تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 11:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل الاستاذ الخاتم عدلان(Khatim)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-21-2006, 07:48 AM

Marouf Sanad
<aMarouf Sanad
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 4835

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور (Re: Hussein Mallasi)

    ورقة الاستاذ صديق عبد الهادي


    آن اوان التغيير ... مرة أخرى

    في الذكرى الاولى لرحيل المفكر ... الخاتم عدلان

    صديق عبد الهادي
    فلادلفيـــــا

    " و كأن أنوار العلم الصافية ، هي الأخرى، لم تعد لها قدرة السطوع سوى علي خلفية من الجهل مظلمة" (1)
    ( كارل ماركس.)


    و تلك حقيقة عصرية بسيطة يستشفها المرء من الاستنكار الذكي لماركس، بأن بروز الحقيقة ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بوجود جهل مطلق، أو ان إشراقها مشروطٌ و رهينٌ به. فمن نسبية المعرفة، يمكن لأنوار علم الغد الصافية أن تسطع علي خلفية علم الامس ، التي كانت بالغة البهاء ، و التي بالفعل قد كانت ... كاملةً بمقاييس الأمس!!!
    فمن هذه الحقيقة البسيطة اسعى لتناول مساهمة الراحل " الخاتم عدلان" ـ آن أوان التغيير ـ بالتحليل ، و الذي آمل في التوفر علي قدرٍ معقولٍ و مقبولٍ من الموضوعية فيه.

    مقدمة/

    كتب الخاتم مساهمته التي نحن بصددها في أوائل التسعينات من القرن المنصرم . كان ذلك في عام 1993م، و قد قام الحزب الشيوعي السوداني بنشرها كاملةً في العدد رقم 157 من مجلته الداخلية المعروفة بإسم "الشيوعي"، و هي مجلة نظرية معروفة ، عادةً ما تُقدم فيها مساهمات الاعضاء الفكرية، إثراءً للحوار النظري. و تلك مهمة درجت علي حملها مجلة "الشيوعي" منذ عقودٍ خلت.
    أثارت تلك المساهمة الفكرية الرصينة للراحل " الخاتم عدلان " جدلاً غنياً واسعاً، تعدى حدود الحزب الشيوعي و مواعينه إلي أوساط المفكرين، و الأكاديميين و الساسة. لم تقف تداعيات تلك المساهمة عند منعطف الإختلاف الفكري فحسب ، و إنما ساهمت في إنقسامٍ و خروجٍ علي الحزب تكونت علي إثره حركة القوى الجديدة، "حق". و لا تزال تداعيات تلك المساهمة تدفع بالجدل و الحوار داخل الحزب الشيوعي و خارجه.

    في تناولي لهذه المساهمة أحاول الإجابة عن سؤالين ـ في إعتقادي ـ أساسيين ، هما :

    أولاً/ هل ما قدمه الخاتم في مساهمته تلك ، يمثل تجربته في الحزب الشيوعي فحسب؟

    أم ،

    ثانياً/ إن كان ما قدمه تخطى ذلك ، بل تعدى تجربته كقيادي ، و نفذ إلي لب النظرية الماركسية ، هل إستطاع الخاتم أن يقدم نقداً كافياً و مقنعاً لمرتكزات تلك النطرية؟.

    يبدو أن الخاتم في كتابته لهذه المساهمة حاول هو الآخر الإجابة عن أسئلة كان يرى إلحاحها إذ كتب ، " هذا العبور من عصر البطولة إلي عهد الإنحطاط ، هل يخصنا نحن ، في الحزب الشيوعي السوداني ؟ هل يمكن أن يكون مصيرنا كمصير الآخرين؟ و هل سنشترك يوماً في قمع شعبنا و قهره بالسلاح ؟و هل في مآسي الأحزاب الشيوعية الأخرى و مصائرها شيئاً نتعلمه منها ؟ و هل في إستطاعتنا أن ندير ظهورنا لما حدث ، و نتعامل كأن شيئاً لم يكن؟" (2). فبالإضافة إلي ذلك ، و مما يؤكد قناعة الخاتم بما يود كتابته، و كذلك يؤكد حرصه علي موضوعية محتواه ، أشار و بشكلٍ واضحٍ إلي أنه ، " و ليس في نية كاتب هذه السطور ، أن يكتفي بالإجابات العاطفية ، و الجمل الطنانة المفجرة للحماس و العواطف النبيلة" (3).

    و لكي يكون طرحه متماسكاً ايضا حاول الخاتم من البداية طمر الهوة التي كان يُفهم أو يُراد لها أن تميز الحزب الشيوعي السوداني عن بقية الأحزاب الشيوعية ، خاصة الأوربية الشرقية منها ، أي انه حاول تأكيد حقيقة أن النظم الإشتراكية التي حاقت بها الكارثة كانت تقوم علي شروطٍ عامة ، مثل ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، و سلطة حزب الطبقة العاملة...الخ.، و هي كلها منطلقات نظرية ماركسية، يشترك فيها الحزب الشيوعي السوداني مع الاحزاب الشيوعية و الإشتراكية التي أقامت تلك النظم. إنها نظمٌ لم تسقطها شروط الخصوصية ، التي تميز ، في العادة ، أي حزبٍ عن آخر، او أي بلدٍ عن آخر، و إنما سقوطها ـ أي سقوط الأنظمة الإشتراكية ـ يرجع إلي الشروط النظرية و الفلسفية العامة المشتركة بين كل الاحزاب الشيوعية و الإشتراكية. فقد كتب قائلاً ، "صحيح أننا حزب سوداني شديد الإعتزاز بسودانيته . و لكن الأحزاب الشيوعية الأخرى ، كانت أحزاباً وطنية هي الأخرى ، شديدة الإعتزاز بإنتمائها القومي من دون شك. و قد كانت لها مآثرها ، و تضحياتها و أبطالها و حاولت ، كما حاولنا ، أن تخضع الماركسية لمقتضيات واقعها ، ربما أقل قليلاً ، أو أكثر قليلاً. و لكننا ـ كحزب شيوعي ـ لو وضعنا في نفس الظروف التي وجدت هذه الإحزاب نفسها في خضمها ، لفعلنا مثلما فعلوا ، مع أن البصمات السودانية لن تكن معدومة."(4)
    جاء هذا الكلام مباشراً ، و ليس فيه أي "عاطفة" أو "جمل طنانة".

    إن الحقيقة التي تجعل هذا الكلام جديراً بالتأمل ، أنه لم يُطرح بناءاً علي الجانب النظري لوحده ، و إنما علي الوقائع العملية ، هي الأخرى ، لحدٍ ما، إذ أن النظم الإشتراكية أُسقطت و أُجبرت علي التغيير بكاملها!!! و ذلك مما أسقط دعاوى "الخصوصية" ، التي لم تشفع لأيٍ منها أن يتفادى أيلولته إلي الزوال، كما و أن ذلك السقوط هو كسرٌ لا يمكن جبره بزعم الخطأ في التطبيق، كما يزعم بعض المنظرين الباحثين عن طمئنة النفس و تمنيتها، عزاءاً لإمتصاص هول الواقعة !!! وهو منطقٌ لو غيض لنا قبوله، لقبلنا مبدأ الدولة الدينية علي إطلاقه، و هو ما لا يُعقل، لأن الدولة الدينية لا تنتج غير دولةٍ دينية !!! و بكل آحاديتها و غلوائها!!!. إن المسألة في جملتها ترتبط بالأسس الفلسفية و النظرية. و
    هذا جانبّ سننظر في تناول الخاتم له، و الذي أعتقد أنه كان تناولاً لم يمس كل الجوانب الجوهرية في النظرية الماركسية، أي
    ( Has fallen short).

    كتب الخاتم عن عجز الحزب الشيوعي و عن الشيخوخة التي بدأت تدب في مفاصله . و قد حاول إنجاز مهمة تشريح تجربة الحزب الشيوعي السوداني و مآلاتها ، من خلال الإجابة عن سؤالٍ اساسٍ و حاسم ، و هو " هل حقق الحزب الشيوعي شعاره الاساسي في التحول إلي قوة إجتماعية كبرى ، و إلي حزبٍ جماهيري مؤثر و فعال علي النطاق الوطني؟"(5) ، و كذلك من خلال التعرض الي قضايا اخرى كقضية "المركزية الديمقراطية" ،" الجبهة الوطنية الديمقراطية"، و قضية " الحزب و المثقفين."

    لابد من ملاحظة أن الخاتم لم يفرد جزءاً خاصاً بنقد النظرية الماركسية في مساهمته، و إنما ، في سياق عام، حيث أدغم نقده لها في تناوله لتجربة الحزب من خلال القضايا التي ذكرنا أعلاه...إلا أن ذلك لا ينتقص من قيمة ما قدمه في صدد نقده للنظرية ، فذلك الإدغام قد يكون أن فرضته طبيعة المساهمة نفسها.

    علي سؤال " القوة الإجتماعية الكبرى" ، أجاب الخاتم بالنفي، أي أن الحزب الشيوعي فشل في تحويل نفسه إلي قوة إجتماعية كبرى!!!و في إجابته تلك إستند علي إستعراض ملامح الصيغة التي إعتمدها الحزب في تحقيق هدفه، و قد لخصها في :
    اولاً/
    " تأهيل الحزب لنفسه بترقية إلمامه بالماركسية اللينينية"..." و لا يتم ذلك إلا بجذب خيرة المثقفين إلي صفوف الحزب، و إغناء حياته الداخلية و إتساعها للصراع الفكري الخلاق"(6).
    ثانياً/
    "تدعيم مواقع الحزب وسط الطبقة العاملة ، و جعله الحزب الاول في صفوفها، من حيث النفوذ السياسي و الوجود التنظيمي"(7).
    ثالثاً/
    "تمديد تنظيمات الحزب لتغطي كل أنحاء الوطن ، و ذلك بإعتماد أشكال تنظيمية مرنة، تستجيب لمقتضيات التطور غير المتوازن للمجتمع السوداني"(.
    رابعاً/
    بناء الجبهة الوطنية الديمقراطية، كحركة جامعة،متعددة الاشكال و الصور ، لتعبر عن تحالف العمال و المزارعين و المثقفين و الرأسماليةالوطنية"(9).

