النوبيون يطردون الكارورى من كجبار

Quote: كجبار.. أصرار حكومي.. ورفض شعبي.. عاني النوبيون منذ بداية القرن المنصرم وحتي نهايته من (التهجير القسري) عند إقامة السدود علي النيل، وكان اشهرها الهجرة المنظمة لأهالي وادي حلفا عند بناء السد العالي، والتي عملت على فناء أكبر وأجمل مدينة نوبية ونقل سكانها الى خشم القربة، تاركة في القرى والمناطق النوبية الأخرى المتاخمة والبعيدة شرخاً كبيراً في الخدمات الأساسية، وقبل كل ذلك جرحاً عميقاً لا يندمل.. التصعيد الجماهيري الكبير الذي شهدته منطقة (فرّيق) بالمحس التابعة لمحلية وادي حلفا الثلاثاء الماضي، واندلاع المظاهرات الشعبية الحاشدة في نطاق واسع من القري والشياخات بمشاركة واسعة من النساء والشباب، رافضة ومندّدة لفكرة قيام سد كجبار، أجبرت إدارة وحدة تنفيذ السدود التابعة لرئاسة الجمهورية، علي التراجع واتخاذ قرار يقضي بإيقاف جميع العمليات التي كانت قد بدأتها الاسابيع الماضية، والمتمثلة في انزال آليات ومعدات ثقيلة بالمنطقة المقترحة لقيام السد، تصاحبها مجموعة من العمالة الأجنبية (صينيين- فرنسيين)، والوعد بالغاء فكرة قيام السّد من أساسه، في حال عدم الموافقة والإجماع الكامل عليه من قبل الأهالي. كجبار: محب ماهر الحكومة تطلب الكهرباء.. والمواطنون ينشدون حضارتهم وإرثهم كجبار.. (STOP HERE).. د. احمد محمد صادق الكاروري مفوض الشؤون الإنسانية والبيئية بوحدة تنفيذ السدود، أعلن لدى مخاطبته للجماهير الغفيرة - التي رفضت الاستماع لأية شخصية أخرى سواه للبت في امر السّد- الثلاثاء الماضي بوحدة (فرّيق) الادارية التابعة لمحلية وادي حلفا، عن ايقاف جميع العمليات والدّراسات، طالما أن المواطنين رافضون لقيام السد أو اجراء المسوحات والدراسات، ووعدهم باخلاء وسحب جميع الآليات من المنطقة، الا ان اللجنة الشعبية لسد كجبار باغتت (الكاروري) بتسليمه مذكرة عقب اللقاء، تطالبه بسحب وترحيل جميع الآليات في غضون (72) ساعة بحسب طلب الجماهير، وتحميله كافة المسؤوليات التي قد تترتب على عدم سحبه للآليات في الفترة التي حدّدوها. جدار عازل.. قيادات المنطقة الواقعة جنوب كجبار لخصوا أسباب رفضهم للسد في أن الجدوي الاقتصادية التي تتبناها بعض الشخصيات الحكومية لقيام السد، والتي قالوا انها لاستنباط الطاقة الكهرومائية تكاد تكون معدومة، وليست مقنعة بالنسبة لهم، لاعتبار ان هناك دراسات سابقة لمصادر أخرى للطاقة كالرياح والطاقة الشّمسية أثبتت نجاحها، وهي مصادر صديقة للبيئة ولا تؤذي الانسان ولا تعمل على اغراقة وتشريده ومحو تأريخه، كما أن الصور القاتمة لمواطني أمري والحماداب، والتشريد الذي لحق بهم وبمصير تعويضاتهم، والاحتكاكات الدامية التي وقعت بمناطقهم مع الجهات الشرطية والأمنية، قد خلقت عندهم جداراً عازلاً من الدخول في أية مفاوضات حول قيام سد كجبار مهما كانت اسبابه. نذر مواجهة.. التعامل بالحكمة والموضوعية في مثل هذه المواقف والظروف استطاعت ان تحد كثيراً