ســـلامُُ على الســادة الصـادقاب

Quote: فى مقام الدهش دكتور أحمد عبد العال جريدة الصحافة-باب "أمشاج" ص 9-الثلاثاء 5 أغسطس 2003م [[...ولما احتار فى إلحاحى خيرني شيخي المرشد بين إثنين، الدخول إلى مقام الدهش أو النزهة فى مقام التلوين، اخترت الدخول فى مقام الدهش. أدخلني وتبسم قائلا: سأكون بقربك إلى حين وعليك بالثبات من بعد. دخلت ورأيت أول ما رأيت أنى أعبر الجسر العتيق، رأيت النهر يسامر القمر الغريق، ويشكو أنه نسى المنبع وتوهم فى المصب، رأيته شيئا فشيئا يهده التعب، فرجع وانتحب. ثم رأيت أطياف الليلة المجيدة تستدرجني وتلوح لى بالنجمة البعيدة.. قلت فى نفسي: لو حقا افتقدته لافتديته فى تلك اللحظة الفريدة. هنا سمعت شيخي المرشد ينادينى قائلا: تقدم ولا تتردد هى مصائر تلتقى مصادر ولا يكون إلا ما هو كائن، يا ولدي أنت داخل إلى حيث يزهر حرف النون وحده رياض الكتب، فتنسجم الإرادات كلها وتشتعل البروق فى السحب وتستريح قوافل الكلام، يا ولدي عبر هذه الرحلة سترى من الحوانيت ومن بيوت الزخرف ومن الأسواق المائجة بأولئك الأقوام مختلطي الهوية.. ما ستري.. لا أحد يعلم بسر قدومك إلى هذا البلد، وأنت لا تجرؤ على السؤال، لكن لأن السيد الجميل قد جال بعينيه هنا قبل لحظات قليلة..استرد كل كيان هيئته النبيلة، يا ولدي مستغرق أنت الآن ولن تفيق إلا بعد فوات الأوان وليس بعد، أنت فى أول المقام.. ثم أردف شيخي المرشد قائلا: تريث يا ولدي وأدخل يدك فى جوف صدرك تخرج يدك بقلب من عسجد وبلور، فلا تلتفت إلى شئ مما ترى من أطياف وغلالات نور، فقط تذكر أن السيد الجميل مقيم فى نهاية المنعطف، عند دخولك عليه، ألق بالتحية كاملة ولا تحتال على ما سترى من أحواله بقلم أو لون أو ما سوى ذلك من مهارات، فتقاليدنا ثابتة. بعد رجوعك منه عليك بنسيان تاريخ هذه الليلة، ونسيان اسم المدينة، ونسيان سبب مجيئك، ويكفيك أن ترجع منه بقلب من عسجد ونور، فإذا ما استبدت بك يوما الأحزان، أطلب السلوان وأخرج قلبك هذا فى ليالي القر الشتائية، اغمسه فى ملتقى المائين بالخرطوم وانصت إلى وجيبه مع لمعان النجوم النوابض، ومع زفرات الوحوش الروابض فى هذه القفار الموحشات بعد خروجك من هذا المقام. وبعد هنيهة نادانى شيخي المرشد: يا ولدي أين أنت الآن؟! قلت: بين يدي السيد الجميل جالس وهو فى بهائه العجيب، لكن يا شيخي وآأسفاه لم يتعرف على، ذكرت له اسمى وسبب مجيئ وأننى وأننى.. فأدنانى ثم ابعدني ثم أدنانى وها أنا أجد نفسي المفقودة فى لألاء الجمال بلا مستقر.. يا شيخي بعد إبتسامة خاطفة.. لم يلتفت إلي مطلقا.. يا شيخي لما هممت باستئذانه فى الإنصراف أشار لى بالصمت والجلوس وصرف لى من الكلام السر ما صرف.. قال لى: هذه المدينة يعوزها تخطيط جيد ومحكم! كيف عرفت الطريق إلينا وقد نأينا عنك قرونا من بعد قرون!! يا شيخي قلت فى نفسي: أن منطق السيد الجميل منطق قاطع الشفرة.. أيعيد تخطيط المدينة ليغلق الطرق الموصلة إليه؟! حيث هو فى سدة الجمال جالس بلون الآصال وينشر عرفه فى الفصول الأربعة.. ويبالغ فى الخلط بين وقائع عصوره الذهبية.. هو تارة عبر عقد من الزمان يوقد قناديل حبهم فى مصر الفاطمية. وتارة فى شرود لألف عام أو يزيد مطلا من نافذة فى أشبيلية.. يرى فيالق الزمان تحيط بى من كل صوب وأنا وحيد تحت بروق عشقه أذود عنى بترديد إسمه القديم ولا يجيب. لكن يا شيخي المرشد، لما أبصر ما أنا فيه من حسرة وانكسار، تلطف وعرض علي صورا من عمري الأول، فعجبت إن كنت استاذة المربى حينا، ثم آخيته فى دورة أخرى ثم تقطعت بنا السبل ستين فتم بيعى بين رهط من المماليك الروم..هو الذى باعنى واشترانى ثم اعتقنى ولكني أبيت العتق وأثرت القيد. ولزمت خدمته، مقصودي كان الإقامة بين عينيه، أقمت هناك ما شاء لى الله الإقامة إلى أن صار هو إلى ما صار إليه من توهج بلا انقطاع وناسيا لكل شئ إلا ما هو فى الصور.. ناداني شيخي المرشد قائلا: يا ولدي ليس بعد أنت فى أول المقام.. السيد الجميل لا ينسى فلا تأسى، عد على أثارك قصصا. أعبر الجسر العتيق وتأمل النهر والقمر الغريق وبيوت الزخرف والحوانيت والأسواق المائجة بأولئك الأقوام مختلطي الهوية وتأمل كل من يتهادي فى هيئة نبيلة، حيث جالت هناك عيون السيد الجميل قبل لحظات قليلة، ثم ضيع نفسك فى الزحام، ولا تذكر شيئا مما كان لأحد من الناس. أخذت بنصيحة شيخي المرشد.. رجعت على آثاري قصصا.. تأملت ما تأملت وضيعت نفسي فى الزحام سنين عددا.. وفى ليلة كتلك الليلة المجيدة افتقدته.. فإذا بالليل يموج بأقوام مختلطى الهويات فى خيل وأبواق وطبول وحواضر كبرى تتواشح فى خطط محكمة ذات طرقات تلتقى عند المنعطف، حيث السيد الجميل جالس فى جلالاته وكمالاته ينادينى باسمى القديم: اقترب!! واعطني يدك، لن تفتقدنى بعد هذه الليلة، ولك الأمان]]