من هو السفير نورالدين ساتي!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-01-2024, 11:36 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-21-2009, 06:32 AM

عادل نجيلة

تاريخ التسجيل: 08-11-2009
مجموع المشاركات: 2832

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من هو السفير نورالدين ساتي! (Re: عادل نجيلة)

    Quote:




    تحميل الصور | مساعد اللغة العربية | مساعد استخدام البورد | المتواجدون الآن | بحـث الساحات

    حديث عن المقابر، الخطة الإسكانية والعشوائي

    السلام عليكم ضـيف [دخـول]
    Your last visit: 21-12-2009, 08:26 update








    Printable Version Forward Threaded View « Previous Topic | Next Topic »
    Jump to newest reply in thread »
    20-04-2006, 09:08

    Mohammed Eltayeb


    Writer

    Registered: 28-01-2006
    Total Posts: 16
    دبلوماسية وشاعرية الطابتيين (2)؛

    بسم الله الرحمن الرحيم

    دبلوماسية وشاعرية الطابتيين (2)؛

    ما أجمل الصبح في طابت السبعينات وهو يتنفس رويدا رويدا عن أجواء شاعرية من بعد أوبة الناس من صلاة الفجر، إذ تهب ّ النسائم مع شقشقة العصافير وهديل الحمائم ، وإذ تشرق شمس الصباح لتخرج من حظائرها إلى مراعيها البهائم ، وإذ تختلط أصوات الكنّاسين وضحكاتهم بخوار البقر وثغاء الغنم ويعار المعزى ، حين تقبل (عربة الصحة) التي يجرها حصانان لتأخذ القمامة وأوزار الحيوان ، ما من صاحب مؤسسة أو طالب مدرسة في ذلكم الصباح إلا يلبسون زيا موحدا : أقمصة قصيرة الأكمام و( أردية) قصيرة أيضا تكاد تلامس الركبة وتحيط بالخصر إحاطة السوار بالمعصم ، يلبسها ( أحمد شجر الخيري) ملاحظ الصحة بمقدمه المهيب ونشاطه الدؤوب يصول ويجول بين الطرقات والأزقة يأمر وينهى ويجادل:-

    حوالى تِسعةْ "شجر الخيرى" جنبْ ناس "عيد"
    يأشّرْ واتَّكى ويكَتَبْ …
    كلامْ بى سراعْ عن البرميلْ
    وشاكلْ خالى "حَمدَالسيدْ"

    وأقطاب المستشفى مثل ( ود الأحمر ) و ( ود العوض ) و (المنقوري) و ( عبد النور) الحكم الشهير ، و( مبارك علي الجراري) أو ( مبارك الحكيم) كما درج الناس على وصفه ومناداته إلى وقت قريب ، كلهم يلبسون تلك ( الأردية والأقمصة) ، كما يلبسها طلبة المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية مختلفا ألوانها زرقاء وخضراء وبُنية ، ثم يخرجون إلى مدارسهم زرافات ووحدانا في نشاط و انضباط ليس له مثيل ، يسلكون شوارع نظيفة ، ويحلمون بظلال من الآمال وريفة ، كنا نلبس ذلك الزي الأزرق ونختلف صباح مساء إلى مدرستنا الابتدائية ، نمرّ كل يوم بذلك الرجل المسن الذي يقف شامخا بين منزل ود القاسم ومنزل البخيت ينسج الحبال بيديه، وربما نسي أحدنا فحيّاه بقوله ( إزّيّك ) فرد عليه الشيخ المسن مغضبا ( زيي زي البهيمة دي ) ، فتذكر التلميذ عندئذ فقال ( السلام عليكم ) فرد عليه الشيخ متهللا كما لو كانت بينهما معرفة منذ زمن طويل ( وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته) ، كان كل إنسان في ذلك الزمان - شيخا كبيرا أو امرأة عجوزا – يتحفنا بحكمة أو تجربة أوعلم ، فإذا بلغنا المدرسة وهي تحيط بها أشجار( الكتر) الكثيفة من كل جانب دخلنا في مدخلها الذي يزينه صفان متوازيان من شجيرات وأزهار ذات بهجة ، ألا ما أجمل ذلك الصباح، وما أجمل أناشيد التلاميذ التي تحكي ألحانها أصوات البلبل الصدّاح ، حيث كان يقف العم ( صباح الخير) ذلك الخفير الطيب الذي التقيته قبل بضع سنين في منزل الأخ جعفر عثمان بأمبدّة وقد أخذ الدهر من بسطة في جسمه كانت تملأ صدورنا بالهيبة والرهبة بينما كان اسمه وبسمه يملآنها بالتفاؤل والانشراح.
    في تلك الحقبة كانت الحياة في طابت طيّبة عذبة، وكانت النفوس سميحة و الصدور فسيحة والوجوه صبيحة، وكان التباين في الانتماءات السياسية والفكرية والرياضية يزيد فسيفساء النسيج الاجتماعي ألقا ورونقا ولا يوهن ما بين الناس من علاقات وصلات ، ودونكم شاهدا على ذلك أخوين كريمين عاشا تحت سقف واحد ، أقصد ( محمودا) و( السماني) ابني الشيخ عبد الجبار الشيخ السماني رحمه الله ، هذا قلبه مع ( العمّال) ، وهذا قلبه مع (الأهلي) ، قلبان في جوف بيت رجل واحد و( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه)، قلبان يتحابّان ولا يتباغضان، يمتعاننا مع غيرهما من ضراغمة اللاعبين بأداء كروي رائع إذ يمارسون من خلاله لونا من دبلوماسية الرياضة مع من حولهم من فرق أهل القرى في ذلك الميدان المحُوط بسياج (الخيش) المجاور لمدرستنا المتوسطة ، كأنهما يقولان للناس وهما يلعبان في فريقين مختلفين : إن اختلاف الرأي واللعب لا يفسد للود قضية ، بل يضفي على اللوحة ألوانا إضافية، أو كما قال ( شوقي) في مسرحية ( مجنون ليلى) على لسان ابن ذريح :

    ما الذي أضحك مني الظبيات العامريّه
    ألأني أنا شيعيّ وليلى أمويه ؟
    اختلاف الرأي لا يفسد للود قضيه

