حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم )

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 03:51 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة آمنة أحمد مختار(AMNA MUKHTAR)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-12-2012, 04:48 PM

د. عمرو محمد عباس


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) (Re: Balla Musa)

    عزيزى بدر الدين وكافة الاصدقاء

    لقد حاولت معالجة ما انعكس علينا فى السودان من ثنائية كافور والمتنبى، والظن كان اننا اهل كافور سوف نحسن التعامل فيما بيننا ولا نتجة لعنصرية كريهة. هذا جزء من فصل من كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل الذى سانشرة فى الايام القادمة على النت.
    معليش نص طويل شوية

    مؤسسة الجلابة: من التمازج الى العنصرية

    نتناول الجلابة فى رصدنا لرؤية السودان الجديد ليس من واقع النقد المرسل الذى احاط بهذا المصطلح، او الدفاع عنهم وغسل احوالهم. وليس ايضا باعتبارها التاريخى كمؤسسة ذات تعريف ودور محددين، لكن نتناول الجلابة كوصف تدرج عبر التاريخ الى ان اصبح يعنى دولة المركز ذات التوجهات الاسلامية العروبية والتى عملت على فرض هذة الرؤية على كافة ساكنى الوطن وعمقت اشكاليات الهوية وارتبطت فى طرحها الحاد بتيار السودان الجديد. الغرض الرئيسى هو فك الاشتباك بين الكلمة كممثلة لكل الموبقات وبين تنقل ادوارها من اعتبارها احدى وسائل التمازج القومى فى السودان الى تحولها فى ظل الانقاذ الى حادى العنصرية والقبلية وانفراط الدولة. وقد اورد د. عبد الوهاب الافندي رايا جديرا بالاعتبار عند التعامل مع منشأ هذة المؤسسة " الجلابة هم في الغالب من الفقراء والمهمشين من أهل الشمال والوسط، الذين يضطرون إلى الهجرة إلى المناطق النائية طلباً للرزق. فأهل السلطة والجاه والمال لا يجدون حاجة إلى الهجرة إلى تلك المناطق النائية ومكابدة الغربة والحياة البدائية هناك. وثانياً لأن غالبية الجلابة لا يعودون من هجرتهم، بل يندمجون في المجتمعات التي هاجروا إليها وتنقطع صلتهم بمناطقهم الأصلية. إذن فالجلابة يخرجون من الهامش إلى الهامش، وعليه فمن الظلم ربطهم بالطبقات المتنفذة وتعميم اللفظ خطأً على من لا ينطبق عليهم". ولكن كما اوضحنا فىى الفصل الاول فى الجزء الاول فان النشأة وان كانت هكذا فقد استطاعت المؤسسة التى جاءت من مناطق التطور الاقتصادى الاجتماعى لشمال ووسط السودان الى رفد سكانها المهاجرين الى اطرافة بالقوة اللازمة لتتمتع بالقوة الثقافية ايضا. ( الجلابة المفترى عليهم – عبد الوهاب الافندي: جريدة الصحافة، الثلاثاء, 27 مايو 2008 ).

    يعانى المصطلح من تضارب كبير فى التعريف من ناحية الاشتقاق الذى يرى البعض انها من من الجلابيه او من الجلب أي الأحضار وقيل انهم من يحضرون البضائع ونحوها جاء فى قاموس اللهجة العامية فى السودان تاليف د. عون الشريف قاسم. يرى الاستاذ شوقى بدرى فى مقالة لة فى سودانيزاونلاين (الجلابة بتاريخ Nov 8, 2008, 20:51 ) نفس الراى " بعض الناس في الكتابات الاخيرة ذكر ان كلمة الجلابة اتت من لبس الجلابية وهذا خطأ. لانه بالرغم من ان معظم الجلابة في السودان يرتدون الجلابية الا ان الكلمة مشتقة من الفعل جلب يجلب فهو جالب. والمثل السوداني يقول (جلب الخيل علي الريف). وهذا يعني القيام بعمل اخرق لان اهل الريف والمقصود هنا بالريف هو مصر لا تدفع للخيل ولايهمهم امر الخيل كما في السودان قديما حيث يدفع الناس احسن الاسعار للخيل."

    اما المعنى الرمزى فهى لاتخرج عن انها كانت ترمز للتجار الذين يهاجرون من وسط السودان والجزيرة (التجار المنتمين لقبائل الجعليين والشايقية والدناقلة وفى قول أخر بأنهم ابناء الشمال النيلي) الى غرب السودان وجنوبه سابقا لممارسة انواع التجارة الشريفة واكتسبوا من خلالها احترام الاهالى فى هذه المناطق وصاروا مواطنين دائمين فى اغلب الاحيان. وجاء في السودان حروب الموارد والهوية ‎للدكتور محمد سليمان عن ‏الجلابة: خليطاً من عناصر كثيرة‎ ‎ومتعددة عرقياً، شملت ‏حتى الأقليات الوافدة من أهل الشام و ‏المماليك‎ ‎واليونانيين والأتراك. وهم يمثلون ‏اليوم، بشكل رئيس شبكة التداخل‎ ‎الاجتماعي بين أهم المجموعات ‏العربية السودانية، ‏بغض النظر عن أصولهم‎ ‎القبلية أو الجهوية، وهم يمثلون أيضاً الطبقة التجارية ‏الحضرية ‏التي‎ ‎انتشرت في جميع أرجاء السودان، وبعض الدول المجاورة له. ‏و(الجلابة) تمثل‎ ‎أكثر المجموعات الشمالية ‏ثراءً، إذ تمتع أفرادها بتأثير اقتصادي ‏وسياسي‎ ‎كبير خلال تاريخ السودان الحديث. وقد نشأت من خلال عمليات ‏التحول بالسودان منذ أواخر القرن الرابع‎ ‎ ‎‏التاريخية والاجتماعية و الاقتصادية ‎عشر (محمد سليمان محمد، صلاح بندر. السودان حروب الموارد والهوية London IFAA + Swiss Peace Foundation كيمبردج 2000 )

    الارتباك الذى حدث للمصطلح جاء نتيجة استعمالة انذاك من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان لوصف متنفذى السلطة فى الخرطوم. وقد دار نقاش مطول على المواقع الاسقيرية خاصة بعد ندوة بعنوان المحتوى الثقافى للسودان الجديد قدمها باقان اموم؛ المسؤول الاعلامى للحركة الشعبية لتحرير السودان وقتها؛ والسكرتير العام للتجمع الوطنى الديمقراطى فى القاهرة فى مارس 1995. " وهذه العملية تؤدى الى خلق الشقاق والصراعات بين الثقافات المضطهدة والثقافة المهيمنة ؛ والنتيجة هى الصراع الحتمى . ولكن لا بد من الاشارة هنا الى اننى عندما اقول بان هناك ثقافة مهيمنة ؛ لا اعنى العملية الطبيعية لصراع الثقافات فى اى ثقافة قومية ؛ لكن ما اريد التنبيه اليه ؛ هو اننا دائما ما نجد ان هناك ثقافتان ؛ ثقافة الجماهير ؛ وثقافة القئات الحاكمة . وفى السودان اقصد ثقافة الجلابة كفئة اجتماعية حاكمة . وهنا لا بد ان انبه ؛ ان كلمة " الجلابة " لا تعنى بالضرورة الشماليين؛ او العرب او المسلمين. وهذا التحديد ضرورى حتى لا يساء فهم ما ارمى اليه وما اعنيه . فالجلابة عندى هو مصطلح سياسى؛ لتعريف فئة اجتماعية معينة؛ ذات رسالة ودور تاريخى معين قامت به وظهرت فى فترة معينة ؛ ولا زالت تقوم به فى المجتمع السودانى . فالجلابة فى رايى؛ هم قوة اجتماعية ظهرت فى العملية التاريخبة الطويلة التى مر بها المجتمع السودانى؛ خاصة المجتمع النيلى شمال السودان. وقد وردت كلمة " جلابة " فى المدونات المصرية فى القرن الخامس عشر؛ وهى ترمز للتجار. وربما اخذت الكلمة من فعل " جلب يجلب الخ "؛ تعبيرا عن حركة نقل البضائع والاتجار من والى السودان . فالجلابة كمجموعة اجتماعية هى مجموعة خليط من الكثير من القوميات ؛ ففيهم الاتراك واللبنانيين والسوريين وبعض المماليك وغيرهم . وكان وصولهم الى السودان بغرض التجارة فى العاج وريش النعام والابنوس؛ والى حين اكتشاف امريكا وظهور محمد على باشا حيث ظهرت تجارة الرقيق . اسس هذا النشاط التجارى المتنامى مراكز تحارية واسواقا مثل الدويم؛ ام درمان؛ كوستى؛ الابيض وغيرها" .