من مظاهر الغضب العارم الذي كان قد إعترى المواطنين جراء احتجاز الشرطة لسيارتين كانتا تحملان المواطنين من منطقة (مشكيلة) الى مكان اللقاء الجماهيري، بدعوى مخالفة قانون المرور، الأمر الذي اعتبره المواطنون استفزازاً لهم، ومحاولة من الجهات الشرطية والأمنية والتي وفدت اعداد كبيرة منها الى منطقة كجبار صباح نفس اليوم، لعرقلة المسيرة السلمية التي انتظموا فيها، و(افشال) اللقاء الجماهيري الذي خاطبه مفوض الشؤون الاجتماعية والبيئية بوحدة تنفيذ السدود فيما بعد، الا ان تدخل بعض العقلاء افضى بأن يطلق سراح سائقي السيارتين بالضمان الشخصي، الا ان الموقف بالمنطقة لا يزال (يغلي) خاصة ان الآليات لم تسحب حتى اليوم/ كما زادت الحكومة من الوجود الشرطي بالمنطقة بارسال اعداد كبيرة منها من دنقلا، هذا بخلاف الزيارة التي ينوي والي الشمالية ميرغني صالح سيد احمد القيام بها اليوم للموقع، والتي يري المواطنون انها محاولة منه للالتفاف على قرار ايقاف السد الدار الفانية .. في يونيو 1995م صدر قرار جمهوري بإنشاء مؤسسة كجبار لإنشاء خزان جديد يقع في قلب المنطقة النوبية، سيعمل علي إغراق جزء عزيز آخر من بلادنا، والقضاء على أثر الحياة فيما تبقي من ثقل سكاني في المنطقة النوبية، بإزالة أكثر من (33) شياخة، بداعي انتاج الكهرباء. (5) ملايين نخلة تقريباً في المنطقة ستغمرها مياه سد كجبار، ما يعني خسارة اقتصادية فادحة لسكان تلك المنطقة الذين ارتبطت كل أوجه حياتهم بالنخيل، لا من الناحية الاقتصادية فقط، بل تعدي الأمر ذلك الي النواحي الوجدانية، اذ أن النخيل يمثل بالنسبة للنوبي الطقوس والعادات والتقاليد بخلاف المأكل والدخل المادي. شهادة يعتد بها.. وزارة الاستثمار التي روجت لمشروع قيام سد كجبار بتكلفة (300) مليون دولار أمريكي، قالت أن الهدف من المشروع هو الاستفادة من الطاقة المائية الرخيصة الكائنة عند الشلال الثالث بنهر النيل، بإضافة توليد كهربائي مائي جديد بالولاية الشمالية بطاقة إستيعابية (156) ميغاوات من ناحية، وتحسين الإمداد الكهربائي من ناحية أخرى، الا أن اللجنة العالمية للسدود المدافعة عن البيئة- وهي جهاز مستقل يضم خبراء دوليين تتخذ من سويسرا مقراً لها- كان لها رأي مغاير، حيث أكدت ان مشروعات السدود على مستوى العالم مازالت تتجاهل المخاطر البيئية التي يحدثها قيام السدود، وأصدرت اللجنة تقريراً عام 2000م طرح معايير دولية لتخطيط وبناء السدود، جاء فيه ان السدود مازالت (تسبب اضراراً اجتماعية وبيئية شديدة)، وأنها أضرت بما وصل الى (60%) من الانهار على مستوى العالم وشردت أكثر من (80) مليون شخص، التقرير جاء فيه (في الوقت الذي تَعِدُ فيه السدود بتوفير طاقة ارخص او مياه لتحسين انظمة الري يمكنها في واقع الامر ان تتسبب في فوضى اقتصادية مع ارتفاع اسعار الكهرباء وتشريد الكثيرين.) وبدأ العمل.. الآن وبموجب القرار الجمهوري رقم (206) لعام 2005م، وإعتماداً على البند (34) من سلطات رئيس الحمهورية الخاص بوحدة تنفيذ السدود، وبعد ادراج سد كجبار في ميزانية العام 2007م، بدأ العمل في جلب آليات للموقع، حيث بدأ فريق عمل مكون من صينيين وفرنسيين وسودانيين بالتجهيز لقيام الخزان والذى كان قد تم ايقافه فى منتصف التسعينات، دون مشورة أو موافقة أهالي المنطقة.