أويتلا ـ "رواية"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 02:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبد المنعم ابراهيم الحاج(عبد المنعم ابراهيم الحاج)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-09-2006, 01:09 PM

عبد المنعم ابراهيم الحاج
<aعبد المنعم ابراهيم الحاج
تاريخ التسجيل: 03-22-2005
مجموع المشاركات: 5691

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أويتلا ـ "رواية" (Re: عبد المنعم ابراهيم الحاج)

    (~)

    "الحدوة"

    هي المرة الاولي التي نزور فيها قرية سوميت..عثمان "ساطور" انتصار عبد السميع..البينو سيرليو وشقيقته ..أدَاو ..حسين ادروب..بدعوة من شريفة حسن صالح القدِين..لحضور مناسبة زواج بنت خالتها كنا الدفعة الثانية باستثناء كل من أداو وعثمان ساطورفهما من الدفعة الاولي من عمر كلية أويتلا للدراسات البيئية والانمائية التي انشاتها منظمة هولندية تعمل في مجال التنمية والتاهيل ..بالاضافة لمحطة للطاقة الشمسية ومعهدا فنيا لتأهيل الخبرات التي تحتاجها المنطقة.
    كنا نقطع المسافة التي تبلغ خمسة اميال تقريبا الي سوميت سيرا علي الاقدام ..الثنائيات المتبادلة تشكل ملمحا منسجما لسرب سداسي حميم .. بمسافات متقاربة، ساطور ونصرة.. في المقدمة ..يليهما ادروب والبينو ..ثم في مؤخرة الركب انا وأدَاو التي كانت تحكي عن القبائل النيلية وعن تواطؤ قبيلة الدينكا مع تجار الرقيق الاغاريق والشماليين في عهد التركية السابقة ..عن النزاعات التأريخية بينها وبين قبيلة النوير ..وعن قبائل الباريا التي تشردت من مناطقها حتي لاذت بجبل الرجاف..عن المنداري ..والتبوسا ..حدثتني ايضا عن قبيلة الزاندي التي تنتمي هي اليها ..وعن الرقصات الشعبية وعن حجر الكواتو ..وطيور الغرنوق ..المعتقدات والاسبار ..السلاطين ..أرواح الاسلاف ..أنواع الحراب واستخداماتها ..الحرب ومسبباتها التأريخية ..حدثتني عن أشياء بعيدة في الذاكرة ...وعن ..وعن ولكن ..! كنا قد وصلنا جسر عنبر الترابي ..فبدت الكلية من خلفنا مثل حدوة اسطورية لفرسة جامحة
    علي ظهرها تحمل اسفار الخلاص أو مثل قيد سلطاني مكسور .