    لخص السيد عبدالفتاح عرمان فى مقالة فى ىسودانيزاون لاينز اراء اطراف عدة. واوضح انة ربما الدكتور لام اكول اجاوين القيادى بالحركة الشعبية هو اول من صك المعنى عندما كان طالباً فى جامعة الخرطوم عندما قال" ان الجلابى هو الجلابى لو كان اخو مسلم أو شيوعي". من بعده استخدمها اخرين من قيادات الحركة الشعبية. الاستاذ دينق دينق نيال " كلمة الجلابى فى ادبيات الحركة الشعبية تعنى المؤسسة الحاكمة ولا نعنى بها اهل الشمال النيلى ذوى الاصول العربية. ويضيف: يجب علينا ان لا نحملها اكثر مما تحتمل وعلينا ان نتفهم ان للحرب ظروفها وهذه فترة اصبحت من الماضى.

    الاستاذ ضياء الدين بلال الصحفى فى الزميلة (الراى العام) اجاب: (الجلابة لفظ أخرج من سياقه الاجتماعي وأفرغ من مضمونه الوصفي ليوضع في سياق سياسي معبأ بمضمون عرقي موجه ضد مجموعة سكانية محددة،الاستخدام المتكرر للفظ الجلابة من قبل قادة الحركة عادةً ما يأتي في سياق الذم والانتقاد، واصلاً بين التاريخ بكل تجاوزاته والحاضر بكل ممارساته، وبذلك تدخل مجموعات سكانية وسياسية متعددة تحت مظلة هذه الصفة.. وهذه المجموعات قد يكون بعضها موالي لاطروحة الحركة الشعبية أو ضمن عضويتها وقد يكون البعض الاخر محايد تجاه الحركة، وقد تكون البقية مناهضة لاطروحات الحركة الشعبية..لفظ الجلابة في السياقات التي يأتي فيها قد يقلق الموالين في داخل المجموعات السكانية التي درج وصفها بالجلابة وقد يحرك المحايدين من مربع الحياد الى مربع العداء، وقد يعطى الاعداء- أصلاً- مبرر وحجج لتقوية مواقفهم وتصوير الحركة كمشروع انتقامي يضع الجميع في سلة واحدة..استخدام قادة الحركة للفظ الجلابة في الشمال ينشئ أجسام مضادة لكل أطروحاتها.

    الدكتور عبدالله جلاب استاذ الاعلام بجامعة اريزونا فاجاب قائلاً: ( اعتقد بانها معوقة لعمل الحركة فى الشمال وذلك لانه لا يوجد شرح كافى لها من قبل قادة الحركة الشعبية و ماذا يقصدون بها تحديداً، وذلك لان الجلابة هم مجموعة من التجار الشماليين ظهروا فى القرن السادس عشر الميلادى على ايام دولة الفونج و الفور، ولهذه المجموعة اسهامها السياسى و الاجتماعى ولعبت دور مهم فى تصاهر اقوام واجناس من اجزاء مختلفة من السودان، من الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب و الوسط ، وجميعنا من اباء و امهات اتوا من مختلف انحاء السودان وذلك تم بفضل الجلابة. وللجلابة دور كبير فى التعليم الاهلى و الدينى وبل حتى ثورة اللواء الابيض فى 1924م لعب فيها الجلابة دور كبير وكان اول من هتف يسقط الاستعمار من الجلابة، وهى مؤسسة لها سلبياتها و ايجابياتها وفى الفترة الاخيرة اصبحت كلمة "جلابى" تستخدم ضد اى شخص لديك موقف عدائى منه وهذا استخدام خاطىء لانه يجعل اى شمالى مقصود بهذا الكلام. وحتى عندما تحدث كارل ماركس عن عن الطبقات اكتشف ان هنالك اشياء ايجابية وسلبية فى كل الطبقات ولذلك علينا التركيز فى الاشياء الايجابية للجلابة وهذا من الممكن ان يساعد فى اثراء الحوار".

    ويوضح الاستاذ شوقى بدرى فى مقالة لة فى سودانيزاونلاين بعنوان الجلابة بتاريخ Nov 8, 2008, 20:51 ) نقلا عن العميد يوسف بدري في (قدر جيل) ان الجلابي هو النظام المالي او المصرفي في المجتمع، وقد يكون النافذة ومدخل للناس للعالم الخارجي. الجلابي عادة يسلف المزارعين رأس مال المطلوب. ويستعيد رأس ماله بعد الحصاد . وهو الذي قد يدفع مهر العروس ومصاريف الزواج . وبعد الزواج او المأتم واستكمال المشاركات العينية والنقدية تعاد للجلابي فلوسه وهو المستفيد لان الشاي والسكر والزيت والقماش واغلب متطلبات الفرح او الماتم تاتي من دكانه (ما يعرف بنظام الشيل) .

    الجلابى الهائم فى خدمة القومية

    نعالج هنا مؤسسة الجلابة كتطور لجماعة سودانية فى ظل الظروف الموضوعية لتطور الشمال والوسط السودانى الاقتصادى الاجتماعى منذ قرون عدة ولعبت دورا ابجابيا فى الاقتصاد الوطنى، التمازج القومى والتداخل المجتمعى، " ولا نغفل هنا أن نقول إن الجلابة عموماً كانوا رسل تنمية وحضارة إلى تلك المناطق النائية، نقلوا خبراتهم المتواضعة إليها وساهموا في البناء والتعمير وتقديم الخدمات". ( الجلابة المفترى عليهم – عبد الوهاب الافندي: جريدة الصحافة، الثلاثاء, 27 مايو 2008 ). مؤسسة الجلابة ايضا لعبت دورا سلبيا فى الاستعلاء وتجارة الرقيق وكان بعضهم رموزا للاستغلال وأداة قمع.

    الموجات الاولى من الاحتكاك حملت المهاجرين الاوائل من الميدوب، البرقد، النوبة والقبائل الرعوية الى دارفور، كردفان والاطراف الشمالية من الجنوب. ولانهم من نفس التراث الصوفى المنتشر على النيل والحاضر من غرب افريقيا، فهؤلاء ذابوا واصبحوا سكانا والمتمازجين الاول. الموجة الثانية من الجلابة رافقت خطوط الفتوحات التركية وتوحيد السودان وهم الذين انخرطوا فى التجارة، خاصة تجارة الرقيق. لكنهم كانوا الانفتاح الاكثر بين السودان بمختلف اقاليمة واستطاعوا وصل اهل السودان ببعضهم. حدثت التحولات فى العقائد فبديلا من صوفية الفنج الشعبية –المزاج السنارى كما اطلق عليها د. النور حمد فى مهارب المبدعين- التى كانت السبيل الافضل للسودان فى تطورة كمركزية للاستقطاب الوحيدة واذابة الولاءات القبلية والاقليمية، ارخى الترك بكلكل الفقة العثمانى واللغة العربية الفصحى وتلتها المهدية بالغاء المذاهب والصوفية على البلاد واصبح الجلابة مستودع الفقة واللغة وواصل الحكم الاستعمارى نفس التوجة. (د. النور حمد:مهارب المبدعين، مرجع سابق).

