اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 03:56 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة تاج السر حسن محمد الملك (Tagelsir Elmelik)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-16-2008, 00:55 AM

Gazaloat
<aGazaloat
تاريخ التسجيل: 05-14-2003
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع

    روزنامة الاسبوع الإثنين 15-12-2008

    ضيف على الروزنامة


    تاج السر الملك*

    الإثنين
    لم يكن أبي يخفي إعجابه برسومي وأنا بعد في طفولتي الباكرة. كم من مرة ضبطته متلبساً بتقريظها، من حيث لم يكن يراني، كاشفاً عن ضعفه الأبوي دون خجل، ومزهواً أمام مصلين فرغوا لتوهم من أداء صلاة المغرب، يتآنسون تحت رحابة سماء تتلألأ بالنجوم، متناثرين فوق (برشين) تلاصقا على لسان من النجيل الرطب الممتد داخل جزيرة من الوحل الأسود الزلق.
    ـ "الولد الصغير طالع رسيم"!
    يجاملونه، مرة بالابتسام، ومرات بالهمهمة:
    ـ "ماشاء الله .. تبارك الله".


    وفجأة ينصبون ظهورهم، ويمططون أعناقهم، ويرهفون آذانهم، فكأنما في انتظار وحي يوحى: "أذن .. ما أذن .. أذن .."! ثم سرعان ما ينهضون خفافاً على صوت الشيخ محمد عبد الشافعي يكبر لصلاة العشاء، فتتساقط ذكرى رسوماتي من أفئدتهم، كما طحين الذرة من قميص محمد الحجاري. وما يلبث صوت الإمام الضرير محمد سالم أن يفيض بذكر خاشع وألق رقراق، ليجدني وأخي، في غمرة قشعريرتنا داخل العراريق البيضاء، نصغي، وقد اضطربت جوانحنا من مخايل نار الله الحامية! عشقت الرسم ذات يوم بعيد في الجزيرة؛ مرة لأن قلبي تعلق بنشوة شجرها الزاهي وفتنة عشبها اليانع، ومرة لأن الرسم فتح لي درباً سالكاً إلى موقع في قلب أبي لم نكن نبصره من قبل، أو أنه تعمد حجبه عنا، موقع تنبعث منه نغمات الطنبور يداعب أسلاكه في إهمال حصيف. سعيت إليه و أنا في ذروة احتفالي بالود الذي نشأ بيننا، متعدياً صلابة قسماته، بينما طيبة عيون أمي تدفعني إليه دفعاً. وقفت أمامه وهو يهم باللحاق بعمله. كان (صوت العرب) ينتصر بالأناشيد المدويَّة، وبأنباء طلعات كاذبة لطائرات مقاتلة انسحقت، في الحقيقة، وهي بعد في مرابضها. ـ "أبوى .. أنا داير علبة ألوان خشب"! تأملني. راحت نظرته العطوف تخترق مساماتي، وأنا مطرق، حتى تحير العطف فى أي من عينيه يستقر. ربت على رأسي، وثغره يفتر عن ابتسامة وضيئة، وقال حسناً. من يومها وأنا أنتظر قدومه في عتبة الباب. أرقبه قادماً على ظهر البسكليتة من عمق نقطة التلاشي وحتى اللحظة التي يقفز فيها، لاهثاً، يكاد يكتسحني وباب الدار، قابضاً، بكل عزمه، على الفرامل، بيدين معروقتين لن تأكلهما النار يوم القيامة. كنت أبصر العطف يستحيل حسرة في عينيه وهو ينبئني بأنه (نسي) شراء علبة الألوان، فأضم يدي غضباً إلى صدري وهو يناولني المخلاية. ألملم دموعي، وأصعد بها إلى العنقريب، أغطي وجهي وأجهش من يأس وحنق. أربعون عاماً مرت وأنا أنتظره في عتبات كل البيوت التي سكنتها. ما نسيت وعده، قط، بعلبة الألوان الخشبية، والكتابة الذهبية المنقوشة على جوانبها. ولم يتأت لكل علب الألوان التي اقتنيتها عبر مسيرة حياتي اللاحقة، بما في ذلك حياتي في أمريكا طوال السنوات الماضية، أن تعادل علبة الألوان المتواضعة التي أراد أبي أن يشتريها لي من مكتبة السيد مضوي الحاج .. لولا أنها استعصت عليه!

    الثلاثاء

    في أمريكا جريدة للمشردين أحرص على قراءتها يوم صدورها من كل أسبوع؛ إسمها (street sense)، تحوي أخباراً، وصوراً، ولقاءات، وتحقيقات، ونداءات. تفتح الصحيفة مصاريع هذا العالم السفلي الغامض المثير، فتهئ لك أن تلتقي بأفراده المنتشرين في الطرقات، والأقبية، وأنفاق القطارات المسرعة التي لا يحفل ركابها كثيرا لوجودهم. وقد تجدهم يغطون في نومهم، داخل بيوت مرتجلة من الكرتون، أمام البيت الأبيض شخصياً، أو يرفعون شعارات احتجاج يعود بعضها إلى حقبة فيتنام، أو يقفون أمام أبواب البقالات يطلبون فضلاً، أو في مجرى السيارات أو تقاطعات الطرق يحملون لافتات تحكي شقوتهم في كلمات مكتوبة بخط عريض، يتناولون ما تمده الأيدي الخيرة إليهم في صمت وتهذيب، ولا يلحفون في سؤال من يغضي عنهم، أو يتجاهل وجودهم. من بينهم خرج الفنان الحداثي الشهير باسكيات، والممثلة الفكاهية ووبي غولدبرغ، وفلاسفة، ومفكرون، وناشطون سياسيون، مثلما خرج جنود حاربوا في جهات الأرض الأربع، تجرعوا النبيذ، وتسلقوا نحاس البوق، ففضحهم عواؤه، كما في قول ود المكي الجميل، هذا فضلاً عن مدمني المخدرات، وضحايا فقدان الوظائف، بسبب إلغائها، أو بسبب تصدير الرساميل الى خارج الحدود، أو بسبب إعلان إفلاس الشركات والمؤسسات التي استخدمتهم، كأكثر الأسباب شيوعاً. يقول المثل الأمريكي: "بين كل قوى أمريكا العاملة وبين التشرد فقدان مرتب شهر واحد"! والقول ليس ممعناً في التشاؤم كما قد يبدو، لكنه حقيقة ازدادت تأكداً في السنوات الأخيرة. وكنت قد التقيت بمتشرد في نيويورك قبل بضع سنوات. كان قد اعتاد أن يأتي إلى مكان عملي. وحدثني رئيسي بأن الرجل كان عازفاً مرموقاً في فرقة شهيرة. فسألته يوماً، وأنا مكذب لما سمعت، فأكد لي أنه كان يعزف على آلة الترومبيت في فرقة (Cool & The Gang)، وهي فرقة معروفة لعشاق الموسيقى الغربية في السودان. لم أصدق، وقلت لنفسي إن الرجل (مسحلب)، على حد تعبير شماستنا، حتى فتحت، ذات يوم، غلاف اسطوانة قديمة للفرقة، فرأيت صورة صديقي المتشرد، واقفا بكامل هيئته، ممسكا في ثقة ببوقه، يبتسم فى وجه الكاميرا، غير عالم بما كان يخبئه له القدر! لقد تجلت عبقرية الممثل العظيم نيك نولتي في تجسيد صورة المتشرد، وهي قصة تدور أحداثها في ضاحية باذخة بهوليوود، حيث يجد المتشرد نفسه متصلا بساكني الفلل الأثرياء، كاشفاً ضيق حياتهم وخوائها وبؤسها، بالمقارنة مع وسع الحرية الإنسانية التي يتمتع بها، فاضحاً تعاسة القيود التي تكبل حياة الأثرياء! وفي نهاية الملحمة الهوليودية اهتدي الجميع إلى مظلة إنسانية يحتمي بها كل البشر دون تمييز، متجردين من كل ملحقاتهم من الألقاب والثروات والمناصب!