    قبل النظر في ملامح الصيغة التي إستعرضها الخاتم اود أن الخص الاسباب التي أوردها هو لتأكيد عدم نجاح الحزب في التحول إلي قوة إجتماعية كبرى:
    السبب الاول/
    "القمع الشرس الذي ووجه به الحزب منذ تأسيسه و حتى اليوم"(10).
    السبب الثاني/
    ضيق القطاع الحديث، و إتساع القطاع التقليدي حيث يصعب بناء تنظيم وطني حديث كالحزب الشيوعي يتخطى الإنتماءات القبلية و الطائفية و العرقية.
    السبب الثالث/
    قيام الحزب علي اساس الماركسية اللينينية ، و كذلك الموقف الفلسفي المادي الشمولي للماركسية حيث يصعب التوفيق بينه و بين التصورات الدينية حول الكون و الخلق، و قد ادى ذلك إلي قيام حائط عزل بين الحزب و الجماهير بفضل العمل السياسي المضاد من قبل احزاب اليمين.
    السبب الرابع/
    شمولية برنامج الحزب السياسي ـ كما اشار الخاتم ـ حيث يطرح الحزب ثلاثة مراحل للتنفيذ، و هي مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، الإشتراكية ،و أخيراً المرحلة الشيوعية.

    بالنسبة لملامح الصيغة التي تبناها الحزب، لأجل أن يصبح قوة اجتماعية كبرى لم يشر الخاتم إلي الدور الذي آله الحزب علي نفسه في بناء و دعم الحركة المطلبية ، و ذلك من خلال العمل الدؤوب في النقابات منذ تأسيسها ، إن كانت العمالية أو غير العمالية ، كنقابات الموظفين و المهنيين و إتحادات المزارعين، حيث دفع الحزب الشيوعي إلي الحركة النقابية بأطيب كوادره خبرةً و تجرداً مما وسع من نفوذ الحزب خارج المدن و المناطق الحضرية، و تقف مثالاً علي ذلك حركة المعلمين التي تكاد أن تكون قد دفعت بنشطائها إلي كل بقاع السودان بقطاعيه الحديث و التقليدي معاً. و كذلك حركة الشباب و النساء، إذ ساعدت هاتان الحركتان علي توسيع نفوذ الحزب ، و هذا ما لم تفصح عنه صياغة النقطة الثالثة في كتابة الخاتم حول الملامح.

    اما الملمح الاساس و المركزي الذي لم يدرجه الخاتم فيما ذهب اليه، هو نجاح الحزب ، و قد يكون دون سواه من الاحزاب الاخرى، نجاحه في صياغة ، و دفع مفهوم "العمل الجبهوي" في الحياة السياسية في السودان. كان لإعتماد الحزب ذلك التقليد و الإيمان به و الثبات عليه دورٌ كبير في دفع الحزب في إتجاه ان يكون قوة إجتماعية في المستوى الذي وصل اليه في اوقات مجده، هذا من جانب، أما من الجانب الآخر، فقد كان تبني "العمل الجبهوي" سلاحاً إستخدمه الحزب بفلاح شديد في كسر طوق العزلة الذي كثيراً ما كانت تحاول الانظمة العسكرية أن تضربه حوله.
    اصبح تقليد "العمل الجبهوي" جزءاً اصيلاً من ثقافة الحزب الشيوعي، و لقد كان الحزب مبدئياً في التعاطي معه، إذ أن الحزب لم يحد عن ذلك التقليد إلا نادراً، و قد لا تحفظ ذاكرة التاريخ غير حالتين من الخروج البائن عليه، و لكن أي حالتين هما ، و إلي حدٍ كانتا مكلفتين ؟!!!، الاولى هي موقف الحزب من إنقلاب مايو 1969 ، قبل حدوثه مباشرةً ، و أثناء و بعد حدوثه، أما الثانية ، فهي محاولة إنقلاب 19 يوليو 1971 ، حين حاول الحزب إختصار المراحل في الوصول إلي السلطة و فشل !!! ففي الحالتين نجد ان الحزب دفع ثمناً باهظاً أقله كسر الطموح في أن يصبح قوة إجتماعية كبرى!!!.

    و في هذا الامر قد يُشار إلي علاقة الحزب الشيوعي السوداني بالإنقلابات التي حدثت في غضون الديكتاتورية العسكرية الاولى ، اي قبل مايو 1969م. وفي الرد علي ذلك يمكننا القول بأن الموقف الواضح و الصارم بخصوص موضوع التداول السلمي للسلطة و عبر الإنتخاب تمٌ تبنيه بواسطة الحزب ، و بشكل لا يقبل التأويل في مقررات المؤتمر الرابع 1967م.
    كان ان تطرق الخاتم لموضوع "العمل الجبهوي" في تصديه لمسألة الجبهة الوطنية الديمقراطية، إلا انه كان تناولاً مختصراً، لم يعكس أهمية و ثقل "العمل الجبهوي" في حياة و تطور الحزب الشيوعي السوداني. قد لا يكون المرء غير صائبٍ اذا ما ارجع جذور "العمل الجبهوي" التاريخية إلي الحركة النقابية السودانية التي إرتبط بها الحزب الشيوعي إرتباطاً وثيقاً منذ نشأتها الاولى.

    إن "العمل الجبهوي" هو ، في الاساس ، نشاطٌ تاكتيكي و ليس عملاً إستراتيجياً. إنغمس الحزب الشيوعي في ذلك النشاط التاكتيكي ـ بالطبع لضروراته ـ إلي الحد الذي غاب فيه عنه افق العمل الإستراتيجي ، حيث أننا نجد أن الحزب أنتج قادة نقابيين من طراز رفيع في الحركة النقابية العمالية و غير العمالية، إلا أنه فشل في إنتاج مفكرين يشغلهم إنتاج الفكر و التجديد لضخ الحياة في الحزب!!! و قضية الفكر بالنسبة للحزب الشيوعي ، و أي حزب ، بالتأكيد هي قضية إستراتيجية من الدرجة الاولى ، و ذلك بالقطع ما يدفع المرء للقول ، و في هدوءٍ تام ، بأن الحزب الشيوعي ظلّ عملياً، و لردح طويل ، حزباً تاكتيكياً و ليس تنظيماً إستراتيجياً، ما فتأ يقتات علي مؤنة فكرية غاضت منابعها!!! أعتقد أنه ظلّ يعمل كمنْ لا حيلة له ، و علي قاعدة " رزق اليوم باليوم " فيما يتعلق بالمعرفة ، و الفكر. و لا اعتقد ان ذهابنا إلي ذلك ينبئ عن أي قسوة في توصيفنا لحالة الحزب الشيوعي السوداني.

    إن الاسباب التي ذكرها الخاتم كمسوغٍ لفشل الحزب في ان يصبح قوة إجتماعية كبرى يمكن تلخيصها في القمع المستمر الذي طال الحزب، وجود قطاع تقليدي كبير بعيداً عن نفوذه ، و اخيراً شمولية الموقف الفلسفي و البرنامج السياسي اللذين إتبعهما الحزب.
    فلو أردنا الوقوف عند الاسباب التي عددها الخاتم فإننا نتفق معه حول ان القمع المتواصل ،بالفعل، كان سبباً في الحد من تطور الحزب و إنتشاره ، و هذا هو النصف الاول من الحقيقة ، فيما كان يترتب علي القمع ، ام نصفها الآخر فهو أن الحزب كان يخرج منهكاً دائماً بعد كل ديكتاتورية ، إلا أنه و في الوقت نفسه يكون أكثر إصراراً و هو مملؤ ٌ بروح التحدي و التفاؤل، بل و اكثر إقبالاً علي الحياة ، و قد يُذكر أن حوالي 70% من عضوية الحزب كانت ان طرقت ابوابه بعد أنتفاضة مارس/ أبريل 1985م. و هذه ظاهرة في حد ذاتها ليست جديدة في تاريخه ، تكاد ان تكون حدثت بعد ثورة اكتوبر 1964م. فتلك كلها شواهد تجعل باب الامل، علي الدوام ، مفتوحاً أمام الحزب.

    اشار الخاتم إلي عامل القطاع التقليدي علي أنه ، " يضم الأغلبية الساحقة للسكان ، و يمثل قوة جذبٍ هائلة إلي الوراء" ، و كذلك يمثل واقعاً فيه ، " يكون من العسير بناء تنظيمٍ وطني حديث يتخطى الانتماءات القبلية و الطائفية و العرقية ، و النزعات الإقليمية"(11).
    هذه الإشارة صحيحة إلا أنه لا يمكن قبولها علي إطلاقها، و في ذلك لا نحاكم ما ذهب اليه الخاتم في شأن القطاع التقليدي، بالوقائع المحققة اليوم و المتمثلة في ان القطاع التقليدي اصبح اليوم في حالة حراك غنية و هائلة لا سابق لها جعلته ـ اي القطاع التقليدي ـ يفك إساره ، و يكف عن حالة و جوده خارج دائرة الصراع في السودان، و إنما نحاكم إشارة الخاتم تلك ، بوقائع تاريخية وصلت حد إختراق القطاع التقليدي ، و تلك الوقائع تتمثل في قيام تلك التنظيمات من الاتحادات ، و الروابط الإقليمية ، مثل إتحاد ابناء جبال النوبة ، نهضة دارفور ، إتحاد ابناء البجا و غيرها. وهي تنظيمات كانت تضم طلائع و نشطاء القطاع التقليدي منذ بعيد فجر الإستقلال. لا احد ينكر ان الحزب الشيوعي لعب دوراً في دعم و تشجيع تلك الاتحادات. و تلك التنظيمات كانت الحضن الذي شبّ و قوي فيه عود عددٍ غير قليل ممن إرتبطوا ، و يرتبطون بالحراك الذي ينتظم مناطق القطاع التقليدي اليوم.

