إنذار مبكر: الصناديق المتحركة.. الجدوى وإحتمالات التزوير

Quote: كعادتها عند بداية كل اسبوع، صحت الخرطوم أمس على ازدحام طرقاتها بسياراتها ومواطنيها الذين يقصدون أماكن اعمالهم، الازدحام الطبيعي لم يشغل نفسه طيلة اليوم بحدث سياسي آخر ذي أهمية في الشأن الوطني، وهو بداية عملية التسجيل للانتخابات التي انطلقت صبيحة الأمس، ولم يشعر الغالبية من العابرين في طرقات الخرطوم المختلفه بان هناك انطلاقة لعمليات التسجيل. فمراكز التسجيل مجهولة للمواطنين واعلام الانتخابات وارشادات المفوضية لم تشعر الكثيرين بأن هناك حدثاً سياسياً اليوم، حيث خلت الطرقات والاحياء من اللافتات، ولم يعد لمكبرات الصوت التي كانت سابقاً تجوب الاحياء عبر العربات وتحث المواطنين الى الحدث الكبير مكاناً في دفاتر مفوضية الانتخابات بالامس، فهي لم تخبرهم بمواقع مراكز التسجيل، فالمدينة بمثل ما اصبحت على زحامها نامت كعادتها أيضاً علي هدوئها الذي لم يعكره أى صوت لمفوضية الانتخابات أو القوى السياسية لحث ناخبيها للتوجه لمراكز التسجيل. وما جعل الخرطوم وبقية المدن السودانية لا تحس ببدء عملية التسجيل، ان المفوضية القومية للانتخابات كانت قد أعلنت سابقاً انها ستفتح «15» ألف مركز لستجيل الناخبين بواقع مركزين لكل دائرة انتخابية ولمدة زمنية حددتها المفوضية وفقاً للقانون بشهر «30» يوماً، ولكن معظم المواطنين صحو صبيحة أمس وهم لا يعرفون مراكز واماكن التسجيل، فبالاضافة لقلة التوعية وضعف اعلام المفوضية في توجيه الناخبين وارشادهم الى مراكز التسجيل فإن الــ«15» ألف مركز الثابته للتسجيل قامت مفوضية الانتخابات بتغيير طريقتها الى نظام مراكز متحركة، فبعد ان كان الجميع يتوقع ان تعمل «15» الف مركز طيلة الثلاثين يوماً فإذا بالمفوضية تحدد ان يعمل المركز بالدائرة لمدة ثلاثه ايام فقط لينتقل بعدها المركز الى دائرة أخرى، وقد دافعت المفوضية عن هذه الخطوة بانها تختصر التكلفة وتسهل عملية التسجيل بعد ان اعتبرت ان المراكز الثابته تزيد التكلفة وتهدر المال ولا يقبل عليها الناس. «الصحافة» تحركت عبر اتيامها لمختلف مدن العاصمة وبعض الاقاليم للوقوف على عمليات التسجيل التي انطلقت امس، ولكن بدأت صعوبة المهمة منذ الوهلة الأولى في التعرف على مواقع مراكز التسجيل، «فالتيم الصحفي» مكث حوالي الساعتين وهو يجري اتصالاته مع موظفي المفوضية لمعرفة مواقع التسجيل، ولكنهم فوجئوا بأن بعض العاملين بالمفوضية هم أنفسهم لا يعرفون أماكن التسجيل إلا بعد أن طلبوا اعطاءهم مهلة للاستفسار عنها، وبعد جهد افادنا بعض موظفي المفوضية بثلاثة مراكز في «بري، والديم، ومدرسة جوار رئاسة الجمارك» وفي بحري مركز بحي الصناعات في مركز صحي، ومركزين في ام درمان باحياء القماير والقلعة. وبالطواف على مختلف مراكز التسجيل التي فتحت ابوابها في اليوم الاول على قلتها تلاحظ الضعف الواضح في اقبال المواطنين على تلك المراكز للتسجيل وجهل بعضهم بما يجري بها، فحينما تسأل أحدهم عن انه ذاهب للتسجيل يفاجئك بقوله «تسجيل شنو» وحينما تشرح له بقولك «تسجيل في السجل الانتخابي، بعضهم يرد عليك «عشان شنو». كما ان ضعف الاقبال على التسجيل لاحظت «الصحافة» أنه يرجع كذلك في احد اسبابه خلافاً لضعف التوعية الى ذهاب الناس لأعمالهم صباحاً وكذلك الموظفين الذين ينتهي يومهم العملي عند «الرابعة» مساءاً وتغلق المراكز ابوابها عند الخامسة مساءاً وتفتحها عند الثامنة صباحاً. «الصحافة» في جولتها كانت تحاول استنطاق