    الأربعاء

    عندما تتطرق أحاديث المهاجرين السودانيين في أمريكا إلى تربية الأبناء والبنات فإنهم ينقسمون إلى قسمين، قسم أميل إليه، و قسم أتحفظ عليه. فأما الرأي الذي أوافقه، فيتمثل في حرصي على دفع أبنائي للانخراط مع معاصريهم من الشباب الأمريكي في المناشط الأدبية والفنية الرفيعة، وتأكيد انتمائهم إلى هذه الحضارة العظيمة، دون أن يفقدوا خصوصيتهم، أو ينفلتوا عن تراثهم الأمومي والأبوي، أو يكفوا، حتى، عن استلهام أفضل عناصره. أما المعسكر الآخر، فهو المنكمش على ذاته، الذي لا يثق بمعطيات المجتمع الأمريكي، يود إرسال أبنائه وبناته (باك هوم) في أقرب فرصة، مما يجعلك تتساءل أي ريح قذفت بهم، أصلاً، إلى هذه البلاد! لكل فريق حججه، ولكل أمثلته وأدلته ومنهجه. غير أنني تيقنت تماماً، ومنذ أمد بعيد، من استحالة أن تعيش في جزيرة معزولة داخل المجتمع الأمريكي. فلتواجه، إذن، معطياته بشجاعة، ولتكن وأسرتك قوماً فاعلين فيه، أخذاً وعطاءً. لقد شاركت مع العديد من الأسر في حلقات حوار تركز غالبها على همِّنا المعقد هذا، همِّ الصبايا والصبيان الذين كنا نحلم بميلادهم في عصور رومانسيتنا الحجرية السحيقة، حتى استوت عيدانهم، وترققت منهم أصوات واخشوشنت أخرى، فانتبهنا، بوعي جديد هذه المرة، إلى وجودهم الجميل بيننا، وجلسنا نتناصح باجتهاد ذاتي، فليست ثمة مرجعيات مما يعود إليه سابقونا من مهاجري الدول الأخرى كلما ادلهمت أمامهم الدروب! أذكر أنني عملت في صالة للفنون وأنا، بعد، حديث عهد بجغرافيا البلاد، وإن كنت قديم عهد بوجدانها في قمة خصوبة عطائه .. تشاك بيري، عناقيد الغضب، إرنست همنغوي، مارلين مونرو، آرثر مللر، مارتن لوثر كنج، لويس آرمسترونغ، ستوكلي كارمايكل، وحتى صعود وانهيار أنف مايكل جاكسون! كانت صاحبة الصالة امرأة سوداء من مدينة صغيرة في ولاية تكساس اسمها موديستين ويسلي، عاملتني بعطف الأم منذ التحاقي بصالتها، وحتى توقفي عن العمل. وذات صباح، أوائل أيام قدومي من السودان، سألتني: ـ "تاج .. هل أفرغت حقائبك ووضعت كل شيء في مكانه"؟! أحرجني السؤال، فحقائبي نصف المفرغة كانت ما تزال مبعثرة في غرفة نومي، منتفخة الأوداج بمختلف أنواع الهتش الذي صحبني في رحلتي الكولومبوسية. مع ذلك أجبتها، في لجة حرجي، بأنني قد فعلت! لكنها حدجتني بنظرة ذات مغزى، وقالت: ـ "حسناً! إذا أردت، يا بُنيَّ، أن تعيش، بقية عمرك، في هذا البلد، فوطن نفسك على الانتماء إليه تماماً، ولا تفسد حياتك بأن تحياها بأسلوبين مختلفين! عُد إلى مسكنك، هذا المساء، وافرغ حقائبك نهائياً، ورتب أغراضك، ثم اقذف بالحقائب في صندوق الزبالة! هيئ نفسك كأنك ستعيش بقية عمرك هنا، صفف شعرك كما يصففه الناس من حولك ولا تشذ عنهم، والتزم بالقوانين والأعراف المرعية، اضمن لك النجاح والتقدم! أصاب حديثها عندي عين العقل والمنطق. طافت بذهني صورة أبي وأعمامي والسنوات التي قضوها في أواسط السودان وغربه، بعيداً عن مواطنهم في الشمال، يغنون كل ساعة (يا حليلك يا بلدنا)، وما قدِّر لأحدهم الرجوع إلى (بلدنا) تلك، فدفنوا في تراب سنار ومدني والأبيض، وزكائبهم لمَّا تزل في مكانها في (الأوضة الورا)، جاهزة لعودة لم تتم، أبداً، بينما (قطر كريمي) لا يكف عن نقل المزيد من المهاجرين بلا كلل أو ملل! زاد من تمسكي بتنشئة أطفالي على أعراف هذه البلاد .. عامل السلامة! فرغم سطوة الصورة المثيرة التي ترسمها السينما عن الحياة في أمريكا، إلا أن الشعب الأمريكي محافظ، والقانون نافذ، فمغتصبو الأطفال، مثلاً، ينالون ربع قرن، وانت طالع، في السجون، وليس شهراً وأربعين جلدة .. تفوت .. ولا حد يموت! يبقي أمر التربية متروكاً لتقدير الوالدين، سواء جاءا من أمبرمبيطة أو من هوليوود! أما الانتماء الجهوي، فيجوز فيه الاقتداء، حسب رأيي الشخصي، بأفضل ما في الثقافتين، ففي الذوق، دائماً، متسع لاحتواء إبداعات كرومة، وارتجالات ديوك الينجتون الجازيَّة، ومجد الإنسان الجدير بالانتماء إلى الرموز العليا، من مشى منهم، اليوم، على سطح القمر، أو من كان قد اهتدى، في زمان سحيق، إلى صنع الحديد في مروي!

