|
ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟
|
حديث المدينة الاسبوعي
حالة كونك «اسلامياً» .. !! بقلم : عثمان ميرغني
من المدهش - حقا - انه رغم أن الاسلاميين هم الذين يحكمون السودان الآن .. إلا أنهم الأقل قدرة علي النطق جهراً بمكنونات أنفسهم فيظل الكثير محبوسا بين صدورهم تغلفه الأحاديث الهامسة في مجتمعاتهم، وعندما أقول هنا "جهرا" ..فأقصدها بكل معناها ، فرغم أن الدولة يسيطر عليها الاسلاميون حاليا إلا أنهم هم أنفسهم يعانون من كبت كبير في قدرتهم على النطق بكثير من هواجسهم وقلقهم..بل أكاد أجزم أن الدولة نفسها مهمومة بهواجسها من الاسلاميين أنفسهم أكثر من أية مجموعات سياسية أخرى،فبينما لا تضم المعتقلات حاليا أي معتقل سياسي من أي حزب آخر فإنها تحبس خلف جدرانها عشرات الاسلاميين من مجموعة الدكتور الترابي الذين تفترض أنهم الخطر الأكثر رهبة.
من قوى ضغط .. إلى ضغط القوى ..!! بعد أكثر من (13) عاماً من السيطرة على مقاليد الحكم في السودان يقف الاسلاميون على شواهد التجربة على تلال النتائج العملية التي وصلت اليها ،فبينما ترى الغالبية أن نموذج الدولة الكائن حاليا لا يطابق المواصفات التي ظلت ترسمها شعارات الاسلاميين خلال عقود من تطور حركتهم ،يرى البعض الآخر أن ما تحقق هو أقصى ما سمح به الواقع العملي ، وليس في الإمكان أفضل من ما كان.
والواقع، أن الحركة الاسلامية التي قفزت منفردة الى السلطة في فجر الثلاثين من يونيو عام 1989 ، رغم انها كانت في السابق قوى ضغط سياسية مقدرة ومحسوبة في المسرح السياسي السوداني إلا انها فشلت في الانتقال من تنظيم حزبي عقائدي محصور إلى دولة بكامل قوامها المؤسسي ، ولا أدل على ذلك من القرار الذي اتخذه الاسلاميون قبل عامين باستعادة "الكيان الخاص" للحركة الاسلامية بعد أن تم حله قبل سنوات بواسطة الدكتور الترابي. لقد تكالبت على الاسلاميين مخاوف مواجهة المجتمع بانفتاح كامل فارتدوا مرة أخرى يبحثون عن الأدوات التي كانوا يعملون بها قبل وصولهم إلى السلطة، عندما كانوا مجرد تنظيم صفوى مترابط عضويا.
بينما يسيطر الاسلاميون على كامل مفاصل الدولة منفردين واتيح لهم خلال (13) عاماً اعادة صياغة كثير من مفردات الدولة والمجتمع في السودان ، ظل الاحساس والوجدان الداخلي يتعامل بمنطق التنظيم محدود العضوية الذي تسيطر عليه فكرة التنافس مع الكيانات السياسية الأخرى ويعمل بكل جد لاقصائها واضعافها بكل ما تيسر.
وعلى هذه الحالة لا تزال تسير الدولة حتى اليوم ، وهي من ضمن ما اثاره حضور الندوة التي أقامتها هيئة الأعمال الفكرية في الخرطوم في 11 أكتوبر الماضي ففي مداخلاتهم وصف أحدهم الدولة بأنها تخضع لسيطرة بضعة عقول تقلبها ذات اليمين وذات اليسار .
رجس من عمل الشيطان .. فاجتنبوه!! سألتُ في احد اللقاءات الخاصة د. غازي صلاح الدين ،هل من الممكن أن ينضم الي حزب الأمة - مثلا - ..وعندما أبدى استغرابه من السؤال ، قلت له بواقع الحال وبافتراض أن الدولة نفسها صارت "اسلامية" فذلك يعني تلقائيا أن كل مفردات هذه الدولة هي "اسلامية" نالت تصديقا وترخيصا بأنها جزء من مكونات الدولة الاسلامية الام .. ويصبح بذلك لا فرق بين حزب المؤتمر الوطني أو حزب الامة أو حتى الحزب الشيوعي .. طالما انها احزاب علنية تعمل في الساحة السياسية الرسمية وفق الدستور والقوانين التي ارتضتها الدولة "الاسلامية!!" .
لكن إذا نظرت الدولة "الاسلامية!!" إلى الأحزاب الأخرى باعتبارها رجساً من عمل الشيطان "فاجتنبوه!!" وبذلت كل مكرها لاضعاف وتفكيك هذه الأحزاب واقصائها عن العمل السياسي، فإن هذه الممارسة تصم الدولة بأنها ما خرجت من ثوب "التنظيم الاسلامي" المحدود بأطره الحزبية الضيقة شبرا واحدا . بل هي محض تنظيم وحزب يتنكر في ثياب الدولة.