موظفي مراكز التسجيل حول سير عمليات التسجيل ومؤشراتها ومقدار الاقبال عليها من المواطنين، ولكن بعض موظفي المراكز إمتنعوا عن الحديث بقولهم «إنهم ممنوعون من الحديث للاجهزة الاعلامية إلا بموجب تصديق من المفوضية»، ومن هنا بدأت تطل إحدى المشاكل التي ستواجه الاعلام في الحصول على المعلومات من مواقع الاحداث في الانتخابات القادمة التي إنطلقت أولى مراحلها الفعلية أمس. الاعداد القليلة التي توجهت لمراكز التسجيل تبدو في معظمها كوادر حزبية مدربة للعمل في هذا المجال، وتلاحظ اختفاء العمل الحزبي في توجيه الناخبين للستجيل في اليوم الاول حيث لم ترصد «الصحافة» أي حركة جماهيرية لكوادر الاحزاب المختلفه في توجيه الناخبين للتسجيل كما لم تُشاهد قيادات حزبية تتوجه لمراكز التسجيل، وربما يرجع ذلك الى عدم تخصيص مفوضية الانتخابات لمراكز نموذجية للاعلام لرصد تسجيل الشخصيات السياسية والحزبية في العملية. بداية حركتنا كانت بوسط الخرطوم لتغطية مراكز التسجيل بمدينة الخرطوم حيث توقفنا عند مركز التسجيل بوسط السوق الشعبي بالخرطوم الذي كان بمدرسة زينب الشيخ الاساسية جوار رئاسة الجمارك، وعند رصدنا لحركة الناخبين المقبلين على التسجيل كانت محددة جداً ولم يكن هناك زحام أو ما يوحي بأن هذا المقر مركز لتسجيل الناخبين من واقع عدم التدافع الجماهيري إليه، وحتى الساعة الثانية ظهراً لم يتجاوز عدد الذين قدموا للمركز الذي يقع في اكبر منطقة كثافة سكانية بالعاصمة لم يتراوح عدد الذين سجلوا «170-180» مواطن، «الصحافة» إلتقت بالمركز برئيس اتحاد شباب الدائرة المعز عبد الله وسألته عن سير عمليات التسجيل فقال «حسب توقعات اليوم الاول للسجل الانتخابي الحصيلة كانت كما هى متوقع لها، لأن منطقة السوق العربي منطقة تجارية ولديهم الرغبة في تسجيل اسمائهم وممارسة حقهم الدستوري والقانوني للتصويت في الانتخابات القادمة واضاف حتى هذه اللحظة الذين تم تسجيل اسمائهم «180» ناخب، لكن مازال جهد الشباب والنساء جاري لتوعية المواطنين لممارسة حقهم بتسجيل اسمائهم وبكيفية التسجيل، وقال ان المركز شهد حركة دؤوبة للناخبين منذ الصباح وان عدد الناخبين الذين تم تسجيلهم في الكشوفات ما كانت تتوقعه المفوضية لأنها كانت لا تتوقع ان يكون هناك اقبال على التسجيل في هذا المركز، وقال زار والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر المركز صبيحة اليوم برفقة رئيس مفوضية الانتخابات مولانا أبيل ألير في أول زيارة لمركز تسجيل بالولاية للوقوف على حركة تسجيل الناخبين. اما مدينة بحري فقد كانت أولى محطاتنا بمركز الصناعات ببحري حيث اضنانا البحث عن المركز طويلاً ولم نعثر بالمدينة على مركز غيره ولم نجد من يدلنا على مركز آخر او يعرفه، وبمركز الصناعات كل الذين سألناهم كانوا في وادي البحث عن لقمة العيش في وسط أكوام الحديد المتراص في المنطقة الصناعية ببحري، واخيراً أخبرنا أحدهم بموقع المركز الصحي الذي به مركز التسجيل، حيث دخلناه ولم نشاهد فيه أي مواطن قادم للتسجيل، وعند دخولنا بادرنا أحد موظفي المركز «دايرين تسجلوا كلكم» ما يعني أنه لم يوجد أى مواطن قادم للتسجيل، ولاحظنا ان كل ضباط المركز أقلبهم من فئة الشباب، فسألنا ضابط المركز محمد عمر بحيري، عن عملية التسجيل بالمركز فقال «إنه لا يستطيع الإدلاء بأية معلومات وذلك أمر من المفوضية التي حظرت عليهم الحديث مع الصحافيين ما لم يأتوا بإذن مكتوب من المفوضية ولم يكتفِ بذلك بل طلب منا عدم التصوير