|
Re: سَنةْ الجّحَمّ-من مذكرات فاطنة تمر السوق. (Re: محمود الدقم)
|
(2) وفاطنة السّمحة، اكسير سر الحياة، نسمة الروح المُعنّي، الكلام السِمعِنا فوّكا دا شنوه؟
روَث الابقار والحمير والغنم، تهنّدس الى وقود للطهي بدل الفحم والحطب، وبليلة الذُرة وِرِِد يومي للقوم، وحميدان وتور الخلا، وحماد ودابي الليل، يحجّون بالبعير والخيل ثلاثة ايام كل شهر نواحي مدينة بُرام لصيد الغزلان والارانب البرية، شجر العُشر استعصم باساور (حِيشان) القرية يُقاسِم النّاس الضّنك والغمّ، وحجر ترفعه تجد عقرب تتلوى من الجوع والقحط تحته، الا ازيرِكّا، تاجر السلاح، يهرّبه الى (ام دافوق) حيث تجار البنقو، او الى بحر الغزال لا يهتم بمصيبة اهل الديار كثيرا او تفاصيل سنة الجّحَم، مرددا عبارته العتيقة (الله بفرّجّا ام باكر).
حتي جاء ذلك اليوم الذي ذابت فيه اظلاف البقر، وقت الظهيرة، صلوا على كلتوم ام على السبعينية صلاة الجنازة ودفنوها لم يبكي عليها احد الا بنتها امبخوت، وشجر الطلح ثمد على شفا الجرف، فكل سبعة ايام يسافر اثنين او ثلاثة الى الاخرة، في ذلك النهار الكل ينقّب عن ظل يستظل به من الهجير، كان الناس يتحلقون حول (الفكي) اسماعيل يحدثهم بضرورة اقامة صلاة الاستسقاء (ام باكِر كُلكُو جميع، تجو للصلاة، نمرق بطن الدّالايه، نلبسو هدومنا بالقلبه، عيال نسوان عجايز العنّدا بقرة او سخل او عتوت يجيبا معا، نصّلو وندعو الله الكريم يجيب المطر والغيث، والبسوي ربُنا كُلو خير) انقشعت سحابة من غُبار، وراء الاكمّة بين الجّبلين، التفت الناس صوبها، ظنّو الرحمة قد حلّت بهم اخيرا، صافحوا بعضهم من شدة الفرح، وطفرت دمعات ساخنات غسلت الماقي المتربة، وتنهّد الجميع مستبشرين، كان الغبار من عل البعد يدل على اثار شاحنة عيسي ود فهيم، جاءت محملة بذرة الماريق او الدّخُن وتقدمتهم فاطنِه تمر السوق، زحف الكل وراء فاطنة بأمل ورجاء اخير، كقافلة ضالة تتبع نجمة في ديجور، سبقتهم ببضع امتار ثم غفلت راجعة يعتصرها الالم قالت لهم بصوت كأنه منبعث من قعر بئر: -لالا.. لالا.. دا ما لوري عيسى، فصفعها اجبر بشارة (ابوها) الذي خرج لتوه من القُطيّة امام الناس قائلا لها (كان بقي عيسي الجينغاي دا، اخر الرُجَال، في الدنيا، يحرم عليكي بت الحرام) مسحت خدّها وابتسمت، واندّست من بين الرواكيب، لتؤدي تراتيل طقس البُكاء اليومي.
|
|
|
|
|
|