|
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، (Re: Asaad Alabbasi)
|
الحلقة الأولى (الميلاد والنشأة)
قال (إبراهيم) لإبنه الفتى (محمد): يجب عليك يا بني وعلى وجه السرعة أن تتوجه إلى السودان وتحديداً إلى مدينة يقال لها (بربر). فنظر محمد إلى وجه أمه وكأنه يستنطقها السبب .. فوضع (إبراهيم) يده على كتف إبنه وقال له: يا بني نحن هنا معشر المصريين الذين يعيشون في مديرية (الشرقية) وخاصة في مدينتنا (بلبيس) هذه نعد هدفاً مثالياً للتجنيد الإجباري أكثر من غيرنا للشجاعة والقوة التي يعتقدونها فينا، وأخشى عليك من هذا التجنيد ومخاطره على حياتك ونحن لا نحتمل هذا ولا نغامر به أبداً، فأنت إبننا الوحيد وهم لا يراعون ذلك. إن أمك تقضي ليلها ساهرة مع دموعها وهي تترقب بخوف وقلق تلك اللحظة التي ستقاد فيها إلى التجنيد الإجباري. صمت الفتى (محمد) صمتاً لا يتواءم مع المشاعر والأحاسيسس التي دهمته في تلك اللحظات، فنظر ثانية إلى وجه أمه، فأدركها مطرقة تهتز شفتاها دون حديث، فسار بهدوء نحو غرفته بينما وضعت والدته يدها على كف زوجها وضغطت عليها بقوة ورنت إلى وجهه بعينين دامعتين وهي تقول له: إن فراق إبننا لامحالة واقع إن جند وإن توجه إلى السودان مما يجعل الفؤاد حزيناً . فقال لها مواسياً: سيكون ابننا بخير في السوان، فأهل السودان أناس طيبون وكرماء، كما أنني سأزوده برسالة من العالم المالكي المعروف (الشيخ عليش) ليحملها إلى صاحب المعالي (محمد بك حلمي إبراهيم) مدير مديرية (بربر) ليساعده ويكرمه فمعالي المدير يحترم ويوقر الشيخ عليش. في غرفته كان الفتى (محمد) ينظر إلى السقف فبدا له مظلماً وكئيباً كخطوته التي سيخطوها بعد قليل إلى مجاهل لا يدري عنها شيئاً، ويترك بعدها والديه ودراسته التي نبغ فيها في الأزهر الشريف وهوىً ثار في أضلاعه، ولكن لابد من السفر، فحمل على كتفه متاعه القليل وهو يعلم أن والدته الحنون ستذرف دموعاً حرى وهي تودعه، هي لحظات قاسية يكرهها، وعند باب الغرفة إلتقاه والده ووضع له الرسالة في جيب معطفه وشد على ساعده، وبعد قليل وجد الفتى نفسه في أحضان والدته وهي تبكي بكاءً مرا، فتخلص من أحضانها برفق ليطلب درب السفر الطويل لمستقبل مجهول. ألقى الفتى (محمد) عصا ترحاله وهو يدخل إلى مدينة (بربر) بعد عناء السفر ومشقته، كان الفصل شتاء والشهر ديسمبر من العام 1842والزمهرير ينفث برده بقوة من جبل (النخرة) الممتد شرق وغرب المدينة فيلفح وجه الفتى ويعبث بمعطفه، ولكنه كان حريصاً على الرسالة التي تقبع داخل جيب من جيوب معطفه.نظر الفتى حواليه فبدت له المدينة التي أحاط بها خندق من جميع الجهات كسوق يمور بالقوافل، والمتاجر، ووجوه تتباين سحناتها، أرمن، وهنود، ومصريين، ويونانيين، وشركس، وفرقاً من الجيش تغدو وتروح. في أرفف المتاجر كان يرى الأقمشة، والخردوات، والعطور، والخمور. وعندما حانت منه التفاتة أخرى رأى بعض الفتيات السود وهن شبه عاريات يعرضن للبيع في سوق النخاسة، فأشاح بوجهه بإمتعاض وسارع ليسأل أقرب الناس إليه ليدله على دار (محمد بك حلمي إبراهيم) مدير المديرية. طرق الفتى دار مدير المديرية بيد واجفة فانفغر الباب عن وجه حارس أسود سأله بغلظة: ماذا تريد يا فتى؟ فقال: أتيت لتوي من مصر وأحمل رسالة من العالم (الشيخ عليش) لمعالي المدير. نظر إليه الحرس كمن يريد كشف صدقه من كذبه وقال له: إعطني الرسالة وانتظر ريثما أعود إليك. لم ينتظر الفتى طويلاً حتى سمح له بالدخول ومقابلة معالي المدير، فكانت هي المقابلة التي صنعت له مجداً في تلك الديار التي كان يتوجس منها خيفة. قال له معالي المدير: إذن أنت من عائلة (الفراش)؟ نعم سيدي إنه لقب العائلة. فقال له المدير: أكرم بها من عائلة إنها تستحق الإحترام، كما أننا لا نرد ولانبخل بمساعدة من يأتينا من قبل شيخنا العالم الجليل (عليش). أكرم المدير وفادة الفتى وأوكل له بعض المهام فأجادها ولما رأى فيه ذكاء وهمة وصدقاً وأمانة اتخذه ناظراً على خاصته فأخلص الفتى وأجاد عمله حتى ألقى إليه المدير مقاليد الأمور في كل ما يمتلكه دون أن يفرق بينه وبين أبنائه حتى ظن الناس أن الفتى من عشيرة وأهل معالي المدير.