    الخميس

    الـ (ليفري كاب) هي عربات الأجرة في نيويورك، تنتشر في كل طرقاتها، لا يميزها عن تاكسي المدينة الضخم إلا أنها بلا طلاء أصفر مزوق في جنباته بمربعات الشطرنج السوداء، وذلك لأنها سيارات خاصة، يملكها أناس عاديون يعملون في وظائف مختلفة؛ وما أن تحين ساعة انصرافهم، حتى تتحول سياراتهم إلى العمل في النقل بالأجرة. زبائنهم هم فقط ممن يسكنون في نفس اتجاه منازلهم، كلما نزل راكب، صعد مكانه آخر، والسيارة تمضي في خطها المستقيم لا تحيد عنه، ولا يمكنك تمييزها عن بقية السيارات إلا بلوحة الترخيص الموضوعة وراء الزجاج الأمامي مباشرة، تمنحها سلطات المدينة للراغبين لقاء رسوم قليلة، فيلمحها المنتظرون على الأرصفة، فيشيرون للسيارة بالتوقف لنقلهم. أثارت هذه الفكرة شياطين الخيال الإنتهازي لدى كثير من مهاجري العالم الوافدين إلى (الأرض الجديدة)، فما كان منهم إلا أن اقتنوا السيارات الرخيصة، وانخرطوا، دون ترخيص، في نقل الناس بالأجر عبر أزقة المدينة ونقاطها النائية الخفية، بعيداً عن أعين الرقباء والجباة والمفتشين. صديقنا عمر هو أحد هؤلاء الناقلين بلا ترخيص، فقد تحولت سيارته الخاصة، بقدرة قادر، إلى (ليفري كاب)، أسوة بالرفاق من ساحل العاج وساحل الذهب وساحل الزنج ونيجيريا وسيراليون والقفقاس ومضيق هرمز وما بين النهرين و ..! ذات يوم ركب معه عجوز أبيض، فتحلب ريقه لهذا الصيد الثمين، ولذا ظل يواصل سيره لا يلوي على شئ، مترفعاً عن التوقف لحمل أي من خلق الله الآخرين المنتظرين على الأرصفة. غير أنه، وبسبب حظه النكد، فوجئ بخط سيره يقترب من أحد الحواجز التي تقيمها شرطة برودواي، عادة، أثناء حملة لتعقب مجرم هارب! وقد كان من الممكن لسيارة عمر، لو قوى قلبه قليلاً، أن تمر بسلام، حيث أن مسألة الترخيص لم تكن أصلاً من مهام الحملة. لكنه، ولأنه (رجَّافة) بطبيعته، آثر اتباع حكمة الاحتياط الواجب، فكشف لزبونه أنه يعمل دون ترخيص، وأسر له بأن يدعي كذباً، إن سألوه، بأنه صديقه. تظاهر الزبون بالموافقة. وكاد الأمر ينتهي بهدوء عندما أشار إليه ضابط الشرطة بالمرور، لولا أن العجوز اللعين، ولسبب ما، صاح بأعلى صوته معلماً الضابط بالجريمة الرهيبة! فأسقط في يد عمر الذي استلم ورقة الغرامة الباهظة عن يد وهو صاغر! وفوق ذلك أصر العجوز على أن يوصله صاحبنا إلى مقصده، فانصاع وهو يكاد يتميز غيظاً، وصمت عن الثرثرة التي كان يخوض فيها معه، كراهية له وحقداً عليه. وصلت السيارة إلى وجهة العجوز، فنزل، وبادر بسؤال عمر عن الأجرة، ولم يتوان عن تحرير شيك له بقيمتها. لكنه فاجأه بسؤال آخر عن مبلغ الغرامة، وعندما أجابه صاحبنا متثاقلا، فاجأه العجوز مرة أخرى بأن حرر له شيكا بالمبلغ، ثم فاجأه مرة ثالثة بأن أبرز له بطاقته الرسمية كقاض بمحكمة الاستئناف العليا! روى لنا عمر كيف أنه دخل في أظافره، وكيف راح يعتذر، مكسوفاً، لمولانا الذي ذكره، قبل أن ينصرف، بأن الشرفاء لا يكذبون! حاشية: ناسكم ديل ما بقولوا للكضاب كضاب، بقولوا ليهو: بتباااااااالغ!

