|
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه (Re: رأفت ميلاد)
|
تخيل إلىّ سـماع طرق خفيف على الباب . أزحت الصحيقة من أمامى ونظرت إلى الباب بكل حواسى . لم يتكرر الطرق , ذهبت الى الباب مسـرعآ مشـككآ فى إحسـاسى . فتحت الباب لم أجد أحد . تلفت حولى وجدتها تحث السـير مبتعدة . قبل أن تغيب بإلتفاتة منها رأتنى . وقفت مترددة وقفلت راجعة . حتى بلغتنى كانت تسـير و هى تنظر على الأرض تتحاشى النظر إلىّ . أزحت لها الطريق وطلبت منها الدخول . إسـتنكرت ورفضت . وأمرتها حاسـمآ أن تدخل . دخلت وهى مترددة ووقفت فى منتصف الغرفة وبصوت متردد يشـوبه حزر وحرج قالت : (أريد أن أتكلم معك ولكن أرجو أن تتفهمنى)
طلبت منها الجلوس أولآ . جلسـت على حرف الكرسى ونظرت الى الأرض ويديها متشـابكتان كأنها ندمت على حضورها . دخلت الى المطبخ وتأخرت قليل عمدآ فى جلب زجاجتين من العصير . وجدتها جالسـة بدون تبديل فى وضعها . مددت لها زجاجة عصير فأخزتها فى يدها فى صمت . جلسـت على الكرسى الآخر أنظر إليها وهى مطرقة الى الأرض كأنها لا تعرف من أين تبدأ . بعد فترة صمت قررت أن أزيح الأمر تمامآ سـألتها حاسـمآ : (هل أنت مرتبطة ؟)
بإيماءة خجولة من رأسـها أشـارت بالإيجاب . إنتسـمت لها بود حتى أزيح الحرج من نفسـها . طلبت منها تناول العصير لكى نذهب معآ إلى منزلهم . وضعت الزجاجة على الطاولة وهبت واقفة . دون أن أتخلص من زجاجتى ذهبت معها نحو الباب . عندما أصبحنا خارجآ عادت إليها ثقتها قليلآ وسـألتنى ماذا سـأفعل . قلت لها أننى سـعيد بصراحتها وأتمنى لها كل خير . لم تكن مرتاحة قالت أن أختها سـتحزن كثيرآ . و إنها سـببت حرج كبير بينى وبين صديقى . هونت عليها بأن كل شـئ سـيكون على ما يرام .
عدت لمنزلى متأخرآ بعد أن تناولت طعام العشـاء معهم وزال كل الحرج . لم أدر هل كنت مرتاحآ أم كنت حزين . هى أخت زوجة صديقى . أتت فى زيارة قصيرة عابرة الى السـودان . كانت مبتعثة فى دورة تدريبة الى دولة تجاورنا. حلمت أختها بأن تبقى أختها بجانبها . وإتصلت بى بعد أن تداولت الأمر مع زوجها . لدى من العلاقة معهم خلال السـنوات السـابقة ما يزيل أى حرج . دون إعلام أختها عرضت علىّ الزواج من منها . راق لى الأمر تمامآ . وجدتها مناسـبة جدآ وكنت قد أحضرتها معها من محظة القطر لغياب زوجها ذلك اليوم . أعجبت بها كثيرآ أما الآن بعد أن فقدتها أحسـسـت بأنه أكثر من إعجاب .
شـعرت بحزن عميق . إنها الأنثى الثانية فى حياتى التى تمنيتها لنفسـها و ليس لنفسـى . كانت ليسـت فى كليتى . جمعنا جدال سـياسى بدار الطلاب . لم تكن المتحدثة ولم أكن . وصفت المتحدث بالبلاهة فوصفتنى بالغباء فوصفتها بأن رأسـها أجوف مثل الطبل . أرادت أن تصفعنى مسـكت يدها وحزرتها بقسـوة من تكرار ذلك وغادرت المكان .
