لو ما بتسمع ( الغنا ) دا شن بسوي بعرسا ... و لو ..

Quote: هل قدرنا أن تختارنا المنافي عسفا، و ألاَ يكون لنا حتى ذرو تـراب التغرَُب؟ هل أضحى وطننا قاسيا بحجم ألم كبير يدوّم طويلا ما بين القلب و الشفتين؟ هـل أضحى الكوكب الأرضي بأسـره منفى كـبيرا يبث شـباكا عنكبوتية جبارة حولنا أينما نولي وجوهنا؟ أنفِرَُ من المنفى المسمى وطنا إلى منفى لا نملك إلاّ أن نسميه الأكثر استحالة من بين كل المنافي؟ البارحة كنت حزينا يسحـق الألم الممض روحي.. يقتلها بلا رأفـة. خرجـت أتمشى مع إحدى حبيباتي؛ الأحدث عهدا بعشقي النزق. كنت في صمتي أحمل قبرين داخلي.. أنظر إلى الناس و لا أراهم.. أسمع حديث تلك الحبيبة و لا أستمع إليها. لما تنبّهت الحبيبة إلى أحزاني الكارثية ألحت أن تعرف بواعثها. أخبرتها باقتضاب عن فقدي. واستني بجملة يتيمة عجفاء، ثم شرعت تتحدث عن الحياة و هموم بالغة الصغر. لم أعلق. فقط استمعت إليها في غياب. صمتت ربما لتتيح لي سانحة حـزن ينشد رفقة متعاطفة، مـن غير طائل. لكنها ما برحت أن عادت بإلحاح لتسأل عمّا ألم بي و ما بالي صامت و أنظر إلى البعـيد. حدثتها عـن عسف المـوت، و جبروت المنافي، و أمجاد الآلهة البليدة. فيما بدا لم تفهم. قلت بنزق: ــ أنا حزين جدا، يا صوفيا! قالت من بعد تردد: ــ أفهم مبعث حزنك. لكن ماذا بشأن حبنا؟ لوهلة بدت دهرا لم أفهم شق جملتها الثاني بيد أنها أضافت بلهجة أكيدة: ــ أنت اليوم تغيرت كثيرا. لم تعد تكترث لي! هالني، يا صديقي، كم "نحن" و "هم" على طرفي نقيض؛ تجمعنا هذه الأرض المحايدة و تفرقنا إنحيازات الهموم! لا أستطيع أن ألـومها أبدا، تلك الحـبيبة، سيما و أنها لم و لـن تدرك أبدا فـداحة الأحزان الكارثية الماحقة. و لذا فـلم أكلف نفسي عناء الإيضاح. قـلت في مـرونة قسرا استحضرتها بعد أن ضممت تلك الحبيبة إلى صدري الناحل: ــ لنتحدث في هذا الأمر في وقت لاحق. كنت أنافق نفسي. أدركـت، يا صديقي، أنني ستمـتد بي الدهور و لـن تنقشع كثافات الحـزن من نفسي ما لم تنتخبني أنثى، من أديم بلادي و عجاج فصولها، شـريكا في الأبدية و في هـذه الدنيا الفانية. ذلك أن الحـزن، في هـكذا ظروف، قـيمة أخلاقية مـاجدة لن يعـدلها العشـق و لا التوحـد و لا ممارستهما. إنه الإنبثاق الأعـظم فـي موسـوعة المـنافي و الأوطـان المتواطئة. و ما النساء إلا أوطانا نجـترحها و قـد تناءت عـنا الأوطان المنافي في تمنّع عصيّ!