|
Re: الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» (Re: هشام آدم)
|
[تابع] وفي كل هذه الإلماحات؛ فإن الأبنودي لم يغفل التطرّق إلى إشكالية الوعي المجتمعي، أو عقلية القطيع، المتشكّل مسبقاً بقوالب جاهزة ومنمّطة، تجعل عمليات التغيير أكثر صعوبة، واستطاع ببراعة عبقرية التطرق إلى موضوعات شعبية هامة للغاية بلغة بسيطة سهلت علينا جميعاً معرفة تأثير النواحي الاقتصادية في تشكيل الوعي الاجتماعي وإعادة صياغته وصياغة الروابط الاجتماعية، ويظهر ذلك بادياً من تناول الشاعر في بعض من أجزاء قصيدته للعلاقة بين صاحب العمل والعامل، وكذلك تناوله الأبستمولوجي الناقد للمجتمع الريفي وشكل العلاقات داخله، ويقدم انتقاده الموضوعي للنمط التوريث الاجتماعي البائد في تلك المجتمعات، وحالة العزلة الطوعية التي تفرضها المجتمعات الريفية على نفسها ضد الآخر خشية الذوبان فيه، ولا أدل على ذلك من قوله: {مشٌّونا ابَّاتنا واماتنا السكه غلط. إحنا طلعنا نلاقي صغارنا تعيد الشوره على كبارنا. لو نستعقل حد غريب ونبوح له بمواجع نبقى ف عين كباراتنا يا فاطنه زي اللي كسروا صندوق الجامع. وطلعنا لقينا الدنيا موروثه خلاص. متقسمة عايلات وبيوت: بيت صالح .. بيت العكرش بيت اب سلمى. ده أخويْ .. وده جوز خالة أمي ودى أم مرات عمي. والبيت ده .. ما يفتحش ف وش البيت ده غير بابه. عمري ما في الجبلاية يا فاطنه شفت بيوت فاتحة قلوبها لبيوت إلا لما حد يموت الموت بَسْ اللي بيجْمعْنا ياناس جبلاية الفار. نقعد مع بعض كإننا نخل في كرم. إن هبت ريح ع الكل اتطوحنا زي الكل. وان سكت الهوا يسكت ع الكل. لكن نخلة جعانه عشطانه شكْوِتها للتانية عار! مين قال يا ام ولادي فتح القلب خطيَة؟ جينا ومتقاللّنا: دول حبايبكم دول نسايبكم دوله عدوينكم. واذا حس القلب بميل للجيه المشْ مرسومه كَفَر! جبلاية الفار أكتر من مليون جبلاية فار كل طقية ماشية لوحدها. كل بيبان بيت جبلاية فار. إن قلت: أبو أمي راجل طماع حتى إن كان طماع حرام .. وأخش النار. تنخر فينا العِتَّه ف مطارحنا ما نتقدمش. اللي يتقدم كافر نقعد؛ لا نقول: لا ولا نصرخ .. وَلا نعافر .. لما نموت}
لقد نجح عبد الرحمن الأبنودي أن يُبشر لأيديولوجيته الخاصة في هذه القصيدة وأن يوظفها توظيفاً صحيحاً بحيث يصعب علينا أن نفرّق بين “حدوتة” النص، وبين المعاني التي ترمي إليها، وفي كل مقطع من مقاطع النص الشعري، نجد العشرات من التلميحات السرّية التي أخفاها الأبنودي بذكاء حتى يستطيع أن يوصل فكرة الشيوعية ومبادئها دون أن يصطدم بشكل مباشر بتابوه الدين الذي كان هو الحائل في كل مرّة أمام فهم الشيوعية واستيعابها في المجتمعات الشرقية المتدينة، طالما ظنّ الناس أنها فكرة لم تأت في الأصل إلا لمعاداة الدين، والتخلّص منه. أراد الأبنودي من هذه القصيدة أن يبعث إلينا برسالة سرّية مفادها: أن فكرة الشيوعية لا تهتم بقضايا الدين والتدين، وإنما تهتم بقضية العدالة الاجتماعية واقتسام الإنتاج والسلطة، وأنها تحرص كثيراً على تحقيق هذه العدالة ونشر مبادئ الحرية والمساواة، وأن نظرة الشيوعية للعدالة قائمة على مبدأ الإنتاج [بقدر ما تنتج؛ بقدر ما تأخذ]، وبهذا فهو يسعى لإزاحة الغبار المتراكم الذي سعت العقليات الدينية أن تهيله على الفكرة بمهاجمتهم المستمرة وتصويرها بأبشع الصور التي تجعل الإنسان العادي البسيط ينفر منها؛ لأنهم على الدوام يستخدمون -في محاربتهم للشيوعية- سلاح العاطفة الدينية واستغلالها في إقصاء هذه الفكرة حتى قبل أن تتاح لها الفرصة العملية للتطبيق في مناخ ديمقراطي مناسب.
[انتهى]
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» | هشام آدم | 01-21-10, 08:47 AM |
Re: الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» | هشام آدم | 01-21-10, 08:55 AM |
Re: الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» | هشام آدم | 01-21-10, 09:00 AM |
Re: الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» | هشام آدم | 01-21-10, 09:06 AM |
Re: الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» | وليد عبد اللطيف | 01-21-10, 09:17 AM |
Re: الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» | هشام آدم | 01-21-10, 09:37 AM |
Re: الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» | هشام آدم | 01-21-10, 09:29 AM |
Re: الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» | هشام آدم | 01-21-10, 10:15 AM |
Re: الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» | هشام آدم | 01-21-10, 10:31 AM |
Re: الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» | هشام آدم | 01-21-10, 10:33 AM |
Re: الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» | وليد عبد اللطيف | 01-21-10, 11:01 AM |
Re: الرسالة السرية في «جوابات حراجي القط» | هشام آدم | 01-22-10, 12:41 PM |
|
|
|