    شيدت الكلية علي الهضبة التي تلامس جبل أويتلا وتمتد حتي بداية تل البتولا..معظم مبانيها من البرفانات المستوردة التي تم تجميعها لتاخذ تلك الوضعية الساحرة..سور الاسلاك الشائكة تتخلله نباتات الفايكس المقصوصة..البوابة الحجرية الضخمة بتشكيلتها الاسطوانية مثل جمجمة عظيمة لفرس بحري .متحف الطبيعة من الناحية الشرقية خلفه كافتيريا النشاط والمسرح الصغير ثم مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية يليه مكتب العميد ..فالمكتبة ومن الناحية الغربية ملعب لكرة السلة وآخر لكرة القدم ..موقف للسيارات الصغيرة وعربة الاسعاف ثم قاعات الدراسة والمعمل ومن الناحية الجنوبيه بعض الشجيرات المتفرقة و المباني السكنية المتباعدة للاساتذة بأشكالها المتقوسة مثل مثقفي سلطة الانظمة الشمولية ثم في النهاية الاستراحة وثكنة الاساتذة ..
    انعطف الطريق عند مدخل القرية فنبهنا عثمان ساطور الي حوض صغير يقترب قليلا من اشجار التمرالهندي التي تسور شجيرات الجواف والبرتقال والليمون والقريب فروت ..الطحالب التي تطفو علي الحوض وبعض الاعشاب الجافة تدور في فلك سرمد حول نفسها والماء الجاري ينسحب الي العمق كأنما تشفطه دابة عظيمة الي باطن الارض ..كيف للماء ان يتسخ وهو الذي ينظف الاشياء .. كان مشتبها يمينيا ..و برزخا باطنيا.. يفلتر الماء بين حوضين وبينهما يعبر الناس والدواب وكل مخلوق..الي مسيرة الاتساخ الجديد
    اغتسلنا عند الحوض اليساري لتلك "الغطاسة" ثم دخلنا قرية سوميت.
    كان مهرجانا تلقائيا تلاقحت فيه الرقصات الشعبية..واحتفالا تعبيريا علي ايقاعات متنوعة.. الطنابير بدوزناتها المتباينة.."ود ضقيل" وأغنيات الشمال..
    "الطنبور يرن ..والشلة صفقوا ..بي حماس...والوزين نزل في الدارة ...وين يلقي الخلاص..الوزين نزل يالله وين يلقي الخلاص"
    صفان متقابلان من الشبان والعجائز يحمحمون علي ارض مبسوطة ..بينهما رشحات "الشبَالات" المنتظمة ودفقات لضفاير الفتيات علي رزم "الدليب" الساخن..وهي تنثر عطرها علي القلوب فيشتد الحماس..
    - أضربوا الكف..
    يطلقها احدهم بين الفينة والاخري
    "ود ساوة" وأهازيج طيوره علي "شنبر" الشرق الحامي
    " ايدوبا..أوو..ايدوبا..آفريوا ....آمريوا"
    ثنائيات المساجلة بين سيفين رشيقين ..في "صقرية" متقنة ..والبنيات في محاورة الجسد النافر أصلابهن للوراء وصدورهن مثل رماح مشدودة وظهورهن في انثناءات قاتلة ياخذن شكلا لأحرف اجنبية معروفة.. ينتشلهن "البيساي" بين فينة وأخري ثم يعيدهن لطقسه البجاوي من جديد.
    "فرقة كرامارا" الاثيويبة..بآلات النفخ العجيبة واصواتها الرخيمة ..وأزياءها البيضاء ..وصيحاتنا الماجنة ..تنسرب من بين الأداء الجماعي الفريد
    " نآنو..نانو..نونا ..آيي ...ننو نانو..نونا آيي...أتي ..جلين..كودا ..ياي"
    جوقة للفرح العفوي ..وكرنفالا للتلاقي..في ذروة النشوة الخالصة .. فجاءات لا تشوبها الموعظة..كنا في وسط المعمعة..لا تفصلنا الغربة عن مشاعر القرية المرهفة..ولا يحد نزقنا قدومنا الاولي للمكان...فأصبحت "سوميت" ملاذنا وقبلتنا لسنوات لاحقة حين تحاصرنا الفاقة وحين يضغطنا الحنين.

    * ***



    ـــ كالعادة" قاسم" سيكون أول شخص قد سبقنا الي الكهف.

    - الدرويش الصغير!!.
    قالتها شريفة..وهي تلتقط انفاسها اللاهثة ..ثم اردفت
    - ربما عثر علي الكنز المفقود ..في زوايا هذا الكهف العتيق.
    تبيت صوتها بنبرته المدغومة تلك..التي لاتخلو من تهكمات احيانا..كنت مستلقيا علي دكة من حجر الجرانيت..شكلتها الطبيعة علي وضع مسطح أو ربما قام بذلك احد الاسلاف ..فهذا الكهف العجيب لم تجانبه الاساطير ..فكثيرا ما سمعت بأنه كان لاصحاب الكهف وكلبهم قبل انفتاق الاخدود العظيم ..وأن اصحاب محمد النبي أولائك المهاجرون بدينهم لاذو به أياما وليالي قبل ان ياتيهم رسول النجاشي الامين..وقبل أن يتعقبهم ابن العاص داهية قريش ليشئ بينهم وبين ملك الاحباش .. وأن الشيخ أبوسوميت قضي فيه اعواما بكاملها
    متنسكا فيه لم يبرحه الا للحوائج اللازمة..قبل ان يتعرف علي "حلية" الحبشية التي كانت تسكن هي الاخري وحيدة في نفس المكان الذي قامت عليه قرية "سوميت" الحالية..أصلحت من هيئتي بعض الشئ ..ثم ثنيت ورقة الصفحة لاثبت الفصل الذي كنت أقرأه من "مسرحية النمل" لكاتب مغمور لم تعرفه البلدة بعد.