    ابان المهدية حدث تحول مهم فى مؤسسة الجلابة. فالدولة النيلية الممعنة فى القدم انتهت للدولة السنارية وعند سقوطها التحق الجلابة من أهل الشمال والوسط بحكم الاتراك وشاركوهم الحكم. مع وفاة الامام المهدى برزت ظاهرة نادرة فى التاريخ السودانى بوصول الخليفة التعايشى الى الحكم. قاد هذا الى صعود ممثلى القبائل الرعوية فى اجهزة السلطة لفترة وجيزة وتم احلال كافة قادة المهدى المنحدرين من الشمال والوسط، تركيز القوة العسكرية الضاربة تحت قيادة الامير يعقوب وحمدان ابو عنجة وتهجير قبائل الغرب الى ام درمان. المحصلة النهائية كانت استيعاب ممثلى دارفور وكردفان فى مؤسسة الجلابة.

    الفترة الاستعمارية كانت الفترة الذهبية فى نمو المؤسسة، فرغم مضايقات عدة من الحكم البريطانى فى منعهم من الدخول الى الجنوب، دارفور وكردفان الا انهم عادوا واصبحوا طليعة التجارة الداخلية التى توصل اوردة الاقتصاد السودانى الى شرايين الاقتصاد العالمى. " تعتبر مرحلة التوسع الاستعمارى البريطانى فى السودان من اهم مراحل تغلغل نمط الانتاج الراسمالى.... كما ربط الانتاج الزراعى البسيط والانتاج الرعوى بسوق التصدير عن طريق العدد المتزايد من التجار وصغار السماسرة وهى مجموعة تمثل نواة الطبقة الراسمالية الصغيرة" (د. فاطمة بابكر محمود، ترجمة سعاد عطا: الراسمالية السودانية...أطليعة للتنمية؟ معهد البديل الافريقى، لندن، المملكة المتحدة، 2006).

    الجلابى فى مؤسسة الحكم

    كجزء من انحصار التنمية والوعى فى وسط وشمال السودان، بدا ارتباط الجلابة الجدد فى موجات مابعد الاستعمار تكتسب سماتها التى ستكون المحدد الاساسى لرؤيتها الاقتصادية الاجتماعية. نواصل مع د. محمد سليمان محمد " ‎اتجهت إلى ‏التخندق في (مؤسسة الجلابة)، ليصير أفرادها ‏مجرد موردي‎ ‎بضائع (جلابة)، بدلاً ‏من أن يكونوا منتجين لها، وكان أسلافهم قد درجوا،‎ ‎منذ آلاف السنين، ‏على مزاولة ‏أشكال التجارة القريبة والبعيدة، وهكذا فضل‎ ‎الجلابة صنوف المعاملات التجارية، ‏بدلاً من ‏الاستثمار طويل الأمد في‎ ‎المؤسسات الإنتاجية التي كانت بالنسبة لهم نشاطاً ‏مجهولاً لا يدرون عنه‎ ‎سوى ‏القليل. وقد تطور الحال إلى أن أصبح مصطلح (مؤسسة ‏الجلابة) مفهوماً‎ ‎سياسياً لتعريف فئة اجتماعية لعبت ‏دوراً تاريخياً محدداً ولا زالت ‏تقوم‎ ‎به في المجتمع السوداني". ‏إن‎ ‎‏قطاع الجلابة قطاع منظم وسريع التأقلم، وذلك بحكم شبكة علاقاتهم التجارية‎ ‎‏وانتشارهم الجغرافي في كل ‏إنحاء السودان". وكما جلبوا البضائع الى الهوامش " فهم أيضاً ‏‏(يجلبون) ما يجنون من أموال‎ ‎وثروات إلى مناطقهم الأصلية في المركز، حيث ‏المزيد ‏من النفوذ‎ ‎والامتيازات. ‏وبالتالي فإن‎ ‎ولاء ‏غالبيتهم لمناطق تجارتهم تلك لا يتسم بالعمق، كما أنهم، باستثناء‎ ‎القلة، ضعيفو ‏الاندماج ‏بتلك المجتمعات، ويتسم سلوكهم، تبعاً لذلك،‎ ‎بالكثير من الانتهازية! ويلاحظ ‏أنهم في المناطق التي حلوا بها ‏ميزوا‎ ‎أنفسهم بحيث يشكلون طبقة وأحياء خاصة بهم، ‏فيما يشبه (الجيتوهات). كما‎ ‎تتحالف معهم السلطات في ‏تلك المناطق، حيث الإدارة ‏وافدة أيضاً، وفي‎ ‎الغالب، بحكم أن موظفيها معينون من قبل المركز ، لأسباب عديدة ‏‏ليس هنا‎ ‎مجال تفصيلها ، وتنشأ تبعاً لذلك علاقات مصالح بين هؤلاء الجلابة وتلك‎ ‎‏السلطات! إن معظم من يشكلون (مؤسسة‎ ‎الجلابة) هم من الشمال ، ونعني به المركز، ومعظم ‏همهم تعظيم أرباحهم،‎ ‎لكنهم يسارعون للرحيل في إحدى حالتين: إذا تضخمت ‏أرباحهم إلى الحدِّ الذي‎ ‎يمكنهم من اعادة استثمارها في ‏المركز ، أو إذا أحسوا بما ‏يهدد مصالحهم‎. ‎أما مساهمتهم في تطوير مناطق تجارتهم هذه فمنعدمة. وأما ‏علاقتهم ‏بالسلطات‎ ‎المركزية أو المحلية فعلاقة مصلحة يستخدمون بموجبها نفوذهم وأذرعهم‎ ‎‏الطويلة ‏لاستصدار القرارات التي تخدم تجارتهم ووجودهم فقط ، وبهذا يشكلون‎ ‎‏مؤسسة متماسكة ومنغلقة، لا يدلف ‏إليها أو يستطيع التأثير فيها من أهل‎ ‎مناطق ‏الهامش إلا القليلون!" (رزنامة كمال الجزولي - الأسبوع 21-27 أغسطس 2007‏، سودانيزاونلايمز)

    يتفق معظم الذين حملوا السلاح ضد الدولة على تعريف النخب الحاكمة فى السودان طوال تاريخة منذ الاستقلال بدولة الجلابة، ويعتبرون تجربتها فشلت فى خلق مشروع وطنى شامل لكل الناس؛ لانها اعتمدت فى نظرتها لمستقبل السودان؛ على رسمه وفق صورتها؛ بدليل ان السودان الحالى ومنذ الاستقلال ظل قائما على ركيزتين ؛ هما حتى الان العروبة والاسلام . كما اوضح عبد العزيز آدم الحلو فى ردة على ماهو تعريفكم لدولة الجلابة هذه؟ "هي شريحة اجتماعية لها مصالح سياسية واقتصادية محددة وتتبنى العروبة والإسلام كآيدولوجية لبسط هيمنتها واستمراريتها في السلطة وتحقيق مصالحها كمجموعة ذات اجندة مشتركة وبالتالي هذه المجموعة هي التي همشت السودانيين وهذه المجموعة ليست بالضرورة كلها عرب أو مسلمون ولكنها تبنت الإسلام والعروبة كآيدولوجية لتحقيق مصالحها، لذلك ليس هناك سبب ليصف مواطن عادي نفسه بأنه «جلابي» لأنه ليس لديه مصلحة في الوضعية التاريخية القائمة، وبالعكس هو أيضاً يتم تهميشه رغم أنه عربي، ولو خرجنا الآن خمسين كيلومتراً فقط نحو (السبلوقة) سوف نرى أسوأ صور الفقر والفاقة والحاجة وهم عرب.. ولكن عروبتهم وإسلامهم لم يخدمانهم، وفي داخل الخرطوم هناك عرب وغير عرب بالملايين متضررون من هذا الوضع، لذلك يجب أن نفرق بين مصطلح الجلابة وبين العرق والدين. تلك النخب استخدمت جهاز الدولة لخدمة مجتمعها، واستخدمت جهاز الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق الرفاهية لشعوبها عن طريق القوانين العادلة وتحديد الشروط المسبقة التي تستطيع أن تخلق التنمية المتوازنة وتقدم الخدمات، وهكذا يستفيد المواطن، ولكن النخب في السودان استخدمت جهاز الدولة لخدمة مصالحها هي وإفقار الأغلبية بمعنى أنه تم تهميش 96% من السودانيين بواسطة جهاز الدولة عبر آليات المحسوبية وآليات التمركز والتهميش التي تحدثنا عنها سابقاً" ( الأستاذ ضياء الدين بلال: من هم الجلابة؟ و ما هي دولة الجلابة؟ سودانيزاونلايمز)

