الطيب مصطفى يرمي ساطع الحاج بتهمة الدفاع عن المجرمين فماذا نحن قائلون

Quote: نمرة القضية: م ع/ط ج /179/1981م المحكمة: المحكمة العليا العدد: 1981 المبادئ: دستور السودان الدائم – حق المتهم في محاكمة عادلة – حق دستوري وقانوني استعانة المتهم بمحامي حق أساسي كفله الدستور ولا يجوز الانتقاص منه أو التعدي عليه، وحرمان المتهم من هذا الحق يبطل الإجراءات الحكم: المحكمة العليا القضاة : سعادة السيد / عمر بخيت العوض نائب رئيس القضاء رئيساً سعادة السيد / حسن على أحمد قاضي المحكمة العليا عضواًُ سعادة السيد / الأمين محمد الآمين تاتاي قاضي المحكمة العليا عضواً حكومة السودان ضد عبد القادر عبد الوهاب السراج م ع/ط ج /179/1981م المحامون : عبد الوهاب محمد عبد الوهاب عن المتهم الحكم 22/11/1981م القاضي : عمر بخيت العوض : هذا طلب من الأستاذ عبد الوهاب محمد عبد الوهاب المحامي نيابة عن المتهم يطلب فيه إلغاء الإجراءات كلية واحتياطاً يطلب أن تعاد محاكمة المتهم أمام قاضي أسعار من غير رجال القوات المسلحة . لقد سبق لهذا المتهم أن أدين بتاريخ 30/9/1981م تحت المادة 4(أ) (ب) من قانون الرقابة على السلع لسنة 1977 مقروءة مع الأمر المحلي رقم 41 لسنة 1981م ( أقصى أسعار البيض ) لإعطائه تعليمات لمجلس إدارة مزرعته بأن يبيعوا البيض بسعر الدستة 1.600 مليمجـ في حين أن سعر دستة البيض القانوني هو 1.200 مليمجـ . قضت محكمة أسعار حلفاية الملوك التي أدانته في محاكمة إيجازية بسجنه ستة اشهر وتغريمه مائة جنيهاً . جاء في طلب محامي المتهم المقدم لمحكمة الاستئناف أن محامي المتهم هو الأستاذ مصعب عبد الوهاب السراج قد طرد من أمام محكمة الأسعار ومنع من مباشرة الدفاع عن المتهم، وجاء في طلبه أيضاً أن المتهم قد حرم من سماع بينة دفاعه ومن تقديم بعض المستندات التي يعتمد عليها في دفاعه . جاء في قرار الاستئناف أنه من المعلوم بداهة وقانوناُ أن للمتهم حقاً أساسياً في أن ينوب عنه محامي في أية محاكمة جنائية ، وضمنت محكمة الأسعار في قرارها نفس المادة 68 من الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة 1973 والتي تقول ( في جميع المحاكمات الجنائية للمتهم الحق في أن يطلب بأن يجابه بالشهود الذين يدلون بالشهادة ضده وأن يكون له الحق بأن يلزم القانون شهود دفاعه بالمثول أمام المحكمة للإدلاء بأقوالهم وتتحمل الدولة مصاريف ترحيلهم . كما وللمتهم الحق في اختيار من يدافع عنه من المحامين وعلى الدولة في حالة الجرائم الخطيرة أن تمد المتهم بمحام إذا عجز عن ذلك وعلى الدولة أن تتحمل النفقات وكل ذلك وفقاً للقانون ) . كما أوردت محكمة الاستئناف نص المادة 212من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1974 والتي تقول ( أي شخص متهم أمام أية محكمة جنائية له الحق في أن يدافع عنه مترافع على أنه في حالة الجرائم الخطيرة إذا كان المتهم معسراً يقوم النائب العام بناء على طلب المتهم بتعيين من يدافع عنه وتحمل كل أو جزء من النفقات متى اقتنع النائب العام أن تعيين محام ضرورة تقتضيها العدالة ) . وانطلقت محكمة الاستئناف تقول ( أنه إزاء هذا فلا مناص من إلغاء إجراءات هذه المحاكمة إذ لا خيار سوى هذا، فحق المتهم في أن يمثله مدافع وفي أن يمكن من تقديم بينة دفاعه حق أساسي ولا مجال للانتقاص منه أو التعدي عليه بأي شكل من الأشكال وليس هناك اعتبار مهما كان يمكن أن يعلو على هذا الحق فهو حق يكفله القانون والدستور ) . بناء على هذا التسبيب قررت محكمة الاستئناف إلغاء الإدانة والعقوبة وأمرت بإعادة المحاكمة على أن يمكن محامي المتهم من مباشرة الدفاع عن موكله وتقديم كل البيانات التي يعتمد عليها في الدفاع عنه . محامي المتهم الآن يطلب منا إلغاء الإجراءات كلياً ولم يبد سبباً لذلك كما يطلب أن تعاد المحاكمة أمام قاضي أسعار من غير رجال القوات المسلحة بسبب أن المتهم – على حد قول محامية – سيجد نفسه في مواجهة مع قاضي أسعار الحلفاية وهو يخشى بحق أن يضطهده