    في لندن التي شخصت إليها زائرا في فبراير1994فمكثت بها أياما ، وأمضيت فيها عيدا سعيدا وقابلت أقواما التقيت أيضا الأخ / محمود عبد الجبار بمكتبه بالسفارة ثم زرته بمنزله الرحب حيث جلسنا وتحدثنا ، فلعلي ألقيت عليه يومئذ أبياتا للشاعر( أزهري) تحكي عن تلك الحقبة :-

    أنا البَذكّر "الأغبش" .. وكان "الهادى أم سيسى"
    نذاكِر جوز فى ديوانو
    كرم فَيّاضْ وجَكْ ليمونْ
    وكُنّا عشانا كان ساردينْ وفول مسحونْ
    وكان بس "مصطفى الجيلى" العشاهو الزَيّنا
    زايد علينا قِزازْ وكيس زيتونْ
    وفى الميدان لعب "محمود" لعب "جكنون"

    إنها إذن دبلوماسية الرياضة التي أتاحت لزين الدين زيدان لاعب المنتخب الفرنسي الجزائري الأصل أن يؤلف بين قلوب أهله الجزائريين و بين قلوب الفرنسيين بما حققه من نصر كروي عظيم لفرنسا تبوأت به لأول مرة عرش بطولة كأس العالم في كرة القدم ، وهي ألفة ومحبة تعجز أن تأتي بمثلها دبلوماسية البلدين الرسمية عبر عديد السفارات والزيارات والمؤتمرات مهما أوتيت من قوة وسلطان أو تمكنت بحجة وبرهان ، وما كان لها أن تمحو عقودا من علاقات بينهما شابها البغض والاحتراب والاضطراب على مر الأزمان ، بل لم تكن لتفعل ما فعله برأسه وقدمه زين الدين زيدان.

    الدبلوماسية في ملمح من ملامحها هي سياحة في الزمان والمكان والإنسان يقف الدبلوماسي من خلالها على مختلف الحضارات و المناخات والمعتقدات ، ويلم بكثير من الثقافات واللغات والأدبيات، ويجتمع بأفواج من كبار الشخصيات ،وتتنوع تلك السياحة في وجداني أذواقا وآفاقا بوصفي قارئا مثابرا على الأخبار والأفكار والأشعار بخمس لغات ، ولقد قمت بحكم مهنتي بزيارات إلى قصور رئاسية ووزارات ومؤسسات عديدة بيد أن القصور التاريخية والمشاهد الأثرية تستقطب اهتمامي وتستحوذ عليه استحواذا ، ومن هذه القصور والمشاهد زرت ( قصر فرساي) العجيب والقريب من باريس وكان في معيتنا في تلك الزيارة السياحية الأستاذ / سيد الخطيب أحد مهندسي اتفاقية السلام المبرمة قبل أكثر من عام بين الشماليين والجنوبيين ، وأذكر أنني ابتعثت في تلك الأيام إلى العاصمة البلجيكية بروكسل في زيارة قصيرة هي الأولى من نوعها لي خارج منطقة التمثيل لأقوم بالتمهيد لمهمة دبلوماسية خاصة جاء ليضطلع بها الأستاذ الخطيب ، و( قصر فرساي) هو أعجوبة من العجائب في بحبوحة شُرفاته وقاعاته وجناته ، وهو قصر ملوك فرنسا قبل الثورة الفرنسية الذي قالت من داخله الملكة ( ماري أنطوانيت) قولتها المشهورة، وحين قدم وزير العدل الأسبق السيد/ عبد العزيز شدو - رحمه الله- إلى باريس طلب مني أن أصطحبه في جولة سياحية قصيرة على بعض المعالم الباريسية ، فطوّفت به على ( قوس النصر) و (برج إيفل) فكان ينظر إلى الأخير ويحدثني ويفصل حديثه بقوله ( يا سلام ، يا سلام) تعبيرا عن إعجابه الجم ، وكان يخبرني أنه رأى ( تمثال الحرية ) بنيويورك و (سور الصين العظيم) ولكنه لم ير في حياته مدينة بهذه الروعة والفخامة ، ومن الطرائف أن المصعد أو( الأسانصير) رفض في ذلك اليوم أن يصعد بالسيد/ شدو وبمسئول آخر يرافقه من النائب العام إلى منزل السيد / السفير بسبب ضخامتهما الجسمية التي أرهقته وزنا ثقيلا ، وبعد خمس أو ست سنوات من تلك الزيارة قدم إلينا السيد/ شدو في رومانيا لحضور حفل تخريج ابنه في جامعة ( تمشوارا) ، ولما رآني ثالث ثلاثة استقبلناه برفقة السفير/ ماثيانق ملوال بمطار بوخارست أسرع إلي ّ جذلان فرحا وعانقني طويلا ( كيف حالك يا محمد) يذكر تلك الأيام الجميلة التي رافقته فيها في باريس .

    لا أنسى ذلك اليوم الذي اكتظت فيه القاعة الكبرى بمقر اليونسكو بلفيف من السياسيين والسفراء والإعلاميين في خضم إجراءات أمنية غير مسبوقة لحضور الخطاب الذي سيلقيه الرئيس المصري حسني مبارك ، ولقد دعينا معشر الدبلوماسيين إلى تلك المناسبة في تلك القاعة حيث كان الرئيس مبارك واقفا على المنصة يلقي خطابه محاطا بطائفة من ضباط الأمن المصريين من بين يديه ومن خلفه ، ولا أنسى أيضا ذلك الخطاب الذي ألقته باللغة الفرنسية السفيرة الأمريكية بباريس في إحدى المناسبات الرسمية بمجلس الشيوخ الفرنسي ، أو ذلك الاجتماع الذي جمعني وطائفة من السفراء بمنزل السفير اللبناني ببوخارست مع السيد / نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني ، و تطرقنا فيه لقضايا عربية استراتيجية و كان أشبه بجلسة فكر سياسي منه بمحفل دبلوماسي ، و رغم أنني لم أعاصر عهد الرئيس نيكولاي شاوشيسكو إذ وصلت إلى رومانيا بعد سنوات من إعدامه إلا أنني رأيت كثيرا من الرومان الذين ثاروا عليه من قبل وطالبوا بإعدامه يتباكون عليه ويضعون أكاليل الأزهار على قبره تجسيدا لحكمة أهلنا السودانيين ( الزول ما بتعرف خيرو إلا لمّن تشوف غيرو )، ولئن كانت للرجل سيئاته فلقد كانت له حسناته التي منها مساندته ودعمه للعلاقات الرومانية السودانية التي يرمز إليها بناؤه لقاعة الشعب ( البرلمان) بأم درمان هدية لحكومة وشعب السودان ، بيد أنني عاصرت رؤساء من بعده كالرئيس يون إليسكو والرئيس إميل كونستانتنسكو الذي كدنا أن نقع في ( مطب ) بروتوكولي معه يوم قابلناه في قصر كوتروشيني الرئاسي برفقة سعادة السفير / بشير محمد الحسن لتقديم أوراق اعتماده ، فاكتشفنا ونحن لدى بابه أننا نحمل منها نسخة ذات خطأ مطبعي طفيف ، فاتفقنا مع مدير المراسم على أن تسلّم بروتوكوليا للسيد الرئيس على أن تبعث النسخة الصحيحة في وقت لاحق فكان في ذلك تدارك للأمر ، وكم من طرائف ومواقف أو مشاهد وشواهد في بلاد أخرى زرتها في الشرق الأوروبي مثل بلغاريا ومولدافيا والمجر أو في المشرق العربي مثل سوريا ولبنان والسعودية وقطر .

