تعالوا شوفوا الدهب المجمر ال من جبال شنقول = توجد صور

Quote: عبد الحميد البرنس [email protected] قبيل الاستقلال،جاء وفد من "بني شنقول"،وطلب من المرحوم مبارك زروق ألايعلنوا الاستقلال قبل مناقشة "وضع بني شنقول"،لكن الحيرة غمرت السياسي المخضرم، عندما تساءل قائلاً: "و لكن أين بني شنقول حتى نناقش وضعها هذا "، ثم مضى كل إلى غاية مختلفة . ولم يكن تساؤل زروق هذا وليد فراغ ، هو جزء من خبث السلطة حين لا تريد والعكس ،لا بل هو جزء من إشكالية معرفية ذات صلة واهنة بالواقع ، أكثر مايتميز بها نخبة العالم الثالث إن وجد الآن ،لا بل هو جزء من جهل متعمدى بالوقائع إذا كانت قريبة من الشعوب ،أو أبعد من مقاعد الحكم و السلطة، ولعل ضحكة الأزهري هنا وهو يرفع العلم ضاحكاً ،وقد بانت ضروسه ،لا تخرج عن معنى عبارة صاغتها الأزمنة اللاحقة ،وهي:" قوام .. أمشوا بسرعة يا جماعة الخير الانجليز ... خلونا نحكم أنحن كمان". الآن الآن، الجنوب قد يكون على وشك الانفصال،ولم تتغير ملامح الصورة المتكونة في مثل ذهن زروق بعد، إذ ظلت النخبة الحاكمة، سواء في عهد " عسكر " أو " الديمقراطي البليغ" أو غير ذلك من أشكال البؤس المخيم،تؤكد بالحاح غريب على أن بني شنقول " سودانية مية المية" ، مع أن الواقع يؤكد منذ أكثر من قرن أنها " أرض سودانية ترزح تحت نير الأحباش " ، و النخبة هنا لا تريد أن تصاب ب " وجع رأس إضافي "، وهي بذلك أشبه بصاحبنا "البطيني " أشعب، أطلق كذبة وصدقها. لقد حدث هذا حقاً ،عندما أخبرتنا كتب التاريخ المدرسية الرسمية ،وعلى مدى أجيال متعاقبة، أن محمد على ياشا قد فتح السودان لسببين رئيسيين : الحصول على الرجال و الذهب من جبال بني شنقول، لكن تلك الكتب ذات الاحترام الهش والرصانة المبتذلة لم تخبرنا أبداً أن بني شنقول لم تعد حقيقة واقعية بقدر ما هي واقعة تاريخية لا أثر لها البتة داخل الحدود السياسية الحالية للسودان، كذلك وعلى فترات غدا السودان في ظل رعاية هؤلاء القادة الأفذاذ مثل ذلك المريض، يفقد من جسمه وأطرافه شيئاً فشيئاً، كذلك ضاعت حلايب وجبال عوينات وحلفا القديمة، بينما ابتلعت كينيا نحو المئتي كلم،وقد هضمت بحيرة أدلف تماماً،ودارفور على الطريق. يا إلهي ، يا إلهي يا إلهي، من أية طينة خلقت هذه الأشكال من السادة و القادة " المرطبين " ، فالوطن يغرق ، شباب يتآكل كل يوم ، وثمة نسوة يبعن ذلك الشيء ب " نص طحنية " ، بينما لعبة تبادل الكراسي تجري ، وبذات الحماس الأول، بين " معارض" و"حاكم"، على خلفية ذلك النشيد الحزين : " الشهداء هم وقود الحياة المترفة للسادة الأماجد" الأحاسن الأشاوس، ولا عزاء لبني شنقول، تلك القطعة العزيزة من أرض الوطن ، استأجرها الأحباش من الانجليز بعد نهاية حكم الخليفة عبدالله رضي الله عنه عام 1898 لمدة 25 سنة ، وذلك بغرض نهب الذهب مناصفة ، وهو ما تحول بمرور الوقت الى استعمار حبشي استيطاني بغيض، ولعل في وثائق طرف الأستاذ السفير يوسف حامد زعيم حركة تحرير بني شنقول ما يلقي المزيد من الضوء هاهنا. 