كعادته شهما شجاعا وفي لحظاته الاخيرة محمد علي يبعد الطائرة عن المناطق الماهولة

Quote: الراي العام التاريخ: الجمعة 23 أكتوبر 2009م، 5 ذو القعدة 1430هـ هنـــاك فــرق موعد في “الشارقة” ..! مني ابوزيد [email protected] لـ كاتبة الرواية البوليسية الأشهر (أجاثا كريستي) رواية بعنوان «موعد مع الموت» يتربص فيها ـ كعادته ـ بأحد أبطالها من حيث لا يدري .. وفكرة تَربُّص الموت و حتمية وقوعه كقدرٍ منتهٍ ومعلوم، رغماً عن أمنية البقاء التي جبل عليها الإنسان، تناولها ـ إلى جانب (أجاثا كريستي) ـ كتاب آخرون منهم البريطاني (سومرست موم) والأمريكي (جون أوهارا) .. فقد أعاد كلاهما - (موم) في نهاية مسرحيته «شيبي»، و (أوهارا) في روايته «موعد في سامراء» - الإنتاج و الإخراج الفني لفكرة قصة عربية قديمة ـ شهيرة ـ مفادها أن رجلاً كان يعيش في «بغداد» و يعمل خادماً بأحد قصورها، ذهب إلى السوق في أحد الأيام، فشاهد الموت متنكراً في هيئة بائع عجوز، فخمن أنه قد حل ضيفاً على ببغداد كي يأخذ روحه ! .. هرع الخادم إلى سيِّده، و سأله أن يعيره حصانه، ثم انطلق مسرعاً إلى «سامراء» هرباً من ملاقاة الموت .. وعندما علم الموت بفراره إلى «سامراء» تنفس الصعداء و أعرب عن دهشته من مقابلة الرجل في «بغداد» في الوقت الذي كان يعلم فيه علم اليقين بأنه على موعد آخر معه في تلك الليلة، و في مكان آخر هو «سامراء» ! .. فـ الموت هو الزائر الغليظ الذي يفرض زيارته فرضاً، يأتي على غير موعد و يصر على ملازمة مضيفيه رغماً عنهم، و إن حاولوا التملص منه أو التنكر له، لن يُثنيه رفضهم القيام بواجب الضيافة ! .. لا غرو أن الإيمان بقدرية الموت و التسليم به كقضاء مع كراهة وقوعه على النفس من المتناقضات الجليلة التي تفوح بها نفوس المؤمنين، لكن ـ ولكن أداة استدراكية ... ـ حتمية الموت كقدر يذعن الإنسان لوقوعه تحت مظلة «التسيير» الإلهي لا تتقاطع مع مقتضيات هامش «التخيير» .. من اجتهاد في دفع البلاء، واستعداد لدرء الخطر المفضي إلي الموت المحتوم ! حادثة طاقم طائرة شركة «عزة» للنقل» المستأجرة من الخطوط الجوية السودانية، والتي سقطت ظهر أمس الأول، بعد بضع دقائق من إقلاعها ـ استعدادا لمغادرة مدينة الشارقة في طريقها إلى الخرطوم ـ تفتح باب الكثير من الأسئلة المتعلقة باجتهادات درء الخطر الواجب الحرص عليها تحت مظلة التخيير ! .. رحم الله طاقم الطائرة، وقائدها الباسل الذي صور شهود عيان مشهد اجتهاده لأجل الخروج بطائرته الهاوية (التي أهديت إلى رئيس الدولة في سبعينات القرن الماضي، قبل أن تؤول ملكيتها إلى شركة عزة للنقل!) عن دائرة المنطقة السكنية المأهولة ! .. قدر طاقمها المحتوم، المسطر قبل خمسين ألف سنة من مواقيت خلقهم رافقهم الموت إلى «الشارقة» بل ربما سبقهم وانتظرهم – و لعله استبطأ قدومهم – بباعث من يقين قدري مفاده أن موعده معهم سيكون هناك ! .. و لعل في تلك المفارقة القدريَّة في قصة موت هؤلاء الشهداء – الذين نسأل الله لهم الرحمة و المغفرة – ما يعزِّي أهلهم و ذويهم و يزيد من إيمانهم بأن الموت هو قدر جميع الأحياء – المحلقين في الفضاء والسائرين في الأرض – و بأنه سوف يُدركهم، و يُدركنا، و يُدرككم .. «و لو كنتُم في بروجٍ مشيَّدة»!