الا ان وحدة ادارة السدود نفت على لسان د. أحمد محمد صادق الكاروري مفوضها للشؤون الاجتماعية والبيئية أن تكون تلك الآليات لبدء العمل بالخزان، وقال ان تلك الآليات تم جلبها لمنطقة كجبار لعمل الدراسات الأولية فقط، وأنه من السابق لأوانه التحدث عن قيام سد في كجبار، اذ قد تكشف الدراسات عن عدم جدوي المشروع برمته، مؤكداً انه من المستحيل اقامة سد في كجبار دون موافقة الولاية الشمالية واقتناعها بجدواه الاقتصادية، والفائدة المرجوة منه في اصلاح حال أهل السودان قاطبة. تطمينات حكومية.. عصام الدين ميرغني علي معتمد محلية وادي حلفا أوضح أن العمل الجاري الآن في مشروع سد كجبار ما هو إلا دراسات وتصاميم أولية لوضعية السد، بواسطة خبراء فرنسيين وصينيين وسودانيين، وأن فترة العمل في هذه الدراسات والتصاميم- بدأت من قبل شهر تقريبا- ستستمر لمدة (18) شهرًا، لوضع تصور كامل ودراسة جدوى اقتصادية شاملة، تحدد على ضوئها مدى الاستفادة من السد، وأن أي نقاش في مسألة التعويضات والقرى المستهدفة وتحديدها سابق لأوانه، مؤكداً أنه لم ولن تكون هنالك ضبابية في الرؤية لأهل المنطقة، كما كان الحال في السابق، بل سيتم كل شيء بمنتهى الشفافية والوضوح، كما أمّن على أن جميع مكاتبهم ومكاتب وحدة تنفيذ السدود برئاسة الجمهورية ستكون مفتوحة لتلقي المعلومات أولا بأول. قبل الفيضان.. إدارة وحدة تنفيذ السدود قالت علي لسان المهندس حاتم علي البدوي منسق المشروع المقيم بالموقع، أن الغرض من انزال هذه الآليات بالموقع ما هو الا بداية لاجراء دراسات أولية ومسوحات (جيوتقنية) تقوم بها شركة (لامير) الفرنسية بجانب شركة صينية، تستبان بعدها الجدوى الاقتصادية للسد من عدمها، وأن العمل فيها كان قد توقف منذ يوم 25/3/2007م بعد ان اتضح لهم ان الموقع المناسب يبعد حوالي (100) متر من الموقع الحالي، وانه كان من المفترض الانتهاء من الدراسة في 25/6/2007م قبل موسم الفيضان، وأن الآليات التي بالموقع ليست سوى معمل لتحليل العينات وبعض المعدات المساعدة في اخذ العينات. مطلب شعبي.. أهالي المنطقة قالوا أن الآليات والمعدات الثقيلة التي احضرتها ادارة السدود من غير الممكن أن تكون لإجراء الدراسات فقط، بل هي شروع فعلي في التخطيط لبناء جسم السد، خاصة وأن العمل بالموقع يتم ليلاً ، وهناك تعليمات للسائقين بالاّ تعبر الشاحنات المحمّلة بالمعدات منطقة سكن الأهالي الا تحت جنح الظلام، الأمر الذي خلق عندهم هاجساً قوياً بأن ما يجري في المنطقة ليس الا تنفيذ فعلي لبناء السد، خاصة وأن الوزير اسامة عبد الله رئيس وحدة تنفيذ السدود كان قد رفض في لقائه مع قيادات المنطقة بالخرطوم الاسبوع قبل الماضي