جهاز الخدمة السرية المكلف بحماية الرئيس الأمريكي وشخصيات اخرى (صور)

Quote: تأمين الرئيس.......!! مجاهد بشير الخدعة التي تنطلى على كثيرين، يجسدها الياور، ذلك الضابط الذي يرتدى زياً عسكرياً كاملاً وزاهياً ممتلئاً بالنياشين والشارات و الملحقات العسكرية المهيبة، ويقف دائماً خلف الرئيس مشدود القامة، دون أن يرمش له جفن، لدرجة تحمل من يراه على الظن بأن تركيزه منصب على حماية الرئيس، وأن نظرته الصارمة البعيدة تلك ما هي إلا قناع يختفى خلفه الرجل المكلف بمهمة الحراسة الشخصية للرئيس، غير أن الياور، أو كبير الياورات كما يطلق عليه في التوصيفات الرسمية منصب شرفي تقتضيه تقاليد المراسم ولا يحمل سلاحاً في يده أو تحت بزته العسكرية الفخمة، يرمز لهيبة الدولة، ويتم إختياره عادة من بين ضباط الجيش ليرمز إلى وقوف الجيش خلف رئيس البلاد، وليحمل عنه الهدايا، والرسائل، وما يقدم إليه في المناسبات. تأمين الرئيس، تلك المهمة غير المرئية في معظم الأحيان، يضطلع بها الحرس الجمهوري الذي يشرف عليه وزير رئاسة الجمهورية، وتساعده في تلك المهمة أجهزة أمنية وإستخبارية أخرى كالشرطة، والأمن، والإستخبارات العسكرية، والشرطة الأمنية والمباحث، وبينما يظهر الياور بزيه الرسمي للعيان تختفي عناصر تأمين الرئيس عادة تحت ملابس مدنية يصعب معها تمييزهم عن الحضور، خاصة في الأمكنة المفتوحة، ويتم توزيعهم بطريقة محسوبة في نقاط معينة، تفرضها طبيعة المكان. التأمين أسهل ما يكون في الأمكنة المغلقة التي يتم تفتيشها قبل قدوم الرئيس، ودراسة الشوارع المؤدية إليها، وإحكام عمليتي الدخول والخروج، وتأمين خط سير الموكب الرئاسي، وللعساكر تقاليد وطوابير معلومة في هذا الشأن تنظم طريقة سير السيارات وسرعتها، وطريقة وقوفها، ومسافة وفد المقدمة، وحركة قوة التغطية الخلفية، وكيفية تجاوز المنعطفات، وركن سيارة الرئيس، فسائقو هذه السيارات الرئاسية يتلقون تدريباً خاصاً، يتضمن أبعاداً أمنية في القيادة. الهدف كما يطلق عليه بلغة التأمين، أو الرئيس كما يطلق عليه المدنيون، تضرب حوله دوائر ثلاث بغرض حمايته، الأولى منها هي الأقرب إليه، والأكثر حساسية إزاء التهديدات، فعناصر هذه الدائرة لديهم تفويض بالتعامل المباشر، وإطلاق النار ما تطلب الأمر، وهي دائرة الحرس الجمهوري بإمتياز، وتتحمل العبء الأكبر في العملية كما يقول اللواء حسب الله عمر مدير دائرة الملفات الخاصة بمستشارية الأمن القومي، وتتولى الدائرتان الثانية والثالثة مهمة الإسناد، وتشارك فيهما عناصر من الأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى، فالدائرة الثانية تتدخل عند اللزوم لمعاونة الدائرة الأولى، فيما تقوم الدائرة الثالثة بمهمة الإسناد وتقديم المعلومات، وتعمل كقرني إستشعار لعملية التأمين، ترصد المتغيرات التي تطرأ على القراءة الأمنية الأولى للعملية، وتضم هذه الدائرة الأخيرة رجال المراسم كما يقول النور محمد أحمد المسئول السابق بمراسم الدولة. ذلك ما يقوله الكتاب، أما ما يجرى في واقع الحال فيختلف قليلاً أو كثيراً عن نص الكتاب الأمني، إختلاف تفرضه التقاليد الإجتماعية والثقافة السائدة في كل بلد، ويحدده موقف الهدف نفسه والطريقة التي يفضلها في الحركة والتعامل مع الآخرين، ويقول حسب الله أن تجارب حماية الشخصيات الهامة في السودان تتأثر بثقافة السودانيين وتسامحهم أكثر من إعتمادها على إجراءات التأمين الإحترازية، ما دفع الشخصيات الهامة نفسها إلى محاولة الحفاظ على هذه التقاليد الإجتماعية من خلال عدم التقيد بالإجراءات الإحترازية، والتعامل وكأن المجتمع نفسه الذي يتحرك فيه الهدف هو دائرة التأمين الحقيقية لتلك الشخصيات الهامة، إعتماداً على قيم موروثة كإكرام الضيف وحمايته، وإستنكار الضربات الغادرة والتآمر. سلم القصر الجمهوري الخارجي المفضى إلى مكتب الرئيس ربما كان مثالاً جيداً للطريقة السودانية التي تختلف عن غيرها في كثير من الأشياء، وفي التأمين على وجه التحديد، فهذا السلم مكشوف على عمارات السوق الأفرنجي المجاورة التي يزورها الرائح والغادى، وبينما ظل كبار رجال الدولة بمن فيهم الرؤساء يصعدون هذا السلم بصورة يومية دون توجس، أبدى ضابط أجنبى أتى في وفد المقدمة لرئيسه الذي كان يزمع زيارة السودان تخوفه من العمارات المجاورة وتساءل