    الجمعة

    من بين أغشية الكرى ودفء الغطاء انتزعت نفسي. أعتقني وخز برد الصباح النوفمبري من قيود أحلام البارحة. طاف بي طائف الصحو حتي أوقع نعاسي القلق المتعثر في أسره، ومضى يتحسس طريقه بين خريف متصرم وشتاء طفل. كنا قد قضينا الليل، إبناي وزوجتي، نشهد التاريخ يغير صفحاته الغبراء بأخرى غراء، يعيد صياغة نفسه، يبدل قميصه مثل ثعبان يبحث عن غفران، و .. هذا أثر فأسك! أصبح الصبح. رق الهواء وراق. خرجت قطرات الندى لملاقاته في موعدهما الموسمي، مصطخبة بألوان لا تسيل، لكنها تصدأ حين يلفحها الهواء البارد على أوراق الخريف الذي ما يزال فيه باق. أصبح الصبح، وأصبح الخلاسي ملكاً يتربع على عرش أقوى قوة في العالم، ينطلق صوته من قلب أمريكا ليتردد صداه فوق صحارى العالم وغاباته وبحاره، حتى يبلغ نواحي الهند والسند وسمرقند وخراسان وطاجيكيستان وبلاد أخرى تركب الأفيال. في ضحى اليوم الذي تلا انعقاد الفوز له، وبعد أن اطمأن محبوه إلى أن رأسه قد تكلل بالغار تماماً، وسكنت الهواجس في قلوب الذين كادوا يفقدون ثقتهم في صيرورة التاريخ، إنفجر، فجأة، أحد أهالينا ممن عصفت بهم بهجة مستلة من برميل معتق، صائحاً بأعلى صوته: ـ "يا جماعة أوباما ده بالمناسبة .. سوداني"! صمت برهة، ثم ما لبث أن اغتصب ضحكة عجول يداري بها ارتباكه الخجول، كمن أفاق من سكرة ليجد نفسه عارياً في حشد من الناس وسط أكبر شوارع المدينة، فمضى يكابر بأنه في أبهى حلله، بل ويترنم: ـ "القطار المرررر"! أشرق وجه ابني البكر أشرف، وهو يتناول إفطار المنتصر، بعد أن ظل طوال الأسبوعين الأخيرين، قبيل حلول يوم المعركة، مصراً على أن يلحق باسمه صفة (الديموقراطي الشاب Young Democrat)، وهو يتراكض من مسكن إلى مسكن، يدق على الأبواب، حاثاً الناس على ضرورة التبكير بالتوجه في الموعد المحدد لأجل التصويت لخلاسيه المفضل، ثم وهو يرابض في مراكز الاقتراع، يذلل الأمور العصية للجموع التي اصطفت في تحضر ونظام وهدوء، يستقبلهم، يودعهم، يكتب التقارير، وبين هذا وذاك يتفجر حيوية ولا تفارقه الابتسامة. ظللت أرمقه بمشاعر ملتبسة ما بين حسرة كهل على الزمان الذي فات و(الغناي) الذي مات، وبين سعادة أب يغبط ابنه الحبيب على همته وحماسه! وفي هذا الصباح انتزعني صوته الصبي من لزوجة أحلامي المحبطة بشراً قويماً. تنفست الهواء المنعش، واستبشرت بالسحب العابرة، وهنأت نفسي على السنوات السبعة عشر! نعم، سبعة عشر عاماً، بالتمام والكمال، وأنا أشهده يولد حراً، وينشأ حراً، وها هو ذا يحزم أمره مع أبناء جيله، ليقدموا لنا هذا الصباح الأنيق. تعلمت منه ومن رفاقه، أن الحرية قيمة تعيش وتتنفس داخل صدفة الوحدة، وأنها تنبع دون ريب من عين الديمقراطية العذبة. لكن .. ولأن تأليه البشر، حكاماً وقادة ونجوم فن ورياضة، هو إرث يسكن جينات