أما من المنظور المؤسسي الهيكلي فقد عجزت الحركة الاسلامية بعد تقلدها الحكم عن الخروج من جلدها الحزبي المحدود إلى فضاء الدولة والمجتمع المفتوح الذي يصوغ في النهاية حركة متباينة الفكر لكنها متسقة الوجدان والأهداف ، لبناء دولة معاصرة قويمة.
حالة كونك «اسلامياً» ..!! أما من المنظور الفكرى المحض ،فقد إلتبس على الدولة "الاسلامية" في ضجيج الشعارات والأدبيات الثورية الجامحة التمييز بين الاجراء الشكلي المظهرى و المضمون الجوهرى . فأصبح "الدين" في كثير من مظاهره طقوسا واجراءات شكلية تتجاوز المضمون الفكري أو المعنوي المقصود منه . مما أدى لزيادة المساحة الفاصلة بينه والحياة المدنية العادية. ففي كثير من السلوك الاجتماعي اليومي العادي وقر في ضمير المجتمع أن المسلك "الديني" رهين بتوفر اجراءات شكلية تمنحه "رخصة" كونه مسلكا مطابقا" للمواصفات والمقاييس" الاسلامية الرسمية.
لم يعد المواطن الصالح هو ذلك المواطن الذي يمارس نشاطه اليومي الحياتي وفق الاستقامة الطبيعية في مسلكه ، بل هو المواطن الذي يجتهد في البحث عن المعايير الشكلية التي تثبت أنه "مستقيم" خاضع لكل المعايير التي تتطلبها الدولة حسب منظورها الفكري للاستقامة .وتحول بذلك المجتمع إلى "متهم كبير" عليه واجب البحث بكل همة عن أدلة البراءة من التهمة الموجهة اليه.
فالفتاة في الشارع العام متهمة في شرفها حتى تجد الدليل المادي الذي يؤكد أنها "بريئة" بأن تضع على رأسها خماراً أو تلبس ثوباً "بمواصفات ومقاييس" رسمية. والموظف في الدولة مشكوك في ولائه "للمشروع الحضاري" إذا لم ينجح في استخدام مفردات لفظية تؤكد استيعابه للقالب الفكرى الذي تقوم عليه الدولة ، أو مسايرة الشعارات التي تطرحها الدولة من خلال خطابها السياسي العام.واقع الحال لا يعترف باستقامة الممارسة الشخصية أو الرسمية إذا لم تحظ - أولا - بالمظهر الشكلي الذي يؤكد انها تمارس على "مواصفات ومقاييس "رسمية محددة.
وهذا ما سهل على كثير من الانتهازيين الوصوليين تسلق أسنمة الدولة متخفين بالمظهر الشكلي - السهل - الموافق لشعارات الدولة . بينما تساقط الكثيرون من اصحاب النوايا الصادقة نحو وطنهم لمجرد أنهم فشلوا في منافقة المظهر الشكلي الذي تتطلبه معايير "أسلمة المجتمع " الشكلية .
العدل أساس الملك ..!! وفي غياهب هذه النظرة المغلقة باحكام ، سقطت أهم مقومات الدولة "المستقيمة" ، العدل ،الذي هو أساس الملك . العدل بكل مفرداته الشاسعة المتمددة من اقامة الحق على النفس أولا قبل الآخرين مهما كانت نتائجه وخيمة "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا .. أعدلوا هو أقرب للتقوى .." فالعدل قيمة مطلقة مجردة من أية حسابات للربح أو الخسارة . لكن في كثير من الأحيان تبدو الدولة "الاسلامية!!" وكأنها تخشى على الاسلام من مخاطر "العدل" .. فتزوِّر في الانتخابات وتتلاعب بنتائجها , و تحبس المعتقلين السياسيين حبساً مطلقاً بلا حدود دون توجيه تهمة، وتأخذ بالشبهات وتبني عليها أحكامًا قطعية.أضعف أركان الدولة القائمة في السودان هو العدل ،رغم انه القيمة الأولى التي يحض عليها الاسلام ويطالب بها بإلحاح.