كما يقول موظف كبير سابق في القصر: هل هذه المباني تابعة للقصر...؟! طريقة البشير السودانية القحة تجعل شخصيته في الإطار الإجتماعي أقرب لابن البلد منها إليه كرئيس، وهنا تكمن متاعب رجال التأمين، فالبشير في بعض الأحيان يقرر المشاركة في بعض المناسبات الإجتماعية دون سابق ترتيب كما يقول محجوب فضل بدري مستشاره الصحفي السابق، كأن يشهد عقد قران أو يمضى لتأدية واجب العزاء، ولا يجد مرافقوه من رجال التأمين خياراً سوى الإسراع خلفه في محاولة للقيام بواجبهم، ولا يستقل البشير في مثل هذه المشاوير السريعة سيارته الرئاسية السوداء الفخمة المصفحة، بل يكتفي غالباً بركوب إحدى سيارات اللاندكروزر او عربة صالون كتلك التي يستقلها كثيرون، ويصر على الجلوس في المقعد الأمامي جوار سائقه الخاص، ومجرد سماع مناشدات المرافقين (يا سعادتك...دا ما مكانك...)....!! آخر مشكلات مرافقي الرئيس البارزة مع أنشطته الإجتماعية كانت قبل أسابيع عندما شهد البشير عقد قران في مسجد الشيخ البرعي بضاحية المجاهدين، بصفته وكيلاً للعريس نجل الفريق منصور عبد الرحيم، ويبدو أن الجميع بمن فيهم المرافقون كانوا داخل المسجد، ولم تكن سيارة الرئيس مميزة عن غيرها ما دفع أحد المشاركين في المناسبة لركن سيارته خلف سيارة البشير، ولم يجد المرافقون طريقة لإفساح المجال أمام سيارة الرئيس سوى المناداة عبر مايكرفون المسجد على صاحب السيارة رقم كذا كذا...ليفسح المجال أمام سيارة البشير للمغادرة. البشير، كما يقول مستشاره السابق، يتسم بثبات يجعله غير مكترث بالمخاطر وميال إلى مواجهتها بغض النظر عن العواقب، ولا يتبدى ذلك فقط في خروجه لبعض مشاويره الاجتماعية بصحبة الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع الذي يتولى قيادة السيارة في الغالب، بينما يجلس البشير إلى جواره وينطلقان إلى مقصدهما على متن سيارة عادية رغم مخاطر الحوادث العرضية أو المدبرة، لكن مواجهة الرئيس للمخاطر دون كبير إكتراث تشمل حوادث قديمة وجديدة، إحداها عندما كان قائد قوة في منطقة ميوم بالجنوب، وجلس في مكان مرتفع ومكشوف، فأصبح هدفاً مناسباً لأحد قناصة الجيش الشعبي المتمردين حينها، بيد أن البشير ظل ثابتاً في مكانه دون أن يستلقى على الأرض أو يتراجع، حتى قام بعض جنوده بمبادلة القناص إطلاق النار وإبعاده، أما الحادثة الأقرب والتي يعرفها الجميع فكانت إصراره على السفر إلى القمة العربية في الدوحة العام الماضي عقب صدور قرار توقيفه مباشرة، ويذكر محجوب أنهم طلبوا منه حينها البقاء فرفض، ثم طلبوا منه تغيير طائرته الرئاسية بأخرى على سبيل التمويه فرفض، وبقي هادئاً أثناء الرحلة يطالع الصحف بما فيها (الرأى العام) التي يفضل أن يبدأ مطالعتها من صفحتها الأخيرة، بينما كان مرافقوه بمن فيهم عناصر التأمين يتحسبون لأي تهديد يقترب في تلك الأجواء الملبدة بالظنون. المواقف التي يدخلها البشير بهدوء وينزعج من مخاطرها مسئولو التأمين عديدة، ومنها مواقف عامة يتابعها الجميع على شاشة التلفزيون، مثل زياراته لمختلف مناطق السودان ومخاطبة الحشود وجها لوجه، ومثل تجمع المواطنين حول موكبه في طرق عودته من كرري عقب صدور قرار توقيفه وبروزه لهم واقفاً داخل إحدي السيارات، مواقف ربما كانت خرقاً بائناً لإجراءات التأمين في كثير من الدول الأخري، لكنها ربما كانت على خلاف ذلك تماماً في السودان. البشير، يتعب فريق تأمينه بنشاطاته الإجتماعية وبساطته في التعامل مع الآخرين خارج الأطر الرسمية، كأن يقف مع صديق قديم يلتقيه في إحدى المناسبات، أو يدعو شخصاً إليه فلا يجد فريق التأمين فرصة للتدخل. فريق تأمين الرئيس يمتلك الكثير من المعدات الإلكترونية الحديثة، كالمناظير المقربة ومناظير الرؤية الليلية وأجهزة إكتشاف المعادن والتشويش على أجهزة تفجير القنابل عن بعد، وتلقت عناصره تدريباً متقدماً في الخارج، ويقول أحد المقربين من القصر على سبيل المبالغة أن بمقدور الواحد منهم إمساك الرصاصة وهي في الهواء، وربما كان هؤلاء على درجة عالية من الكفاءة بالفعل ومجهزين بالأجهزة والأسلحة الحديثة، لكن الإنفتاح على الناس وترسيخ القيم التقليدية والبساطة هي طريقة التأمين المفضلة بالنسبة للبشير على ما يبدو، وليس الإفراط في الإجراءات الأمنية، وإقامة جدار عازل يفصله عن الآخرين.