|
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه (Re: رأفت ميلاد)
|
ألصقت وجهى بالنافذه مراقبآ تسـاقط الجليد كريش الحمام الأبيض الناصع . بدأ قليلآ وزاد فجأة فى كميته وسرعته . فتحت النافذة قليلآ وكأنه كان ينتظر إنهمر الى الداخل بقوة . قفلت النافذة بشـدة وعدت الى الخلف كأنى تعرضت الى هجوم خاطف . تبلبل وجهى بقطرات ندى مسـحتها بيدى . وعدت ولصقت وجهى مرة أخرى أنظر الى الخارج .
كنت فى الخامسـة عشرة من عمرى وأنا أسـافر أول مرة بالقطار وحدى . عهد والدى بى الى أسـرة لا يعرفها برعايتى أثناء الرحلة. تقبلوا ذلك بكل ترحاب . إمتعصت لذلك وأنا أحس بأن رجولتى قد خًدشـت . جلسـت معهم بنفس (القمرة) .
كانت أسـرة من رجل وزوجته ووالدته ولديه طفلتان . إحدى الطفلتان فى حوالى التاسـعة من عمرها . تكثر من الحركة والسـؤال وكثيرة التذمر. شـعرت نحوها بالغيظ وتولدت بى الرغبة فى إيذائها . لم أحتمل وجودى فتزرعت بذهابى الى الحمام وهربت الى عربة أخري من القطار .
لم أجد مكان للجلوس فوقفت ملتصقآ بالنافذة أحدق فى الرمال على مد البصر . عند المسـاء وأنا ألصق وجهى بالنافذة أظلمت الدنيا من حولى وكأن ظل عملاق قد غطى الكون فجأة . بدون تفكير جذبت النافذة الى الأسـفل . إختلط صرير القطار مع أزير الرياح وإندفع الى الداخل دخان كمارد خرج من القمقم لتوه ولم يجد طريقآ له سـوى عبرهذه النافذة . قفزت الى الخلف مفزوعآ وتعالى الصياح من حولى مخلوطآ بعبارات غاضبة . إندفعت هاربآ وأنا أفرك عيناى بكلتا يداى . إصتدمت بشـخص و أنا أركض و لا أري أمامى . جائنى صوته معاتبآ : ( أين أنت يا بنى لقد بحثت عنك كثيرآ) تبعته دون أن أرد وأنا لا أزال أعالج عيناي .
طاف بى كل ذلك وأنا أمسـح قطرات الماء من وجهى . فتحت الباب فكان الجليد لا يزال منهمرآ . تقدمت خطوات حتى صرت تحته تمامآ وتوقفت بتلذذ أراقب المارة المسـرعين أمامى . مرت أمامى إمرأة حسـبتها تخبئ طفلها تحت ملابسـها متعثرة فى سـيرها . ولما إقتربت منى وجدته كلبها . عدت الى داخل المنزل وأنا أبتسـم وأهز رأسى . ذهبت الى (الثلاجة) للمرة الثالثة . صرت أنظر داخلها أتحسس الأشـياء بيدى إهتمام . قفلتها وذهبت مرة أخرى الى النافذة . كم أنا جائع ولكن نفسى تأبى الطعام .
لم تكن السـيدة الكبيرة مرتاحة لوجودى أو هكذا تخيلت . عندما هجد الجميع أخذت حقيبتى وتسـللت خارجآ . كنت أحس أنها تراقبنى ولكنى لم أهتم لذلك فكنا متفقين على أن أذهب. ذهبت الى عربة أخرى بعيدة وبالقرب من الحمام قضيت ليلتى نائمآ على الأرض .
صحوت باكرآ مع حركة متعمدة من إحدى السـيدات تريد الدخول الى الحمام . أخذت حقيبتى وذهبت الى مكان آخر . أحسـست بالجوع فذهبت الى (السـنطور) . قابلنى شـيخ جليل وأخبرنى أن أعود بعد سـاعة زمان فالإفطار له مواعيد . وجدت نافذة مفتوحة وكان الجو صحو . أخرجت رأسـى أملأ رئتاى بالهواء النقى . أبطأ القطار فى السـير مرورآ ( بمحطة ) صغيرة يبدو أنه لا يتوقف عندها .