    قصور أخرى ومتاحف زرتها ولم تزل في الذاكرة مثل قصر شاوشيسكو ، وقصر سينايا التاريخي الفخم الذي يقع على بعد 120 كلم من بوخارست ، وحينما زاره سفيرنا أخذته نشوة الطرب مما رأى من العجب فقال لي ( الناس ديل قبل ميّة وخمسين سنة كان عندهم كهربا وإمكانات هائلة ، تقولوا لي يونس ود الدكيم ! ) فتبسمت ضاحكا من قول هذا السفير الذي كانت فيه دعابة وخفة دم وعمل من قبل دبلوماسيا ناشئا بجنيف ، وحق له أن يعجب فلقد كانت لشعوب الرومان حضارات عريقة قبل آلاف السنين إذ لم يكن الآخرون شيئا مذكورا ، ثم زرت قصر الحمراء بأسبانيا ، وقصر الإمارات الرئاسي الذي دخله وزير سوداني كنا نرافقه إلى جناحه الخاص به فقال لنا مازحا ( تقولوا لي الفلل الرئاسية ! ) ، وعلى شرف استقبال الوفد الوزاري الزائر برئاسة وزير الدفاع السابق / بكري حسن صالح دعينا إلى حفل ومأدبة عشاء في العام الماضي في هذا القصر ففوجئنا بأن الملاعق والشوك والسكاكين هي من الفضة الخالصة وبعضها مذهبة ، يومئذ كان معنا اختصاصي سوداني عمل سابقا طبيبا خاصا للمغفور له الشيخ زايد فقال لي وهو يجيل النظر في أرجاء هذا القصر الممرد ( دي ألف ليلة وليلة) فأجابه أحد المصريين ( دي ألفين ليلة وليلة) ، ومن غرائب الصدف كان بجانبنا في ذلك العشاء وفد روسي تعرفنا إلى عضو من أعضائه ربما بلغ التسعين يدعى ( كلاشنكوف) وهو مخترع البندقية التي تحمل اسمه وكانت لنا معه صورة تذكارية جماعية ، ومن المتاحف المشهورة زرت كثيرا متحف اللوفر بباريس حيث شاهدت روائع الفن الأوروبي كالموناليزا التي ما انفكت أوروبا تتجادل في سر بسمتها لأكثر من أربعة قرون ، ثم زرت متحف توب كابي بإسطنبول أوالأستانة حيث توجد آثار رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كبردته التي أهداها إلى الشاعر كعب بن زهير بعد أن أنشده قصيدته ( بانت سعاد فقلبي اليوم متبول) ، وبه سيوف الصحابة ومصحف سيدنا عثمان رضي الله عنه وآثار السلاطين العثمانيين، ثم زرت متحف الشاعر الروماني ميهاي امينيسكو (Mihai Eminescu ) بمدينة ياش ، وهو أمير شعراء الرومان و أسلوبه شبيه بأسلوب شعر التجاني والشابي ، أما اسطنبول فإنها تطل أحسن إطلالة على بحر مرمرة ومضيقي البسفور والدردنيل وتشتهر بكثرة المآذن ، وفيها من فخامة العمران ما ينطق عن التاريخ الإسلامي ببيان ، حظيت فيها بمشاهدة سور القسطنطينية وحصنها القديم ، وبزيارة قبر الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري أول رجل يستضيف النبي ( ص) بمنزله بالمدينة المنورة حين قدم إليها مهاجرا ، وتمتعت بزيارة مساجدها الرحيبة كمسجد السلطان أحمد الذي لم أر مسجدا أفخم منه إلا الحرمين الشريفين، وشبيه به المسجد الأموي في دمشق الذي زرته كثيرا كزياراتي لقبر المجاهد / صلاح الدين الأيوبي المجاور له ، أو مساجد أصدقائنا التتار بمدينة ( كونستانسا ) الرومانية على البحر الأسود التي تماثل في بنيانها وعمرانها مساجد الأتراك.

    وفي باريس أيضا التقيت شخصيات سياسية وفكرية وأدبية شتى من خلال عملي بالسفارة أو بمقر منظمة اليونسكو التي اختارني السيد/ السفير نور الدين ساتي لتمثيل الجانب السوداني في لجنتيها القانونية والثقافية فضلا عن تمثيله أحيانا في اجتماعات مجلس المندوبين الدائمين من السفراء العرب ، ومن هؤلاء الذين التقيتهم السفير العراقي / عبد الأمير الأنباري الذي كان قبلها مندوبا دائما لبلاده لدى منظمة الأمم المتحدة و اشتهر بمواقف دبلوماسية مشهودة إبان احتلال العراق للكويت في عام1990 ، وكان هذا السفير حينئذ مندوبا دائما لبلاده باليونسكو وعضوا معنا باللجنة الثقافية المنبثقة عن المجموعة العربية بها وحدثنا من خلال اجتماعات اللجنة عن ذكريات له بالمنظمة الدولية بنيويورك ، والتقيت أيضا الشاعر / عبد الواحد أحمد يوسف الذي هو من مسئولي اليونسكو وشاعر القصيدة الوطنية المشهورة:-