    كل ذلك لا ينفي ، بالطبع ، تفوق نفوذ الحزب في القطاع الحديث عليه في القطاع التقليدي، و لكننا نجد ، ايضاً ، أن إنحسار توجه الحزب إلي القطاع التقليدي كان مرتبطاً بغياب الديمقراطية و مصادرتها علي مستوى الوطن ، من جانب، و من الجانب الآخر ، مرتبطاً بحقيقة " شمولية الانتماء الفلسفي" ، و " شمولية الموقف و البرنامج السياسي"، و هو أمرٌ ارى أن التوفيق قد حالف الخاتم في تناوله ، خاصةً عندما قام بتشريح دقيق لموضوع " الجبهة الوطنية الديمقراطية" ، و مسألة " المركزية الديمقراطية"، و كذلك معضلة " الحزب و المثقفين". في معالجته لهذه القضايا الثلاث جاء نقد الخاتم الاساس للنظرية الماركسية، و ذلك ، بالقطع ، بالإستناد علي تقييمه لتجربة الحزب الشيوعي السوداني.
    تقدم الخاتم بنقدٍ لمفهوم " الجبهة الوطنية الديمقراطية" من حيث القوى الاجتماعية المكونة لها، و تنظيماتها و دور الحزب الشيوعي الاساس فيها، إذ انه يمثل القلب منها بفضل المكانة و الدور الذى كان من المفترض أن تلعبه الطبقة العاملة السودانية في ذلك التحالف الجبهوي. و الحزب الشيوعي ما تبوء تلك المكانة إلا بإعتبار أنه حزب الطبقة العاملة ، ايديولوجياً!!!.
    إنصبّ نقد الخاتم علي إصرار الحزب و إستماتته في عدم قيام قيادة مركزية للقوى المكونة للجبهة الوطنية الديمقراطية ، لأن الحزب كان يقوم بدور القيادة بالوكالة لتنظيمات الجبهة الوطنية الديمقراطية ، و لقد وصل في تحليله إلي القول ، " و كنتيجة مباشرة لمقولة "لا قيادة مركزية للجبهة الوطنية الديمقراطية" تشرزمت بصورة مؤلمة قوي الجبهة الديمقراطية. فنشأت الروابط الإشتراكية وسط المهنيين بمختلف تخصصاتهم كمنظمات قطاعية محدودة الوجود ، محددة الصلاحيات ، تعالج في نشاطها ، النقابي اساساًن قضايا محددة تقتصر في الغالب الاعم علي جماهير قطاعها. و قد كانت هذه محنة قاسية للمثقف الديمقراطي الذي يملك بحكم وعيه و علمه و خبرته و نضاله، رؤية وطنية شاملة ،و يبحث عن حيز وطني لفكره و فعاليته ، و الذي تعود من خلال حياته الطلابية أن يلعب دوراً مؤثراً و مدوياً في القضايا الوطنية، سواءً من خلال الجبهة الديمقراطية ، او من خلال المؤسسات الطلابية المختلفة و الإتحادات . و بدلاً من ان يجد نفسه في تنظيم فاعل علي النطاق الوطني عند تخرجه و اثناء حياته العملية ، فإنه يجد نفسه محشوراً في "غيتو سياسي" لا يخرج منه إلا في المناسبات الوطنية الكبيرة ، إن لم نقل إلا في الثورات و الإنتفاضات"(12).

    لم يتعرض النقد المتماسك الذي قدمه الخاتم لمسألة " الجبهة الوطنية الديمقراطية" ، لأي نقد او تصدي مضاد يُذكر، إذا ما إستثنينا الجزئية الخاصة بـ "ديمقراطية الفراكشنات" ، و التي تقدم فيها د. صدقي كبلو بنقدٍ لما ذهب اليه الخاتم في هذا الشأن، ضمّنه في كتابه "موسم الهجرة الي اليمين".

    من الناحية النظرية كان من المفترض أن يقيم نقد الخاتم، لمسألة " الجبهة الوطنية الديمقراطية" ، أن يقيم الدنيا و لا يقعدها، لأن هذه المسالة تمثل ركيزة اساسية من الركائز النظرية للحزب الشيوعي السوداني، فهي تمثل "الإبن الشرعي" لتطور أفكاره، و إضافته و وثبته الجبارة علي مستوى التنظير . كان الحزب يتباهى بها في وجه الاحزاب الوطنية الاخرى . و لكن برغمه لم يثر ذلك النقد الموجّه اليها حفيظة المجابهة الفكرية ضد الخاتم من قبل الشيوعيين ، لان اكثريتهم كانوا مشغولين ، حينها ، بتطبيق اللائحة ، و رصد خروقاتها اكثر منه انشغالهم بمحتوي الإختلاف و جوهره الفكري!!!.

    من أميز ما قدم من نقدٍ ، كان ذلك الذي وجههه الخاتم لمبدأ "المركزية الديمقراطية" ، ذلك المبدأ الذي يسير حياة الحزب الداخلية ، و يرمي بظلاله الكثيفة علي كل انشطته!!!.
    اشار الخاتم إلي أنه برغم ما قيل في مدح هذا المبدأ فإن الحجج الساندة له تتلخص بالنسبة له في ضمان وحدة الحزب ضد التكتل و الإنقسام اولاً ، ثم ثانياً إيجاد نظام طاعة حديدي يرتفع بفعالية الحزب. في إعتقادي أن الخاتم أغفل مسوغاً ثالثاً راجحاً ، و هو الحفاظ علي جسد الحزب من الإختراقات المضادة ، و أعتقد إن كان هنالك من هدفٍ وحيد نجح الحزب في تحقيقه علي مر السنين ، هو تقليل فرص الإختراقات لتنظيم الحزب من قبل أعدائه، هذا إذا ما قارناه ببقية الاحزاب السياسية السودانية في هذا الصدد. علي كل حال حتى هذا الهدف كان من الممكن تحقيقه بوسائل اخرى افضل و اقل تكلفة إذا ما وضعنا في الإعتبار الثمن الباهظ الذي دفعه الحزب نتيجة إعتماده ذلك المبدأ ـ اي مبدأ المركزية الديمقراطية ـ بدلاً عن إشاعة ديمقراطية حقيقية في الحياة الداخلية للحزب. و عند هذه النقطة اتفق مع الخاتم في قوله :" و هكذا فإن وحدة الحزب و فعاليته يمكن ضمانها بإعتماد الديمقراطية وحدها كمبدأ تنظيمي"(13)، بل أنه ، كان من الممكن أن تضمن له جسداً معافى ، و تخرج به من حالة الإنكماش و الضمور.
    كان الخاتم محقاً حين ذكر أن هذا المبدأ هو لينيني الاصل ، و ليس ماركسياً ، و قد دفعت إلي صياغته ثم تبنيه بحزم ظروف القمع في روسيا القيصرية !!!.

    عدد الخاتم مثالب " المركزية الديمقراطية" بشكل دقيق ، كان أقلها ، " أن الحديث عن إمكانية وجود أقلية داخل إطار "المركزية الديمقراطية" ليست سوى واحدة من إستهبالات الفكر السياسي و التنظيمي الاكثر مرارة و الاكثر إثارة للهزء. و إذا كانت الاقلية لا توجد داخل الحزب ، فإن الرأى الآخر لا يوجد بالتالي ، بالنسبة للمجتمع ، حيث يفترض أن يعبر عضو الحزب عن رأي الحزب بصرف النظر عن وجهة نظره الشخصية"(14).
    إنه نقدٌ متماسك لا يجد المرء مناصاً سوى الإتفاق معه. بالرغم من أن ما قاله في "المركزية الديمقراطية" قد جبّ ما قبله ، تجدني لا ارى مبرراً لعدم وقوف الخاتم عند قضية "الإنقلابات العسكرية" ، بإعتبار كونها واحدة من تجليات "المركزية الديمقراطية" ، باهظة التكلفة ، إضافة إلي انها ظاهرة ضاربة الجذور في تاريخ الحزب ، و هو ما إعترفت به قيادة الحزب ، و لكن دون ان ترده إلي جذره ، حيث جاء " فقد عارضنا إنقلاب نوفمبر 1958 بوصفه إنقلاباً رجعياً، و أيدنا و شاركنا في محاولات الانقلاب الاربع التي قام بها ضباط و صف ضباط و جنود وطنيون لاسقاط الفريق عبود في اول مارس 1959، و في 4 مارس 1959 ، و في 22 مايو 1959 ، و نوفمبر 1959"(15).
    حين المقارنة بما ورد اعلاه يصبح غير كافٍ قول الخاتم ، " و أجير الحزب ، ساعة الإقتضاء ، أن يحارب السلطة المايوية بسلاحها ذاته ، سلاح الإنقلاب العسكري . أعطي موافقته ، بصرف النظر عن كون تلك الموافقة صريحة أو ضمنية ، لتفجير حركة 19 يوليو 1971 ، عله بذلك يفتح الباب لحكم الجبهة الوطنية الديمقراطية ، و إنجاز مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ، و مفضلاً في كل الأحوال مواجهة إحتمالات الهزيمة علي الإستسلام دون قتال . نقول ذلك دون أن نغلق الباب امام تقييم شامل لتلك الفترة المضطربة يستند علي الكشف المأمول عن كل الحقائق"(16).
    السؤال الذي يتبادر للذهن في هذا المقام ، ألم يكن الخاتم يلم بتلك الحقائق التاريخية عن علاقات الحزب الشيوعي بالإنقلابات العسكرية الواردة في التقرير المركزي حول إنقلاب 1971م ، رغم وجوده في قيادة الحزب ، بل و لو وقت في سكرتاريته المركزية ؟!!!.
    لم يتعامل الخاتم مع قضية "الإنقلابات العسكرية" بروح كمنْ يكتب التاريخ بحياد فحسب ، و إنما لم يستصحب حدة ذهنه ، و نفاذ نظرته الثاقبة و المعهودة في تعاطيه مع القضايا الشائكة ، و ذلك حين أشار طفيفاً إلي إنقلاب مايو 1969م ، برغم مما كان يمثله ذلك الإنقلاب من إنعطافة فاصلة في تاريخ الحزب ، إذ قال، " و يعتبر إنقلاب مايو من أقسى الإمتحانات في تاريخ الحزب الشيوعي . و إذا إتفق الناس او إختلفوا ، فثمة شئ لا شك فيه وهو أن تلك المواقف كانت محكومة بالمبادئ ، و بعيدة عن كل إنتهازية سياسية ، و متسمة بروح الصدام دفاعاً عن قيم الديمقراطية و التقدم. و من الحقائق المشهودة أن الحزب قد رفض كل إغراءات السلطة و إمتيازاتها ، و لفظ بحزم أؤلئك الذين رأى في تصرفاتهم تهافتاً علي المصالح الشخصية ، أو تغليبأً للإعتبارات التكتيكية علي حساب الشعب، و ديمقراطية الحكم ، و سعادة الجماهير."(17)
    في هذا الامر ، تبنى الخاتم سائد الكلام و سائره في صفوف الحزب !!!. إن الشواهد التاريخية و الوثائق تقول بغير ذلك ، سيما لو دقق المرء النظر فيما حوت من وقائع. و في هذا الشأن رأيت أنه من المفيد ان اورد المقتطف المطول التالي :