شعوب العالم الثالث الملونة المزركشة، ويربطهم بآصرة لا تنفصم مع (ذويهم) من الأقوام الداكنة، بمختلف درجات الدكنة، في العالم الأول، فقد أتيح لي، من خلال حملة أوباما الانتخابية، ولأول مرة عبر أربعة انتخابات رئاسية شهادتها في هذه البلاد، أن أسمع أغنيات وأناشيد يذكر فيها اسم رئيس، أو بالأحرى رئيس محتمل! قادني هذا إلى تفكير عنقودي متسلسل، أتصفح به، متأنياً، صحائف التاريخ، حديثه وقديمه، أنقب في سير الزعماء السياسيين، والقادة العسكريين، وأبطال الرياضة، والفنانين، والكتاب، فما وجدت أغنية واحدة خصصت لبشر لمجرد أنه برز بروزاً مرموقاً في بؤرة الشوف العام، باستثناء مرثية (ابراهام، جون اند مارتن) التي غناها الفنان الزنجي (مارفن قاي)! وانتبهت إلى أن القوقازيين والسكسون لا يبذلون أشعارهم وموسيقاهم في مدح الأبطال، وأن أكثر ما يفعلونه في باب تمجيدهم هو إطلاق أسمائهم على الشوارع والجسور والمطارات والسفن التجارية والبوارج الحربية، لكنهم لا يضيعون وقتا في تأليف أناشيد من شاكلة (بالملايين قلناها نعم .. ليك يا القايد الملهم)؛ فلا الألمان تغنوا بعزيمة غوبلز، ولا الإنجليز ضربوا الدفوف تمجيدا لتشرتشل، وما ناب كتشنر من قطعه للصحراء، ليتشفى من بقعة المهدي، التي كان مقاتلوها قد مرغوا أنف إمبراطوريته في الرغام، غير تمثال أزيل في أول (هوجة) استقلالية، وغير إطلاق اسمه على مؤسسة تعليمية ما لبث أن سقط عن لافتتها، فصارت جامعة الخرطوم. لكن أنظر كيف ستسير مزامير المغنين ودلاليك المغنيات بذكرك، لتخلد إسمك في نشيد إنشاد طويل لا يكاد ينتهي، لو حالفك الحظ ونجح انقلابك، أو أحرزت هدفاً في شباك الموردة! لا شك أنك ستصبح فجأة (جبل حديد) و(فارس حوبات) و(معبود جماهير) و(هداف قرن)! هكذا ما أن جاء (أوباما)، حتى جاءت معه طقوسنا وكجورنا ودلاليكنا وكيتتنا، من مستنقعات أفريقيا، وجزر الكاريبي، وغابات الأمازون. فصَّل له أهل (الريقي) الأغنيات على مقاسه، من عينة (كوكا ـ تي) و(بلاك ستالين)، وأوقفوه جنبا إلى جنب مع (ماركوس غارفي) الذي تخلد اسمه في كتالوج غناء جامايكا، ما غنى جامايكي عن الثورة أو عن حبيبته، إلا ووجد طريقة لزجِّ اسم (غارفي) أو ( هيلاسلاسي) .. تنقرنق! أصبح الصبح، فإذا بالموالد تقام، والذبائح تنحر، والأناشيد الأوباماوية تسبح في الأثير، فنصب إلهاً، وملهماً، وقائداً، وأب عاجاً، ومهيباً، وركناً، وعضداً، ومدداً، وغوثاً، ومظفراً، و .. (الجنزير في أوباما)! نعم .. سنحلم معه بالمستقبل حتي يأتي علينا حين من الدهر ننتف فيه ريشه، ونلعن أبا خاشه، ونسود وجهه بالتراب، ونخلعه خلعة رجل واحد لنرمي به في مزبلة التاريخ! لكن شيئاً واحداً لن نفعله .. لن نحاكمه، لأنه سيفر بجلده، حتماً، إلى فسطاط ما، حتى يجيء يوم عودته على أجنحة التجمع الوطني!