1957، هل فقدنا ( قمبيلا ) أيضاً ، في ظل أول حكم حلمنتيشي رشيد ، إذ أن الزعماء الأماجد كانوا يتبارون وقتها أسفل قبة البرلمان فيمن هو أكثر اتقاناً لتراث البلاغة العربية القديمة ، على غرار " الخيل و السيف و البيداء و عنبر جوده يعرفني " ، مع أن المتنبي قد دفع حياته ثمن هذا البيت ، إلا أنها حقاً " نخبة عنيفة في أقوالها ...... مسالمة في أفعالها " ، على حد تعبير فانون . كانت بني شنقول احدى علامات المملكة الزرقاء ، أو مملكة الفونج ، حكامها ( أبان قرون ) ، وهي تقع في شرقي البلاد ، متاخمة ل" ولايات " القضارف – الجزيرة – النيل الأزرق وأعالي النيل ، تحدها دولة إرتريا شمالاً، بينما تجاورها في الجنوب و ( ولاية قمبيلا ) بمتوسط عرض 200 كلم مربع داخل الأراضي الأثيوبية، ومساحتها الكلية تقدر بحوالي 250 ألف كلم مربع ، و عدد سكانها نحو الثلاثة ملايين نسمة ، منذ العام 1898 تم قتل و سجن و تشريد نحو المليونين منهم الى ( السودان )، و لعل الزعماء الأماجد ، الذين تعاقبوا على حكم الخرطوم ، لا يعلمون شيئاً عن شهداء ذلك الجزء العزيز من أرض الوطن ، من أمثال القائدين الحقيقيين عبد الباسط حمد النيل و بابكر قولو ، و تلك العروس الحبلى التي بقر الأحباش بطنها بحثاً عن زوجها المناضل. وبني شنقول يقطنها قبائل سودانية معروفة ، فهناك الخناقية ، كيف و لا ، و شنقول نفسها تعني في اللغة الدنقلاوية النهرية القديمة ( بلاد الذهب ) ،إلى جانب البديرية و البرتا و القمز و الركابية و الفونج و الشوايقة و الماو الجعليين و الكوما و المغاربة و الشناقيط و غيرهم ، و إلى الآن لاتزال غالبية هؤلاء متمسكة بعادة ( الشلوخ ) ، فهي و إن كانت مؤلمة ، إلا أنها في عرفهم أخف وطأة من أن يقال لهم أحباش ، نحن هنا لا نلقي بظلال عنصرية بغيضة ، بقدر ما نشير إلى مفهوم الهوية، حتى أن الرئيس الأثيوبي السابق منجستو،عندما زار ( أصوصا ) عاصمة بني شنقول في أواخر أيامه لأول مرة ،قد صدم تماماً عند لقاء تلك الجماهير ، حيث التفت الى قائد طائرته قائلاً : " هل ضللت الطريق إلى مدينة سودانية " ؟!. "و لكن أين بني شنقول "، ذلك سؤال زروق البائس، فهي آنذاك مستلبة و لا تزال ، وليس كما تزعم الكتب المدرسية الرسمية المبتذلة مرة أخرى ، و من المؤسف حقاً أن يدرك المرء في وقت متأخر أن تاريخه في كثير من الأحيان قد قام على أكذوبة، ولكن مجرد الإشارة إلى ذلك يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة و الصدق و الصبر أمام ما يدعوه البعض ( صفوف المجابهين )، أولئك الذين تبدو حركتهم ، في ظل الأوضاع السياسية المتصاعدة الآن ، مثل البط "يحاول الركض حتى بعد قطع رأسه " ، و لا عزاء لبني شنقول ، سوى التأكيد على مراجعة التصورات الاجتماعية و السيلسية السائدة ، أو الدعوة بكل قوة إلى بروز قوى جديدة تلتقط الخيط الدال على حركة التاريخ، قبل أن نهتف،في الثواني الأخيرة ، مع علي الحسن مالك ، أو الرشيد بدوي عبيد ، قائلين : " اصح يا بريش "