    " مما لاشك فيه، وقتها، ان سماء الوضع السياسي في البلاد كانت ملبدة بغيوم التوقع ، بل و بالإستعداد و القابلية للتغيير... كانت كل المؤشرات تؤكد ذلك... هذا على صعيد الظروف الموضوعية ،و لكن على الصعيد الذاتي لأولئك الذين نفذوا إنقلاب مايو 1969م هل كان الوضع مستتباً و والظرف مهيئاً ؟ و هل ساهم الحزب الشيوعي في ذلك التهيوء ؟ و هل كانت مساهمة الحزب عاملاً مؤثراً في وصول ذلك التضافر بين ما هو موضوعي و ما هو ذاتي الي نهاياته و من ثم نجاح انقلاب مايو 1969م ؟؟.

    للإجابة علي هذه الأسئلة لابد من العرض لحقائق صلدة ، لينبني عليها اجتهادٌ موضوعي و منتج ، و من هذه الحقائق :

    أولاً/

    ورد في تقرير سكرتارية اللجنة المركزية حول 19 يوليو 1971 :

    " إجتماع المكتب السياسي الذى إنعقد في 9/5/69 م ، ناقش إقتراح العسكريين بالإنقلاب ، و رفض الفكرة استناداً الي ما توصلت اليه اللجنة المركزية في مارس 1969 م حول التكتيك الإنقلابي. " ص 72 .

    بالقطع ان العسكريين المُشار اليهم يشملون اعضاء تنظيم الضباط الاحرار ، و ذلك بحكم ان ذلك التنظيم ذو علاقة سياسية و تنظيمية ، في آنٍ معا ً ، بالحزب الشيوعي السوداني.

    في النص اعلاه لابد من التمييز بين حقيقتين ، الأولى هي أن اللجنة المركزية ناقشت ، في دورتها في يوم 23 مارس 1969 ، التكتيك الإنقلابي كمفهوم فحسب و ليس كإقتراحٍ محدد قدمه العسكريين كما هو موضح اعلاه. و حدث أن رفضت ذلك المفهوم .

    أما الحقيقة الثانية فهي أن " إقثراح العسكريين بالإنقلاب " لم تناقشه اللجنة المركزية بشكل منظم إلا في مساء يوم 25 مايو 1969، اي بعد وقوعه ، و ذلك بناءً علي إفادتين :



    الإفادة الاولى /


    هي تلك التى اوردها د. فاروق محمد إبراهيم في مقاله المميز المنشور في مجلة قضايا سودانية العدد الرابع في أبريل 1994 م ، حيث كتب قائلاً :

    " و لعل الزميلين نقد و التجاني يذكران في اجتماع اللجنة المركزية في دورة 23 مارس 1969 أن بعض الأعضاء طلبوا معرفة تفاصيل عما يجري داخل القوات المسلحة و ما يجري من تحضير لإنقلاب بين الضباط الأحرار ، فرد عبد الخالق ( هذا العمل يتعلق بحياة و موت زملاء يعملون في هذا المجال . اقول لكم كلام هنا و باكر يطلع في خباز( مقهى شهير في الخرطوم) . لو المكتب السياسي طلب مني برضه مش ح اقول له. إنتم إخترتوني لهذه المسئولية و أنا أنفذها بالطريقة التي اراها صحيحة) . " ص 26 .

    بالمناسبة هذه واحدة من الإفادات التي تجنب الاستاذ التجاني الطيب الرد عليها في معرض رده الضافي علي د. فاروق محمد إبراهيم....ا.

    الإفادة الثانية /

    اوردتها سكرتارية اللجنة المركزية في تقريرهر حول 19 يوليو 1971 كما يلي :

    " إجتماع المكتب السياسي الذى انعقد في 9/5/1969 ناقش إقتراح العسكريين بلإنقلاب و رفض الفكرة استناداً الي ما توصلت إليه اللجنة المركزية في مارس 69 ، حول التكتيك الإنقلابي . لم تتبعه دعوة سريعة للجنة المركزية لعرض الأمر عليها، ليس فقط لوضعها في الصورة أو لإعلامها بتطورات الوضع السياسي ، بل لتعبئة و توحيد مجموع الحزب في مواجهة الفكر الإنقلابي و التكتيك الإنقلابي." ص 72 .
    (خط التأكيد من عند الكاتب.)

    من هتين الإفادتين تبرز ملاحظتان في غاية الأهمية ، الأولى هي أن ما توصلت إليه اللجنة المركزية في مارس 1969 م كان متطابقاً تماماً مع قرارات المؤتمر الرابع حول الموقف الرافض للإنقلاب. و الملاحظة الثانية هي أن فكرة انقلاب مايو 1969 م كانت متداولة في المكتب السياسي ، و بإشارة اكثر دقة ، كانت تفاصيلها محصورة بين تنظيم الضباط الاحرار و المكتب السياسي ممثلاً في السكرتير العام لحزبنا ـ الشهيد عبد الخالق محجوب ـ ."(1


    و مما هو قمينٌ بالإشارة أنه كانت لـ "المركزية الديمقراطية" اوجه عدة و مسالك متنوعة ، لم يقف عندها الخاتم رغماً من اهميتها .و منها أن "المركزية الديمقراطية " ، وجدت غطاءاً آمناً تحت عدة مفاهيم جاذبة وطنانة ، كان لها صدى في حياة الحزب الداخلية ، و قد كانت تُردد أحياناً بفهمٍ و مكرٍ و أحياناً بدون فهم.نورد مثالاً علي ذلك مفهوم "وحدة الفكر و الإرادة"!!!.
    دعنا ننظر في الجزء الاول من هذا المفهوم ، و هو "وحدة الفكر" ، قبل أن نعطف عليه "الإرادة"، " إن الوقوف الطويل عند "وحدة الفكر" و التأمل فيها تستدعيه حقيقة ان الناس يدخلون هذا الحزب لاسباب مختلفة و من منطلقات متباينة، منهم منْ دخل من منطلقات فلسفية بحتة كالراحل الخاتم عدلان، و منهم منْ جاء على أساس البرنامج السياسي....الخ. بل و اكثر من ذلك قد يكون هنالك بعضٌ من اعضاءٍ منذ دخولهم هذا الحزب و حتى مغادرتهم هذه الحياة الدنيا لم يكن لهم علم بما ذهب اليه "ماركس" في تشريحه للتركيب العضوى للرأسمال من حيث تكوينه من رأسمالٍ ثابتٍ و اخرٍ متغيرٍ!!! ، و ان إختلافه ـ اى "ماركس" ـ مع الاقتصاديين الراسماليين في هذا الصدد كان حول موضوعة ان راس المال المتغير قوامه قيمة "قوة العمل" و ليس كما يعتقدون هم ـ اي المنظرون الرأسماليون ـ ان راس المال المتغير ، الي جانب "قيمة قوة العمل" يضم ايضاً " قيمة المواد الخام" و بكل انواعها !!!. و قد يكون هنالك ايضاً من الاعضاء منْ هم اكثر حميةً و استبسالاً في الدفاع عن الحزب ، ولكن لا يقع ضمن معرفتهم او حتى إهتمامهم كيف تُنتج القيمة الزائدة ؟!!! رغم ان مفهوم " القيمة الزائدة" او " فائض القيمة" يمثل ركناً اساساً في النظرية الماركسية ، إذ بدونه سينهار بناؤها باكمله علي رؤوس منظرييها و علي رؤوس الاشهاد بكلكلهم !!!.
    ففي حزبٍ قد يكون هذا واقعه هل يمكن ان نفهم "وحدة الفكر و الإرادة" سوي انها تعميم مبهم مختار بدقة لتكريس اوضاع لا تزدهر فيها غير "المركزية الديمقراطية ؟!!!. (19).

    إن الشواهد متعددة علي صميمية " المركزية الديمقراطية" في تاريخ الحزب ، وعلنا نجد مثالاً حياً ، و ليس نظرياً ، في حادثة مؤتمر الجريف الذي كشف عن حيثياته د. فاروق محمد إبراهيم ، إذ أن ما كتبه في هذا الشأن لم يجد الرد و لم يتم التصدي له أو نفيه .علي اية حال ، سيكون ما قال به د. فاروق عالقاً فوق رؤوس قدامى الشيوعيين و قيادة الحزب... و سيظل ذلك سؤالاً مشهراً في وجهنا جميعاً ، دون إستثناء!!!.