    ويحصر الامام المهدى هذة الظاهرة ويسقطها على ممارسات الانقاذ " فهناك هذه النظرة الاثنية وهناك الثقافة الاقصائية. الثقافة الاقصائية للأسف موجودة عند كل الذين استولوا على السلطة بالقوة أو استولوا على السلطة وفرضوا إرادتهم. وبهذه الصورة فعندما بدأ النظام الجديد في السودان بعد انقلاب 1989م الكلام عن الهوية كان الكلام عن أننا حسمنا هوية السودان على أنها هوية إسلامية عربية، ولكن حسم الهوية بهذه الطريقة خطأ، كل محاولة لتطبيق مفهوم أحادي ثقافي في مجتمع متعدد الثقافات متعدد الأديان يعمل قوة طاردة centrifugal force يعمل استقطابات واقصائية، وما حدث أن الحديث عن هوية أحادية موجود عندنا سواء بهذه الطرح أو طرح الذين يكفرون ويخونون الآخرين على أسس عنصرية أو أسس دينية، هؤلاء جميعا يتبعون سياسة وفهم اقصائي من نتائجه توسيع الهوة بين افريقيا جنوب الصحراء وافريقيا شمال الصحراء، ومن أهم الجوانب في توسيع الهوة المخططات الأجنبية لأن من مصلحة المخططات الأجنبية أن تجعل وعي السياسي الافريقي بدلا عن أن ينظر عبر الصحراء إلى العلاقات العربية الأفريقية، أن ينظر عبر المحيط إلى علاقات مع الوجود الاطلنطي، وهذا وضع كان ولا زال وسيظل قائما، ليس على أساس مؤامرة، بل يجب أن نفهم بوضوح تام كل الناس يسعون إلى مصالحهم، نحن ممكن أن نخسر كلما نترك لهم الفرصة أن يوظفوا هذه الأشياء لمصالحهم فالقضية قضيتنا وليست قضيتهم". الإمام الصادق المهدي: محاضرة العلاقات السودانية الأفريقية، مؤتمر العلاقات السودانية الأفريقية، الجمعية السودانية للعلوم السياسية، من 5-7 مايو 2012م- قاعة الصداقة، حريات )

    الاسر الثقافى لمؤسسة الجلابة

    سيطرة مؤسسة الجلابة على المقدرات الاقتصادية ومن ثم صعود ممثليها الى الحكم بعد الاستقلال كان النهاية المنطقية لتطور تاريخى طويل، عبر عنة السيد باقان اموم " . ومن هنا فان عملية النمو والتطور فى مجتمعنا ؛ وصلت بنا الى ان الجلابة كقوة اجتماعية؛ كانت هى القوة الوحيدة القادرة على قيادة المجتمع النيلى بوسط السودان . ومع فتوحات محمد على باشا ( فترة التركية )؛ توسعت حدود السودان؛ وكذلك عند قيام الثورة المهدية؛ التى سيطرت على اجزاء كبيرة ؛ والحكم الانجليزى المصرى؛ الذى خلق السودان بحدوده الجغرافية السياسية الحالية .( المحتوى الثقافى للسودان الجديد قدمها باقان اموم) . كان هذا المشهد مالوفا فى كثير من دول العالم، السيطرة الاقتصادية الاجتماعية تعنى سيطرة نمط القومية المسيطرة. حدث هذا مع النمط البريطانى فى المملكة المتحدة، الايرلندى فى الولايات المتحدة، الاسبانيارد فى دول امريكا اللاتينية، الهند، ماليزيا واخيرا جنوب افريقيا...الخ. كل هذة التجارب استطاعت عن طريق التدخل الواعى للدولة عن طريق السياسات والقوانين ان تعدل من هذة المعادلة لصالح التنوع وتعدد الانماط الوطنية. لكن مؤسسة الجلابة السودانية اضافت بجانب قيادة الاقتصاد والاجتماع ان تفرض فى خط صاعد من قرون تشكلها الاطار الثقافى والقيمى والاخلاقى. وفى العهود الاخيرة فقد مثلت دولة ولاية الفقية الايرانية ودولة الصحابة السودانية اكثر اشكالها تطرفا لانها اعتمدت النمط المبنى على تفسيرها الخاص للدين الاسلامى والقومية الفارسية والعربية. ( يمكن للمستزيد ان يراجع كتابى الاستاذ كمال الجزولى " انتلجنسيا نبات الظل و" الاخر بعض افادة مستعرب مسلم " من اصدارات دار مدارك. الكتابان يتناولان موضوع الجلابة وقضاياها بلغة سلسة وانيقة تميز بهما الاستاذ وبتفاصيل معمقة).

    المجال الثقافى هو الملعب الكبير الذى دار فية الصراع الدامى بين موروث الجلابة وكافة القوميات الاخرى من الجماعات، القبائل والجهات والاثنيات المختلفة. ركيزتان هامتان اعتمدت عليهما مؤسسة الجلابة فى المجال الثقافى هما العروبية والاسلام. عالج د. محمد جلال هاشم فى دراسة محكمة عن تطور مدارس العربية الاسلامية فى مقالة مطولة اسماها السودانوعروبية، أو تحالف الهاربين:المشروع الثقافي لعبد الله على إبراهيم في السودان والمنشور بعدد من المواقع الاسفيرية، اعتمد فيها على قراءة لمقالات ثلاث للدكتور عبد اللة على ابراهيم تؤسس لمدرسة السودانوعروبية التى تمثل الوريث الشرعى لكافة المدارس السابقة من المدرسة العروبية، الآفروعروبية وتجلياتها الأدبية في مدرسة الغابة والصحراء. المقالة الاولى لعبدالله علي إبراهيم الإسلام الشعبي: دين الرِّجرِجة، كشاف مجلة الدراسات السودانية، عدد 1-2 مزدوج، المجلد التاسع، ديسمبر 1989م، ص 55]، والثانية كسار قلم مكميك: إعادة الإعتبار لهوية الجعليين والاخيرة الآفروعروبية أو تحالف الهاربين، المستقبل العربي، 119، 1.

    هذا المدخل ليس لدية اعتراض البتة ان ينتسب من يشاء فى السودان الى من يشاء، فهذا حق اصيل فى الهوية، سواء بنيت على اسس علمية واضحة او كانت مجرد اختلاق. سواء ان كان العرب فى السودان خلص او مستعربة او هجينا ليس لب الموضوع " ربما قبيلة الرشايدة التى وصلت البلاد قبل مايزيد على قرنين بنسائها ومن ثم حفاظها على كافة عناصرها الاثنية ". ان انتساب مجموعات الجعليين الكبرى الى العباس او النسب الشريف لايشكل فى ذاتة المشكلة، لكن اسقاطاتها على تعامل هذة المجموعة، خاصة اطرافها المتطرفة مع بقية المجموعات السكانية، اى ان استعمالها الايديولوجى فى تميز الجعليين واقصاء الاخرين هى المعضلة.

