|
كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية
|
كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية
منذ أن فلق موسى بعصاه البحر ، و أنا سارح مثلى مثل غيرى من ( بنى كجة) فى شتات الدياسبورا و شتات الشتات ، تعرفت على مئات المدن و القرى و السحنات و اللغات و ما تعرفت بعد على ( أنا) ، سهرت على رعاية تساؤلات حقيقية عميقة ، و صحوت عليها و هى تتعثر فى ضحالتها و سطحيتها ، الا سؤال واحد ، سؤال ظل يطل برأسه فى عناد لسنوات و سنوات ، سؤال قد يبدو غريبا و قد يكون اذكى مما تصورت ...لماذا تتشقق الحيطان فى مبانى السودان؟؟؟؟ مبانى الطوب و مبانى الحجر و مبانى الظلط ، كلها ، موسومة لا ( مرهاء) بوشم التشقق و شلوخه ، رأسيا و أفقيا، بعضها محشو بالأسمنت فتبين مثل اثر الجرح القديم الذى شفى لحاله دون تدخل طبيب ، و بعضها مساكن لمخلوقات الله الدابة و الزاحفة و ذوات الأيريال ، ما رأيت ذلك فى مدينة غير الخرطوم و أخواتها ، لا الأبواب تتكىء على اكواعها ، واقفة على عمد غير متساوية ، ولا الأسوار تتلوى فوق باطن الأرض و ظاهرها تنادى ، ، و الأمر عادى فى بلادنا لا يثير انتباها و لا ينبىء عن خطر ، لا يزعج النظر فذا تلوث بصرى يتضاءل قياسا الى التلوث السمعى و السياسى و الصحى و التعليمى، و هو فى اسوأ الاحوال مشهد للعمارة السريالية السودانية ، لا يكتمل جمال البيوت و العمائر الا به ، ابواب منازل لا تنسد الا بتكنيك ( القرصة) ، و لا تؤمن ضد كيد المعتدى الا بدعم من ( مرق) عنقريب ، او عتلة ، عدا ان الحرامية يتسربون الى الحوش عبر التلفزيون و رهط من المجرمين الأفذاذ ، يرفلون فى الحرير و العمائم و اللحى ، مؤطرين بالفصاحة دون حياء و دون خشية و دون أعتذار . و بذكر الأبواب ، يجوز لنا ان نقول بأن لكل اسرة طريقة خاصة مبتكرة للدخول و الخروج ، طرق متعددة ليس من بينها افتح يا سمسم ، بل دونها الجهد و المجاهدة ..كدى يا محمد خلينى ادى نهزة ...لا حاجة للريموت كنترول و لا سبيل الى عبقرية الأتوماتيك،و تتركز فلسفة فتح الأبواب و سدها و تتمحور ، فى معضلة البحث عن ( الترباس) و تحديد موقعه الكونى دون استخدام العين و الأقمار الصناعيه ، و ذلك يتم بمد اليد الى أقصى حدود امكانياتها ثم المسح الأصابعى حتى لحظة القبض على رأس الترباس المدبب ، اما ما يحدث بعد ذلك فهو عمل السحرة و الحواة – كليك-ثم ينفرج الباب و تنفرج الأسرة، فرجة تكفى لايلاج اليد الأخرى فى رحلة البحث عن ( السقاطة) و نقطة التقاءها و المرق و فك ذلك الجدل ، و للابواب أغراض أخرى غير الدخول و الخروج ، فهى مركز للوقفات التآنسية الطويلة الممتدة مع الضيوف المغادرين ، فكأنما ونسة التسع ساعات داخل المنزل لم تكن تكفى لحصر جميع الشمارو دقه و ذره ، فونسة الباب بها بعض ( شفافية) !! ثم ان الأبواب فى حال سكون الحركة منها و اليها، مقام و ملجأ للكلاب و الأغنام ، و هى ( الكانفاس) ترسم عليه عليه نخلة الترحيب بالحجيج و نقوش ( حضرنا ولم نجدكم) التقليد الذى توارثه الناس عن الفراعنة و عوضا عن حفر صور الحضور على الحجر ، اكتفى اهل العصور الحديثة بالرسم بالفحم . و المتأمل فى شأن العمارة السودانية بعد الأستقلال يلحظ اول ما يلحظ غياب الخطوط المستقيمة ، و ثورة الهرم المقلوب فى بناء الغرف ، و غالبا ما يجيبك البناء ان اشرت اشفاقا الى تلك الكرش البائنة فى الحائط بقوله ( دى بعدين بنجيبا بالبياض!!) ثم ما يلبث ان يعود الى القدة متظاهرا بالدقة و الحذق ، خبطا على مساحة خمسة امتار املا فى اعادة الأستقامة اليها دون جدوى . أما ضفرة الحيشان و البلاط ، فلا أستواء لهما فى يوم غير يومهما الأول ، حتى أذا أدرك شهرزاد الصباح فارت الأرض و مارت، علت و هبطت، فتحولت الساحة فى نهاية المطاف الى قاعدة لتدريب المظليين ، و قد سمعت عبارة تبرير هذه الظاهرة محفورة مثل عهد ( مافيوزى) بين البنائين...الأرض دى زراعيه طينية..حتى و لو ابتنيت ماوى فى الصحراء الكبرى ، فأضفت تلك الجملة الى قاموس سوء الحظ السودانى و اشكاله المتعددة جنبا الى جنب الحكم الشامل و الدجل بأسم الدين ، و حلف الطلاق لأفزاع القوات الدولية ، أضف ال كل ذلك ان ارض بلادنا طينية زراعية . بيد اننى وددت لو اننى أجد تعليلا واحدا يفسر وقوف مبانى القصر الجمهورى و برج بيزا المائل دون ظهور شقوق على سطحه ، و فسرت ذلك بأجتهاد محض بأن الأرض التى بنى عليها الأنجليز منشآتهم مستجلبة من أرض بريطانيا اللازراعية!! ثم كان ان اصابنى الظن الآثم ، بأن البناء فى السودان يدخل فى دائرة الدجل ، مثله مثل البصاق على وجوه المرضى بغرض أشفاءهم من بعض الأمراض الناتجة من فيروسات القهر ، فمنذ قرون عديدة بعيدة و رؤساء الدول المتحضرة و مواطنيهم ، يديرون امور بلادهم من داخل بيوت و منشآت مشيدة بالرخام و النظام و الهندسة الأتقان ، يقابلهم قادتنا و هموا يفتون فى أمر العباد من تحت كومة ( زبالة) ، زبالة تعد بخفج ( بعر) البقر بالأقدام و السيقان و الأيادى ، خلطة تسرح فيها الباكتريا و سائر أنواع المجهريات المهلكة....فتأمل!!! و من هذه البدعه المعمارية خرجت حكمة ( التلييس) !! و بعض قول شائع..ليس..ليس يطلع كويس. و تسربت اللياسة الى كل مناحى الحياة السودانية، مثلها مثل ( الشفافية) هذه الأيام ، و اللجان (المنبثقة عن اللجان المنبثقة) على أيام الأتحاد الأشتراكى، فالرجل يليس للرجل بالبونية و المؤامرة و يليس للمراة بأختها و تليس له بالنقة و العروق و الكتابة ، و ضباط الجيش يليسون بالأنقلابات، ثم ما يلبث التلييس يوما او بعض يوم ، حتى يتصدع فيليس له. و قد أشتهرت بلادنا فيما اشتهرت ، بالعمارة التجريدية، فبأمكانك أعتبار وجود البيت بمجرد التفكيرفى وجوده بأستلهام الرمز، فوجود نصف اوضة على ارض بلقع ، و سقالة يعلم الله وحده اين تتعلق حبالها ، و حزمة من السيخ الصدىء ، و مسطرينة مقلوبة ، و كومة رمل بمثابة بيت ، فهذا بيت و يمكن للرجل ان يشير الى هذه الرموز و يحق له القول ( ده بيتنا) ، فاتحا باب الخيال و الأبتكار لديك لتبنى على اساس هذه المعطيات يوتوبيا تخصك وحدك. و قد سبب هذا المشهد السريالى المشقق ، حرجا لأبنة عمى التى تربى أطفالها خارج الحدود ، و كان ان عادوا معها فى غضون الأجازة المدرسية ،فرحين متشوقين بأخيلة زاهية ، ثم ان الحنين هفا بها فأخذت ابناءها لزيارة مدرستها الأبتدائية، هنالك فى موقع بين الدخول و حومل ، ثم و هى فى اتون دمعها الذارف مستسلمة لخدر الحنين و شجى الذكرى ، حتى افاقت على صوت صغيرها و هو يشير الى مراوح السقف المتدلية سافرة عن احشاءها متداعية تهم بالسقوط ، و شقوق البناء تنير المكان بضوء الشمس المتسرب عبرها ، و ماسورة الحوض المشقق التى علاها الأخضرار من فوقها و من أسافلها...ماما ماما انتو مدرستكم دى ضربوها بالقنابل؟؟؟ ثم اننى شهدت فى صدر صباى و مطلع شبابى الغض ، المطر يهمى فتتداعى الحوائط مثل بسكويت كرم بجامع ذرات الرمل فى كل ، و لا أزال أذكر سيول 88 المشئومة ، حين أصبحت الخرطوم و بها بعض من ملامح هيروشيمافى الصبح الذى تلا محنة الماء ، سهرنا الليل كله كما يقول ( عركى) ، فى نصب مواعين البيت كلها بدقة فى خدمة السيد السقف و التناوب على تفريغها حتى تأكد لى بان ليس من سبب واحد لوجوده سوى ان اسمه السقف ، كشفت البيوت عن خباياها ( بشفافيه)تحسد عليها، ما استند شىء على عمد غير قاعة الصداقة التى بناها اخوان ياجوج و ماجوج ، الهلتون و الذى ليس هو بهلتون حتى و ان شبه لكم ، و رايت حين ذاب غشاء الطوب و الزبالة ، الثلاجات الحديثة و التلفزيونات الأحدث و غرف النوم الأيطالية ، و أغراض أخرى ثمينة ، تقف فى حيرة لا تدرى اى مآل آلت اليه ، ثم اننى قنعت بأننا تعودنا العيش فى هذا الواقع الملتوى المتهالك بفهم صوفى عميق ، ينتزع الجمال انتزاعا من قلب هذا الخراب . أما ( اللاند سكيب) و حدائق المنازل ، فقد اشتركت حيشان المنازل جميعها فى استضافة نوعين من الخضرة للزينة و كلاهما يشتركان فى تسمية لا علاقة لها بالجمال و لا الخضرة ،...العوير و الجهنمية ، و كلنا يعلم علم اليقين ماهية ( العوارة) وما هى جهنم . الا ان للشقوق و الحق يقال فوائد، ففيها تحفظ القرقريبة، و هى مخازن (ريسايكل) لأكياس الورق ، و هى ملجأ طيب لدس ( العمل) و العروق و الحزا و الكمون ، و قد وصل الأمر حد أستخدامها فى بعض بيوت عزابة السوق الشعبى لحفظ ( فرشة أسنان الضيفان) و هى فرشة واحدة تغسل عقب انتهاء زيارة ضيف أو ضيفان و تحفظ الى حين حلول الضيف الثانى و الثالث الى ما شاء الله او الى حين تتوقف ( الصين) عن انتاج معجون ( اب صفقة) ، ثم اننى خلصت الى ان التصدع فى بلادنا هو الأساس و ما عدا ذلك بدعه ،و ما دون ذلك صدقة ، فكل الأشياء تخرج من الصدع و من تصدع الصدع ، يبدأ الطريق من كرتون مايو و لن ينتهى بكريستال سيتى.
تاج السر الملك
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Tagelsir Elmelik | 10-31-07, 01:41 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Mutwali Malik | 10-31-07, 02:28 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | ابراهيم عدلان | 10-31-07, 03:37 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Osman Musa | 10-31-07, 04:11 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Tagelsir Elmelik | 11-01-07, 12:07 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Tagelsir Elmelik | 10-31-07, 10:34 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | سيف النصر محي الدين محمد أحمد | 11-01-07, 03:42 AM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Tagelsir Elmelik | 11-06-07, 02:01 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Tagelsir Elmelik | 11-02-07, 08:24 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Tagelsir Elmelik | 11-04-07, 01:57 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Salah Al Imam | 11-01-07, 04:33 AM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | عبدالله الشقليني | 11-01-07, 08:10 AM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | sanaa gaffer | 11-01-07, 12:52 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Tagelsir Elmelik | 11-01-07, 05:11 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | abubakr | 11-01-07, 07:17 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Salah Al Imam | 11-02-07, 03:16 AM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Salah Al Imam | 11-02-07, 03:43 AM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | abubakr | 11-02-07, 04:44 AM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Tagelsir Elmelik | 11-02-07, 11:48 AM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | abubakr | 11-02-07, 12:04 PM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | mamkouna | 11-03-07, 07:42 AM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | abubakr | 11-03-07, 10:33 AM |
Re: كريستال سيتى و كرتون مايو..فن العمارة السريالية | Tagelsir Elmelik | 11-03-07, 06:52 PM |
|
|
|