    اخذنا علي الخاتم في نقده للمركزية الديمقراطية وقوفه العابر علي ظاهرة الإنقلابات و علاقة الحزب الشيوعي بها ، و لكن كما اوضحنا اعلاه انه ايضاً لم يتناول او يتطرق لمفهوم "وحدة الفكر و الإرادة " برغم مما مثله و يمثله ذلك المفهوم من ركن اساس في حياة الحزب و نشاطه.

    الحزب الشيوعي السوداني حزب مثقفين !!!
    و هذا تناقضه !!!

    عن علاقة الحزب الشيوعي السوداني بالطبقة العاملة السودانية يقول الخاتم ، " إن الحزب الشيوعي السوداني قد بذل جهداً كبيراً و متصلاً لتأكيد هويته "البروليتارية"، و "ترقية" تكوينه البروليتاري. و قد أدى ذلك ، في نظرنا، إلي سيادة إهتمامات ضيقة ، و غذى روح الإنتظار الحالم لتلك اللحظة التي تنمو و تنضج و تسود فيها الطبقة العاملة. و قد أدى ذلك إلي غربة الشيوعيين عن واقعهم غير البروليتاري اساساً. فأعرضوا عن عن الإنخراط اليومي الحميم في معرفة الواقع و توجيهه وفق منطقه الخاص و ليس وفق تصورات ذهنية غير واقعية".(20)

    في حقيقة الامر أن نشاط الحزب الشيوعي لم يكن وقفاً علي الطبقة العاملة ، و إنما نشط الحزب بشكل اساسي ، خاصة في العقود الاخيرة ، وسط فئات و طبقات إجتماعية غير عمالية. و هذه الطبقات غير العمالية هي التي رفدت الحزب بجل اعضائه و قياداته. الشاهد ، ان الحزب الشيوعي لم "يعرض عن الانخراط اليومي الحميم "، و إنما كان موجوداً بشكل لصيق بفكر طبقي "عمالي" وسط طبقات "غير عمالية" !!!، و قد اصبح يتجه إلي طبقاتٍ ، بفكرٍ لم يُنتج أصلاً لتسليحها !!! فهذه واحدة من معضلات الفكر حين يُحشر حشراً في قالب طبقة واحدة، و المعضلة هذه تمثل جانباً واحداً من جوانب ازمة الحزب الشيوعي ، اما الجانب الاخر من الازمة، فهو تعامل الحزب الشيوعي مع الفكر الماركسي و بشكل "طبقي " متزمت ، و ذلك بإعتباره مقياساً صارماً و اساس للتصنيف بين العضوية ، و كل ذلك في حزبٍ يمثل العمال نسبة ضئيلة فيه!!! ، في حين ان المنحازين فيه لفكر الطبقة العاملة ـ و هم ليسوا بعمال ـ يمثلون الاغلبية الساحقة!!!.

    كان التعامل الميكانيكي مع ذلك الفكر لتأكيد " الهوية البروليتارية" و "نقائها" قد أضر بالحزب كثيراً. نلمس واحدة من تجليات ذلك الضرر في إشارة محكمة، لخصها الخاتم قائلاً ، " كما أن النقاء البروليتاري قد تطابق في كثيرٍ من الاحيان مع التعصب و الجمود و إحتقار الرأى الاخر ، و قمعه، بإعتباره يمثل "فكراً غريباً" عن آيديولوجية الطبقة العاملة. لقد كانت هذه التهمة فادحة بالفعل. فالتعبير عن "أفكار غريبة" يعني الوكالة الفكرية عن طبقات اخرى ، و تمثيل مصالحها ، غير المشروعة ، داخل الحزب. و هو عمل يمكن ان يوصم بالخيانة، و في حالة براءة الشخص من تهمة الخيانة فانه في هذه الحالة لن يكون بريئاً من الجهل ، و لا من عدم نضوج الانتماء البروليتاري.و تكون مجهوداته السابقة كلها في التثقيف الماركسي قد ضاعت هباء".(21)

    إن التركيبة الطبقية للحزب الشيوعي السوداني لا تؤكد باي حال من الاحوال انه حزب "عمالي" ... ليست هنالك إحصائيات دقيقة ، و لكن لا أعتقد ان منْ ينتمون الي الطبقة العاملة يمثلون نسبة معتبرة في الحزب. و هذا وضعٌ تعكسه نتائج آخر انتخابات نقابية قبل إنقلاب الجبهة الاسلامية في 30 يونيو 1989م ، حيث لا مقارنة تذكر بين وزن و نفوذ الحزب في نقابات الموظفين و المهنيين ، و وزنه و نفوذه في نقابات العمال !!!، لقد كان وجود الحزب بين العمال ضعيفاً، و ذلك لضعف أعضائه من العمال، و علي النقيض منه ، تماماً، كان وجوده في حركة الموظفين و المهنيين، و هي الحركة الحضن، و المفرخة للمثقفين ، اؤلئك الذين يعتمد عليهم الحزب في المساندة و المناصرة، و في الذهاب بين الناس للتبشير برسالته الطبقية!!!.
    في الواقع لم ينفرد الحزب الشيوعي السوداني لوحده بتلك المفارقة المحزنة ، و إنما الحركة الشيوعية العالمية و بكل أحزابها، قد عاشت تلك المفارقة ، و ستظل تعيشها ، و ذلك امرٌ تفرضه حقائق واقعية متعلقة بالتركيبة العضوية نفسها للاحزاب الشيوعية، حقائق تتناقض مع التصورات و التجريدات الذهنية . فالحزب الشيوعي السوفيتي ، اعرق الاحزاب الشيوعية قاطبةً ، لم يكن احسن حالاً ، " فى اواخر الثمانينات من القرن المنصرم و عشية بدء زوال الاتحاد السوفيتى كانت الاحصاءات تشير الى ان في الدولة السوفيتية 25 مليوناً من العاملين ذوى الياقات البيضاء، و اولئك هم الموظفون والمهنيون من اطباء ومهندسين و علماء ومتخصصين فى حقول مختلفة. نجد ان 30% من ذوى الياقات البيضاء كانوا اعضاءاً فى الحزب الشيوعى السوفيتى ،هذا من جانب ، اما من الجانب الاخر فان عدد العاملين ذوى الياقات الزرقاء فيقدر بثلثي سكان الدولة وهؤلاء هم العمال بكل فئاتهم فاحصائياً يقدر عددهم بـ 160 مليون تقريباً وهم يمثلون الطبقة العاملة فى الدولة . نجد ان 7% فقط من العمال هم اعضاء فى الحزب الشيوعى السوفيتى !!!.

    لابد من ملاحظة ان الحزب الشيوعى هو حزب الطبقة العاملة الا اننا نجد ان 93% من الطبقة العاملة خارج الحزب الشيوعى الذى يحكم الدولة ويسيرها بإسمها !!! ، فهذا وضع لا يمكن تفسيره او بالاحرى تبريره الا من خلال السياقات النظرية عن الانحياز الطبقى !!!."(22)

    إن " الوكالة الطبقية" تلك، و بالإستناد علي ما تحقق من تجارب ، تحتم ضرورة إعادة النظر في التعامل مع الفكر بشكل عام ، و بشكل خاص الفكر الثوري التقدمي . فلقد وضح من تجارب الاحزاب الشيوعية العالمية دون إستثناء ، أنه حتى ولو إنسلخ أعضاء الحزب من منشأهم الطبقي ، و إنحازوا كلية لفكر الطبقة العاملة، فإن ذلك لن يجعل منهم عمالاً!!!. الفكر التقدمي بشكلٍ عام ، و الفكر الماركسي جزءٌ من، له المقدرة كفكرٍ للعدالة الإجتماعية ، علي خلق احزابٍ جاذبة ، احزاب لكل الناس ، مفتوحةً للشعب. و هذه بالقطع حقيقةٌ يكمن ، في إستيعابها الواقعي ، الخروج من الحصر القسري و الميكانيكي لفكر العدالة الإجتماعية بمجمله في طبقةٍ ما ، و هو حصرٌ نابعٌ من التوهم بان الماركسية ، هي خلاصةٌ و مستودعٌ نهائي لفكرة العدل الإنساني !!! هذا كله من جانب ، أم من الجانب الآخر ، فإن في إستيعاب حقيقة تلك المقدرة ، إقرارٌ بالتحول و التغير المرتبط بدنامية النشاط الانساني في جانبه الاقتصادي ، و التكنولوجي ، و كل جوانبه الاخرى.إنه تحولٌ قد يفضي في المستقبل إلي زوال طبقاتٍ كاملةٍ وفق تعريفها الكلاسيكي ، و إلي بروز اخرى لم يحيط التعريف الكلاسيكي بخصائصها ، و بقدراتها ، و كذلك بضرورتها في صيرورة العملية الانتاجية، تلك العملية التي تمثل عاملاً حاسماً في صناعة التاريخ البشري.