    عندما اقترب العرب الوافدة من السودان انذاك كانوا يحملون دينا سماويا جديد هو الاسلام. لم تكن الممالك النوبية انذاك تعيش فى فراغ دينى لكن كان لها تاريخ طويل من الوثنية واعتناق المسيحية ولها اتصال بالمراكز الدينية العالمية سواء الاسكندرية او روما. الذين توافدوا على السودان كانوا رعاة فى اغلبهم وليس بينهم من المتعمقين فى الدين الجديد او من الصحابة الذين انتشروا فى الحواضر القريبة من الجزيرة ( العراق، ايران، الشام وغيرها) او المراكز الحضرية فى مصر، شمال افريقيا والاندلس ( لازالت ملامح هذة المجموعة موجودة فى تسمية المجموعات الرعوية فى مناطق الشمال بالعرب واعتبارهم ادنى مرتبة من المستقرين " ففي حيز القرية يفرق الرباطابي بين كلمة "العرب"، التي تنصرف إلى البداوة والرعاة بشكل أخص وتشتمل حتى علي البجة الذين لا يتحدثون العربية كلغة أم (د. عبد اللة على ابراهيم كسار قلم مكميك: إعادة الإعتبار لهوية الجعليين) . شق الاسلام طريقة ببطء شديد فى بلاد السودان عن طريق التاثير والزواج المختلط من القبائل النوبية التى كانت تعتمد الخط الامومى للوراثة، وادى هذا الى ان ارتبط الدين الجديد بموروثات محلية لتعطى ما اسماة د. عبد اللة على ابراهيم الإسلام الشعبي او دين الرِّجرِجة عليه "فإن الإسلام الشعبي صحيح معافى من ناحية عقدية وغير مشوب بالشعوذة والخرافات، إذ إن ما يسمى "شعوذة وخرافات" هو فولكلور الناس. وما الإسلام الأورثوذوكسي إلاّ نمط شعبي لمجتمع ما في زمن ما، ولكن تم تجريده من تاريخيته حتى يصبح معياراً للدين؛ كما إنه يستصحب معه فولكلور أهله بكل ما يشتمل من أساطير وخرافات (الجن، السحر، العين) إلخ". (د. محمد جلال هاشم : السودانوعروبية، أو تحالف الهاربين:المشروع الثقافي لعبد الله على إبراهيم في السودان).

    وفى ظنى، وهذا ضرب من الاستقراء المنطقى وان لم تمر على دراسة محكمة حول الالية التى دفعت بهذا الامر، ان وجود عرب رعاة فى اغلبهم وليس بينهم من المتعمقين فى الدين الجديد فى محيط بة حضارة ممتدة فى التاريخ وديانة سماوية ولغة مكتوبة يجيدها عدد لاباس بة من السكان، هى نفسها لغة الدين المسيحى، جعل من واقع الحال ان يربط العرب القادمين الى السودان الاسلام بالعربية (بعكس ماحدث فى فارس، باكستان، الهند ودول اسيا الوسطى الوثنية). لقد تداخلت العربية كلغة قوم وافدين مع اللغات الموجودة، فتاثرت واثرت عبر قرون و نتيجة لذلك احتلت العربية بعض مناطق النوبية، في حين، ظلت مناطق أخرى محتفظة بالنوبية وهكذا باقى السودان. ان هذا التاثر واضح فى بنية اللغة العامية فى السودان التى يمكن ارجاع نسبة مقدرة منها الى اللغات السودانية، خاصة النوبية والبجاوية وغيرها. (فؤادعكود: من ثقافة وتاريخ النوبة، العالمية للطبع والنشر، 2007 )

    بعد أن استوطن العرب في بلاد النوبة شرعوا في التزاوج مع السكان المحليين بمنطقة النوبة ، وصاهروا الأسرة الحاكمة بدنقلا ، ذلك أن "مكانة العرب المتميزة ، وثقافتهم الأكثر حداثة ، وهيمنتهم الاقتصادية ، منحتهم موقعاً ممتازاً لا ينافسون عليه. الأمر الذي جعلهم طبقة مرغوبة للتزاوج مع الأسر السودانية القائدة. فمن ناحية كان العرب قد اكتسبوا مكانة سامية بعد ظهور الإسلام في جزيرة العرب التي تحولت إلى مركز إشعاع ثقافي وحضاري بفضل الإسلام، ومن ناحية أخرى فقد واكب ظهور الإسلام نهضة ثقافية وعمرانية واقتصادية انعكست على مكانة العرب باعتبارهم رواد الإسلام الأوائل على الرغم من عمومية رسالته، ولأن العرب لم يصحبوا معهم نساءهم في هجرتهم إلى بلاد النوبة ، ولأن الإسلام يمنع زواج المسلمة بغير المسلم ، ويبيح زواج المسلم بغير المسلمة فقد كان التزاوج في اتجاه واحد. وعن طريق نظام الإرث الأمومي (Matrilineal descent) الذي كان سائداً عند النوبة ، انتقل الحكم إلى العرب. ففي عام 1316م استولى عبد الله برشمبو على عرش النوبة كأول ملك نوبي مسلم خلفاً لخاله الملك داؤود ، ثم تغير النظام كله لتبدأ مرحلة سيادة النظام الأبوي فتعززت سلطة العرب. (د/ بهاء الدين مكاوي: الهوية السودانية من الثنائية المتوهمة إلى التعددية: دراسة للتطور التاريخي للهوية السودانية ومظاهر التعددية في السودان، مركز دراسات المجتمع ، 2009 ، [email protected] ).
    عند اجراء اول تعداد عام 1956 كان حوالى 53% من السكان لسانهم عربيا، لكن اكثر من 80% يستعملون العربية كلغة مشتركة للتخاطب. عدا ذلك فان السودان يتميز بتواجد اكثر من مائة لهجة (تقلصت الان الى اقل من ذلك بعد انفصال الجنوب) فى انحائة. وفي الشمال فقد تواجدت فية عدة لهجات كبرى من النوبية، البجا، الفور، الزغاوة، المساليت الفلاتة، الكواليب ، الهوسا وغيرها. هذة الخريطة الواضحة والجلية كانت قمينا ان ترسى سياسات تدفع بهذة اللغات الى التطور ومن ثم الى تطور الوطن. لم ير ممثلى مؤسسة الجلابة الا نصف الكوب العربى وبنوا عليها السياسة اللغوية فى السودان، وقد تناول الامين ابو منقة ويوسف الخليفة بابكر مسيرة اللغة فى السودان منذ 1998 وحتى 2005 وحللا السياسات المختلفة التى تدور كلها حول فرض اللغة العربية والسماح بتواجد اللهجات الاخرى قيد التداول. لكن هذا لاينعكس فى الاعلام والصحف والانشطة الثقافية..الخ ، كما لم يترجم الى اتاحة الفرصة لابناء هذة المجموعات اللغوية لكى تتعلم اصول لغتها كجزء من المنهج المدرسى المتضخم بما لايفيد او ينفع. ثنائية التهميش الاقتصادى ونهب الموارد والخنق الثقافى الذى برعت فية مؤسسة الجلابة على طوال تاريخها، تحولت على ايدى اخر اجيالهم الى التهميش الاقتصادى، الخنق الثقافى والهندسة الديمغرافية التى فتحت ابواب الجحيم من انفصال الجنوب، حروب دارفور، كردفان والنيل الازرق، ململة الشرق والشمال. (الامين ابو منقة ويوسف الخليفة بابكر: اوضاع اللغة فى السودان، سلسة الدراسات اللغوية، معهد الدراسات الافريقية و الاسيوية، جامعة الخرطوم، 2006 ).

    عندما تؤطر مؤسسة الجلابة نفسها كممثلة للوطن تميز نفسها بما تسمية التقاليد السودانية، ونعنى بها طقوس الماكل والمشرب، الولادة والزواج والموت. ابنى ملاحظاتى هنا على خبرة العيش فى دول الخليج، مصر، ليبيا واليمن لفترات مختلفة فى حياتى. ما يهمنا هنا انها ترجع هذة التقاليد وتعتبرها جزءا من التقاليد العربية الاسلامية، فما صحة ذلك؟. اذا تناولنا المطبخ السودانى فهو قائم على الجزء النوبى ( الكسرة، القراصة، الملاحات المختلفة، المديدة..الخ)، الجزء الفوراوى ( العصيدة، اللبن، واللحوم) والبجاوى (السلات مثالا)..الخ من المجموعات الاثنية المختلفة. وهناك استلافات من المطبخ المصرى، السورى والتركى. ليس فى المطبخ السودانى اى اثر لما يأكل عرب الجزيرة او من شرابهم ( لولا تمسك النوبة بالقراصة والتركين والتى دخلت المطبخ السودانى لاسباب اقتصادية لكانت اختفت) . ترتبط كل الطقوس المرتبطة بالولادة (السبوع، الاربعين، زيارة البحر، اكل الحلبة، التسمية احيانا)، الزواج (غير العقد الاسلامى، فكل التفاصيل الاخرى من قطع الرحط، الجرتق، الصبحية، السيرة، زيارة البحر ألخ) والموت ونعنى الطقوس التى تصاحب الوفاة غير الطقوس الاسلامية. كل هذة التقاليد هى من التراث النوبى او الفوراوى او البجاوى ...الخ. المشكلة هنا ان هذة الطقوس جردت من اصولها التاريخية واصبحت سمة للمؤسسة وكل ما لم يستوعب يعتبر دخيلا.