    - نهارك جميل.
    قالتها انتصار ثم القت بنفسها علي أول صخرة عند المدخل...بقوامها الموروث وخطواتها الواثقة ..تابعت "شريفة" سيرها ناحيتي .. مع كل خطوة تطأ وريدا في قلبي ..فأختزن الشوق وأرتدي الحريق ..ابتسامتها مثل مجرة..وانفاسها الياسمين...وروحها مثل فراشة ..كنت قد وقفت لافسح لها مكانا علي الدكة..لكنها باغتتني باحتوائها المفاجئ ..برغم وجود صديقتنا المنهكة ..

    - يومان ولم نرك فيهما الا تشتاق يارجل ..ام فزت بجنية لعينه من بنات هذا الجبل المسكون.
    قالتها وهي ماتزال تمسك بيدي وعيناها تسبحان في مياه خاصة.
    ـــ تشهيت نفسي فتركتها للقراءة والانسجام.

    - ونحن من يقرأ لنا كتاب الاشواق ويلجم مهرة الحنين.

    ـــ كنت اعد فصلا مسرحيا وأستشف رؤى اوليه لاخراجه في يوم ما.

    ارتفع صوتها فجاة وهي توجه حديثها لنصرة التي مازالت عند صخرتها تلك قرب المدخل ونظرتها تستقر علي غلاف الكتاب .

    - الم اقل لك ..انه يتواطأ مع النمل ليكشف سر العرفان .

    ردت انتصار دون ان تلتفت الينا.

    _ ربما يصنع حلفا مصلحيا معه حتي اذا زلت قدمه يوما ..
    ثم تابعت حديثها ضاحكة
    _ ..سارعت نملة شفوقة لاخبارنا عبر هاتفها المحمول.

    ـ ياله من درويش صغير..

    قالتها "شريفة"

    ثم ضحكنا جميعا.

    تناولت شريفة الكتاب في شغف وهي تمسح غبارا ناعما كان قد علق عليه فتفرست غلافه البرتقالي برسومه التجريدية .."النمل" ..مسرح للطفل...المؤلف ..مبارك ازرق.."جماعة اولوس الادبية"..ثم في اول صفحة بعد الغلاف اهداء أحمر بحبر سائل اللون ...,,الي قاسم جبريل..مع كل الامنيات ،،