    نقد الماركسية /

    إن المتتبع لكتابة الخاتم في "آن اوان التغيير" ، يلحظ أن نقده للنظرية الماركسية أو اسسها جاء مضمناً في ثنايا تناوله المفصل لتجربة الحزب الشيوعي السوداني ، و الذي كان في مركز قيادته يوماً.لا اقول أن نقده جاء عفوياً ، و لكنه لم يكن، احياناً، مركزاً و واضح المعالم ، بل انه في بعض منها جاء معمماً، بالنسبة للقارئ العادي، دون تشريح ، و ذلك مثل الإشارة الي "شمولية الموقف الفلسفي " الماركسي.(23)، او مثل " وإن المطلع علي اعمال ماركس لن يجد في ترشيحه للبروليتاريا لقيادة التاريخ الانساني سوى اسباب واهية".(24)

    إذا سألنا عن ماهية الاسباب الواهية ، فاننا لا نجد اجابات نظرية شافية و مقعدة في صلب "آن اوان التغيير"، لتبين وهن تلك الاسباب . حتى ان الخاتم حين اشار إلي تعلق ماركس الرومانسي بالبروليتاريا في عشرينيات عمره ، لم يذكر حقيقة ان ماركس كان أن تحدث عن المجتمع الشيوعي و هو في سن الخامسة و العشرين ، و لم يكن يمتلك، حينذاك ، أي تصورٍ علمي ، وذلك علي خلاف الطريقة التي عالج بها "جونثان وولف" نفس النقطة ، والذي قال محللاً ، " و في الحقيقة ، أن ماركس تنبأ بالوصول إلي المرحلة الشيوعية في وقتٍ مبكر من حياته، في حوالي سنة 1843م ، ـماركس مولود في 1818م (الكاتب) ـ ، قبل سنوات من تطويره الخطوط الاساسية لنظريته في التاريخ ـ المادية التاريخية (الكاتب)ـ و في كلماتٍ أخرى إن تنبوءه ذلك لم يكن مستخلصاً من النظرية ، و إنما صُممت النظرية لتدعم ذلك التنبوء الذي قام به ماركس".(25)
    علي أية حال برغم مما ذكرنا اعلاه عن كتابة الخاتم ، فإننا نجد في بعض الاحيان أنه قد لمس جوهر النظرية الماركسية في بعض جوانبها ناقداً.
    إصطف الخاتم إلي جانب المفكرين الذين شككوا في مستقبل النظرية الماركسية ، و خاصة جانبها التاريخي ، و الذي يعتمد بشكلٍ اساس علي مقولة ان البروليتاريا هي التي سترث حركة التاريخ، و ذلك بتوجيهها لها في وجهة بناء المجتمع الشيوعي!!! بحسب أن البروليتاريا هي المنتج الرئيس للثروة و الخيرات. طعن الخاتم كغيره من المنظرين المهتمين في امكانية إستمرار الطبقة العاملة كما تصورها ماركس، نوعاً و كماً في المستقبل، بل شكك في مقدرتها الحفاظ علي دورها في عملية الانتاج، أي إنتاج الثروة و الخيرات للمجتمع ، حيث قال ،ً " و أصبحت المعرفة و المعلومة و الفكرة ،و التصميمات الذهنية ، هي ادات الإنتاج الاساسية. و هذه تمتلكها الطبقات الجديدة ، و الفئات الجديدة، التي ولدتها الثورة العلمية التكنولوجية. و قد اصبحت هذه الفئات و الطبقات هي المنتجة الاساسية للثروة ، و اصبحت هي الوحيدة القادرة علي قيادة المجتمع. لقد تضاءل دور البروليتاريا...."(26)

    رغم أن هناك اسئلة مشروعة حول الطبقات الجديدة إلا أن مستقبل العملية الإنتاجية يحبل بكثيرٍ من الإحتمالات و التحولات العميقة، و التي ستعيد تعريف الطبقات و دورها ، قطعاً سيكون المنطلق الاقتصادي هو احد مشتركات التعريف و سيكون له دوره في تشكل الصراع، و لكنه لن يكون الوحيد و الاساس كما ذهبت و تذهب الماركسية في تفسيرها الآحادي المشتط ، كما امن " جونثان وولف" في هذا المقتطف الحُجة ، " و في النهاية قد يتوجب علينا مناقشة ما قد يمثل الإشكال الاعمق في كل ذلك. إن حجة ماركس العظمى ، تقوم علي نظرية ان كل المجتمعات السابقة إنقسمت علي اساس طبقي ، و تفسير ذلك الإنقسام الطبقي يكمن فيما هو إقتصادي. من هذا المنطلق يبدو اننا لو استطعنا خلق ظروفٍ لا حاجة فيها للتطاحن حول ما هو إقتصادي ،لن يكون هناك ، حينئذ، من داعٍ لوجود طبقات، و بالتالي ستكون لدينا الارضية لاجل خلق مجتمعٍ لا طبقي.
    إلا أن الدعوة القائمة، هي ان الاساس الذي نشكل فيه انفسنا للقيام بادوار جماعية هو أساس إقتصادي. و لكن هل هذا الامر صحيح ؟ ، واضحٌ اننا في العالم الواقعي نرى مجموعات تصارع بعضها بعضاً من منطلقاتٍ شتى، العرق ، الدين ، القومية ، و النوع ، و هذه كلها تخلق إنقسامات و صراعات. إن الإجابة الماركسية لهكذا حالة ، هي أن كل تلك الصراعات في جذرها ، لها اساسٌ إقتصادي. هكذا في النهاية ، يبدو أن الامر ـ أي الموقف الماركسي (الكاتب) ـ لا يعدو أن يكون مجرد جمود"(27)

    في إعتقادي ، انه لابد من تحرير الماركسية من يقينياتها الاساسية ، التي فقدت جزءاً كبيراً من قوة إقناعها ، و ذلك لفقدانها تماسكها ، و موضوعيتها كحقائق، و من اهم تلك الحقائق " مفهوم القيمة" و تعريفه الماركسي ، و الذي توصل اليه ماركس من خلال نظريته المعروفة بنظرية العمل. إن اهمية مفهوم القيمة تأتي من حقيقة أنه من الدعائم الاساسية التي تقوم عليها النظرية الماركسية باكملها، و لانه من خلال ذلك المفهوم تمّ التوصل الي مفهوم "القيمة الزائدة " او " فائض القيمة"، و بالتالي التوصل إلي صياغة حصيفة و جاذبة للإستغلال ، ليست علي مستوى مفهومي فحسب ، و إنما علي اساسٍ رياضيٍ ، و ذلك لتثبيت حقيقة نسبيته و إطلاقيته. ساعدت المعالجة تلك ، كغيرها من معالجاتٍ مماثلة لمفاهيم أُخرى ، في إضفاء العلمية علي النظرية الماركسية. و لكن برغمه ، اصبح التصدع واضحاً علي جدار مفهوم القيمة الماركسي، لان جزءاً غير يسير من السلع المنتجة اصبح يُنتج بدون المرور من بين يدي العامل و بدون الإرتواء من عرقه ، او الخضوع لجهده المباشر و عضلات جسده " المنهك"!!!. اصبح اعمل المجسد ، هو السمة السائدة في الانتاج. و هو المنقول معرفياً و تكنولوجياً عبر الزمن، ذلك العمل الذي قام به أناسٌ أو عمالٌ تمّ حساب "وقت العمل الضروري إجتماعياً" ـ حسب ماركس ـ لقيمهم المنتجة وفق شروط لا علاقة لها بشروط اليوم!!! رغم ان عملهم يتجسد "حياً" في قيمة سلع نستهلكها اللحظة ، مما يدخل مفهوم "القيمة الزائدة" في "وعثة" وعثاء!!!.
    فإن كان نقد ماركس الحصيف للاقتصاد السياسي للراسمال قد مكنه من "إخراج" عملاق التاريخ ـ فائض القيمة ـ من "ثقب إبرة" . فإنه علي العكس منه تماماً اليوم، حيث لن تستطيع حصافته تلك ، إسعافه في عصرنا هذا ، من تمرير نفس العملاق خلال اكثر ابواب التاريخ إتساعاً ـ أي الانتاج بمعايير تكنولوجية اليوم ـ . إن حساب القيمة الزائدة او فائض القيمة ، اصبح عصيّاً بمنهج ماركس اليوم.( القيمة الزائدة هي موضوع بحث منفصل سننشره مستقبلاً).

    بل ، و من جانب آخر يعتقد بعض الماركسيين ، و منهم منْ هو اكثر غلواً، مثل "مايكل ليبويز" ، ان ماركس كان آحادي الجانب في تعريفه لقيمة قوة العمل . جاء ذلك في كتابه الموسوم ، "ما بعد راس المال"، و الذي حاز بواسطته علي جائزة "آيزاك و تمارا دتشير "التذكارية لسنة 2004م ، حيث قال ، " و بعد ، كما لاحظ "بوب روثورن" أن هذا التعريف ـ أي تعريف قيمة قوة العمل (الكاتب) ـ حقيقةً لا يختلف عن التعريف الذي قدمه الإقتصاديون الكلاسيكيون ، من امثال "ريكاردو" . أنه نظر للعامل كحيوان يعمل، كماكينة. لقد قيل ببساطة أن قيمة قوة العمل يجب ان تكون كافية للحفاظ علي تلك الماكينة لإستعاضة تآكلها ، و إستهلاكها، و كذلك للتمكين من إحلال بديلها (المناسب) ".(2

    هناك سؤالٌ لابد لنا من الإجابة عليه، و هو هل ثبوت عدم جدوى التعريف الماركسي للطبقات ، أو زوال طبقات، كان يتغنى بها ماركس ، بشكلها الكلاسيكي، يعني أن الشُقة بين منْ يملك و منْ لا يملك اصبحت اضيق ؟! ، و أن العالم قد أصبح يسير نحو عدلٍ محتوم؟!

    للإجابة عن هذا السؤال ، و بشكل موضوعي ، لابد من العرض لبعض الإحصائيات التي تسند تلك الإجابة.