هذا القاضي ويسيء إليه وهو يخشى خشية حقيقية – وقد صار في موضع العداء مع القاضي أن يعجز هذا بضعفه البشري عن أداء واجب القاضي في حيدة وتجرد . لا شك عندي في أن محاكمة المتهم كانت باطلة لسبب حرمان المتهم من أبسط حقوق المحاكمة العادلة وفقاً للقوانين السائدة والتي تتفق مع الحقوق الأساسية المقررة في الدستور والتي يجب علينا كقضاة في كل لحظة ووقت أن نعض عليها بالنواجذ وأن نقف سداً منيعاً للدفاع عنها لأن هذا هو واجبنا الدستوري بموجب نص المادة 61 من دستور السودان الدائم . م/61 ( يسترشد القضاة في قضائهم بسيادة القانون ويقع على عاتقهم حماية هذه السيادة وتحقيقها دون خشية أو هوى وعليهم ألا يسمحوا بأي تغول على استقلالهم فى أداء واجباتهم كقضاة من جانب الأجهزة التنفيذية و أي سلطة أخرى ) هذا الواجب والتكليف الدستوري لا يجوز لنا العدول عنه أو النكوص عن أدائه ولهذا لا بد لنا من الاسترشاد بسيادة القانون والذي جعل من حق المتهم ان يستعين بمدافع وأن أي محكمة تسلبه هذا الحق فقد هدمت ركن سيادة القانون ولا ينبغي أن يجاز عملها بل يجب أن يدافع بالبطلان، وهذا ما أشارت إليه المادة 261 من قانون الإجراءات م/261( لا يجوز للمحكمة العليا عند استعمال سلطة التأييد أو سلطة الاستئناف لا يجوز لمحكمة الاستئناف أو محكمة قاضي المديرية أو محكمة قاض من الدرجة الأولى عند استعمال سلطة الاستئناف التعرض لأي قرار عقوبة أو أي أمر آخر أصدرته المحكمة لمجرد الاستناد إلى أن البينة قد قبلت خطأ أو إلى وجود عيب في الإجراءات ما دام المتهم لم يضر في دفاعه وكان القرار أو الحكم أو الأمر سليماً ) . ومقتضى هذا النص أن قرارات المحاكم غير محصنة من التعرض لها بالإلغاء أو البطلان ما دامت تلك القرارات قد تم التوصل إليها بطريق أضر المتهم في دفاعه وإنها لم تكن سليمة . ولا أحد ينازع في ظل القوانين والتقاليد السارية حالياً أن حرمان المتهم من الاستعانة بمدافع يضر بدفاعه ويتعين بعد ذلك النظر إلى القرار الذي صدر هل هو قرار سليم أم لا ؟ وبالرجوع إلى المحاكمة نجدها قاصرة ومبتورة حيث لم تستمع المحكمة لشهود الدفاع وبذلك حرمت المتهم من حق دستوري مقرر له بموجب المادة 68 من دستور السودان الدائم وبالتالي فإن أي قرار يصدر دون سماع شهود الدفاع – إن وجدوا – يعتبر غير سليم لأنه قام على رجل واحدة هي قضية الاتهام . كذلك فقد وقع نظري على مستندات للدفاع بشأن البيض المباع ومكتوب على الفاتورة بيض للتفقيس وكنت أتمنى لو أن المحكمة بينت لنا إن كان يوجد فرق في السعر بين البيض المعد للتفقيس والنوع الآخر المعد للمائدة؟ وهل هناك أمر للتسعير يشمل هذا النوع أم لا؟ وعلى كل فهي حجة يلزم المحكمة الابتدائية أن تتعرض لها مهما بدا أنها حجة واهية . وعليه فقد وقع قرار محكمة الأسعار باطلاً لأنه حرم المتهم من الاستعانة بمدافع، وحرمه من سماع شهود دفاعه، ولم يكن القرار بالتالي سليماً وبهذا توفرت أشراط المادة 261 من قانون الإجراءات . وفقاً للمادة 256 من قانون الإجراءات الجنائية فإننا نرفض تأييد مثل هذا القرار، ورفض التأييد معناه إلغاء الإدانة وإطلاق سراح المتهم فوراً إلا أن هذا لا يمنع من الأمر صراحة بإعادة المحاكمة وهو ما نراه صواباً في هذه القضية ونأمر به وتأتي بعد ذلك الإشارة إلى المحكمة التي تعيد النظر في المحاكمة حيث يدعي المتهم ومحاميه أن تلك المحكمة قد عاملته معاملة تدل على العداء مما جعله لا يطمئن إلى حكمها . ومعيارنا في هذه الحالة هو رد القاضي وفقاً للمادة 330 من قانون الإجراءات الجنائية عندما يكون ذلك القاضي طرفاً في الدعوى أو له مصلحة شخصية فيها والذي تبين لنا أن القاضي الذي مارس المحاكمة ليست له مصلحة شخصية وليس طرفاً في الدعوى وبالتالي لا يوجد ما يبرر رده عن نظر هذه الدعوى، وكل الذي حدث منه خطأ في تطبيق القانون أملته ظروف معينة . وعلى ذلك فإننا نرى بطلان المحاكمة ولكن نأمر بإعادتها أمام نفس المحكمة للسبب أعلاه والسماح لها بسماع ما تراه من شهود .