كان (وأقول ليت لي يا عازة جناح أحاكي الطير كنت أقصد حيك ولي رباك أطير وأتخلّص، إلى الأبد، من أسى هذه الكلمة). على أي حال، كان جدودي وأعمامي وأخوالي وإخواني (وهم أيضاً خِلاّني)، بقرية ود الكاشف ناحية أم شانق بشرق الجزيرة، غالباً ما يتناولون وجباتهم في جماعة تكاد تصل إلى وصف العشيرة و"غالباً" هذه تتحوّل بقدرة قادر إلى "دائماً" في حالة وجبة العشاء ودائماً ما يأتي جدي لأبي (أمحُمَّد ود فضل المولى، وعندهم ود فضل المولى بَسْ) متأخِّراً لهذه الوجبة ودائماً ما يُلقِي على مسامع القوم (من منتظريه على أحرّ من ملاح الشرموط الكان حار ورقد موية): راجيني أنا؟!...أدنوا...أدنوا (أي اشرعوا في تناول عشائكم)
لكنّ أمل المرحوم رونالد ريقان في "رَجَيان" الحكومة أقلُّ بكثير من أمل منتظري المرحوم جدّي في أن يغيّر عادته و/أو الكليشيه المرتبط بها. بل يقال أن ريقان قد أقنع (أقـ...نع) الأمّة الأمريكية بأنّ تسع (9 يا أخوي تِسعى في الخير، قول آمين) كلماتٍ باللغة الانجليزية هي الأشدُّ إثارة للروع (روع المواطن المغلوب على أمره) وهي: I'm from the government and I'm here to help
أمّا عندنا، فإذا سمعت هذه العبارة فتحسّس مسدّسك أو بندقيتك أو عكّازك أو سكينك وقيل سيفك عديييل* وصحّي الجيران فهنالك من هو على وشك أن يصلب على عمود النور. مين؟! حكومتنا؟! يا دي النور...يا دي النور! ومافيش "يا قدعان" بأه، هِه! حليل أيّام كان في جدعان وجديان.
خُذ عندك مثال مأساة بنتنا سناء وما سُكِب من حبر في العجب من أمر الحكومة ومؤسّساتها الرسميّة وغير الرسميّة التي تبذل الدولار...الدولار والذهب لكنّها تعاف أن "تساعد"، هي "تساعد" إذن!، فتاة لا حيلة لها لا حيال سبب مأساتها ولا حيال أثر تلك المأساة. هسّع دا يتسمّى شنو ويتفهم كيف بالله عليك؟! غير مفهوم اطلاقاً، اللهمّ إلا من باب أنّه دعمٌ حكومي لمقولةٍ بمسلسلٍ مصري: نحنا ما عندناش بنات يشاوروها ف قواز! بعدين الحكومة الراجينّها دي ما سمعت أبداً بما يسمّى بالعلاقات العامة؟! وألاّ ما عندها مزاج تعمل علاقات (من أي نوع) مع مواطنيها!
الحكومة ظالمانا ومرضرضة عضامنا ولم يدّخر حكّامنا، على مرِّ العصور، ما في وسعهم من حِيَل لاقناعنا أن نقول عند ذكر الحكومة: قِنِعنا منّها ظاهراً وباطناً وقرباناً أن تحِلْ عن سمانا. سِمِعنا وفات أضانّا بي غادي، أها ما العمل؟ الجهر بالسوء؟!
خلّونا "نشوف" الحكاية دي في موضوعنا التالي، إن شاء الله، وفيه: على ذمّة محمد حسبو، صدق البريتونوودزيون وإن كذبوا!
* كُنتُ شاهداً إذ حضرَ أبي العاملون على الزكاة يظهرون أنّ سبب زيارتهم هو أن "يساعدونه" في إعلاء شعيرة الزكاة ويضمرون ما يضمرون. كانت تلك "المساعدة" تتمثّل في أن يُخرج أبي زكاة ما حصد من ذرةٍ زرعها وحده وعلى أرضه وسقاها بماءٍ من السماء ساقه ربُّ العالمين له (ولغيره) فكان أن حشَّ عنها الحشائش حشّاً مرّاً وحشُّ "كديب" وخاض في الوحل ليقلِّع القش أوان تعذّر الحش ورعاها حتى لبّنت وما أدّاها الطير بل وقف، حتى تورّمت قدماه، يطرده حتى حصدها. ثمّ هو، أصلاً، أخرج زكاتها، بالفعل، طوعاً وطاعةً.
لقد جادل أبي الزكويين جدالاً لمست فيه الغُبن الذي هو أقرب لأن يؤدي إلى تحسّس ما ذكرتُ من أسلحة لكنّ عمّال الحكومة حسموا الأمر بالتهديد بأنّهم سيأتونه بالبوليس (أي، بنادق وسناكي السلطة التي لا تنفع معها عكاكيز وسكاكين الغُبُش المساكين) ولم يشفع لأبي قوله: هو نحنا راجينّكم لامِن تجونا حِتين نمرق "حق الله"؟! ما مرقناهو في تقاتو! وفي حكاية أن "يمرق" المزارع "حقّ الله" في تقاتو قراءة شعبية والتزام بقول الحق صاحب الحق "...وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ..."
حقّاً "يا زول مافي داعي للكلام الكتير"! فقد اضطر أبواتي وأمّاتي ممّن زرع وحصد في ذلك الخريف، وفي كلِّ خريف، أن يُعطوا ذلك الخراج عن يد وهم مقهورون وليس بيدي من خراجٍ أواسيهم به إلا القول أن أحسنتم! فإن الفيل يسحقكم إن أنتم هممتم بطعن ظلّه وإن كان لكم أن تتحسّسوا أسلحتكم فإنّ ذلك بسبب عمايل الـSheriff وليس بسبب عمايل Some Deputy
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة