|
Re: تأريخ الجاذبية (Re: Tagelsir Elmelik)
|
(٥) ( أنا ليهم بجر كلام دخلوها و صقيرا حام)
و خالتي ( زينب)‘ يتملكها فرح‘ عزيز‘ نادر‘ حينما يجىء ذكر أسمها في الأغنية‘ ( اركزو... زينب وراكم) تهزهز رأسها‘ تكشف عن مقنعها بلا اكتراث‘ تهوم في نشوة سعادة قصيرة الأجل‘ حتى يناغمها شبح بوارها ‘ ثم يطل بوجهه القمىء فيفسد عليها ثأرها من الذين حامت الصقور حول اجسادهم الملقاة في الصحاري‘ فتتأكد وحدتها و تشتد‘ و تزداد عزلتها في غرفة عاطلة الجدران‘ خالية من الصبيان و الصقور الحائمة‘ تفيق خالتي ( زينب) من وهم الشعر و جاذبية الكلمات‘ و جدتي ترقبها من مقعد في طلاقة الحوش المسور بالشوك‘ تعبر في جذل الى نهاية القصيدة‘ فكأنما المغني يتنفس الكلام دون توقف‘ دون لحظة ينظر فيها الى الوراء‘ يهدر بها هدير القطار في العتمور‘ يشقها في ثقة و امان‘ جدتي تطوح رقائق من الفضة المنحولة تنسدل على جبينها المغضن‘ هي ما تبقى من ضفائر و عمر مديد و ذكريات لا تمل تكرارها. خالي ‘ كنت تحس فورة الدم في عروقه‘ يتأمل الكلمات و تتأمله‘ فكأنما يود الأمساك بها او تود الأمساك به‘ يود التمسح بها‘ فكأنما هي رقية ضد الفناء‘ أو كأنما شاعرها لا يعني بمدحه أحد غيره‘ ثم أنه لا يتمالك نفسه‘ حين تقتحم أذنه انفاس المغني ( زى السندالة قلبو) يقف منتفضا على ساقه المعطوبة‘ كاشفا عن اسنان ناقصة العداد‘ سوداء حفوفها من أثر التبغ‘ و التمباك‘ مستجمعا ما تبقى له من عزم صحيح في مكان ما من جسده العتيق‘ يصيح في جمع من قوم يسكنون ذاكرته ( أبشر .. بشر.. شر) ألا أن قلبه ( السندالة) توقف عن الخفقان في خريف العام الذي تلا عام الرمادة‘ فمات في سعادة الوهم الذي تصنعه الأغنيات‘ و تمدد على عرش امنياته التي لم تصب‘ فما عاد له ذكر في الأغاني.
تعددت زيارات أبي حين استبد به و بعقله‘ جنون الغيرة و الفضول‘ لمعرفة الرجل الذي سيحل محله‘ أو لعله يجيء متمنيا في قرارة نفسه موت الرجل موتا طبيعيا‘ فتعود امرأته اليه‘ صاغرة نادمة‘ تعض على نواجذه حسرة على عمرها الذي تصرم في الصحراء‘ ستطلب منه الصفح و الغفران‘ فيهبها ما تريد حبا و كرامة‘ سيحدثها حديثا متأملا طويلا ‘ حديثا حكيما عن الحياة و الحب و الأمل و الوفاء‘ و سوف يعود الى صنع طفلتيه اللتين طالما تمناهما‘ سيدعي بأنها لم تكن غرضا من أغراضه‘ لا يطيب له طلبه ‘ الا حين يضيع. كان يتحدث بالصوت العالي حينما يزورني‘ و كنت أعلم علم اليقين انه لا يعنيني بحديثه‘ حدثني و حدثها و حدث سكون الصحراء‘ عن ترقيته في الوظيفة‘ و عن سيارة جديدة‘ ‘ أغدق على المال و الهدايا و العطايا‘ كان كأنما يستنهض حنينا عازبا في قلب امرأته‘ يعيد على دروس لغته التي بدأت رحلة اندثارها‘ في عقلي و ذاكرتي‘ رأيت تحت قناع الثقة الذي يرتديه‘ شبحا ذابلا ذاويا‘ يتحرج عن الخروج الى الضوء‘ شبح رجل أسرف في عواطفه‘ فأسرف الحزن في أقامته‘ أخلد و سكن الى روحه المعذبة‘ و في ذات زيارة باكرة في غير ميقاتها‘ تهاوى قناع أبي‘ فبكى في تضرعه غير عابيء بسخرية القوم‘ و صرخ مستعطفا ( متى تعودين الى البيت؟؟؟)‘ أشاحت بوجهها‘ حتى لا تسرف فى الشفقة عليه‘ فانطلقت حمائم بيضاء من تحت أكمام جلبابه‘ حمائم بيضاء لم يرها أحد غيره‘ ألا أنني صدقت الرؤيا.
أخذتني أمي الى حلقة المادحين في صبيحة الجمعة‘ رأيت أبي يدور حول نفسه‘ في سرعة و عجلة‘ يحمل عصا السلم التي أغتيل بها الرجل في يد‘ و المبخرة في يده الأخرى‘ كان يدور في سرعة و عجلة‘ فكأنما يدافع الخواطر التي تزاحمت علي عقله‘ ثم انهار الجرف تحت ثقل جسده‘ و لكنه و لدهشتي صعد الى أعلى‘ صعد دون أن تعي بصعوده الأرض و جاذبيتها‘ أو انها لم تعد تكترث لصعوده أو هبوطه‘ مثلما لو أن أمره لا يعنيها. حملته الطائرة بعيدا‘ و القطارات من بعدها‘ الى أعلى المدينة‘ و عندما عبر بوابة المدينة الحديدية‘ أوصد حراس بابل باب الحديد من خلفه‘ هام في طرقات ( البرونكس)‘ ( يانكرز) , و ( سر من رأى)‘ مستلب الخواطر متنازعها في حضرة نساء الدومينيكان و الكاريب و بحور الغزال‘ و لكنها كانت تسكن وحدها جوارحه‘ أعانه اللصوص على لقاءها آخر الليل‘ عبر ارقام الهواتف المسروقة‘ و العسس في سياراتهم المصفحة‘ يذرعون الشوارع جيئة و ذهابا‘ لم يطابق وصفه في نظرهم أوصاف الهارب‘ كان صوتها يأتيه مبللا في حرقته المتأصلة ( سم اب درق البصقع) تلح عليه في العودة و هي لما تبل بعد من عشقها له‘ نذرت النذور لعودته‘ أوفت بجميع نذورها‘ و لكنه لم يعد‘ و حينما ذاقت طعم الحليب المتخثر في حلمها‘ نفضت راحتيها عن الرمل الذي طوق أقدامها ‘ و انتحبت في صمت.
حملناها الى العيادة الخارجية ركضا‘ و هي تنزف حتى لم تقو ساقيها علي الأجتماع‘ و طاقم العيادة يتآنسون في استرخاء يقترب من سأم‘ سأم من مشهد الموت و الدم و الذباب و الأبر المعقوفة و الأنين و الدعاء‘ و على سطح طاولة قذرة مددوها‘ تناوبوا النظر ما بين ساقيها‘ الطبيب و مساعديه و المارة يدفعهم الفضول‘ تلاشت متعة الأسترخاء و اللامبالاة من على الوجوه‘ ران صمت‘ أتوا بالضمادات و السوائل الصفراء و الزاج الأخضر‘ القطن و الأبر المعقوفة‘ و لكن واحدا من أهلها لم يمد يدا للمساعدة‘ مثلما فعلوا و الرجل يفتك بها في الغرفة القصية الخربة‘ الغرفة المسكونة بالجن‘ لم تكن هناك حينما تناوبوا تهشيم عظامه‘ حتى فارق الحياة‘ و لكن كل ذلك لن يعيد لها ابتسامة بريئة حالمة‘ انطوت الى الأبد عقب عودتها من رفقة الذئب‘ امسكت بيدها الصغير ‘ كف ابيها و غابت في فضاء التخدير.
أشتد عنت الكوابيس و الضفة تتشقق مثل قطعة الجبن الجافة‘ أو مثل جدران الطين حين يفاجأها السيل العرم‘ انثال مني عرق و تأبى على محجري رأسي النوم‘ عددت الخراف في خيالي‘ فثار الراعي في وجهي و طلب أجرا‘ هدد و توعد‘ ثم جلس يندب موت زوجته التي رحلت في عنفوان شبابها‘ كان يصحبه أبناؤه‘ الأكبر يتبعه الأصغر‘ و حين تكيد له الخمر‘ ينفث حنقه فيهما‘ يجرجران اسمالهما وراء القطيع في ذلة و مهانة و انكسار‘ و حين يحل المساء‘ ينامون وسط الأغنام في ( حوش) جدهما- أبيه-و يبدأ تبادل السباب بين ابيهم و أخوته و زوجاتهم‘ يستلون المدي من أغمادها‘ ثم يساقطون صرعى من الخور قبل أن تسيل قطرة دم واحدة‘ ثم لا يلبث الصمت أن يطوق المكان‘ و تعود الكوابيس أقل عنتا و أكثر رحمة من السابق‘ لم يكن للولدين حظ في الأناشيد المدرسية‘ فكل الحظوظ عواثر‘ و لكن أبي كان يرى غير ذلك.....
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-26-09, 10:53 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | محمد الطيب يوسف | 08-26-09, 11:18 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Osman Musa | 08-27-09, 06:47 AM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-27-09, 03:21 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-28-09, 06:39 AM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-30-09, 01:49 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 09-02-09, 10:15 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-27-09, 03:16 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | محمد الطيب يوسف | 08-27-09, 05:01 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-27-09, 10:13 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | rosemen osman | 08-27-09, 01:12 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-27-09, 03:40 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-27-09, 03:46 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-27-09, 04:04 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | عبدالوهاب علي الحاج | 08-27-09, 10:30 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-27-09, 11:26 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | حبيب نورة | 08-28-09, 07:17 AM |
Re: تأريخ الجاذبية | حافظ حسن ابراهيم | 08-28-09, 08:01 AM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-28-09, 04:31 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-28-09, 02:40 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-29-09, 02:42 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-29-09, 04:22 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 08-31-09, 04:30 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | انعام عبد الحفيظ | 09-02-09, 11:33 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 09-04-09, 03:34 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | ibrahim kojan | 09-06-09, 08:36 AM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 09-07-09, 11:56 AM |
Re: تأريخ الجاذبية | Osman Musa | 09-06-09, 05:48 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | د.نبراس | 09-07-09, 04:57 AM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 09-07-09, 03:15 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 09-07-09, 04:08 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | mustafa mudathir | 09-09-09, 00:40 AM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 09-09-09, 05:33 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | mustafa mudathir | 09-09-09, 11:11 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 09-10-09, 05:51 PM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 09-13-09, 03:48 AM |
Re: تأريخ الجاذبية | عوض أبوجديرى | 09-16-09, 04:11 AM |
Re: تأريخ الجاذبية | Tagelsir Elmelik | 09-19-09, 04:42 PM |
|
|
|