بعد يومين وأنا خارج من إحدى المحاضرات وجدتها تنتظر على البعد تنظر إلىّ . كدت أهملها ولكنها أتت نحوى مباشـرة وبدون مقدمات خاطبتنى قائلة إنها هنا لتعتزر . أرتبكت قليلآ وهى فى ثبات تنتظر ردة فعلى . قبل أن أرد تابعت بأن ليسـت جوفاء . إعتزرت لها وطلبت منها مرافقتى إلى دار الطلاب لنناقش الأمر بهدؤ . رفضت بحزم وقالت هى تكتفى هكذا وذهبت .
فى اليوم التالى وجدتها تنتظرنى فى نفس المكان . ذهبت إليها مبتسـم بسـعادة . قالت لى إنها قبلت دعوة الأمس . ضحكت عاليآ وسـألتها مداعبآ ما هو الطارئ الجديد . وقفت ونظرت إلىّ بتحد وصوت واضح قائلة : ( إكتشـفت أننى أحببتك)
كان بقربنا مجموعة من الفتيات والفتيان . أصابوا بوجوم صمت مفاجئ أعقبه ضحكات عالية . إحدى الفتيات نادتها بإسـمها بإسـتنكار لا يخلو من إعجاب . عرفت إسـمها من هذه الصرخة . سـحبتها من يدها بعيدآ وأنا أعنفها واصفها بالمجنونة . تابعتنى مسـتنكرة وصفها بالجنون لأنها صرحت بأنها تحبنى . فجأة نزعت يدها من يدى بقوة وتوقفت صائحة بغضب : ( لماذا تسـخر منى .. لم أسـمع جوابك .. هل تحبنى ؟)
إنتفى خيار النفى فصحت بغضب : (نعم نعم .. نعم)
إسـترخت أسـاريرها ووضعت يدها فى يدى وواصلت سـيرها . كانت متوسـطة الطول وجمالها طفولى عزب . لا تضع مسـاحيق النسـاء . قوامها اللدن الرشـيق لا تطفى عليه أنوثة مفتعلة ولكنه يتمايل مع عفويتها برشـاقة وبهاء . متفوقة فى كليتها لدرجة النبوغ . أصدقائها وصديقاتها متعودون على أسـلوبها ولا يوجد من يسـتنكره . من مداعببتهم لها عرفت بأنى أول علاقة لها فى الجامعة طيلة الثلاثة سـنوات الماضية فى .
تعودت عليها وأحببتها بجنون . لم يضايقنى أو أحس بأى غيرة من علاقاتها مع زملائها عكسها تمامآ . كانت الغيرة تأكلها وأنا أخاطب إحدى الزميلات . سـحبتنى مرة من يدى بعيدآ عن الآخرين بخطوات واسـعة . ذهبت معها منزعجآ أسـألها عن الأمر . توقفت حيث لا يسـمعنا أحد وقالت : ( لم تقبلنى يومآ )
ضغت على يدها حتى تأوهت . قدتها خارج الأسـوار حتى صرنا وحدنا تمامآ وقبلتها بحرقة . لم تتوانى معانقتى بدون قيد . عندما تماديت تملصلت منى مبتعدة بجسـدها ولكنها تاركتآ شـفتيها آخر ما تسـحبه . عدنا والسـعادة تتملكها قالت مداعبة بدلال : (الباقى بعد الزواج )
وفجأة توقفت وسـألتنى بجدية بالغة : (سوف تتزوجنى أليس كلك ؟)
تلقفتنى خالتى من أمام الباب بين أحضانها فزعة وقادتنى داخل المنزل . بكيت على صدرها بحرقة وكنت أهذى و أوصالى كلها ترتجف كمن تملكته الحمى. أسـرعت بإحضار قرص من الدواء . إبتلعته وأنا أرتجف لا أدري كيف ولكنى إسـتغرقت فى نوم كله أحلام متشـابكة . رأيت أمى تبكى وجدتى تربت على ظهرى فى حنان وجارى بذبح إحدى بهائمه . زارنى كل الأموات . إسـتيقظت كأنى خارج من أعماق البحر . وجدت خالتى بجانبى . دفعت لى بكوب من الماء شـربته بكامله بدون أن أحس بطعم الماء . طلبت آخر لكنها تشـاغلت عنى وهى تداعب شـعرى بيدها وقالت : (من هى .. وكيف ماتت ؟)
تدفقت الدموع فى عينى وهى تحثنى بإلحاح على الكلام . قلت لها إنها زميلتى ماتت فى حادث فى طريق كوسـتى قبل يومين وقد علمت الخبر فقط اليوم . تدفقت دموعها وهى تحضنى عليها بقوة . ربما تذكرت زوجها الراحل قالت لى وأنا أدفن وجهى فى صدرها وقد عاودتنى نوبة البكاء : (من نحبهم دائمآ يمضون بسـرعة)
أقمت يومين مع خالتى لم تفارقنى فيهما لحظة . دلفت إلى الغرفة وهى تكمل لباسـها العسـكري الذي ترائى لى أنه زاد من قوامها طولآ . ظهرت السـنون قليلآ تحت أجفانها وشـعرها زينته رزمة من الشـيب الأبيض لا تتناسـب مع سـنها . قالت لى وهى تراقب سـاعة يدها بأنها مضطرة للذهاب الآن ولن تغيب . طمأنتها مودعآ بأنى بخير ولا تقلق حالها وسـأكون بإنتظاها .