    السبت

    بلغني اليوم نبأ وفاة أخي محجوب (النظامي)، وما أدراك بنبأ وفاة عزيز لديك وأنت في مهجرك الأمريكي السحيق هذا! لا قوة إلا بالله. تذرعت بذكرى طريق رملى كنا قد اعتدنا قطعه عدواً وراء خطواته الواسعة، وهو يتقدمنا، متجاوزا قضيب السكة حديد الذي يقسم مدينة الحصاحيصا إلى نصفين متعادلين في ذلك العهد؛ يأخذنا الى السينما لنشهد طرائف إسماعيل ياسين وحروب داراسنج والمصارعون العشرة. ومن هناك ينطلق بنا إلى أندية البلدة وفولها الشهير، محدثين ضجة كأن عيناً فوارة انفلقت من قلب الأرض إلى سطحها الساكن الممل! كانت أمي، رحمها الله، تدفع بنا، في الأجازات الصيفية، إلي بيت خالتنا أم الحسن، عليها الرحمة. وكنا نتطلع الى تلك الزيارة، لنلتقي بأخوتنا، خاصة أستاذ محجوب الذي كان يولينا عنايته، ويتعهدنا برعايته. علمني الإنجليزية، كما علمها لأبناء الجزيرة كلهم، فذاع صيته، حتى عرف باسم (جاك)! أذكر مكتبته، ولا أنسى من بينها (سيرة حياة كينيدي) و(ألف يوم) و(قبسات التقابة). كان يصطحبنا إلى الحفلات، نستمع إلى عبد الله محمد وأحمد الطيب وكثيرون فاق إعجابي بهم كل حد، مما جعلني اصنع رقاً من صحن قديم، علقت الفيش المسطح على جنباته، وملأت الدار، بل والحي كله، زعيقا ما بعده زعيق .. "هوي يا ليلى .. هووووي"! أحببت محجوباً وفكاهاته "أرجو لكم التوفيق والسداد .. وتاكلوا لحم جداد"، و طريقته في السخرية من خطباء الندوات السياسية العقيمة! سافر محجوب إلى سلطنة عمان في حميا فورة الاغتراب، لكنه لم يقض بها إلا وقتاً يسيراً. لم بحتمل الغربة، فعاد الى طريقه الرملي الأثير، يقطعه كي يعلم أبناء السودان اللغة الإنجليزية. توفاه الله وهو واقف أمام التلاميذ. أستشهد أخي المعلم الإنسان محجوب وهو يؤدي واجبه، بذات الهدوء والتواضع الجم. مضى، قائدا تخرجت على يديه آلاف الفصائل و الفيالق، ما طلب جزاءً ولا شكورا، فحق فيه رثاء دريد بن الصمة: "صبور على رزء المصائب حافظ/ من اليوم أدبار الأحاديث في غد/ صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه/ فلما علاه قال للباطل ابعد/ وهون وجدي إنما هو فارط/ أمامي وإني وارد اليوم أو غد"!

