"يا أخوانّا لينا زمان ... من فاشر السلطان"

Quote: "يا أخوانا لينا زمان من فاشر السلطان" نهلة محكر جال بخاطري ومر شريطٌ طويل من ذكريات تقبع في ثنايا الذاكرة، تطل بوجها في مخيلتي كل حين، ولكنها اليوم أبرزت وجودها بقوة وعنفوان، ودخلت إلى دهاليز كنت حسبتني مع تعاقب الزمن قد تهت عنها وبعدت عني، ولكنها ما تزال حاضرةً بكل ما فيها من تفردٍ وجمالٍ وألق. أذكر تلك الأيام التي كنا نقضيها في التمرن والتدريب و"البروفات"، فالمنافسات قوية جداً، وكل مدرسة تحاول أن تكون هي الأولى، وجمهور مدينة الفاشر ينتظر بفارغ الصبر ليستمتع بإبداعات أبنائه في جميع المناحي الثقافية، شعراً وغناءً، وتمثيلاً، ورياضةً وغيرها. وكنا طلاباً وطالباتاً، نشحذ هممنا، وكلٌ يلقي بثقل موهبته فيما يحب من مجالات، وكان الواحد فينا يشترك في أكثر من منشط، ويبرز فيه. أثناء المرحلة المتوسطة "رحمها الله" كانت مدرستنا "الفاشر الغربية" تستحوذ على أغلب الجوائز، وكانت مشاركاتنا دوماً تكون في المراكز الأولى، وكذلك في المرحلة الثانوية، ومدرسة "الفاشر الثانوية العليا" تلك المدرسة العريقة التي خرجت أجيالاً وأجيال من بنات ونساء الفاشر وما جاورها ، كان لها النصيب الأكبر من الجوائز في الرياضة والمسرح أيضا. وبعد الجد والإجتهاد لنيل المراكز الأولى وحصد الجوائز، يتبقى الجزء الأهم، عرض المشاركات الفائزة على جمهور المدينة، الذين كانوا يأتون من كل أركانها ليستمتعوا بالليالي الثقافية التي يقيمها الطلاب، صغاراً وكباراً، شيباً وشباباً، أطفالاً ونساءً. وكانوا يحتشدون مبكراً، حتى لا يفوتهم شيء. كان الجمهور هو الحكم الأول وهو الشاهد على نجاح لجان التحكيم، فالعمل الذي ينال إستحسان جمهور المدينة، هو العمل الفائز وإن أتى في مركز ثان أو ثالث. كانت المشاركات المسرحية تعرض على أهم مسرحين تلك الأيام، مسرح المجمع الثقافي بحي المجمع وسط المدينة، أو مسرح القيادة، والذي يقع بالقرب من القيادة الغربية، غربي المدينة. أما المشاركات الرياضية، فكانت تتم إما في ميدان "النقعة"، بالنسبة لكرة القدم والإستعراضات الرياضية، أو في ميادين القيادة أو المدارس الكبيرة لمناشط كرة السلة والطائرة وتنس الطاولة وألعاب القوى. كنت من المشاركين المداومين في الدورات المدرسية المحلية والقومية منذ المرحلة المتوسطة وحتى الثانوية، كانت أبرز مشاركة لي في المرحلة المتوسطة، وما تزال محفورة في الذاكرة، تمثيل مسرحية "سعاد" للشاعر الكبير الهادي آدم، وقد قمت فيه بلعب دور "سعاد" وفازت المسرحية بالمركز الأول ونالت رضا وإستحسان الجمهور وطالبوا بعرضها مراراً، ومازلت حتى الآن أردد مقاطعها وأمثلها وحدي، وكنت أتمنى أن أمثلها على خشبة المسرح القومي. إضافة إلى ذلك شاركنا في تأليف عدد من المسرحيات مع صديقاتي وأستاذتنا المشرفة على المنشط الثقافي ونالت تلك المسرحيات التي ألفناها مراكز متقدمة في المنافسات. في الثانوي اقتصرت مشاركاتي على الرياضة أكثر، فقد كنت بطلة المدرسة في تنس الطاولة، وأحرزنا المركز الأول في ولاية دارفور الكبرى "قبل تقسيمها" وشاركنا في الدورة المدرسية بالأبيض ممثلين لولاية دارفور، وأذكر أننا فزنا بالميداليات الفضية في "الرقص الشعبي" وما زلت أحتفظ بميداليتي حتى اللحظة. المناسبة لهذا الدفق من الذكريات والأحداث هو إفتتاح الدورة المدرسية القومية الحادية والعشرون، والتي تقام في مدينة الفاشر، حاضرة شمال دارفور، اليوم الخميس الموافق 31/12/2009. مضى زمن طويل لم أر فيه مدينة الفاشر "1998" أي قبل أن تنشب الحرب في الإقليم، وأتمنى أن أرجع إليها مرة أخرى قريباً، وسمعت أن تغييراً كبيراً طرأ على الخريطة المعمارية للمدينة، وحتى الخريطة الديموغرافية أيضاً تغيرت، فهل سيستقبل أهل الفاشر فعاليات الدورة المدرسية كما كانوا يفعلون في السابق؟ أم أن الحرب والإضطرابات شوهت تلك الدواخل النقية المتعطشة للثقافة والفن والإبداع؟ وهل طغت همومهم التي يعيشونها على كل شيء، وما بقي في القلب "نَفِس" لثقافة أو ترفيه أو غيرها؟!! هل ستساهم إقامة الدورة المدرسية هنالك في تنمية المدينة وترقية بنيتها التحتية؟ أم ستزيد من معاناة أهلها وضيق عيشهم؟ رغم هذا كله، أثق في أن أهل مدينتي سيحملون ضيوفهم على رؤوسهم إحتفاءً بهم وتكريماً لهم، لمجرد أنهم في مدينة الفاشر، هذه المدينة التي أعشق وأهوى .. و .. "أنا لي أمنية ... تتحقق النية طيارة تطير بيّا .. فوق للزيادية"