نظرت الى صورة زوج خالتى على الحائط داخل بدلته العسـكرية بنظرته الواثقة يبدو جميلآ جدآ . تأملته بإعجاب كأنى أراه للمرة الأولى . تزوجت منه قسـرآ لإرادة والدها بل لإرادة أهلها وجيرانها وربما أصدقئاها . تقابلت معه فى السـلاح الطبى حيث تعمل ممرضة هناك . كان مصاب بكسر فى سـاقه فى معارك الجنوب الأولى . ُأخذ أسـيرآ ولم يتلقى العناية الطبية الكافية . عاد الى الخرطوم منخرظآ فى الجيش السـودانى بعد معاهدة السـلام .
تقرر كسـر سـاقه وإعادة جبرها الى وضعها الصحيح وكانت هى مطببته . تعلقت به وتعلق بها . تحول لدينها تزليلآ لإرتباطهم . رغى جدى وزبد وهو سـليل أعراب الشـمال و نسـبه التركى جليآ فى عيون خالتى وشـعر أمى . رفض مصاهرة الأسـود سـليل الغابات وباقى تجارة النخاس . خالتى قد تكون قوة شـكيمته قد ورتتها منه . تمسـكت بصلابة وقوة إكتسـبتها من عسـكريتها ومهنتها . مات جدى حسـرة وحملتها والدتها دم أبيها .
لم تمضى سـبعة أعوام من زواجها مات زوجها بإنفجار لغم فى إحدى العمليات فى جنوب البلاد حكت لى أمى . صارت وحيدة مع أحزانها و مرضت نحو أربعة عشـر شـهرآ فى المسـتشفى و كانت أمى تزورها سـرآ . عندما علم أبى الأمر صار يعودها جهرآ مع أمى مما قطع وصالها مع جدتى التى لم أراها حتى توفيت . أحضرها والدى للبيت بعد إخراجها من المسـتشـفى وعاشـت معنا ردحآ من الزمان مما جعل تعلقى بها والدة أخرى .
عدلت عن الإتصال بخالتى . مشـاعرى تفضحنى أمامها ولا أسـتطيع أن أخفى عنها شـيئآ .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-20-06, 12:29 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | محمد مكى محمد | 11-20-06, 01:35 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-20-06, 03:43 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | ابراهيم برسي | 11-20-06, 08:29 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-21-06, 11:12 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-21-06, 01:29 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | Muna Khugali | 11-21-06, 01:39 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-21-06, 05:54 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-22-06, 08:52 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-23-06, 08:43 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-24-06, 03:57 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-26-06, 01:55 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-29-06, 11:04 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-03-06, 05:28 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-06-06, 09:06 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-12-06, 07:41 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | محمد مكى محمد | 12-12-06, 07:48 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | محمد مكى محمد | 12-12-06, 07:58 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-13-06, 06:29 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-20-06, 05:38 PM |
|
|
|