    اليوم نرفع راية استقلالنا *** ويسطر التاريخ مولد شعبنا
    يا إخوتي غنوا لنا غنوا لنا

    كما التقيت مرارا الدكتور / محيي الدين صابر- رحمه الله- المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( الأليسكو) التابعة لجامعة الدول العربية ، ذلك الرجل الذي تغير السلم التعليمي في عهده يوم كان وزيرا للتعليم في حقبة مايو ، وتذكرت يومئذ ونحن نتحدث معا بمنزل السيد السفير بباريس حيث كان الدكتور/ محيي الدين صابر يستوصيني خيرا بابن له يدرس في جامعة بإحدى المدن الفرنسية ، تذكرت يومئذ أستاذا لنا بالمدرسة المتوسطة كان ناقما من هذا الرجل أشد النقمة ، ذلك هو الأستاذ عبد الله دفع الله من أهل الهلالية ، إذ أقسم بالله جهد أيمانه لا يدرّسنا درسا أو مقررا في الأدب كتبه محيي الدين صابر ، ما أكثر ما كان ينشب فيه مخالبه ، ويذكر إذ تأتي سيرته معايبه ، وما أكثر ما كانت تطربنا وتضحكنا عجائبه ، كان الطلبة يستفزون هذا الأستاذ كثيرا ليستمتعوا بعباراته الجريئة المضحكة ويلقبونه ( نيلة) لكثرة ما كان يردد هذا اللفظ المصري ، غدونا إلى المدرسة في صباح ذي مطر خفيف فصاح هذا الأستاذ في جموع الطلبة مستنكرا ( جاتكم نيلة ، الجابكم شنو في المطر دا ، دي حالة دي ، ضابط ضُبّان عندو عربية) ينتقد ما يراه من حال حسنة لملاحظ الصحة في ذلك الزمان بالمقارنة مع حال المعلم أو الأستاذ وهي لم تكن سيئة فيما أحسب بل كانت أفضل كثيرا من حال المعلم الذي يعمل اليوم بالمدارس الحكومية ، ولا خير في الخصخصة إلا فيما سوى التعليم والصحة ، وفي الصف الثالث ونحن في ( حصة ) دراسية في النحو كان الأستاذ ( نيلة) يحدثنا عن الأحوال التي يكون فيها اللفظ ممنوعا من الصرف فذكر منها كونه علما عجميا مثل إبراهيم وإسماعيل و إسحاق ....الخ ، فهمهم بعض الطلاب عندئذ بأصوات سمعها الأستاذ قائلين : و( باسل) ، وهو ابن صغير للأستاذ ، فاستثاره ذلك فقال ( " باسل" اسم أعجمي يا أعرابي يا جلف ؟ ! ، بسل يبسل بسولا و بسالة فهو باسل) فضحك الطلاب الذين طالما اشتهوا منه مثل هذه التعليقات ، كان رجلا عجيبا بكل ما يحمل هذا اللفظ من معنى ، وحسبك من عجائبه أنه استنكف أن يكون اسم ابنه أعجميا رغم أن أكثر الأنبياء أسماؤهم أعجمية .

    خرجت في ذلك اليوم من مكتبي بالإدارة القنصلية بوزارة الخارجية إلى مكتب آخر في نفس الطابق لبعض الأمر فإذا أنا برجل يقف منزويا مترددا خلف مكاتب الإدارة ، كأنه كان محتارا فيما يفعل ، أيلج في مكتب منها لشرح مشكلته وقضاء حاجته أم يتريث ويتمهل؟ ، نظرت في وجه الرجل فإذا هو هو ، إنه الأستاذ عبد الله دفع الله نفسه أو ( نيلة) بشحمه ولحمه ، كان يلبس الجلابية نفسها ذات الجيبين الأمامي والخلفي ، لم يأخذ الزمن من صورته وهيئته شيئا كثيرا، دنوت منه فصافحته وعانقته طويلا ، ثم أخذت بيده إلى مكتبي ، حدثت هذه الحادثة في شطر التسعينات أي بعد نحو خمسة عشر عاما من مغادرتي مدرستي المتوسطة ، كان الأستاذ يبدو مندهشا في تلك اللحظة وهو يرافقني إلى مكتبي ، عرّفته بنفسي أنني أحد تلاميذه بتلك المدرسة فاسترجع الذكرى وأخذت أسارير وجهه تتهلل فرحا وفخرا ، ذلك إحساس ينتابني دوما إذا قابلت شخصا درّسني أو درّسته بعد حين من الدهر في موقع من المواقع ، سألت الأستاذ عن ابنه ( باسل) وعن أسرته وسيرته بعد نقله من مدرستنا المتوسطة إلى مدرسة المسلمية في مطلع الثمانينات حيث كان آخر عهدي به ، فقصّ عليّ قصته وأخبرني أن المطاف قد انتهى به ليعمل معلما مغتربا بالسعودية لبضع سنين ثم أنه رجع آيبا ليعمل بالتجارة التي لم يفلح فيها بالسودان ، وأعرب لي عن رغبته في الهجرة إلى اليمن ليعمل معلما أيضا وأنه جاء إلى الوزارة للحصول على رسالة منها إلى السفارة اليمنية لمنحه تأشيرة الدخول ، فزودته ما أراد وأكرمت مثواه وتمتعت معه بجلسة قّلما تتكرر ، فرب صدفة خير من ألف وعد ، ورب مشاهدة أحلى من شهد .