    اورد المكتب الفدرالي للاحصاء في الولايات المتحدة الامريكية ان جملة عدد منْ هم تحت خط الفقر لعام 2005م بلغت 38،231،521 شخص ، و عدد الاطفال من بين هؤلاء وصل الي 13،008،489 أي ان اكثر من ثلاثة عشر مليون طفل يعيشون تحت حد الفقر في اغنى دول العالم !!! كما و انه حين يُصنف منْ هم تحت حد الفقر علي اساس النوع يكون عدد النساء 21،661،017 و عدد الذكور 16،570،504 ، اي ان عدد النساء يفوق عدد الرجال تحت خط الفقر!!!. و المؤشرات الحالية تنبئ بان الوضع لن يكون باحسن منه لهذا العام 2006م. هذا علي مستوى الولايات المتحدة الامريكية ، و لكن لنرى الامر علي مستواً آخر ، " في عام 2003م ، انتجت المؤسسات الـ 500 الاكبر في العلم 40% من إجمالي الإنتاج المحلي في العالم ، بينما كانت توظف و هي مجتمعة 1،1% ( واحد و واحد من عشرة في المائة ) من مجموع القوى القادرة علي العمل في العالم"(29). و هذا يعني ، بالطبع، أن 98،9% من القوى القادرة علي العمل في العالم لا تنتج غير 60% من إجمالي الانتاج المحلي في العالم!!!. ولكن لابد من ملاحظة أن ليست كل القوى القادرة علي العمل موظفة و مستوعبة في العملية الإنتاجية، هناك نسبة كبيرة من القوى القادرة علي العمل تعاقر البطالة ، إذ أن الإحصائيات توضح أن عدد العاطلين عن العمل قفز من 500 مليون في منتصف الثمانينات إلي 840 مليون في عام 1994، بل و وصل إلي بليون عاطل عن العمل في عام 1996م (30). أما اليوم ، فيمكننا أن نُسلم يقيناً ، ان هناك جيوش جرارة من العاطلين عن العمل علي وجه المعمورة!!!.

    إنها إحصائيات تجعلنا نجيب علي سؤالنا الذي طرحناه في إستهلال هذه الفقرة بالنفي. كما و انها في نفس الوقت تفتح الباب علي مصراعيه ـ وليس موارباً ـ للحديث عن أناسٍ لا علاقة لهم بالانتاج ، اي خارج العملية الانتاجية، وذلك بابٌ لا سبيل فيه للحديث عن قوى عاملة، يمكنها أن تنتظم أو تُنطم في نقابات و تنظيمات عمل ، لتضع ضغوطاً علي الراسمال . و بمنطق الاشياء فإن ذلك يلوح بالسؤال المشروع عن "الطبقة العاملة" و "حزبها" الذي يجبل منها كما جبل آدم من الصلصال، و كذلك السؤال عن إمكانيتهما ، اي "الحزب" و "طبقته" ، في التأثير علي العملية الانتاجية ، و تعطيلها عن طريق الاسلحة الطبقية المعهودة من إعتصام و إضرابٍ ، و غيرها !!!!. هذا فيما يتعلق بالجانب الكلاسيكي من الماركسية من ناحيةٍ ، أما من الناحية الثانية ، فحين نربط هذا الوضع بإنهيار النظم الاشتراكية و زوالها ، تكون قد إنهارت تماماً ، امام اعين المنظرين ـ كل المنظرين ـ و بدون إستثناء مقولة " تعميق أزمة الرأسمالية العامة"، و تكون قد قعدت قعوداً لا حراك بعده. و هذه مقولة اصيلة من بنات الفكر الماركسي اللينيني ـ المدللات ـ ، كان مفادها ان " ازمة الراسمالية العامة" تتعمق ، و تتحقق بفضل تناقضاتها الداخلية كنظام ، و بفضل دينامية و إتساع النظام الاشتراكي و طبقته العاملة ، و قوى التحرر الوطني.

    الإشارة اعلاه لم يكن نقصد منها غير النظر إلي ما طرأ و جدّ ، و بالتالي تأكيد تأثيره علي مجمل مرتكزات الفكر الماركسي. و هي إشارة بالإضافة إلي ما ذكرناه من قبل ، تصب في وجهة تأكيد حقيقة بروز طبقات و فئات جديدة إكتسبت مقدرات غير مسبوقة بفضل الثورة التكنولوجية ، و إلا كيف نفسر ان 1،1 % من القوى القادرة علي العمل يمكنها إنتاج 40% من إجمالي الإنتاج المحلي في العالم !!!. و لقد كان الخاتم محقاً حين لخص ذلك في قوله ، " و هذه ظاهرة جديدة لم يعرفها ماركس و لم ينظر لها".(31)

    بناءاً علي كل ما أوردناه من عرض، تجدني اميل في إجابتي علي السؤالين اللذين ابتدرت بهما هذه الورقة ، إلي القول بان مساهمة الخاتم هذه قد تخطت تناول تجربة الحزب الشيوعي، و التي عالجها معالجة العارف ، إلي نقد النظرية الماركسية ، إلا أن نقده لها ، لم يكن كافيا ، و قد يكون ذلك متعلقٌ بطبيعة المساهمة و قصد توجيهها الي اكبر قطاع من القراء ، إن كانوا داخل الحزب او خارجه.

    ما قبــــــــل الختـــــــــــــام/

    قبل أن آت إلي خاتمة هذه الورقة ، هناك سؤالٌ كان دائماً يلحُ علي ذهني، و هو ، هل كان الخاتم ينوي الخروج من الحزب عندما تقدم بمساهمته تلك ؟

    حين يطلع المرء علي "آن اوان التغيير" ، لابد له من ان يلمس جرأة الطرح المضمّن فيها. و كذلك المحاولة الجادة في الإتيان إلي الحقيقة من منافذ عدة. لقد كانت محاولة للكتابة صادقة من شخصٍ لم يتنازل عن موضوعيته تحت إغراء الحجة التي بدت له ، و إمتلك ناصيتها، بل انها من شخصٍ إمتنع عن الإنحدار إلي أي إنكارٍ غير لائق لحقائق درج علي التغاضي عنها نفرٌ غير قليل ،في تاريخ هذا الحزب ، هذا إن لم يكن قد جهدوا في تشويهها ، و عمدوا للإفتراء عليها!!!، فلقد قال الخاتم مُنصفاً و مُحقاً :
    "و ما اشرنا اليه في هذه الاسطر السابقة، و بهذه الصورة الخاطفة، ليس قليلاً بالنسة إلي حزبٍ يحمل مواصفات الحزب الشيوعي.و لم نورده نحن إلا بقصد إثبات ما نعتبره الحقيق في حق حزبٍ إمتنع علي الدوام عن الإنخراط في مديح الذات. و قد شئنا أن نثبت أيضاً أن التضحيات الجسيمة لم تكن عبثاً ، و أن الجهود العظيمة التي بذلتها أجيال الحزب لم تكن عملاً لا طائل من ورائه ، و أن الدماء الذكية التي جاد بها قادته و مناضلوه لم تضع هدراً".(32) .
    هكذا تكلم الخاتم عن الحزب الذي ترعرع فيه.
    لم يتنكر الخاتم للتقدم ، رغم ان حقائق ليست قليلة كان يؤمن بها ذات يومٍ، قد فقدت ، بالنسبة له، ثباتها و بريقها!!!.

    تجدني اجيب علي السؤال الوارد اعلاه ، أيضاً، بالنفي. لا اعتقد ان الخاتم حين قدم مساهمته كانت لديه نيتة مبيتة علي الخروج رغم إدراكه لجرأة ما كتب . لم يُعرف عنه طيلة حياته الحزبية ما يشير الي نزوعه للمساومة ، او الوقوف الي جانب انصاف الحلول. كان مصادماً عن وعي ، و يستند إلي معرفةٍ و ثقافةٍ حقيقيتين اهلاه ، منذ وقت مبكر ، لمواقع قيادية منذ ان كان طالباً. كان يعتقد أنه من الممكن ان يقود تغييراً من داخل الحزب، و ذلك بناءاً علي قناعته التي افصح عنها حين قال، " و عندم ينظر المرء الان و يجيل النظر داخل الحزب الشيوعي السوداني، فإنه يرى مظاهر الشيخوخة قد دبت في كل شئ ، و تخللت جميع الخلايا. و لكنه يرى مع ذلك إمكانيات هائلة للنهوض بالإستناد إلي جديد ينبت بين الانقاض ، و حياة تتمخض من كوم الرماد ."(33)

    إن الإعتقاد في إمكانية التغيير قد يكون ان عززه الظرف العام المتمثل في فقدان النظام الإشتراكي العالمي لمشروعيته و عجز الماركسية عن ان تكون في مستوى التحديات المطروحة، لا سيما علي مستوى الحراك الفكري و النظري لإستيعاب المتغيرات الكونية، هذا من جانب، اما من جانبٍ آخرٍ، فقد يكون أن عززه الظرف الخاص بالحزب الشيوعي السوداني، الذي كان وقتها يشهد ضموراً في حركته تحت قمع نظام الجبهة الإسلامية الفاشي، و ضمور منتوجه الفكري ، و تلك معاناة لازمت الحزب لعقود طويلة.

    يدور كثيرٌ من لغط الكلام ، إن كان عن إدراكٍ أو غير إدراك، حول أن الخاتم دعا إلي حل الحزب الشيوعي ، غير اني اعتقد ان ذلك منزوعٌ عن سياقه، مما جعل تلك "الدعوة" قائمة بذاتها كأنما هي المبتدأ و المنتهى!!! و لكن لننظر كيف كان مجمل السياق ، " 13 ـ ما ندعو إليه هو إنعقاد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي في فترة لا تزيد عن عام من نشر هذه الورقة. و نعتقد أن كل الصعوبات يمكن تجاوزها. تقدم لهذا المؤتمر كل التصورات المطروحة ، بما فيها هذا التصور الذي أفضنا في الحديث عنه. و في حالة تبني هذا التصور، يحل الحزب الشيوعي السوداني".(34)

    يتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن تلك "الدعوة"، جاءت مشروطة بـ "و في حالة تبني هذا التصور"، و هذا في اعتقادي موقف ديمقراطي و عادل غض النظر عن الاتفاق او الاختلاف .