    - اتعرفه؟...ومن تكون جماعة أولوس تلك؟ ..وكيف ..وو..
    ـــ مهلا ياصديقتي المتعبة..
    كانت انتصار قد انضمت الينا وهي تجفف دلتا العرق من علي جيدها بمنديل أزرق ..فالمسافة من سفح الجبل وحتي هذا الكهف "كهف المحنة" كما تسميه شريفة احيانا, مرهقة لانسانة خارجة لتوها من حرير اسرتها ومن نعيمها الميسور ..برغم مايبدو عليها من رشاقة في مشيتها وبعض الملامح الرياضية ..."الهنكوشة" كما يناديها حسين أدروب ..عندما يحاول اغاظتها ..تعتقد شريفة ان كل من اوي الي هذا الكهف واحتمي به فهو مستجير يبحث عن الخلاص ..كانت قد حدثنتا بعد ان عرفتنا علي جدها صالح القدين في زيارتنا الثانية لقرية سوميت التي استهدفت خلوة الشيخ ابوسوميت التي كنا قد القينا عليها نظرة عابرة في زيارتنا الاولي ..فمناسبة العرس كانت تشغل بعضا من تعريشتها ..في تلك الزيارة التي كانت بصحبة شريفة في نهاية الاسبوع تخلف عنا ساطور الذي ذهب برفقة أدّاو وشقيقها البينو لزيارة اسرتهما بالحامية التي تقع اسفل جبل "مكرام" ..فأبوهما عقيدا في الجيش وقائدا لسلاح المشاة بالمنطقة الشرقية..يعرف كل منطقة وكل بقعة حدودية مع جارتنا اثيوبيا التي تتوتر علاقتنا معها دوما بسبب خلاف بسيط علي مناطق محايدة تفصل بين الدولتين بحواجز طبيعية..مثل جبل أو خور او هضبة رسوبية.. أو بسبب الدعم المتبادل للحركات والتنظيمات المعارضة. وهذه الخلافات بين الانظمة لم تلغي التواصل بين الشعبين..ثقافيا وتجاريا,فتهريب البن من "ها"..والصمغ العربي الي "ها" تلك القرية الصغيرة الحدودية التي لم يحدد انتماءها بعد فسكانها من الدولتين مشهورة "بالبرشوت" وهو تهريب للبضائع بالجمال وحمير "المكادي" أو "الدّبّلو" بدون رسوم جمركية, وهي نوع من الحمير الغبشاء القصيرة تحتمل وأزانا اضافية علي ظهورها العريضة ولكنها بطيئة السير ..قرية "ها" تشتهر أكثر بطيور "الجنقو" الهائمة التي تحط علي "متلتها" بعد انتهاء عيد الحصاد لمحصولي السمسم والذرة "الفيتريتة" لتغادرها مع اول رشاش في موسم الخريف..كم مرة زودنا فيها القائد"سريلو" بخرط لمناطق كنا نجري عليها بحثا ميدانيا أو دراسة للتربة اومسحا سكانيا للقري المحيطة ..أو للغطاء النباتي الذي تنتشر فيه غابات "المسكيت" التي تجتهد المنظمة لابادتها واستبدالها بأشجار" البان " تلك الفصيلة من الصنوبريات الاستوائية.. وأشجار الدّوم التي كانت تتكاثر سابقا علي اطراف الخيران ومهاوي السيول فالتهمتها مناشير "الشقيق" لسد حوجة المنطقة المتزايدة لعروش المباني المتنامية للمدينة وللوازمها التي امتدت رقعتها بسبب النزوح..فمع الهزيم الذي تطلقه المدافع الروسية خلف الجبال الشرقية وتلك الراجمات التي تحملها شاحنات ماركة "اورال"..
    تزدحم المخيمات المنصوبة علي "وادي الشريف" بآلاف المتضررين الذين شردتهم الحرب وشبح المجاعة.. ومن ثم تستوعبهم المدينة بعد تسسللهم اليها في مهنها الهامشية التي تطورت مع مرور الوقت واصبحت ركيزة هامة للاقتصاد الطفيلي وللتجار..لم نكن نرى داعيا وأهمية البتة في مرافقة ستة افراد من الجنود المسلحين لرحلتنا الميدانية..التي دوما ماتكون علي ناقلة جنود متوسطة..ماركة "مجروس" ..وبعض الوصايا التي يرسلها القائد "سريلو" مع ابنته ..بان لا نبتعد كثيرا عن آخر شجرة "لالوب" تصادفنا في الطريق ..لان اي منطقة لا توجد بها شجرة هجليج فهي خارجة عن دائرة الاستطلاعات العسكرية لتلك الجيوب التي تنتشر فيها عصابات "الفالول" قطاع الطرق ..وقد حدث بالفعل حينما كنا نجري مسحا سكانيا لقري "الماريا"وفي طريق العودة عند غروب نافق خلفته جثة الشمس المطعونة برماح الليل,و حينما توغلت الشاحنة في عمق خور "ابي علقة" صادفتنا مجموعة من عصابة الفالول التي ولت هاربة محتمية بالاشجار مع بعض الرصاصات الطائشة التي أطلقها اثنان من المجموعة المرافقة لنا.