    الأستاذ مبارك زين العابدين أو ( كييه) أستاذنا أيضا بالمدرسة المتوسطة قد شغفه النحو حبا فهو عاشق له مغرم به ،وهو خامس خمسة تشكلت منهم مدرسة النحو الطابتية في مطلع الثمانينات ، تأثلت العلاقة بيني وبينه منذ تلك المرحلة على أساس نحوي ولغوي ، ما أكثر ما كنا نتزاور ونتحاور ونتبادل الكتب ونتفاكر، وربما زارني في رابعة النهار ليراجعني في مسألة نحوية ، و لفظة ( كييه) الملقب بها هي كلمة فرنسية ( cahier ) ومعناها ( كرّاس )، ولا غرو فالأستاذ مبارك ( راس وكرّاس) ، ولا أدري من الذي لقبه بهذا اللقب ولكني أحسب أن أحد أولاد الجموعي - ولعله الطيب - قد رخّم هذا اللقب الأعجمي لأستاذ نحو عربي فناداه يوما ( كاي) بوزن ( شاي) ، وكان أولاد الجموعي – مبارك والطيب وحسن – وأسرته يسكنون في قلب النجّاضة الخضراء، وكان فيهم ظرف وملاحة ، وكان في حديثهم صراحة وفصاحة ، وبذلك اللقب اشتهر الأستاذ مبارك كسابقيه من أصحاب النحو والإعراب الذين اشتهر أكثرهم بالألقاب ، مثل إمامهم الفارسي الأصل عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب ( سيبويه) تلميذ الخليل بن أحمد الفراهيدي ، قالوا ( سيبويه) كلمة فارسية معناها رائحة التفاح ، وقيل إنما لقب ( سيبويه ) لأنه كانت له وجنتان كأنهما تفاحتان وكان في غاية الجمال.

    ومن أقطاب مدرسة النحو الأوائل أخي / خوجلي بشير الذي بلغ به حبه للنحو إلى أن ينال فيه درجة الماجستير في شطر التسعينات من جامعة القرآن الكريم التي عاد للتدريس بها ، ومنهم أيضا أخي/ غالب محمد شريف ، كم كنا جميعا نواصل الليل بالنهار عاكفين على ( ألفية بن مالك) حفظا وشرحا وعلى أمهات كتب الفقه والتفسير والسيرة وكتب الأدب العربي والإنجليزي ، هنالك تواعدنا أنا و خوجلي - أخي وجاري في السكنى - على أن من يستيقظ أولا قبيل الفجر عليه أن يوقظ أخاه بأن يدنو من نافذة حجرته وينشد هذا البيت :-

    ومن طلب العلا سهر الليالي *** وغاص البحر من طلب اللآلي

    أو على الرواية الأخرى:-

    تروم العز ثم تنام ليلا *** يغوص البحر من طلب اللآلي

    هكذا كنا نفعل ثم ننهض على الفور إلى الصلاة لنعود بعدها إلى مكتبة سخية ننغمس بها في حواشي الكتب وشروح الأدب ، وغدت بيننا تلك سنّة باقية ، ومضت تلك الأعوام كأنها ليال خالية .

    كلاَمُنَا لَفظٌ مُفِيدٌ كاستَقِم *** واسمٌ وفِعلٌ ثمَّ حَرفٌ الكَلِم

    بهذا البيت مع أبيات بعده من ( ألفية ابن مالك) كان الشيخ / الشريف عبد المحمود يستقبلني منشدا حيثما رآني ثم يأخذ معي في حوار نحوي لطيف ، كان ذلك الجيل من الأجداد والأعمام مهتما بالنحو غاية الاهتمام ، صليت الجمعة في ذلك اليوم خارج المسجد فإذا بخطيب وافد غريب يخطب في الناس في موعظة عبر المايكرفون عقب الصلاة فهرعت فيمن هرع إلى داخل المسجد فلقيني الشيخ / كمال الدين الشيخ محمد البشير خارجا فسألته عن سبب خروجه فقال لي ( الرجل لحن ) ، فسألته عما قال وقد سمعت لحنه مثله ، فأجابني قائلا : قرأ الرجل ( من ماء دافق) بضم كلمة ( ماء) والصواب كسرها ، فخرجت معه وزهدت في حديثه كما زهد العم / كمال الدين ، كذلك ونحن طلاب بالمدرسة الثانوية آيبون إلى منازلنا مررنا بالشيخ / محمد عظيم الشيخ عبد المحمود الذي اعتاد على الجلوس في الظل المواجه لمنزله فإذا هو ينادينا ( تعالوا يا أبنائي) ثم سألنا ( ما الفرق بين الحال والتمييز؟ ) فأجابه كل منا بإجابة لم يرها كافية ، ثم قال ( الحال متعلقة بالهيئات والتمييز متعلق بالذوات) أو قال ( الحال تنبيء عن الهيئات والتمييز ينبيء عن الذوات) رحمهم الله جميعا .

    ومن أقطاب المدرسة النحوية الطابتية الأخ/ عبد الكريم بشير حجاج الذي أوشك على نيل الماجستير في النحو من جامعة الخرطوم تحت إشراف د. الحبر يوسف نور الدائم ، والسيد ( الدامرتي) رجل علم وظرف من جالسه على مأدبة بعد يوم ذي مسغبة فإنه يحظى منه بلذيذ الكلام الذي يفوق لذيذ الطعام ، وفي رحابه تمكنت في شطر التسعينات بفضل الله وتوفيقه من حفظ القرآن الكريم كله – أو من إكمال ما لم أحفظ منه - إذ كنا ملازمين معا لصلاة التراويح و التهجد في مسجد أبي بكر الصديق ببحري في أيام طيبات ذوات نفحات ، للحديث عنها ساعة من الدهر ما حانت ولا حان حينها ، وآل حجاج أجدادا وأولادا وأحفادا هم بين شاعر فصيح و راوية مليح ، وفي طليعتهم العم / علي حجاج الذي ما انفك يتحفنا منذ زمن قديم بروائع شعر حجاج ، و كذلك العم / عبد العال الأمين الذي كنا نسميه ( حمّاد الراوية) شيخ رواة الأدب في عصر الأمويين ، لم يزل عبد العال رجلا ظريفا لطيفا ، خبيرا بالروايات الأدبية والفنية ، بصيرا بتأليف النكات السياسية ، حتى وصفه أستاذ للغة العربية بالمدرسة الثانوية من ساكني النجاضة بقوله ( هذا الرجل ثقافته فيما نجهل) يشير إلى حسن روايته ودرايته بفن الحقيبة وبالقصص الشعبي كحكايات ود أب سن ناظر الشكرية ، بل إنه حسن الحفظ أيضا للشعر العربي الفصيح كقصائد محمد أحمد محجوب ، وكان معجبا به كل الإعجاب بوصفه شخصية اجتمعت فيها فنون الشعر والدبلوماسية والسياسة والكتابة والخطابة ، ومن أقوال عبد العال يصف عطاء المولى عز وجل ( يعطي من ليس له حيلة حتى يتعجّب صاحب الحيلة ) ، وبلغني أنه قال لأحد أبنائه وقد نظر في وجهه بفراسته ( أكاد أعلم الغيب أنك فعلت كذا) .

