|
Re: في الخرطوم الجو ملخبط وما صفا..والحالة كيفن بتوصفه..يا طلحة جبريل ؟ (Re: حسن محمود)
|
يتواصل وصف الاستاذ/ طلحة جبريل للحال في الخرطوم ..
لاحظت كذلك أن تغليب الهاجس الأمني في بلادنا أفرز ظواهر سلبية كثيرة، ومن ذلك التضييق على ما يعرف باسم " الوقت الثالث". الناس تعمل وتكد من أجل لقمة العيش، وربما تجد وقتاً لترتاح، أو أن حالة الطقس تجبرها على الراحة، لكن لا يوجد وقت ثالث للترفيه. لا توجد أندية، كما كان الأمر في زمن مضى، يمكن ان يمارس فيها الناس هواياتهم ، بل حتى اهتماماتهم سواء كانت رياضية أو ترفيهية أو ثقافية. لا توجد دور سينما، وليست هناك مسارح أو دور للثقافة،أو قاعات للالعاب ، أو حدائق للصغار او الكبار. ليس هناك سوى التلفزيون و" سهراته" التي تفتقر الى الابداع والابتكار.
من غرائب هذا السودان، انه حتى بالنسبة للمناسبات الاجتماعية، لايجوز لك أن تسهر أو تفرح حتى داخل البيوت بعد الحادية عشرة ليلاً، ومن لديه واسطة يمكن أن يمدد سهرة البيوت لساعة اضافية، أما الشارع فلا مجال أن تبقى فيه فرحاً أو مبتهجاً بعد الحادية عشرة ليلاً، والأمر لم يعد يحتاج الى شرطة أو سلطة لتجبر الناس على فض حفلاتهم، بل إن هذا الدور أنيط بأصحاب مكبرات الصوت، يغلقون هذه المكبرات عندما يحين الوقت.
وإذا كان أمر حفلات الزفاف وتلك التي على هذا المنوال محسوماً، فإن ما يثير الاستغراب حقاً، أنه حتى بالنسبة للندوات ذات الطابع الفكري او الثقافي صارت تخضع للمنطق نفسه. والواقع أنني دهشت كثيراً حين كان القائمون على أمر ندوة حول"الطيب صالح" في "مركز عبدالكريم ميرغني" ، ينتظرون وحتى ساعات قليلة من بدء الندوة عن " الترخيص" على الرغم من ان الندوة نظمت داخل المركز، ولا أدري لماذا كانت الخشية من ندوة تحدثت فيها عن ذكريات شخصية مع الطيب صالح.
السلطة الحاكمة تقول إن الانتخابات التي يفترض ان تجري في ابريل المقبل ستكون" حرة ونزيهة" ؟ طيب كيف ستكون كذلك وانت لا تستطيع ان تتحدث خلف الجدران في مكان ما الا بموافقة السلطات؟
المؤكد ان كل هذه الاجراءات لم تحد من ارتكاب جرائم اجتماعية، إذا كان الغرض من أن ينام الناس مبكراً هو كبح الانحرافات والجرائم الاجتماعية. الحالة بالفعل سوريالية. يمكنك ان تتحدث في الهاتف المحمول وتقول ما تشاء ، وتتطرق في المناسبات الاجتماعية لما تريد، لكن ان تكون هناك ندوة أو لقاء أو اجتماع فإن المسألة تدخل في سياق الأمور التي فيها نظر.
من هذه الزاوية بدت لي حالة الخرطوم عصية على الفهم. هنا تذكرت ما قاله شاعر بلغة وسيطة بين العامية والفصحى وهو يوجه رسالة الى شقيقه الذي بقى هناك في القرية:
"تسأل من الخرطوم تقول كيف حالة البلد البعيد
في اليوم تمر بيك كم فصول حد ما شرق صبحاً جديد
مرات برد واحيان عجاج واحيان تكون حراً شديد
الجو ملخبط وما صفا
والحالة كيفن بوصفها
يا حليل بلدنا هي الديما عيد " " والبلد" هنا بها هنا القرية ، وليس الوطن.
هكذا اذن هي الخرطوم، عاصمة متقلبة طقساً واحوالاً، وأجمل مافيها ناسها
|
|
|
|
|
|
|
|
|