    على مدى القرون الست الاخيرة بنت مؤسسة الجلابة ابنيتها الاقتصادية ببطء وروية وترافق معها بنائها النمط القائم على ثقافتها " المستلفة اساسا من التراث النوبى" وفق النموذج الاسترشادى العروبى الاسلامى. بنت المؤسسة شواهق ابنيتها السياسية، الادارية، التعليمية، التنموية والثقافية على نسق "جماعة" عبد الله على ابراهيم "العربية المسلمة". عندما انشأت المؤسسة احزابها السياسية فقد تبنت جميعها، عدا اختلالفات جزئية، النمطية السارية من ممثلى العروبة " حزب البعث العربى الاشتراكى" وممثلى العروبواسلامية المتطرفة الاخوان المسلمون باسمائهم المتنوعة، وممثلى العروبواسلامية حزب الامة والاتحادى الى حزبها الشيوعى. الحزب الشيوعى هو الذى تفرد بموقف مختلف على الاقل نظريا وقليلا من العمل. " الا ان غلبة شريحة الانتلجنسيا/ الافندية فى صفوفهم ايضا وبالاخص بين كوادرهم القيادية (الاستاذ كمال الجزولى: انتلجنسيا نبات الظل، اصدارات دار مدارك، 2008 ). هذا البناء المستمر هوالذى افرز لنا الاطار الثقافى والقيمى والاخلاقى لمجمل السودان، اللغة العربية لسانا، الاخلاق السودانية، الثقافة، الفن السودانى وهكذا اصبح انعكاسها هو السودان. " ربما أصاب الأستاذ الخاتم عدلان (وآخرون) في استقالته عن الحزب الشيوعي في قوله إن الحزب لم يستطع استيعاب القضايا المعقدة للتركيبة السودانية مما ضرب عليه عزلة أصبح بها "إزاء الجنوبيين حزب للشماليين، وإزاء الريف حزب للمدينة، وإزاء المرأة حزب للرجال". وإصابة الخاتم في ما ذهب إليه قاتلة. فقد سبقه الأستاذ عبد الخالق محجوب، سكرتير الحزب 1949-1971 إلى بعض هذا القول منذ أكثر من أربعين عاماً. فقد أخذ على حزبه اقتصاره على مسائل الشمال وبنادره حتى صار الجنوبيون يعدونه حزباً للشمال ،كما يراه أهل الريف حزباً للمدن والأقسام "المتقدمة من الجماهير". (عبد اللة على ابراهيم: اصيل الماركسية، النهضة والمقاومة في ممارسة الحزب الشيوعي السوداني http://www.sudaneseeconomist.com/start_4.htm )

    تناول البروفسير تورى نوردنستام استاذ كرسى الاخلاق بجامعة الخرطوم فى الستينات دراسة بعنوان الاخلاق السودانية، ركزت على دراسة الاخلاق السودانية من خلال رؤية ثلاثة من الطلاب المنتمين لمؤسسة الجلابة. اتناول هنا ليس الدراسة نفسها ، فهى دراسة وصفية قليلة العينة من شمال السودان ولكنها رائدة فى مجالها، لكن انها تنبهت ان القصد من الاخلاق السودانية تعنى بالضبط اخلاق الجلابة. عقدت ورشة عمل حول الكتاب وشارك فيها عدد من العلماء الاجلاء فى المجال وهذا هو المهم. فاغلب ان لم يكن كل المشاركين ينتمون لمؤسسة الجلابة وان اختلف بعضهم فى موقفهم الفكرى نحو مفاهيمها ونموذجها الاسترشادى. عندما تصدى العلماء لافكار نورنستام كانوا غالبا ينطلقون من ان الاخلاق المذكورة (اخلاق الجلابة) هى المقياس المعيارى وان اى تفسير اخر يخالف هذا مجرد فهم خاطىء. ربما من العجلة ان نصل لاى استنتاجات خاصة فى هذا المجال الذى يحتاج لدراسات محكمة، ولكن قطعا فان اخلاق الجلابة وتفسيراتها للشرف والشجاعة والكرم تحوم حولة شكوك عديدة خاصة اذا الحقناها بتيار التمكين، فقة الضرورة والاستبداد.

    كما حدث فى اللسان والاخلاق فقد حدد الجلابة الغناء السودانى بكافة انواعة فى اطراف السودان المختلفة، باغنية الوسط واصبحت نمطا معياريا. " عرف الغناء العربي في وسط السودان بعد هجرة القبائل العربية، وكانت بدايته بالاغاني الدينية الصوفية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وشيوخ الطرق الصوفية، الذين ثبتوا الالحان والنغمات الخماسية التي سار على منوالها الغناء الدنيوي مارا بعدة محطات فنية بداية بالارتجاليات الحرة ومنها الى الغناء الموزون والمعروف بمصطلح الطنبور الذي بدأ وتطور وانتقل بكامل قالبه الى غناء الرق المعروف بمصطلح (حقيبة الفن) الذي استمر على منواله حتى ظهور الاستخدام الآلي المصاحب لكلمات الاغنية والتي اصبحت قوالبها مشابهة لبعض القوالب الغنائية العربية حتى الوقت الحاضر.... " (. د. عباس سليمان حامد السباعي: الموسيقى والغناء في وسط السودان بين التقييم والتقويم، الراكوبة). وصفت الاغانى الغير عربية باغانى الرطانة حينا او بارجاعها الى الاثنية حينا اخرى، حتى الشايقية لم يسلموا من تواجدهم خارج التسمية فوصفت اغنيتهم باغانى الشايقية. اغنيات القبائل العربية الاخرى خارج الوسط قبلت ولكنها لم تعتمد فى النمط السائد وتحددت لها مساحة ما كان يعرف بأغاني ربوع السودان نسبة للبرنامج الشهير في الإذاعة السودانية الذي كان يبث تلك الأغاني. لقد اجبر النمط الوسطى كافة فنانى اصقاع السودان الى الخضوع للونيتها الواحدة الفقيرة " إلا أن الملاحظة التي يمكن رصدها هنا هي: تلك المتعلقة بالمفارقة الواضحة بين شكل تلك الأغنية الحديثة المتبلورة في المراكز الإعلامية والثقافية وبين شكل الغناء الشعبي في منابعه ومناطقه الأصلية في السودان، إذ يتميز هذا الأخير دون الأول بشكل الأداء الجماعي، وهو أمر ظلت بعيدة عنه إلى حد كبير الأغنية الحديثة في السودان. هذا إضافة إلى اعتماد الأغنية الحديثة على لونيه واحدة، هي تلك التي أنتجتها بيئة المدينة وسجلت سيادتها على الذوق السوداني في الكثير من مناطق الوطن رغم التنوع الثقافي الكبير الذي تذخر به الساحة السودانية. والذي أستتبعه بالضرورة تنوع في الفلكلور الموسيقي والغنائي عند الجماعات والقبائل المختلفة ثقافياً، درجياً أو نوعياً، مثل: الغناء الجماعي عند النوبة، المحس، البرتا، قبائل النيل الأزرق، رقصات البقارة وطبولهم، الاحتفالات الطقوسية بجنوب السودان، النقارة، والجراري .... الخ (عثمان تراث: عقد الجلاد و السمندل: مكتسبات جديدة للأغنية والموسيقى في السودان sudaneseonline.com ). لقد ادعت المؤسسة انها وحدت الوجدان السودانى باغنية الوسط، ولكن من يريد توحيد الوجدان على نغمة واحدة. ان الوجدان السودانى يغتنى بالانغام الغنية التى توجد فى انحاء القطر ويطرب لها السودانيون عندما يجدون فرصة لسماعها نادرا.