    قالت "شريفة" ان جدها صالح القدين بعد وفاة زوجته "زينوبا" بعد ان انجبت اباها "حسن" بأيام قلائل احتمي بهذا الكهف شهورا بعد ان اودع الطفل برفقة ام زينوبا الي الحوش الكبير "حوش السيد" لترعاه امراة أخري وترضعه بعد ان فقدت وليدها اثناء عملية توليد قاسية..مكث يعتصر احزانه ويندب حظه العاثرفهذه المرة الثانية التي يفقد فيها زوجة له .. كان قبل ان يفد الي سوميت تزوج بامراة قريبته من منطقة خور "بركة" ولكنها ماتت بعد شهر من الزواج وفي تلك المنطقة لديهم معتقدا اذا ماتت امراة او رجل قبل اربعين يوما من ليلة العرس فلن يحظي الزوج او الزوجة بالزواج مرة أخرى فيصبح ذلك الشخص منبوذا من القبيلة باعتباره مصدرا للشؤم.."الحضيري" كما يسمونه بينهم.ولابد للاطفال الذين يولدون في تلك السنة من وشمهم بفصدات افقية متقاربة علي الخدين مثل تلك التي تزين السلاجق اصحاب دفاتر "التكلة" تلك التي يسجلون فيها رسومات الضرائب والجبايات للاراضي المستحوزة للانعام...خرج صالح القدين منبوذا من منطقته فهام سنوات و سنوات علي الارض قبل ان تجتذبه رياح الخصب التي خلفها طقس "العادة" ورائحة العنبر الي قرية سوميت.

    تحلقت ثلة النفير عند "تقاة" مستديمة وهي مكان الحصاد الذي تفصل فيه الحبة عن السنبلة بمطارق الاندراب بعد نهاية فصل "الدرت" برياحه الحارقة التي تجفف السنابل وتجعلها سهلة الانفصال. . كانت زينوبا تحمل السنابل المقطوعة في سلال مصنوعة من الزعف..من مكان الزرع لتفرغها وسط حلقة التقاة ففي احدي مرات السعي ..وبينما كانت منحنية لتفرغ "قفتها" تلك امتدت يد "الدرملي" لتلامس فراشتها النائمة وتستقر في مركز اللذة المكبوته فنطت دونما ارادة مثل فأر في مصيدة مستوردة واستقرت بين كومة السنابل الناضجة يلسعها شري اللحظات الخاطفة..ودبيب النفس الملدوغة ..سري النمل في روحها مدغدغا لانوثتها البكرة..واحتوتها قناديل الكون لتسد مسغبتها المفاجئة ..توقفت عجلة الزمن وطالتها الغيبوبة..خفافيش تغتسل في سماء لزجة ..وملكات "الأرضة" تحررت من العالم السفلي ..لتتخلق في فضاء ابكم ثم تعبر خطوط التلاشي بين استار هلامية..مر شريط حياتها بذكريات عهد
    الطفولة مثل عطر الهنيهة فكانت اغفاءة كبري وشلال أخرس, دارت مع وجومه عجلة الزمن علي محنة القرية مثل سمكة تحاول التهام ذيلها سنة بعد سنة ..فرأت نفسها مشبوحة في عرض النهر مثل جسر بدائي تعبر فوقه أجيال التمني وصبايا القرية ..وغبار الطمي ينثال من مجرات بعيدة يستقرعلي نشيد الجسد الساجي كمعزوفة سماوية..ورائحة العنبر تطارد شبان القرية..لكن زخاتها عبأت زكيبة الروح لغريب هائم ولقادم جديد من اسفل النهر بركاتك يا شيخ ابوسوميت العارج..تنجدنا .
    بايمان مطلق قالتها "تريعية" تلك المرأة المسؤلة والمشرفة علي طقس العنبر ..حينما احست حركة في جسد زينوبا المطروح علي طقس العادة.
    - قااا..د..ين
    قالتها زينوبا وهي تتحرر من غفوتها .. فجاءت كلماتها فاترة وعطشي .."قادين" معلنة عن فتاها وهي تقصد "قادم"
    تعالت الزغاريد..وتقاطر الرجال والنساء ..من عطفات الوادي ..ومنحنيات النهر ..بحمير ريفاويات ..وصدور عارية الا من الفرح الذي سكن القلوب
    والسماحة النادرة..بسطاءٌ مثل واحة في صحراء التكوين .. كل مجموعة تمثل اسرة من فريق رحب ..يحملون هدايا ..خروفا كان أو ريكة بها ذرة مطحونة لا أحد يعتذر عن حاله أو يشكو الندرة..أقداح الدّبكر الصلبة امتلأت "بالدّنفريس" حساء ممزوج برقائق شفافة مصنوعة من عجين الذرة الخمير لا تكاد تفرغ تلك الصحون الخشبية حتي تلاحقها خطوط الامدادات الموصولة بينها وأطباق "الكسرة" والقدور تصطلي علي بيض النار الحامي في هدوء الجذوة ..من شبع فدونه الجدول "الممرتق" بسد طيني..فليغسل يديه او فليتوضأ..لا عليك ان تجشأت في وجه اخيك..فالكل متخم بالاشياء وممتلئ بالنشوة.. انه يوم فريد من عمر قرية "سوميت".

