قبيلة الدواليب عرب ... وهنا تاريخهم مكتوب!

Quote: الكرفاب- حسن البطري البيت بيت الآخرة.. ولله عباد اختصهم بقضاء حوائج الناس وخصهم بقصور في الجنة، طولها فراسخ، تقطع نفس خيل القصائد، موشاة بسندس واستبرق، وقطوفها دانية. وقصور الآخرة تبنى في الدنيا.. تبنى بالزهد والتقشف والصدق والعفاف. وقصور الآخرة تُعمر في الدنيا بالذكر والتلاوة والدعاء وقيام الليل وقضاء حوائج الناس. والعبد الصالح يعمل العمل الصالح، يبتغي مرضاة الله، ومن العمل الصالح اعمار الدنيا، والمقربون اولى بالاعمار. عندما فكرت في زيارة (الكرفاب) مسقط رأس نائب رئيس الجمهورية معالي الشيخ علي عثمان محمد طه، قال لي محدثي: حتشوف القصر!! قلت له: أي قصر؟! قال لي: قصر علي قلت له: معقول قال لي: كيف!! بنى علي قصراً شامخاً تشرئب ابراجه، ويضاء بالنيون والنجوم الاصطناعية، ومفروش بالريش والرياش، به ملاعب للتنس والبيسبول، ومزارع للأسماك الملونة، وحدائق ترتع فيها الغزلان والنمور والأفيال والأسود المستأنسة. قلت له :هل رأيته؟! قال: لا.. قالوا لى اندهشت وسرحت بعيداً في (قالوا.. وقلنا) ولأنه ليس من رأى كمن سمع، قررت أول ما أن تطأ اقدامي الكرفاب، ان ازور هذا القصر الشامخ، واتجول في حدائقه واغتسل في نوافيره. ولكن- وآه من قسوتها ولكن- عندما دخلته، وجدت القصر (المعني)، ولم أجد القصر (المبني)!! قلت يا الله!! يبدو ان (علياً) اكتفى بقصور نيفاشا وابوجا وجدة والقاهرة (الاطارية)، تلك القصور الشامخات التي بناها بعرقه وفكره وحكمته وصبره، طوبة.. طوبة، وقشة.. قشة، وحرفاً.. حرفاً، انقطع لها حيناً من الدهر، واخلص، واستخدم في تشييدها المواد المحلية والعمالة الاجنبية والخبرة الانسانية، لم يمنعه استخدام (الخام المحلي) من الاخذ بأساليب العلم والتقانة والفكرة المستوردة... ولم تدفعه الفكرة المستوردة للتفريط في (الصياغة) والإحكام والغش في مواد البناء و(الخلطة) الاساسية. وقصور نيفاشا وابوجا وجدة والقاهرة (الاطارية) متعددة الطوابق والملحقات والحواشي والمتون، التي يراها الناس، لها (ساس) تحت الارض، وهذا الساس وطني خالص في مواده وفكرته وموارده وعمالته، وهو (الأهم) وهو الذي تقف عليه القصور الظاهرة للعيان. في اول الصبا، كان عليُّ يتوضأ قبيل الفجر، عند الجدول، ويصلي الصبح (حاضر) عند حافة النهر، زرع نخلاً وقمحاً ورعاه بالسقيا والنماء حتى دنا قطافه. قالت النخلة: يرمونني بالحجارة، فأتساقط عليهم رطبا جنيا. وقال الشق الفاصل في حبة القمح: نصف لك ونصف لاخيك، وفهم علي الدرس منذ ذاك الزمان ، وحافظ على نصيحة النخلة وحبة القمح، وعض عليها بالنواجز. نظرت الى قصر علي (المزعوم) فوجدته قصراً (مجازياً) مساحته كأي مساحة يمكن ان يشغلها أي بيت في الشمالية، فالمساحات في الشمالية على قفا من يشيل، انا العبد الصغير الفقير الى الله في الدنيا والآخرة، امتلك في قريتي (مقاشي) مساحة اكبر من تلك التي يشغلها قصر علي.. وعلى ذلك قس!! بيت عادي، بمقياس رسم الرياض والمعمورة والمغتربين، بابه اقرب الى (السنط) من رقائق الزجاج الالكترونية.. وسقفه اقرب الى (السعف) من مواسير الحديد والنحاس والالمونيوم. وارضه مفروشة بحبيبات الرمل والندى لا السراميك، ونوافذه تطل على مسجد، ومطبخه او بالاحرى ( تكله) مزود بالدوكة والمحراكة والكنتوش والمفراكة. طابق ارضي واحد، قابل لأن يمتد للسماء بالذكر والدعاء، لكنه غير قابل لاضافة أي طوابق خرصانية. قصر بلا حشم ولا خدم ولا بواب. ومع ذلك قلت: لماذا بنى علي بيتاً في الكرفاب، ومكان عمله الخرطوم، واسرته في الخرطوم، وابناؤه يدرسون في الخرطوم؟! بدا لي السؤال مشروعاً، فحملت اوراقي واقلامي، وتجولت في الكرفاب من ساقية علي الى ساقية على (حدود الكرفاب) بحثاً عن الاجابة على السؤال المشروع. جلست مع شيخ علي واهل علي وابناء عمومته وخؤولته وجيرانه، فكانت الاجابة و(ببساطة): اراد علي ان يوجه رسالة الى ابناء قرية الكرفاب، وعبرهم الى كل ابناء الشمالية، وعبرهم الى كل ابناء السودان والى كل الذين خرجوا من ديارهم وتوزعوا في المهاجر واصقاع العالم . حيثما رفعت حجراً، وجدت رجلاً من الشمال، في السافل والصعيد، وفي كل مدينة عربية او عجمية في بلاد (تموت من البرد حيتانها) وفي بلاد لا تغيب عنها الشمس المدارية. البيوت كساها العنكبوت وافرخ فيها الحمام، والنخلة تسأل كل صباح: أين الناس، وحبة القمح تبكي!! وعلي يريد للساقية ان تدور، وللمزارع ان تخضر، وللأذان ان يرفع. يريد علي للشمالية ان تعود لسيرتها الاولى وتعمر، والاعمار احياء لواحدة من اهم الارصدة الثقافية الاسلامية، والاعمار تعبير شديد المعنى ينصرف الى ماهو اكثر واعمق من الاضافة الى رصيد العمران، الاعمار يحمل معنى تسديد الامانة المعرفية والاخلاقية والقيام بالواجب نحو خير العالم والانسانية، وتفعيل الوجود الفردي والجماعي من خلال مهمة متصلة لعمل الخير ودحض الشر. والاعمار لا يكون باللسان والمواعظ المجردة، البيان فيه بالعمل، لذا بنى الشيخ علي بيتاً في الكرفاب، وشرع ابوابه للدناع وللمناع وللماشي وللغاشي ولى طير السماء الراكي.. (آل قصر علي آل)!!!