات اخري مثل عرقلة قدوم وفد لجنة حقوق الانسان في فبراير الماضي بالتركيز علي دور رئيستها الامريكيه، وقبلها مباشرة عدم اجتماع رئيس الجمهوريه بممثلي الامين العام والاتحاد الافريقي الياسون وسالم وقبل ذلك التعامل الخشن مع ايان برونك ممثل الامين العام للامم المتحده بطرده وكذلك مع مساعده للشئون الانسانيه بمنعه من زيارة بعض مناطق دارفور. هذه الحزمه من التصرفات تهدف لاختبار مدي استعداد هذه الجهات او قدرتها علي منع المؤتمرالوطني من التملص عن التزاماته بموجب الاتفاقية بأكثر مما يفعل الان اي تجميدها فعليا بحيث يكون استفتاء تقرير المصير قضاء لامر كان مفعولا ويجد المؤتمر بين يديه سودانا بلا عقبات غير اسلاميه، يدرك بتجربته مع الشمال منذ يونيو 89 ان من الممكن السيطرة عليه بمزيج من الخطاب الديني وسياسة الجزرة لقوي السوق المتناميه النفوذ والعصا للبقيه. وهذا مكسب فوق البيعه، كما يقال، لان هناك مكسبا اهم وراء استقصاد الاتفاقيه من وجهة نظر صانعي القرار في المؤتمر. ان العنصر المفقود في التحليلات السائدة لكيفية تعامل قيادة المؤتمر والحكم مع موضوع القوات الامميه هو النظر لحصاد التجربة خلال عامين من تنفيذ اتفاقية نايفاشا بعيونها، اي من واقع مناخاتها النفسيه ومحفزات التفكير لديها. الثغرة المحدودة التي فتحتها الاتفاقية في جدار قبضة المؤتمر علي السلطه، واخر نماذجها اضطراره للتراجع في قضية جريدة السوداني، تتسع يوما بعد يوم بما يهدد بفقدان السيطرة تماما اذا نظر اليها من زاوية معينه. هناك دستور ديموقراطي في اساسياته حتي لو كانت القوانين السائدة مناقضة له وشريك في السلطه لايمكن اسكاته عند الخلاف حتي لو كان تجاهله في التنفيذ ممكنا ومجتمع دولي وشركاء ايقاد لهم موقعهم مراقبة وضغطا وفق نصوص الاتفاقية نفسها. برغم محدودية التاكل الفعلي في قبضة المؤتمر علي السلطه الناجم عن هذه القيود منذ بدء تنفيذ الاتفاقيه، فأن مجموعة من الاسباب ادت لتجذر عقلية الاحتكار السلطوي بدرجة من العمق تجعل حجم الاحساس بالتاكل لديها اضعافا مضاعفة بالمقارنة لحجمه الفعلي دافعا الي تصرفات تبدو لاعقلانية للذين ينظرون اليها من خارج تلك العقليه حتي اذا فكروا في الموضوع وفق مايعتبرونه مقياس مصلحة المؤتمر الوطني. هذه سلطة عمرها الاحتكاري شارف علي العقدين من الزمان دون تهديد داخلي جدي حتي بعد انقسامها افقيا ورأسيا لان ضعف المعارضه الشماليه ضعف مزمن ومتزايد لكون مصدره الاساسي ليس ذاتيا وانما انعكاس لحالة مجتمع انحسر فيه نفوذ تيارات الاستنارة والعقلانية ثقافيا واجتماعيا وسياسيا. اضافة لذلك فأن بعض اوساط المؤتمر تعتبر سلطتها امر دين وحقا الهيا يؤكده وصول شبيهاتها العربيات الي الحكم واقتراب بعضها منه كبديل اول في فلسطين ومصر وسوريا وغيرها. وفوق كل ذلك هناك تخوف اوساط معينة في المؤتمر من العواقب المستقبلية المحتملة علي مصيرها الشخصي اذا ضعفت قبضة الحزب علي السلطه علما بأن الاحساس بالخطر يتضاعف هنا ايضا بأكثر من درجته الفعليه. .اذا اخذت هذه المؤثرات المتشابكة وترسباتها في العقل الصاحي والباطن في الاعتبار يغدو ممكنا تصور وجود دوافع وهواجس بمستوي من القوه يدفع الي رسم استراتيجية لتقويض نايفاشا وتشييد دولة المؤتمر الوطني بدء بالتصلب في موقف رفض القوات الامميه. والحال ان هناك عوامل اخري ترجح صحة هذا التحليل لدوافع مطبخ صنع القرار في الحزب الحاكم سيشرحها الجزء الثاني من هذا المقال.
|
|
|
|
|
|
|
|
|