في ذات الندوة الفكرية المشار اليها ،وقف أحد رجال الأعمال الاسلاميين وقال في حسرة وهو يعدد مثالب الحكومة أن رجال الأعمال الاسلاميين خرجوا من "السوق" وزُج بهم في السجون بينما سُمح لغيرهم ممن أتي بهم "الأمريكان" أن تتكاثر اموالهم وتنشط تجارتهم وذكر بعض الأسماء لكبار رجال الأعمال السودانيين. ورغم أنه كان يتحدث في مقام نقد للحكومة "الاسلامية" إلا أنه عكس من عمق ال (لا) شعور الخطأ الكبير الذي يعترى ضمير الاسلاميين في نظرتهم إلى الحكومة باعتبارها "حكومتهم!!" وليست حكومة الوطن .. حكومة عليها أن تراعي مصالحهم قبل مصالح الوطن .. بل حتى رجال الأعمال قَسمهم إلى نوعين .. (اسلامي) يجب أن يعلو بصورة مستمرة طالما أن الحكومة "حكومته". و(آخر) بالضرورة خلقته القوى التي تضاد الاسلام ويشار اليها بالرمز (أمريكا) .. التي يُستخدم اسمها عادة لوصم الآخر بعداء الاسلام وهو اتهام يقبله الضمير الاسلامي بدون تردد ودون مطالبة صاحبه تقديم أدلة تثبته.
وللتدليل علي أن اعتساف العدل هنا قائم على أساس فكري وليس تكتيكياً، أنه في كثير من الأحيان تتردد عبارات تربط وجود الاسلام في السودان ووجود حكومة الانقاذ في السلطة، وتعتبر أن زوال هذه الحكومة يتبعه زوال الاسلام عن السودان. وهو مفهوم احتكارى يلغى تماما كل الدائرة الكبيرة في المجتمع السوداني التي تقع خارج الدائرة الصغيرة لتنظيم الحركة الاسلامية.
ماذا .. لو ؟ ..! سؤال كبير يحاول الاسلاميون تفادى مجرد التفكير فيه .. ما الذي يحدث للمجتمع السوداني والدولة إذا جاء إلى دست الحكم حزب آخر غير المؤتمر الوطني أو الشعبي؟ (الوطني والشعبي هما قالب فكرى واحد وخلافهما قائم على مفردات السلطة وحدها ولا يميز بينهما الإَّ أن أحدهما حاكم.. والآخر معارض ناقم على ازاحته من السلطة).
إذا طُرح هذا السؤال بجدية في ضمير الحزب الحاكم والاسلاميين عموماً ،فإن كثيراً من الأسس الفكرية التي يقوم عليها مسلكهم السياسي العام ستتغير بصورة جذرية ،فأكبر معضلة تكبل تفكير الاسلاميين الآن ،أنهم يفترضون سرمدية بقائهم في الحكم.
لو طُرح هذا السؤال بجدية ، لاستثمر الاسلاميون في تقوية الأحزاب الأخرى بدلا عن العمل بجدية على تحطيمها وتقويض أركانها.فالأحزاب هي مكونات وعناصر العمل السياسي العام في الوطن وبقدر ما تضعف يضعف الوطن. وبالمنطق الاسلامي الرشيد فإن اصلاح هذه المكونات يخدم الاهداف الكلية التي تسعي اليها الدولة الإسلامية الرشيدة .وبهذا المنطق فإن انتقال المواطن من حزب إلى آخر لا يجعله في حكم "المرتد" عن دينه المفارق للجماعة،بل مجرد مفاضلة بين برامج وخيارات عملية في بناء الوطن .. وبهذا المنطق - أيضا - فإن أي حزب يصل إلى السلطة لا ينقض من عرى "اسلامية" الدولة بالمعني الواسع للاسلام .حتى ولو كان هذا الحزب هو الحزب الشيوعي نفسه.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | Abomihyar | 11-21-02, 03:56 PM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | مهيرة | 11-21-02, 10:10 PM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | Abomihyar | 11-22-02, 05:48 AM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | degna | 11-22-02, 06:29 AM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | Abomihyar | 11-22-02, 06:44 AM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | مارد | 11-22-02, 07:15 AM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | Abomihyar | 11-22-02, 08:46 AM |
ماذا قال | mohmmed said ahmed | 11-22-02, 07:23 AM |
Re: ماذا قال | Abomihyar | 11-22-02, 09:18 AM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | zumrawi | 11-22-02, 04:39 PM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | Abomihyar | 11-23-02, 01:21 AM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | nadus2000 | 11-23-02, 01:26 PM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | MXB6N | 11-23-02, 10:10 PM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | Abomihyar | 11-23-02, 10:39 PM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | رقم صفر | 11-24-02, 03:30 PM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | Abomihyar | 11-24-02, 10:14 PM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | nadus2000 | 12-12-02, 09:06 PM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | wadsolfab | 12-13-02, 00:18 AM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | Mandela | 12-13-02, 10:12 AM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | zumrawi | 12-16-02, 01:39 AM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | Abomihyar | 12-16-02, 07:09 AM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | Abomihyar | 01-18-03, 03:13 PM |
Re: ماذا يقول هذا الاسلامي عن دولة الانقاذ الاسلامية؟ | Elmosley | 01-18-03, 04:29 PM |
|
|
|