    مؤسسة الجلابة: من الانصهار الى التعدد الى العنصرية

    لم يمر هذا الفرض والجبر اللغوى، الاخلاقى والثقافى مرور الكرام، فقد صمدت الثقافات المتعددة وان خسرت جولات. ودار الصراع على اشدة فى اوساط النخبة فى محاولات الوصول الى معادلات معقولة ومقبولة. وشهد اعوام الستينات وحتى نهاية الثمانينات قمة هذة المحاورات وبروز افضل مفكرى نظريتى الانصهار والتعدد والتنوع. عندما اطلت الانقاذ فى نهاية التسعينات كانت داخلها تياران كما اسلفنا سابقا، كلاهما يتعكز على العربية والاسلام. التيار الاسلامى المتطلع الى قيادة الجسم الاسلامى العالمى واعادة الحياة للامبراطورية وساد هذا التيار فى العشرية الاولى. ورغم عناية هذا التيار بالعربية الا انة حاول التوازن فى خطابة ولكن التوجة العام كان فى نظرية الانصهار. هذا العقد شهد رفع بعض العناصر الغير عربية الى قمة الهرم التنظيمى مثل الشفيع احمد محمد والاجهزة الامنية . الخ. ارتبط نمو هذا التيار بالانتصارات التى كانت تحققها فى حرب الجنوب. مع التراجعات فى المواجهة مع الحركة الشعبية وظهور قوى التجمع الديمقراطى وازاحة د. الترابى ارتفع التيار العروبى الاسلامى متوجها نحو الاتفاق الثنائى مع الحركة الشعبية تمهيدا لفصل الجنوب وتمكين العنصر العربى. " تصدى لمعالجة هذه الاشكالية عبد الغفار محمد أحمد، ولكن على صعيد الصفوة والطبقة المثقفة من حيث تحامل رصيفاتها في باقي الدول العربية عليها. فهو يقول: من الواضح أن هناك هامشية تجعل للسودان وما يشبهه من الأقطار العربية وضعية خاصة. ولكن المؤسف حقا أن الذين يتصدون لإدارة الحوار حول مستقبل الوطن العربي ينكفئون على ذواتهم ويبعدون هذه المجموعات الهامشية. ذلك لأن وجودها يعقد بعض المواضيع التي يمكن أن تناقش في سلاسة لو أنهم كانوا غائبين". إذن، فإن السوداني متحاملٌ عليه ـ عربياً ـ على المستوى الشعبي والمستوى الرسمي. الأمر الذي يمكن أن ينجم عنه اليأس من العرب، وبالتالي التبرؤ منهم، ومن ثم الاعتصام بعرى أفريقيته. وفي هذا خطورة على مستقبل تطور مفهوم الوطن العربي بحدوده السياسية اليوم، كما يقول عبد الغفار محمد أحمد. ولذلك يطرح مشروعه الاستيعابي لتوسيع مفهوم العروبة حتى يشتمل على الهامشيين. (د. محمد جلال هاشم : السودانوعروبية، أو تحالف الهاربين:المشروع الثقافي لعبد الله على إبراهيم في السودان).

    ما ان بدأ الوصول لاتفاق الحركة الشعبية قريبا، اندلعت حرب دارفور على نفس الارضية التى كان عليها الحرب مع الجنوب، بل وكانت اول المحاولات فى بداية التسعينات تحالفا مع الحركة الشعبية (محاولة داؤود يحيى بولاد لفتح جبهة فى دارفور). وقد تراجعت دعوات الانصهار والعنصرية قليلا فى طوال سنوات الحكومة المشتركة (2006-2011 )، لكنها كانت سياسة ثابتة وتطورت لتوجية الجنوب للانفصال. قاد هذا الموقف الثابت من العنصرية العروبية الى تفجر الوضع فى جنوب كردفان والنيل الازرق فيما بعد انفصال الجنوب مباشرة. لقد تحول الانقاذ فى تقزمة العروبى الايديولوجى الى اعادة مؤسسة الجلابة من تحالف فئات لها مصالح مع القوى الحاكمة وتتكون من الزعامات القبلية والإدارة الأهلية وأصحاب المشاريع وملاك الثروة الحيوانية، بينما الأغلبية في المناطق المهمشة تعيش في فقر مدقع والتي تتكون من فقراء المزارعين والرعاة . كما عبر الاستاذ السر عثمان بابو: (عبدالرحيم خضر (الشايقي): الجلابة - المهمشين غموض دلالات الهامش والمركز معاول هدم، الراكوبة)، الى الادعاء بتمثيلهم قبائل الجعليين الكبرى.

    وقد اجاد وصف مآل الجلابة فى ظل الانقاذ " أن الأنقاذ بعد أن تخلت عن مرتكزها الفكرى الذى ذهب مع الشيخ حسن الترابى وما كانت تدعيه حول تبنيها للشريعة الإسلامية بعد المفاصلة وذهاب مفكرها وقائدها الى سبيل لآخر تحوّلت الإنقاذ الى دولة جهوية عنصرية يسيطر عليها النخبة الحاكمة من أبناء الشمال والمستفيدين منهم من أبناء الشمال وصار التمكين على أساس جهوى وقبلى بحت بدلاً عن تنظيمى وتوزع السلطة والمال والأستثمارات والأعفاءات بين أبناء أربعة من قبايل شمال السودان . وترتيب التمكين كالآتى أولاً ابناء هذه القبائل الأربعة المنتمين تنظيمياً ثم ابناء هذه القبائل الغير منتمين تنظيمياً ثم أخيراً المنتمين تنظيمياً من القبائل الأخرى أذا فضل شئ أو لزوم التغطية اشراكهم صورياً حتى ولو كانوا فى أعلى المناصب مثل أبناء دارفور الذين حملوا السلاح او لشق صفوفهم. وصاروا يديرون البلاد يصورة صهيونية معتمدة على العنصرية والماسونية والموسادية، وقد تعلموا من الصهيانة أن المال والقوة يمكن أن يسيطروا بها على بقية شعوب السودان. نحن نعلم أن كثيراً من يتعمقوا فيما كتبت. ونحن أهل الوسط لآخر من يكونوا عنصريين لأننا احتضنا الجميع من مختلف قبائل وجهويات السودان وتصاهرنا معهم ولا يمكن ان نشتم لآباء ابنائنا وأحفادنا ولكن كان لا بد أن نصرخ صرخة الظلم الذى وجدناه من النخبة الحاكمة من أبناء الشمال. والأولى للمحتجين بدلاً من اتهامنا بالعنصرية أن ينصحوا أبناءهم المتعلمين الحاكمين الذين ألّبوا عليهم كل قبائل السودان الأخرى وكل جهويات السودان الأخرى. والأنقاذ قد عمقت القبلية والجهوية والآن أى فورة لأى أجراء أو معاينة لوظيفة يجب أن تكتب اسم قبيلتك ومعها الموطن الأصلى للآباء والأجداد. وأعلم أن هنالك دفعة كاملة أستوعبت فى السلاح الطبى لم يكن فيها واحداً من غير هذه القبائل الأربعة. (بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان – جامعة الزعيم الأزهرى: الأخطاء القاتلة للأنقاذ.. ألست انت المستشار يا غازي صلاح الدين..!!. نرجو أن تفهم رئيسك، مزقع الراكوبة).

