|
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، (Re: Asaad Alabbasi)
|
الحلقة الثالثة (حكاية العناد والعشق المجنون)
كان شاعرنا ود الفراش بجانب موهبته الشعرية العظيمة ووسامته الفائقة واعتداده بشجاعته وشبابه النضر رجلاً سمح الخصال ذكياً أصمعي الفؤاد حلو الحديث طيب المعشر وفوق ذلك يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم وكان مشهوداً له بالكرم والشجاعة والصبر والتحمل، وقد نهضت في سيرته حكاية تدل على صبره وتحمله وشجاعته فقد حكم عليه ذات مرة بالجلد خمسمائة جلدة بواسطة مجلس عسكري ترأسه ضابط يقال له (حسنين أغا) عقاباً له لغيابه عن عمله العسكري لأيام كان قد قضاها مع محبوبته (الدُونْ لِحِقْ) فتحمل الجلد في شجاعة منقطعة النظير ولم يحرك ساكناً وهو يشرف على الهلاك، في وقت كان الأثرياء يرشون ضارب السياط ليخفف الضرب ويزور في عدده، ولكنه لم يفعل وبعد ذلك قال: يَا حَسَنَينْ أَغَا جَاتَكْ أَذِيَّه ضَرباً مُو كَتِير بَسْ خُمْسُمِيَّه بَرْقُدْ وانْسَتِرْ واطْرَى البِنَيَّه وليْ بَلَدْ أُمْ شِلَيخْ بَاخُدْلِي جَيَّه كانت هذه الصفات تبهر النساء، وكم من قلب خفق منهن بحب ود الفراش، دون أن يدري .... في ليلة كانت ترسم على صفحة سمائها بقلم القمر ومداد النجوم بداية عشق أسطوري، تحرك ود الفراش نحو منزل كان يحتفل أصحابه بزواج فرد من أفراده في مدينة بربر. كلما دنت أقدام ود الفراش من ذلك المنزل تتضح أكثر في أذنيه الأصوات الطروبة والأنغام الشجية، وهنالك رأى ساحة الحفل، وعندما وقف في جانب منها كانت الفتيات يتهامسن كل منهن تلقي الخبر للأخرى، ولكن ذلك لم يلفت إنتباهه بقدر تلك الفتاة التي نهضت وأخذت ترقص رقصاً يلهب المشاعر، وكانت على جانب عظيم من الجمال، بادنة القوام في تناسق، سمراء تلمع في ضوء القمر، وتتحرك كالحمامة وسط الساحة، وتخفي عينيها الواسعتين بأجفانها وكأنها تستغرق أو تحلم، وعلى خديها جلست الـ (شلوخ) دقيقة تزيدها سحراً وجمالا. بدأت رأس ود الفراش تدور وهو يرى هذا المنظر، فشق الصف ليصير إلى داخل الساحة وهو يهتز طرباً، فانطلقت الزغاريد، فزاد لهيبه، فخلع قميصه وركز في الساحة، فهوى على ظهره سوط العريس، فأصمت أذنيه الزغاريد، والفتاة تدور كالحمامة، وتقترب منه بـ (شبال) فضربت أنفه رائحة عطرها المسكر، فأخرج مديته وأعملها بالتجريح على ساعديه، فسالت دماؤه، والزغاريد لاتنقطع إلا لتتصل. كانت تلك هي طريقة إبداء الإعجاب في ذلك العهد، وربما إلى اليوم. عاد ود الفراش لداره بعد تلك الليلة وساعداه تنـزفان وظهره ينـزف وقلبه ينـزف، وعندما تسللت أشعة الشمس لتنبئ بنور الصباح أدرك شاعرنا أنه قضي باقي ليلته دون نوم، فقد كان يفكر في تلك الفتاة التي نفذ سهم حبها في قلبه من أول نظرة. لم يكن ود الفراش مستعداً لأن تضيع منه دقيقة واحدة، فأخذ يسأل عن فتاته، فعرف أنـها جارية مملوكة لأحد أسر الجعليين العريقة في الدين والشرف والجاه وأن اسمها (الدون لِحِق)، فسأل عن معنى الإسم لغرابته فعرف أن المعنى الحرفي هو (عز الذليل)، وقد كان من عادة النساء في ذلك الوقت تسمية جواريهن وغلمانـهن بأسماء تشير إلى مدح أزواجهن وذم أعدائهن، فشحذ عزيمته من أجل لقائها فتم له ما أراد، فوجد في لسانها طلاوة، وفي لفظها سحراً وحلاوة، فأتت على ما تبقى له قلب، وأضحت منذ تلك اللحظة ملهمة أشعاره، وتعلقت هي الأخرى بشراك حبه، وبدأ تعارفها يوغل في مدى بعيد، فأغرقها بالهدايا والأموال، وأغرقته بكلام الحب المعسول، والنظرات العاشقة والقاتلة، وتقول له دائماً: أنا لك مادامت باقية على ظهر البسيطة، ومن تلك التي لا تتمناك يا إبراهيم؟ فتدور رأسه وينبض قلبه حتى يكاد أن يخرج من صدره، ومن بعد تغير مجرى حياة هذه الجارية التي لا يعرف لها أب فقط يقال لها بنت نورة بنت قنديل. عندما شعرت (الدون لحق) أن ود الفراش بلغ به العشق حد الوله وأنـها أخذت تقاسمه ثروته بما أخذ يغرقها به من الأموال والذهب والهدايا من ملابس وعطور، بدأت تشق عصا الطاعة وتتمرد على سيداتـها الآئي بزتن في الزينه والذهب يتلألأ على معصميها، عندها لاحظ والد شاعرنـا أن ابنه يبدد أمواله على هذه الجارية وأنه يغرق في حبها بتهور لدرجة عرض الزواج عليها، ناداه وقال له: يا إبراهيم إننا في هذا المنزل نمتلك جواري مثل تلك التي جرتك إلى عشقها، وهن طبقة