    وعلى ذكر الأسماء والألقاب فالذين ابتدعوها ونشروها في طابت في حقبة السبعينات هم ثلاثة : عبد الله ود سعيد ( الدنقلاوي) وكان صبيا ذكيا يسمّع لنا نشرة الأخبار عن ظهر قلب تحت شجرة و ( راكوبة ) ود الصافي ، وقيل إن عينا ساحرة أصابته في ذكائه فداخله الجنون ، ومصطفى نور الدائم ( الفرن) والطيب الجموعي ، و عبر حقبة الثمانينات والتسعينات وفي معمعة أحداث سياسية واجتماعية كثيرة مثيرة انتشرت الألقاب ، فكان الأخ مبارك عزيز يُلقب ( الوالي) ، وكنا نلقب الأستاذ/ مضوي قسم الله ( ابن تيمية) رغم أننا لم نكن نذكر هذا اللقب في حضرته ، وكنت أسمّي من يتمذهب بالمذهب الاجتماعي أو السياسي للسيد/ فيصل عبد القادر (Faisalist ) كالأخ/ عوض ( قوة) الذي إذا ناديته مازحا بهذا الوصف ضحك حتى بلغ الغاية في الضحك ، والمناويء لهذا المذهب يسمّى (Anti-Faisalist) ، وكلا الجانبين المحالف والمخالف لهذا المذهب يتفقان على أن آل ( أبو إدريس) كالسادة / فيصل والفاتح وبدوي لا يألون جهدا في تنمية وترقية المدينة ، ولا يدخرون وسعا في بلوغ هذه الغاية في همة وحماسة ، ولا يزال أهل طابت بخير ما عجّلوا التنمية وأخّروا السياسة .

    دكانان سياسيان طابتيان لم يسلما أيضا ولم يسلم أصحابهما من الألقاب : دكان عبد المنعم ( الحلبي ) الذي ما فتيء يمثل محفلا إعلاميا ودعائيا مؤثرا في مواسم الانتخابات يزوره المرشحون من أهل المدينة والقرى لإعلان ترشيحاتهم ، ويرتاده سياسيون ومحللون مشاهير كالسيد / السر كاسر والسيد / حيدر سليمان الفحل ، و دكان الحاج مهدي الذي أطلقنا عليه اسم ( B.B.C) تشبيها له بها فقد كان يرتاده قوم على ( الجبهة الإسلامية ) غلاظ شداد ، إذا خاضوا في شأنها سلقوها بألسنة حداد .

    جمعية التضامن الإسلامي حميدة الذكر وفريدة الفكر تأسست في 19/5/1981 على أيدي فتيان صدق و شبان حق برئاسة الأخ الأستاذ/ أسامة السماني الطيب ونائبه الأخ الأستاذ/ جمال حسن الطيب الذي كان أيضا أول طابتي أرافقه إلى وزارة الخارجية في مبناها القديم عند وزارة التجارة في منتصف الثمانينات ، أما أول طابتي يحضّني على الالتحاق بالسلك الدبلوماسي في مطلع التسعينات فهو الأخ الصديق / غالب محمد شريف وهو أيضا عنصر مؤسس للجمعية التي كنت أمينا عاما لها ، وباشرت فيها تدريس كثير من المعارف الإسلامية كالفقه والسيرة والتجويد والتفسير في حلقات دراسية منتظمة داخل المسجد وخارجه فضلا عن طائفة من العلوم العربية كالنحو والعروض ، واستوعبت الجمعية كثيرا من الأعضاء من مختلف الأحياء ، وأقامت ندوات عديدة داخل طابت وخارجها ساهمت في تثقيف الفتيات وفي تنوير شرائح الرجال والنساء ، واضطلعت بقضايا اجتماعية حيوية بالاشتراك مع منظمات طابتية أخرى كقضية تيسير المهور والزواج بالتعاون مع التجمع الشبابي ومشروع نظافة المدينة مع رابطة الجامعات ، ولكون ( التضامن) عاشت عمرا مديدا قارب بضعة عشر عاما فقد كانت مثالا يحتذى في قوة التواصل بين الأجيال ، بين الفتيان والصبيان وبين الشيب والشبان ، كان طائفة من الشيوخ رحمهم الله يشجعوننا و يمازحوننا أحيانا بالألغاز الفقهية كالشيخ / عبد المحمود ( أبوراس ) والشيخين كباشي وبشير ابني الشيخ الجيلي والشيخ / كمال الدين الشيخ محمد البشير الذي سألنا مرة عن قولنا في ( رجل نهق حماره فبطلت صلاته ؟) لغز لم نجد له جميعا جوابا ، فقال بعد برهة ( كان الرجل يصلي بالتيمم فتذكر وهو في صلاته حين نهق حماره أن لديه في خُرج الحمار ماء فبطلت صلاته لأنها تبطل بتذكر الماء فيها )، وكان يقرأ (حاشية الصفتي ) في المذهب المالكي ويقول : إنه لا يأخذ منها إلا بالقوي من الأحاديث النبوية ، ومن لم يك يومئذ مذاكرا فطنا عصفت به أسئلة الشيخ كمال الدين أو كما قال الشاعر أزهري:-

    وجاك "شيخ كمال الدين" …
    وبى أسئلتو زَرَّاكَا

    كانت حلقات التلاوة بالمسجد يومية ، وكانت الأفواه بها رطبة ندية ، إذ يتحلق فيها فتيان ورجال كانوا من أندى التالين صوتا ومن أحسن الجالسين ترتيلا كالسيدين / الأمين فضل الله رحمه الله وعثمان كباشي ، ولقد سنت ( التضامن) في ذلك سنة حسنة ومن فضائلها أنني مانقلت إلى بلد للعمل فيها إلا أقمت فيها حلقة تلاوة وتفسير أسبوعية متنقلة يؤمها الدبلوماسيون والعاملون في السفارة والسودانيون من مؤسسات متنوعة .