كان لابد للفتى أن يتزوج وقد تكرست الفكرة في رأسه وهو يرى (محمد فضل) ـ الذي كان يعد من أثرياء تجار المدينة الذين هاجروا من مصر إلى بربرـ يزور معالي المدي وأحياناً تصحبه عائلته وابنته (محبوبة) فأسر لمعالي المدير برغبته في الإقتران بـ (محبوبة) فتمت الخطبة فكتب الفتى (محمد) برسالة إلى والديه أوضح لهما أحواله وسعادته وهو يعيش في كنف معالي المدير.فقد كان هنالك مكتب للبريد والبرق بل كانت بربر في ذلك الزمان تضم مستشفىً ومدرسة نظامية وشركتان إحداهما لصنع الملابس والثانية تعمل في مجال السكر، وقد جاءت الحكومة بعدد من العمال المصريين المهرة لتدريب المواطنين على شتى المهن في أماكن متفرقة من المدينة. تزوج (محمد) بـ (محبوبة محمد فضل) وكان زواجاً موفقاً، كان ذلك في العام 1846، بعد عام كانت (محبوبة) تعاني آلام المخاض لتضع مولوداً ذكراً فرح له الجميع واختار له والده إسم (إبراهيم) تيمناً بجده إبراهيم. وهكذا كان مولد شاعرنا القومي إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن موسى الذي لقب بـ (الفراش) وبـ (شاعر بربر). ومن بعد أهدت (محبوبة) لزوجها (محمد) من الأبناء (أحمد) و (فاطمة) و (زينب)، وهكذا كون (محمد) أسرة إحتلت مكانة مرموقة في مدينة (بربر) زاد إحترام الناس لها وهم يرون ربها مثقفاً ثقافة دينية عالية بالإضافة إلى ورعه واستقامته وحجه لبيت الله فضلاً عن ثروته الكبيرة. هذه هي الأجواء التي نشأ فيها شاعرنا (إبراهيم الفراش)، ولكنه كان دائماً يختط لنفسه في الحياة نهجاً مغايراً، كان ينفذ ماكانت تهجس له به نفسه وليس ما يريده له والده، فعندما ألحقه والده في أول صباه بالخلوة مكث فيها زمناً ثم تركها، وعندما ألحقه بمدرسة نظامية توطئة لإرساله بعد ذلك للأزهر الشريف فشلت خطته، فقد كان (إبراهيم) يفضل ركوب الإبل والخيل وألعاب الفروسية، وكان يترك المدرسة إلى ساحات التدريب الحربي لجنود الجيش التركي وينظر إليهم بإعجاب وهم يرمون بالنار إلى الهدف ويتدربون على خطط الهجوم والدفاع في معارك تعليمية مدهشة، فأخذ ذلك لبه وشب مولعاً بالجندية شديد الرغبة فيها وهو بعد لم يتعدَ الثالثة عشر من عمره.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 00:01 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 00:02 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 00:05 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 00:07 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 00:09 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 00:11 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | عمر صديق | 10-16-09, 00:26 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 05:35 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | خدر | 10-16-09, 00:31 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 06:55 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | معاوية المدير | 10-16-09, 00:52 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 07:07 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 07:30 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 09:48 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | خدر | 10-16-09, 10:34 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 12:44 PM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 05:03 PM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 08:45 PM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | Asaad Alabbasi | 10-16-09, 08:52 PM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | ناصر البهدير | 10-18-09, 05:48 AM |
Re: حكاية الشاعر إبراهيم ود الفراش،،،،، | singawi | 10-18-09, 07:39 AM |
|
|
|