حقيرة، وهي دوننا ودونك في المكانة، ولا تستحق أن تعرض عليها الزواج، وليس من الحكمة أن تبدد أموالك في جارية كهذه. أطرق إبراهيم ود الفراش ثم قال لوالده: الدُون حَبـَابَه أُمْ شَعَراً مِتِلْ وَتَر الرَبَابَه يا فَراشْ أَبُوي كَانْ شُفْ جِعَابَا تَجُردْ المَالْ تَخَلي الحوشْ خَرَابَه!! رغم ذلك لم يتملك اليأس والد شاعرنا في أن يصده عن عزمه الزواج من هذه الجارية، فنقل إليه إعتراضه القوي ومعارضة والدته وشقيقه وشقيقتيه على هذه الزيجة التي ستهينهم وتذلهم، مما جعل شاعرنا محبطاً ومكتئباً، فهو متمسك بالدون إلى أبعد غايات التمسك، وفي سبيلها سيضحي بكل شيئ، ولكن إرضاء لأسرته وافق على الزواج من فتاة رشحوها له يقال لها (زينب)، وهي ابنة أحد المهاجرين الذين استوطنوا مدينة بربر، اسمه (محمد بن أحمد) وملقب بـ (الدرق). تزوج شاعرنا ود الفراش بـ (زينب بت الدرق) فأعطاها جسده وفشل في أن يعطيها قلبه الذي اسرته الدون لحق، فكانت شراكة حملت بذرة فشلها منذ البداية، ولم يمض العام حتى فض ود الفراش هذه الشراكة منهيها بالطلاق، لتعود (الدُونْ لِحِقْ) كما كانت مهرة في مضمار عشقه، وفراشة على زهور أشعاره العذبة، ذات الإقعاد المموسق.كان يصفها في كثير من أشعاره، ومن ذلك قوله: ماَهَا أُمْ كُرَاشَه عَنَاقْ أُمْ سَومَرْ الخَضَرْ رُشَاشَا شَبِيهةَ الدُونْ جِدَيةً ضَاربَه قَاشَا لِهَيجْ الدُونْ بِيـَرْوِي إِتْنَينْ عَطَاشَا وقوله وكان قلبه يهجس إليه بأنها حرة غير جارية: بَقُولْ حُرَايَا خَاتِي النِقَه مَا فِرَيخَةْ شَرَايَا شِلَيخْ بِتْ نُورَه يِضَوِي كَذَا المِرَايَا تَقُولْ شُبَاكْ مَحَكَرْ في صَرَايَه ويوغل في وصفها فيقول: مَا هَا السَمِينَه عَنَاقْ التُوتُو الخَضَرْ عَسِينَا تَقُرْدَ الدِيسْ عَليْ الرُوبَه الدَهِينَه بِتِسَنَدْ تَقُولْ مَاسْكَاهَا طِينَه ويقول: مَاهَا امْ جَفَايِنْ تَقُولْ بالحَدَبْ وَغَلاً بِعَايِنْ شَبِيهةَ الدُونْ جِدَيةً بالعَسَايِنْ خُدُودْ الدُونْ مِتِلْ عِنَبْ الجَنَايِنْ كان شاعرنا ود الفراش يغامر بكل شيئ من أجل معشوقته الدون لحق، فقد أهمل عمله العسكري من أجله،ا ما عرضه لعقوبة جلد صارمة ورد ذكرها، فقد آثر ود الفراش أن يبقى ملازماً لمحبوبته في سقمها حتى تماثلت للشفاء، وفي ذلك قال وهو يبرز ختميته: الدُونْ بَرِيَّه فَوقْ الدُونْ لِحِقْ يَا ميرغَنِيَّه أماسي الدُونْ ولا تَزْعَلْ عَليَّا واصابحَ الدُون بَلاشْ العَسْكَرِيَّه غير أن الأيام حملت لشاعرنا في عشقه مفاجأة صاعقة، ما كانت في حسبانه، وما طافت بخياله ولا بقلبه، وكادت أن تورده موارد الهلاك، وتقضي عليه.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 00:01 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 00:02 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 00:05 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 00:07 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 00:09 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 00:11 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | عمر صديق | 10-16-09, 00:26 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 05:35 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | خدر | 10-16-09, 00:31 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 06:55 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | معاوية المدير | 10-16-09, 00:52 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 07:07 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 07:30 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 09:48 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | خدر | 10-16-09, 10:34 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 12:44 PM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 05:03 PM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 08:45 PM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 08:52 PM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | ناصر البهدير | 10-18-09, 05:48 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | singawi | 10-18-09, 07:39 AM |
|
|
|