التوقيع علي أية مذكرة يثبت فيها ان ما يجري هو عملية دراسات فقط تنتهي في مدى زمني معين يتم تحديده وفق متطلبات الدراسة. ترابٌ وتراث.. المنظمات النوبية والتي طلبت من حكومة جمهورية الصين الشعبيه عدم المشاركه فى تشييد الخزان منتصف التسعينيات، بدأت في قيادة عمل تعبوي وتنويري، لما تنوي ادارة السدود تنفيذه، بإعتبار ان مشكلة الكهرباء أضحت محلولة بعدما اثبتت التجارب والدراسات نجاحاً كبيراً في استخدام الطاقة الشمسية كبديل لها في ضخ المياه للشرب وري الاراضي الزراعية، كما أن مشروع الالواح الشمسيه التي تمت تجربتها في منطقة (كوشا) بالمحس أثبتت نجاحاً كبيراً في توليد الطاقة الكهربائيه، هذا بخلاف اللجان التي كونها أهالي المنطقة بكل من المحس والخرطوم والتي التقت المسؤولين في ادارة وحدة تنفيذ السدود، ولكنها لم تخرج بموقف محدد منها ، حيث رفضت وحدة السدود التوقيع على مذكرة (تطمينية) تحدد فيها ما يجري في المنطقة، مما جعل أمر التقاء مفوض الشؤون الإنسانية والبيئية د. احمد محمد صادق الكاروري بالأهالي في منطقة السد أشبه ما تكون بالمواجهة، حيث ظل الاهالي يهتفون ضده وضد قيام السد، مرددين شعارات مثل (مأساة عبود لن تعود) . تعبئة قًبلية.. التنظيمات النوبية (كوش- الحزب النوبي- اتحادات المحس- وحركة مناهضة قيام سد كجبار وغيرها تساندها الروابط النوبية بالجامعات على رأسهم طلاب جامعة الخرطوم والمغتربين من أبناء المنطقة في شتى أنحاء المعمورة، بدأت في قيادة عمل للمحافظة على التراب والتراث، وأنه لا داعي للقضاء على كل هذه الثروات مقابل الكهرباء، وأشاروا الي أن مضار السدود اكبر من فوائدها الامر الذي دعا البنك الدولي ايقاف تمويله للسدود بعدما وقف على الآثار البيئية والاجتماعية السالبة المترتبة علي قيامها، وذلك بالاتصال بالمنظمات العالمية كاليونسكو والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وكل الجهات الدولية المهتمة بمثل هذه القضايا لايقاف قيام السد . للبيئة رأي.. د. عبد الحليم صبار المختص في الآثار النوبية أكد انه لا توجد دراسة علمية لقيام سد كجبار حتي الآن، وأن الموجود حالياً ليس سوي (ملخص) لدراسة قدمها بعض طلاب الزراعة للبروفيسور المرحوم حسن أحمد هابش استاذ الزراعة المعروف عام 1996م رفضها في حينها باعتبارها غير مقنعة. وجهة نظر حكومية.. معتمد وادي حلفا أكد أن مشروع سد كجبار يسير وفق خطوات ودراسات علمية وعملية جادة، ويمكن أن يحدث نقلة كبرى في المجال الزراعي واستنباط الطاقة الكهربائية بمقدار ما بين (750- 1000) ميقاواط ، على غرار ما أحدثه سد مروي في مناطق جنوب الولاية الشمالية، في مجالات البناء والإعمار والتنمية الزراعية والصناعية، وخلافها، الا أن اهالي المحس يقولون أنه على معتمد حلفا أن يثبت صحة قوله بأن المهجرين بسبب قيام سد مروي قد استفادوا من الامر، ومشاكلهم المعقدة مع ادارة السد بلغت حد المواجهة والموت دون أن ينالوا حقوقهم حتي الآن. كجبار: محب ماهر