رأيت من البعد جمهرة من الناس . مددت رأسى خارج النافذة ترقبآ والقطار يقترب منهم . كانوا فتية وفتيات يطاردون القطر الذى يسـير متمهلآ يبيعون أشـيائهم الى المسـافرين . إلتقت عيناي بفتاة جميلة تلبس طرحة بيضاء ولباس أبيض ووجه جميل أخذنى حتى الغيبوبة . كانت تجرى وعيناها معلقتان بعينى وتحمل مناديلآ بيضاء فى يدها إبتسـامة سـاحرة . إقتربت منى وهى تمد لى منديلآ . تعلقت به كالغريق وأخذته بكل جوارحى . وهى دون أن تتكلم لا تزال تعدو وتنظر إلىّ بإبتسـامتها الفاتنة . إزدادت سـرعة القطار قليلآ فتنبهت بأنى لم أدفع لها شـيئآ . أخرجت (محفظة) نقودى بإرتباك وأنا أنظر إليها بإنجزاب جارف فسـقطت من يدى (المحفظة) . جزعت وأنا أنظر إليها والقطر تزيد سـرعته . توقفت الفتاة وإلتقطت (المحفظة) وصارت تعدو نحوى . فرأيتها على البعد تشـير الىّ ورمت (بالمحفظة) إلى أحد المسـافرين بالقطر . أدخلت رأسى وصرت أعدو داخل القطر ولكن لم أعرف من أسـأل وماذا أفعل . ضاعت نقودى ولم أجد طريقى الى حقيبتى .
عدت الى غرفتى و إسـتلقيت على السـرير وأنا أفرك وجهى بقوة بيدىّ . كأنى أطرد الجوع الذى تنوء به بطنى . أخذت الهاتف وإتصلت بصديقى فى الجوار . جاوبتنى زوجته وأخبرتنى بأنه غير موجود ولكنه قد يأتى فى أى لحظة . أردفت بأنه خرج لإحضار خبزآ . ومتداركة قالت : ( تفضل معنا لقد طبخت اليوم (ملاح) بامية رااااااائع)
إنفجرت ضاحكآ بصوت مجلجل وهى تصيح ماذا هناك وأنا لا أسـتطيع التوقف من الضحك . تمالكت نفسى ومسـحت دموعى وقلت لها : (أنا فى طريقى إليكم )
يا له من يوم لا ينسـي . تعطل القطار فى قلب الصحراء . إفترشـت الأرض خارجآ مثل كل المسـافرين . غطيت وجهى بالمنديل الأبيض الذى لم أسـخط عليه بل أحببته . شـعرت بيد تربت على كتفى . وجدته ذلك الشـيخ الجليل ذو الوجه المريح . قال لى متسـائلآ : (لم تأتى للفطور يا إبنى)
أخبرته بصوت خافت بأنى فقدت نقودى . لم يسـألنى عن شئ وسـحبنى من يدى وأخذنى الى غرفته داخل القطار . أجلسـنى على طاولة صغيرة . ومن "ثلاجة" صغيرة أخرج (صحن) به "بامية" وقطعة من الخبز . إعتزر لى بإنه بارد قليلآ وتمنى لى شهية طيبة وخرج لكى يزيل الحرج عنى . كان أشـهى( صحن بامية) أكلته فى حياتى .
فجأة دخل رجل آخر تبدو عليه صرامة وضيق خلق شـديد . نظر إلىّ شـزرآ ونظر الى (الصحن) أمامى وفتح الثلاجة بعنف وصار يصيح بصوت عال وغاضب . (عصماااااان فين البامية الى كان هنا أنا كنت عايز ناكله)
تمنيت لحظتها لو إبتلعتنى الأرض وهرولت خارجآ وهو ينادى (تعالا يا إبن ... إهرق ..... أهلك)
أواصل ......
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-20-06, 12:29 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | محمد مكى محمد | 11-20-06, 01:35 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-20-06, 03:43 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | ابراهيم برسي | 11-20-06, 08:29 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-21-06, 11:12 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-21-06, 01:29 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | Muna Khugali | 11-21-06, 01:39 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-21-06, 05:54 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-22-06, 08:52 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-23-06, 08:43 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-24-06, 03:57 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-26-06, 01:55 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-29-06, 11:04 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-03-06, 05:28 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-06-06, 09:06 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-12-06, 07:41 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | محمد مكى محمد | 12-12-06, 07:48 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | محمد مكى محمد | 12-12-06, 07:58 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-13-06, 06:29 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-20-06, 05:38 PM |
|
|
|