    الأحد

    إلتقى ثلاثة جراحي تجميل من تكساس في ملعب للغولف، فأخذ كل منهم يتباهى ببراعته ومنجزاته الطبية. قال الأول إنه أعاد الأصابع الخمس المبتورة ليد عازف بيانو شهير، وبعد شهر من العملية دُعي العازف إلى بريطانيا، حيث أحيا حفلاً خاصاً أمام ملكتها بنفس مستوى عزفه قبل الحادثة، دون أن يفطن أحد إلى أن أصابعه قد خضعت لعملية إعادة إلصاق! فهز الحاضرون رؤوسهم عجباً! ثم روى الجراح الثاني كيف أنه أعاد ساقين مبتورتين لأحد أشهر لاعبي كرة القدم الأمريكية، بعد أن فقدهما في حادث مروري مروع. وبعد أسبوعين من العملية عاد اللاعب المعروف إلى الميادين الخضراء، وأحرز كل أهداف الدورة، ففاز فريقه بالبطولة، دون أن ينتبه أحد إلى الفرق بين ساقيه قبل وبعد الحادثة! فقلب الناس عيونهم دهشة و استحسانا! أما الجراح الثالث، والذي ظن الجميع أن زميليه لم يتركا له ما يقول، فقد تقدم وقال بنبرة ملؤها الثقة والفخر: ـ "نعم .. كل ما رويتموه عظيم، لكنه عادي وممكن جداً بالمقارنة مع المعجزة التي قمت بتحقيقها! فقد حدث أن اصطدم قطار يسير بسرعة ثمانين ميلاً في الساعة براعي بقر راكب على حصانه، وكان كل الذي وجده الإسعاف في موقع الحادث وأتى به هو مؤخرة الحصان وقبعة الكاوبوى! أما ما حدث بعد ذلك فمعروف لديكم، إذ أن الكاوبوي تعافى تماماً، بل وتقلد منصبه .. رئيسا للولايات المتحدة"!


    * تشكيلي وقاص سوداني أمريكي.
                  

العنوان الكاتب Date
اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Gazaloat12-16-08, 00:55 AM
  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع ابوهريرة زين العابدين12-16-08, 03:42 AM
  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Ashraf el-Halabi12-16-08, 07:12 AM
  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع خضر حسين خليل12-16-08, 07:37 AM
    Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع محمد سنى دفع الله12-16-08, 07:41 AM
      Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Tagelsir Elmelik12-16-08, 02:08 PM
        Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع khatab12-16-08, 02:54 PM
  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع انعام عبد الحفيظ12-16-08, 02:30 PM
  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Rihab Khalifa12-16-08, 03:04 PM
    Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Osman Musa12-16-08, 03:43 PM
  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع AnwarKing12-16-08, 06:32 PM
    Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Gazaloat12-16-08, 10:01 PM
  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Hussein Mallasi12-16-08, 10:22 PM
    Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع نجوان12-17-08, 07:16 AM
  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع هاشم الحسن12-17-08, 07:24 AM
    Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع القلب النابض12-17-08, 12:50 PM
  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع نهال كرار12-17-08, 01:08 PM
  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع esam gabralla12-17-08, 01:25 PM
    Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Hussein Mallasi12-17-08, 01:50 PM
  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Adam D.El-Asha12-17-08, 02:44 PM
    Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Osman Musa12-17-08, 03:50 PM
      Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Gazaloat12-17-08, 05:20 PM
        Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع محمد على طه الملك12-17-08, 09:42 PM
  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Hussein Mallasi12-18-08, 01:31 PM
    Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Tagelsir Elmelik12-19-08, 04:12 PM
      Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Tagelsir Elmelik12-19-08, 05:01 PM
        Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Tagelsir Elmelik12-19-08, 05:15 PM
          Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Tagelsir Elmelik12-19-08, 05:19 PM
            Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Tagelsir Elmelik12-19-08, 05:20 PM
              Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع خدر12-19-08, 06:05 PM
                Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع القلب النابض12-19-08, 06:48 PM
                Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع khatab12-19-08, 06:52 PM
                  Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع محسن خالد12-20-08, 12:22 PM
                    Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع حامد محمد حامد12-20-08, 04:39 PM
                      Re: اوباما ملكا - تاج السر الملك ضيفا على روزنامة الاسبوع Gazaloat12-21-08, 03:52 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de