    (دبلوماسية العلاقات العامة) اشتهر بها طائفة من الطابتيين من بينهم الأخ / غالب محمد شريف الذي كنا نسميه ( القاسم المشترك) إذ كان يأوي إلى مكتبه بالبنك الإسلامي السوداني بشارع البلدية فئات من مشارب ومذاهب متباينة فيصغي إليهم ويقضي حوائجهم دونما إبطاء أو انتظار ، و يرضيهم جميعا ويتحفهم بهدوء ولطف يكاد يؤلف بين الماء والنار ، ومن رموز هذه الدبلوماسية الأخ الأستاذ/ علي محمود مصطفى الذي لم أر مثله مصابرا مثابرا يعمل في صمت لتنمية المدينة ، وأحمد صالح الصعيل الذي أتقن هذا اللون من فن التواصل والتفاعل ، ولاعجب فأهلنا الصعيلاب ( فيهم سماحة العروبة وإتقان الدناقلة) كما قال الدكتور عبد اللطيف سعيد في كتابه الممتع ( طابت الشمش غابت) ، ومن ابتغى رجلا حسن السمت حسن الصمت حسن الحديث فذلكم هو أبو إدريس بدوي ، أما ( دبلوماسية الأزمات) فمن رموزها صديقي / محمد الدالي الذي كنا ننعته ( رجل المهمات الصعبة) وهو رجل حسن التفكير حسن التدبير حسن التعبير ، وكنا نقول أيضا ( معضلة ولا " دالي " لها ) على شاكلة قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في وزيره الأول علي بن أبي طالب ( قضية ولا أبا حسن لها) .

    البروتوكول مارسه الطابتيون عبر ( دبلوماسية المنظمات ) و (دبلوماسية المؤتمرات) كمؤتمر الشارقة حول تنمية وتطوير طابت عام 1992 الذي نظمته ( لجنة تنمية طابت بالخرطوم) وهي لجنة أسست في مطلع التسعينات بهدف التنسيق والمتابعة والإشراف على مشاريع تنموية جليلة واضطلعت في ذلك بدور ريادي ، وكانت بقيادة السيد/ نور الدين المبارك والسيد / محمد سليمان فضل الله ، وكنت سكرتيرا عاما لها ، وضمت نشطاء خلصاء مثل السيد/ صديق العبيد الذي كان أمينا للمال ، والسيد/ محمود أحمد الجيلي والأستاذ / غالب محمد شريف والسيد / الطيب عبد العظيم مسعود والأستاذ الصحفي / المكتفي بالله محمد سرور والسيد / فاروق عفيفي ، و في الخرطوم أيضا رموز طابتية كانت لها قبسات في مشوار النشاط التنموي الطابتي مثل السيد/ عبد الله المقلي والسيد / محمد فضل الله ( الكامل) والأخ / محمد الدالي والسيدين / جعفر عثمان وحسن عثمان ود. عبد اللطيف سعيد والسيد / محمد النور عيسى والسيد / الفاتح فضل الله ، ولقد قامت تلك اللجنة بأنشطة شبيهة بالتي قامت بها هيئات إخواننا الطابتيين في الخارج كروابطهم في المنطقتين الغربية والشرقية بالمملكة العربية السعودية ، فالتحية لسفرائنا في الخارج عموما وفي المملكة خصوصا لاسيما الساكنين فيما بين جدة إلى الدمام ، والتحية للأستاذ الكريم/ السماني فضل الله الذي لم أكن أراه في بلدتي إلا مترنما في ابتسام ، عنوانا للتفاؤل على الدوام ، و أحيي عبره جميع أهلنا العولاب في المملكة تحية مضمّخة بعبير المودة والاحترام .

    في خضم البروتوكول طرائف ومواقف أذكر منها أنني دعيت بصفتي قنصلا بأبي ظبي لمخاطبة الاحتفال باليوبيل الذهبي لاستقلال السودان الذي أقامه النادي الاجتماعي السوداني بالعين ، كما دعي السفير/ أحمد محجوب شاور قنصلنا العام بدبي لافتتاح معرض الاستقلال المقام بصالة النادي ، وبعد الافتتاح سأل السفير شاور صبايا سودانيات مشرفات على المعرض عن ( الودع ) و ( السعن) البارزين في تشكيلات فولكلورية فإذا هن لا يعلمن حتى أسماءهما ، ذكّرني هذا الموقف بطرفة حكاها لنا دبلوماسي زميل بالسفارة وهي أن صبيا سودانيا نشأ وتربى بإحدى بلاد الخليج عاد إلى السودان في زيارة تشاجر خلالها مع صبي آخر في الحي الذي تسكنه أسرته الكبيرة فما كان من ذلك الصبي إلا أن ضربه بطرف ( كوريق) ، فجاء الصبي المغترب لأمه شاكيا فسألته ( ضربك بي شنو ) فأجابها ( ضربني بي ملعقة X-Large ) ، ولا ريب أن جيلا منسلخا كهذا لايرجى منه رجاء ، وهو أشبه بطبقة ( الحناكيش ) في الجامعة الذين هم شراذم من طلاب مترفين ، إذا نظرت إليهم تعرف في وجوههم نضرة النعيم ، ولكنهم عن هموم الوطن وقضاياه معرضون ، وفي نظر هؤلاء جميعا يصبح شعر كشعر العم / البخيت ود علي رغم ما فيه من أصالة وجزالة نظما غريب الوجه واليد واللسان ، علاوة على تضمنه من حسن البديع ( لزوم مالا يلزم) حيث التزم رحمه الله ثلاث قواف في كل بيت وهي ( الراء – الياء – القاف ) :-

    في زمن الخريف دائماً معاى كوريق
    طابق لي ملود والقش بحرقو حريـق
    في ساعة العمل ما بخشى من الريق
    ولنجاح القطن بكتر الموريـــــــــــق

    للكلمة المصوغة من قبل الطابتيين سفارة رفع الله بها ذكرهم في الآفاق ، و لا يدع أهل طابت الفن والشعر حتى تدع الإبل الحنين ، وللأدب والفن أيضا – مثلما للرياضة - دبلوماسيات وسفارات لدى قلوب المتذوقين ، وما فعله شكسبير مثلا بمسرحياته وسونيتاته لم تفعله الجحافل العسكرية ولا المحافل الدبلوماسية للإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس ، ولذلك فضلوه على كل الإمبراطورية حتى إن الإنجليز ليقولون ( إن أصول لغتهم هي الإنجيل وشكسبير) ، وليس أدل على ذلك من أن بطلا واحدا من صنع خياله فى إحدى مسرحياته وهو ( هاملت) " Hamlet " قد كتب عنه النقاد والأدباء أكثر مما كُتب عن جميع ملوك إنكلترا لعدة قرون بل أكثر مما كُتب عن نابليون العظيم .