ومغادرة المكتب، وبالقرب من المكتب وجدنا شباباً يجلسون بالقرب من بائعة شاي دون أى اهتمام بما يجري بمركز التسجيل من حولهم وعندما سألناهم عن ذلك قالوا انهم لم يكونوا على علم بهذا الامر. غادرنا مركز الصناعات بحري وإتجهنا صوب أم درمان بعد أن عجزنا عن العثور على مركز آخر ببحري، وعلى هدى خارطة المفوضية دخلنا العاصمة الوطنية أم درمان، بحثنا في طريقنا عن أي شئ يدل على أن ثمة حدث بالغ الأهمية يجري في هذه البقعة قد يغير مجري سفينة الوطن التي لم يدركها أحد بعد، ولكن للاسف لم نجد من يعبر عن ذلك لا في طرقات المدينة ولا أحاديث أهلها وونستهم. توجهنا الي مدرسة القماير القديمة، وفي المدخل قابلتنا إحدى المعلمات عند مدخل المدرسة، سألناها عن مركز التسجيل أجابت بأن مسئولي المركز جاءوهم صباحاً يحملون خطاباً دون ان يحددوا أهي مدرسة القماير القديمة أم الجديدة، وأخبرناهم بانه لا علم لنا بهذا الامر ومن ثم غادروا الى مدرسة القماير الجديدة، ذهبنا هناك ووجدنا بعض الحركة في المركز الذي باشر العمل باحد فصول المدرسة بعد أن شعرت مديرة المدرسة باهمية الموضوع فقامت بتحويل طالبات الصف الاول لمكان آخر، قابلنا ضابط المركز بشير حسن عبد القادر، والذي صب جام غضبه على المفوضية الولائية واصفاً إياها بالقصور وعجزها عن أداء واجبها وعدم توفيرها للامكانيات المطلوبة ،مؤكداً ان ما يقومون به من عمل ناتج من إيمانهم بأهمية الدور الذي يلعبونه، وقال ان الموظفين أنفسهم لم يجدوا تنويراً من مفوضية الانتخابات حول طبيعة عملهم الذي يجب ان يقوموا به، وقال إن معظم أدوات العمل للتسجيل قام بإحضارها بنفسه من منزله، ووصف الاقبال في اليوم الاول للتسجيل بالمركز بانها ضعيفة وعزا ذلك لضعف الاعلام والتوعية، وان الذين حضروا لتسجيلهم جلهم من منسوبي كوادر الاحزاب وان التسجيل لم يتجاوز «300»، وبالمركز وجدنا مناديب احزاب الوطني والشيوعي والحركة الشعبية فقط من دون الاحزاب الاخرى وجميعهم إتفقوا على ان هناك ضعف في الاقبال وان العملية تتم بصورة سلمية. وقالت ثرية عبد العظيم مندوبة الحركة الشعبية إن المواطنين ليس لهم معرفة بالمركز مما اثر على الاقبال، وقالت هناك مشكلة في المفوضية في استخراج بطاقات لمناديب الاحزاب وأنهم يعملون بموجب تفويض في ورقة من المفوضية، وقال محمد العطا مندوب الوطني، الاقبال يسير بصورة جيدة بحسبان اليوم الاول، وان الحضور يتم بصورة تلقائية دون تدخل من الاحزاب. ومن القماير انطلقنا الى مركز «الحديقة» بالقلعة، وذات حال الاقبال الجماهيري بالمراكز الاخرى وجدناه يخيم عليه، ولاحظنا ان هناك عربة هايس امام المركز ظنناها تابعة لأحد الأحزاب إلا أنها كانت تخص مواطناً جاء بأسرته للتسجيل كأول حالة تسجيل أسري جماعي ولكنه عاد دون أن يسجل بعد ان وجد ان مركز تسجيله ليس اليوم ما يعكس عدم التوعية كذلك للمواطنين حيث إلتقينا بضابط المركز أمين السيد، قال ان العملية تتم بصورة طيبة وسط تزايد الاقبال على المركز والذي توقع ان يكون الضغط على المركز بعد إنتهاء دوام الموظفين، واكد في الوقت ذاته بان كل إحتياجات المركز تم توفيرها من قبل اللجنة الشعبية والتي قامت بدورها الاعلامي على اكمل وجه . ولاحظة الصحافة بهذا المركز وجود مناديب للحركة الشعبية والشيوعي دون الاحزاب الاخرى، كما ان الذين قدموا للتسجيل معظمهم من كبار السن، حيث وجدنا التجاني سليمان «75» عاماً وقال ان هذه الانتخابات الثالثة التي يشارك فيها حرصا على واجبه الوطني.