    مآلات مؤسسة الجلابة

    اثنيا مثل العرب هذة النسبة 53% من السكان عام 1956 ويمكن ان نفترض عند ثبات النسبة انها يمكن ان تصل الى 60% بعد انفصال الجنوب. تعرضت هذة المجموعة للهجرات فى خلال الخمس عقود الاخيرة وحدثت فيها تحورات ديمغرافية اذ اصبحوا اقل انجابا من القبائل الغيرعربية، اكثر هجرة واكثر انتماءا للمناطق الحضرية ومن ثم خروجها من دائرة الانتاج والاقتصاد الحقيقى (نقصد بها هنا الزراعة والرعى تحديدا) . هذا هو الواقع الذى يظهر جليا فى حواضر الجلابة فقد تبدل المظهر من غلبة الجلابة الى غلبة واضحة لغير العرب. هذا الواقع يضغط على الانقاذ بقوة اذ تفقد سندها الاساسى، كما يضغط على الحركة الجماهيرية التائقة للتغيير. ان الاعلام يلعب على هذة الحقيقة ويرفع فزاعة قوى الهامش التى ستزيح اولاد العرب من حواضرها. وقد اشار ياسر عرمان الامين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال – مسؤول العلاقات الخارجية في الجبهة الثورية فى حوار مع مصطفى سرى لهذة الشكوك والتخوفات " اذن هذا التحالف في الجبهة الثورية ليس اثنياً ، حيث ان هذه المجموعات سودانية اصيلة لديها قضايا ، نعم هنالك تخوفات متبادلة ، حيث ان اهل الهامش يتخوفون من ان المجموعات التي توجد في وسط السودان واحزابها تتعامل معهم بان اهل الهامش يهزون الشجرة والوسط يختطفون الثمار ، وهنالك ايضاً مخاوف من المركز بان هذا التحالف ربما يبدل ضحايا بضحايا وانه ربما يكون لديه توجهات اثنية ضد بعض المجموعات ، هذه التخوفات جزء من المشاكل التاريخية التي يطرحها تطور الدولة السودانية في عدم وجود مشروع وطني ، وان عملية البناء الوطني غير مكتملة، وتركت مسافات من الشقة وعدم الثقة والتفاهم بين مختلف القوى، والمطلوب الان هو ان تتحالف كل القوى السياسية من قوى العمل السلمي الديموقراطي والعمل المسلح ضد شبيحة المؤتمر الوطني وليس موجهاً ضد الشعب السوداني، وان تقبل القوى الاخرى حل حقيقي في قضية كيف يحكم السودان، وليس فقط بان يذهب البعض الى سدة الحكم ويجاوب فقط على من يحكم السودان، والواجب الرئيسي والمهمة الان امام هذه الحالة السياسية الراهنة وعلى جيلنا هو ان نصل الى مشروع وطني بمزيد من التحالفات بين كل هذه القوى وازالة هذه المخاوف والشكوك المتبادلة للوصول الى نظام ديموقراطي وسلام عادل قائم على اساس المواطنة والاعتراف بحق الاخرين في ان يكونوا اخرين ".

    ان العنصرية والتعصب العرقى العروبى يقود حتما الى التعصب العرقى المضاد وهذة معركة اذا فتحت ابوابها فهى فتح لصندوق بنادورا وهذا واضح –حتى ان لم تقصد الحركات المسلحة ذلك غلبة واصطفاف قبائل دارفور غير العربية فى الحركات، والنوبة وقبائل النيل الازرق فى الحركة الشعبية . يطرح د. محمد جلال هاشم فى مقال السودانوعروبية، خريطة ايديولوجية جديدة لتصحيح مسار مؤسسة الجلابة " تقوم الاستقطابات الأيديولوجية في السودان على الأسلمة والاستعراب من جانب، ثم الأفرقة من الجانب الآخر، تتوسطهما دعاوى التوازن القومي والثقافي. تعتمد أيديولوجيا الأسلمة والاستعراب على الاستيعاب، والذي يقوم بدوره على ميكانيزمات إعادة إنتاج الهامش والأطراف في المركز. ... من الجانب الآخر تعتمد أيديولوجيا الأفرقة على الجهوية والنزوع نحو الانفصالية. وهي في ذلك تصدر من إحساس متنامٍ بأنه لا حظَّ ولا حق لها في هذه البلاد. وبما أن تيارات الجهوية الانفصالية قد ظهرت بوادرها أول أمرها من ستينات القرن العشرين في الجنوب، وجبال النوبة، وغرباً بدارفور، ثم شرقاً بين البجا (الآن بدأت الدائرة تكتمل باشتداد وتائر الحراك الإثني بين النوبيين في الشمال خاصةً مع ما تبادر من بيع لأراضيهم لمصر عام 2004)، لذلك لا نحتاج إلى ذكر أن هذه الأقوام ذات حق أصيل في البلاد، بل هو في الواقع حق سابق لمجيء العرب المسلمين. لهذا يمكن أن ننظر إلى النزوع نحو الانفصال على أنه شكل من أشكال اليأس من جدوى النضال نحو وضع قومي متوازن. ... أما الطرف الثالث الذي يمثل وسط الاستقطاب الأيديولوجي فهو الدعوة إلى قيام دولة مواطنة ومؤسسات وفق ديمقراطية تعددية تستند أساسا على واقع التعدد الثقافي، على أن يبدأ هذا المشروع بالخطوات التنفيذية لإيقاف سياسة الأحادية الثقافية التي تمارسها مؤسسة الدولة في السودان منذ الاستقلال مرورا بجميع الأنظمة والحكومات. إن هذا التيار الأيديولوجي يستند في تأسيساته على أن مؤسسة الدولة مسئولة عن تحريك ماكينة القهر والاضطهاد الثقافي جراء عدم اعترافها بمسئولياتها تجاه الثقافات غير العربية في السودان. إن هذا الأمر يقتضي مراجعة التعليم لغةً ومضموناً، كذلك النشاط الثقافي والفكري، فضلاً عن الإعلام، وما يتبع كل ذلك من سياسات اقتصادية وقومية …إلخ. (د. محمد جلال هاشم : السودانوعروبية، أو تحالف الهاربين:المشروع الثقافي لعبد الله على إبراهيم في السودان). وحرى بنا ان نؤكد ان هذا كلة لابد ان يرتكز على تعديل المنهج التنموى الاقتصادى الاجتماعى لكامل الوطن.
                  

العنوان الكاتب Date
حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-11-12, 10:42 PM
  Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-11-12, 10:44 PM
    Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-11-12, 10:49 PM
      Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-11-12, 10:52 PM
        Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-11-12, 10:56 PM
    Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) بدر الدين الأمير07-11-12, 11:12 PM
      Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-11-12, 11:32 PM
    Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) Al-Shaygi07-11-12, 11:44 PM
      Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) بدر الدين الأمير07-12-12, 00:03 AM
        Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-12-12, 01:06 AM
          Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) Bashasha07-12-12, 01:27 AM
            Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) Al-Shaygi07-12-12, 02:13 AM
          Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) Marouf Sanad07-12-12, 01:31 AM
          Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) Al-Shaygi07-12-12, 01:39 AM
            Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-12-12, 04:48 AM
            Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) Abdlaziz Eisa07-12-12, 05:08 AM
              Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) بدر الدين الأمير07-12-12, 11:38 AM
                Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) Balla Musa07-12-12, 04:03 PM
                  Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) د. عمرو محمد عباس07-12-12, 04:48 PM
                    Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) بدر الدين الأمير07-13-12, 05:54 AM
                      Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-13-12, 07:01 PM
                        Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) الجيلى أحمد07-13-12, 07:25 PM
                          Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-14-12, 08:26 AM
                            Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) حامد بدوي بشير07-14-12, 08:56 AM
                              Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-16-12, 03:20 PM
                                Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) محمد الامين احمد07-16-12, 03:42 PM
                                  Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-16-12, 04:08 PM
                                    Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-18-12, 00:32 AM
                                      Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-20-12, 11:07 PM
                                        Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) خالد حاكم07-21-12, 01:12 AM
                                          Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) آدم صيام07-21-12, 06:17 AM
                                            Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) آدم صيام07-21-12, 06:32 AM
                                              Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) Abdel Aati07-22-12, 11:21 AM
                                                Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) الطيب رحمه قريمان07-22-12, 11:57 AM
                                                  Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) محمد كابيلا07-22-12, 12:39 PM
                                                    Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-23-12, 03:08 AM
                                                      Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-23-12, 03:18 AM
                                                        Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR07-26-12, 08:28 PM
                                                          Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR08-11-12, 02:22 AM
                                                            Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) حاتم محمد08-11-12, 03:02 AM
                                                              Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR08-18-12, 03:23 AM
                                                                Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) بدر الدين الأمير08-27-12, 05:25 PM
                                                              Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) محمد الامين احمد09-11-12, 08:30 PM
                                                                Re: حملة (إعادة الإعتبار لكافور الإخشيدي الحاكم السوداني العظيم ) AMNA MUKHTAR09-12-12, 01:39 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de