    للوقوف على كل ذلك وعلى ملامح من جماليات الكلمة الطابتية منظومة أو منثورة يقتضيني أن أرسل إليكم مقالا أدبيا لاحقا بعنوان ( مضوي قسم الله في صالون العقاد ) أستعرض فيه نماذج من أشعار طائفة من الشعراء مثل الأستاذ / محيي الدين الفاتح والأستاذ / الطيب السماني والأخ الأستاذ / عصام عبد الباسط وغيرهم ، أما للوقوف على ملامح سياسية وتنموية واجتماعية أخرى كقهوة جانقي فتلكم تأتي بمشيئة الله في مقال بعنوان ( في رحاب الشيخين شريرة وجانقي) .

    محمد الطيب قسم الله
    السفارة السودانية – أبو ظبي
    18/ 4/ 2006

    ملحوظة:

    الترتيبات من جانبنا تجري على قدم وساق لاستقبال الوفد الطابتي الذي تأخر نتيجة لمتابعات تنموية داخلية ، وأتوقع وصوله في بداية شهر مايو المقبل بمشيئة الله.







    [إدراج رد على الموضوع] Page 1 of 1: << 1 >>








    | الأولــى | تصــــوّف | الأخـــبار | الدلـــيـل | الشـعـــراء | أغــاني طابت | أغــاني الســودان | مــدائــح
    | ساحــة حــوار | مـقــــالات | أرشـــيف 1 | أرشـــيف 2 | كـــتـب | فـــنـون | مواقــع مفضّــلة | أكــتـب لـنا


    Copyright by TabatPeople
    Software Version 1.3.0 © 2N-com.de

                  

العنوان الكاتب Date
من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 05:20 AM
  Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 05:45 AM
    Re: من هو السفير نورالدين ساتي! Ahmed Alim12-21-09, 06:02 AM
      Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 06:10 AM
        Re: من هو السفير نورالدين ساتي! Ahmed Alim12-21-09, 06:17 AM
          Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عزام حسن فرح12-21-09, 06:22 AM
        Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 06:20 AM
          Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 06:25 AM
            Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 06:32 AM
            Re: من هو السفير نورالدين ساتي! Ahmed Alim12-21-09, 06:34 AM
              Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 06:45 AM
                Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 07:07 AM
                  Re: من هو السفير نورالدين ساتي! محمد سنى دفع الله12-21-09, 07:09 AM
                    Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 07:20 AM
                    Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عوض محمد احمد12-21-09, 07:23 AM
      Re: من هو السفير نورالدين ساتي! Mohamed Yassin Khalifa12-21-09, 07:16 AM
        Re: من هو السفير نورالدين ساتي! محمد سنى دفع الله12-21-09, 07:42 AM
          Re: من هو السفير نورالدين ساتي! محمد سنى دفع الله12-21-09, 07:54 AM
        Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 07:55 AM
          Re: من هو السفير نورالدين ساتي! محمد سنى دفع الله12-21-09, 07:59 AM
          Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 08:18 AM
            Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 09:05 AM
              Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-21-09, 09:27 AM
                Re: من هو السفير نورالدين ساتي! محمد سنى دفع الله12-21-09, 10:29 AM
                  Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عزام حسن فرح12-21-09, 12:41 PM
                  Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عوض محمد احمد12-21-09, 12:56 PM
                    Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عوض محمد احمد12-21-09, 01:17 PM
                      Re: من هو السفير نورالدين ساتي! Mannan12-21-09, 03:17 PM
                        Re: من هو السفير نورالدين ساتي! احمد الامين احمد12-21-09, 03:44 PM
                          Re: من هو السفير نورالدين ساتي! Abdalla Ali Abdalla12-21-09, 07:26 PM
                            Re: من هو السفير نورالدين ساتي! محمد سنى دفع الله12-21-09, 07:58 PM
                              Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عوض محمد احمد12-21-09, 08:26 PM
                                Re: من هو السفير نورالدين ساتي! صلاح شعيب12-21-09, 09:34 PM
                                  Re: من هو السفير نورالدين ساتي! abdalla elshaikh12-22-09, 01:30 AM
                                    Re: من هو السفير نورالدين ساتي! احمد الامين احمد12-22-09, 10:08 AM
                                      Re: من هو السفير نورالدين ساتي! أحمد طه12-22-09, 12:02 PM
                                        Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-25-09, 05:47 AM
                                      Re: من هو السفير نورالدين ساتي! أحمد طه12-22-09, 12:02 PM
                                        Re: من هو السفير نورالدين ساتي! محمد سنى دفع الله12-23-09, 06:57 AM
                                          Re: من هو السفير نورالدين ساتي! احمد الامين احمد12-23-09, 10:43 AM
                                            Re: من هو السفير نورالدين ساتي! اناهيد كمال12-23-09, 08:21 PM
                                              Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عوض محمد احمد12-24-09, 07:12 AM
                                                Re: من هو السفير نورالدين ساتي! Mannan12-24-09, 10:40 PM
                                              Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-26-09, 03:51 AM
                                          Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-25-09, 05:37 AM
                            Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-25-09, 05:23 AM
                          Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-25-09, 04:57 AM
                        Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-25-09, 04:48 AM
                          Re: من هو السفير نورالدين ساتي! ضياء الدين ميرغني12-25-09, 05:18 AM
                            Re: من هو السفير نورالدين ساتي! نادر الفضلى12-25-09, 07:04 AM
                              Re: من هو السفير نورالدين ساتي! Hashim Badr Eldin12-25-09, 09:29 PM
                                Re: من هو السفير نورالدين ساتي! Mohamed Yassin Khalifa12-26-09, 00:10 AM
                                  Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-26-09, 02:12 AM
                                    Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-26-09, 03:35 AM
                            Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-26-09, 03:40 AM
                              Re: من هو السفير نورالدين ساتي! عادل نجيلة12-26-09, 04:07 AM
                                Re: من هو السفير نورالدين ساتي! Nasser Mousa12-27-09, 07:22 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de