    إن الطريقة التي أُدير بها الصراع في الخارج عند خروج الخاتم من السودان كان لها دور بارز في تشكيل الصراع و دفعه إلي نهاياته المعروفة، التي إنتهى اليها. و لا اعتقد ان الخاتم لو كان بيننا اليوم لانكر مساهمته في ذلك الصراع ، الذي طالما خرج عن مألوفه في بعض الاحيان.
    عُومل طرح الخاتم في ذلك الظرف تحديداً بمقاييس عاطفية و أخلاقية ـ لا أعفي نفسي منها ـ رغم قناعتي بموضوعية قدر كبير من طرحه. جاء طرح الخاتم بالتغيير في وقتٍ عصيبٍ يمر به السودان و حزبنا علي وجه الخصوص. عددٌ كبير من أعضاء الحزب كانوا رهن الإعتقال و التعذيب اليومي ، بل و الإغتيال بواسطة أمن الجبهة الإسلامية. فذلك بالقطع ظرفٌ يجعل اي دعوة ، إن كانت للإصلاح أو التغيير ، و مهما كانت وجاهتها ، عرضة للطعن الأخلاقي ، و لا يهمنّ علي اي "تاريخٍ ناصعٍ" إتكأت!!!.
    لا شك عندي ، أنه سلوكٌ يجد جذره في ذلك الجزء المتخلف من إرثنا الثوري المعبر عنه في "أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"!!!، أو علي أقل تقدير من حس الإستهانة و الإستنكار غير المبرر ، و المستمد من ذلك الجزء من ثقافتنا السودانية المعبر عنه في ، "انتو في شنو و الناس في شنو"!!!، في حين أننا نعلم أن كل الاشياء تعمل في ترابطٍ جدلي !!! ، و لكن علي اية حال لسنا علي إستعداد لقبول ذلك!!!.

    إن معظم ما قال به الخاتم ، حينذاك ، اصبح مقبولاً اليوم ، دون أن تُمتشق لاجله الحسام ، أو تُشرع له السنان ، أو يُسمع لقعقعة الحدائب صليلٌ ، في سبيله . لا اعتقد أن هنالك من عاقل في الحزب الذي خرج عليه الخاتم سيختلف مع أو يمانع في قبول ، " إن الأساس الفلسفي لتوجيهات الحزب الديمقراطية هو إيمانه بأن مسائل الحكم ، و تحديد طبيعة النظم الإجتماعية، و صياغة قواعد الإجتماع البشري، هي مسائل إنسانية دنيوية، المرجع فيها هو الشعب ، و الصراع حولها يعبر عن مصالح إجتماعية تخص الجماعات و الطبقات و الفئات المكونة لهذا المجتمع. و لا يحق لطرف من اطراف هذا الصراع ان يدعي أنه معبر عن إرادة السماء أو ممثل للإرادة الإلهية المتعالية . كما لا يحق له ان يصف الآخرين بانهم خارجون عن طاعة الله او ممثلون لحزب الشيطان. و من هذه الزاوية فإنه يتبنى موقفاً علمانياً مستقيماً ـ و العلمانية لا تعني بالطبع ، كما يعرف كل شخص مستنير ، غير متحامل علي الحقيقة الموضوعية ، و غير منخرط في وأدها ، معاداة الدين أو إستبعاده من الحياة، إنها علي العكس من ذلك تعني ضمان الحرية الدينيةإعتقاداً و ممارسةً. و ضمان حرية الضمير و تؤمن بالمساواة بين الاديان ، و تناهض الاضطهاد الديني بكل اشكاله. إن الحزب العلماني يرفض تحويل الصراع الإنساني إلي صراعٍ ديني ـ و يسعى إلي إيجاد حل ديمقراطي لكل الصراعات و هو ما لا يتوفر لغير العلمانيين." (35)

    لا أعتقد أن هناك علماني او حتى اي شخص عاقل ابداً ، سيقيم قطيعة ، اي قطيعة مع هذه الرصانة و النجابة الفكرية.

    و في الختام أعترف بأنني لم استطع عرض و مناقشة كثير من الافكار التي وردت في " آن اوان التغيير" ، و قد تكون امهات أفكارها ...إلا انني بذلت قدر إستطاعتي المتواضعة ، و ذلك وفاءاً و تقديراً لرفيقٍ أعطى بسخاء جل جهده و فكره و حياته لوطننا دون منٍ أو ندم.

    و اختم ورقتي بما سبق و ان كتبته في مقامٍ آخرٍ :

    "شكراً للخاتم و لعناصر التجديد".





    هوامش/

    1- أوردها "جونثان وولف" في "لماذا نقرأ ماركس اليوم" ص 2 ، الطبعة الإنجليزية، مطبعة جامعة اكسفورد، طبعة بيويورك.

    2- "آن أوان التغيير" ص9 ،
    3- المرجع السابق، ص 10 ،
    4-المرجع السابق، ص 10 ،
    5-المرجع السابق ، ص 30 ،
    6-المرجع السابق، ص 28 ،
    7-المرجع السايق، ص 29 ،
    8-المرجع السابق، ص 29 ،
    9-المرجع السابق، ص 29 ،
    10-المرجع السابق، ص 31 ،
    11-المرجع السابق، ص 32 ،
    12-المرجع السابق، ص 68 و 69 ،
    13-المرجع السابق، ص 48 ،
    14-المرجع السابق، ص 52 ،
    15-تقرير سكرتارية اللجنة المركزية حول 19 يوليو 1971 ، ص 5 ،
    16- "اوان التغيير"، ص 17 ،
    17-المرجع السابق، ص 16 و 17 ،
    18-في تداعيات الكتابة عن الخاتم عدلان/ الحزب الشيوعي و العقلية الإنقلابية مقال للكاتب ص4 و 5، منشور في سودان نايل.
    19-في الرد علي صديقي د. صدقي كبلو/لقد عاش الخاتم عدلان بيننا...و سيظل ، مقال للكاتب ص 8 ، منشور في سودان نايل.
    20-"اوان التغيير " ، ص 44 ،
    21-المرجع السابق، ص 44 و 45 ،
    22- في الرد علي د. صدقي كبلو.
    23-"اوان التغيير"، ص 34 ،
    24-المرجع السابق، ص 43 ،
    25-مرجع سابق، جونثان وولف، ص 110 ،
    26-"اوان التغيير"، ص 38 ،
    27-مرجع سابق، جونثان وولف، ص 121 و 122 ،
    28-مايكل ليبويز، " ما بعد رأس المال"ص 103 ، الطبعة الثانية 2003م الانجليزية ، نشر بالقريف ماكميلان ـ نيويورك.
    29- وديع الحلبي ، عشرة اشكاليات للراسمالية اليوم، مقال في مجلة شئون سياسية،ص 27، دورية ماركسية بالانجليزية، عدد سبتمبر/اكتوبر 2005م، الولايات المتحدة الامريكية،
    30-المصدر السابق، ص 27 ،
    31-"اوان التغيير"، ص 38 ،
    32-المرجع السابق، ص24 ،
    33-المرجع السابق، ص 11،
    34-المرجع السابق، ص 108 .






                  

العنوان الكاتب Date
تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 03:09 AM
  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 03:11 AM
    Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 03:12 AM
      Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 03:13 AM
        Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Adil Isaac09-19-06, 03:14 AM
        Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 03:15 AM
          Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 03:26 AM
            Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور حيدر حسن ميرغني09-19-06, 03:29 AM
              Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور خدر09-19-06, 03:31 AM
            Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 03:34 AM
              Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 03:38 AM
                Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 03:46 AM
            Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور فارس موسى09-20-06, 08:16 PM
  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور إسماعيل التاج09-19-06, 03:39 AM
    Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 03:51 AM
      Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 04:01 AM
        Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 04:05 AM
  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Salwa Seyam09-19-06, 03:55 AM
    Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 04:13 AM
      Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 04:17 AM
        Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 04:21 AM
          Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 04:32 AM
            Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 04:35 AM
              Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 04:40 AM
                Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 04:44 AM
              Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Marouf Sanad09-19-06, 02:32 PM
  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Salwa Seyam09-19-06, 04:46 AM
    Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-19-06, 05:00 AM
  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور محمد أبوجودة09-19-06, 05:04 AM
    Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور ابراهيم بقال سراج09-19-06, 05:08 AM
      Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بدر الدين الأمير09-19-06, 06:16 AM
        Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Kostawi09-19-06, 06:34 AM
  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Tabaldina09-19-06, 06:29 AM
  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور عبدالله الشقليني09-19-06, 07:03 AM
    Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Elmosley09-19-06, 07:23 AM
  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Zoal Wahid09-19-06, 07:41 AM
  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور tariq09-19-06, 11:14 AM
    Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Seifeldin Ibrahim09-19-06, 12:46 PM
      Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Marouf Sanad09-19-06, 01:38 PM
  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Shams eldin Alsanosi09-19-06, 03:15 PM
    Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Abd Alla Elhabib09-19-06, 04:14 PM
      Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور MAHJOOP ALI09-19-06, 08:36 PM
        Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-20-06, 03:36 AM
          Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Ibrahim_Elhag09-20-06, 10:44 AM
  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور صديق عبد الهادي09-20-06, 07:05 PM
    Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Marouf Sanad09-20-06, 08:27 PM
      Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Bushra Elfadil09-21-06, 00:05 AM
        Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور munswor almophtah09-21-06, 01:51 AM
          Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Hussein Mallasi09-21-06, 04:42 AM
            Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Marouf Sanad09-21-06, 07:48 AM
  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور أيمن عادل أمين09-21-06, 09:59 AM
    Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور خدر09-21-06, 12:58 PM
      Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Marouf Sanad09-21-06, 02:34 PM
        Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Marouf Sanad09-21-06, 02:48 PM
        Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Marouf Sanad09-21-06, 02:51 PM
          Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور Mohamed Ahmaed Olyesh09-21-06, 08:15 PM
            Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور yumna guta09-23-06, 03:30 PM
              Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-23-06, 10:18 PM
                Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-23-06, 10:19 PM
                  Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-23-06, 10:21 PM
                    Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور بكرى ابوبكر09-23-06, 10:26 PM
                      Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور عبد المنعم ابراهيم الحاج09-24-06, 02:41 AM
                        Re: تسجيل صوتى كامل ليوم الخاتم عدلان بواشنطن وصدور كتابه القالوا بكرى سرق قروشه-توجد صور سعدية عبد الرحيم الخليفة09-24-06, 04:18 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de