    -- انهم قادمون


    قالتها انتصار وهي ترنو الي أسفل الجبل..أداو..البينو ..حسين ..اسماعيل تقلاوي..وشخص آخر لم تبان ملامحه بعد ..مشهد الكلية من هذا العلو يرسخ شكل الحدوة فيبدو أعمق من هذه الناحية مع بعض الغبار الذي تشعله رياح الهبباي ..التي تصل الي هذه المنطقة واهنة فترتاح ذراتها الكسلي والناعمة عند متاريس الجبال ومصداتها الطبيعية وقبة الشيخ ابوسوميت مثل كاس معدة لسكرة الجبل تتراى فوقها نسور الحدأة وهي تجترح الافق كمقاتلات النازية في الحرب العالمية الثانية. هذه الحدآت تظهر دوما عندما تكون هنالك وليمة عرسا كان أو ختانا أو احتفالا تقيمه اسرة تعبيرا عن فرحتها وسعادتها بتخرج ابنا لها في الجامعة..أذكر عندما كنا صغارا في بلدتنا "ام قحف" التي نزحنا عنها مكرهين بسبب السد الجديد الذي غمر كل شئ حتي ـأريخنا الممتد الي طفولة الكون ..اي تعويضات تلك التي ستخفف عنا غربة المكان ووحشته ..واي قصور تحمينا من القراص والملاريا وزوبعة الرعد القاصف..واي قنال ضخم سيكسبنا متعة مباراة المياه المتسكعة علي الحيضان..ونحن نتابعها "لبقة" .."لبقة" فنبني "العتارات" بصورة مدرّجة حتي نتمكن من ري الاماكن المنخفضة.. بل اي قيمة تعادل تجريدك من الذاكرة وانتمائك للارض .كنا في بلدتنا الغارقة تحت مكعبات الماء ..نغني للحدأة:

    ---- حدية كُف .. اكلي اللحمة..وخلي الرَز.
    كان الأرز له قيمة عندنا أكثر من اللحوم..لم يكن يزرع في منطقتنا بل كنا أشد اعتقادا بأنه لا يزرع اطلاقا بل يصنع مثله مثل المعكرون أو السكسكانية لذا استخدمه أصحاب "التكيّات" لجذب المريدين والانصار ولتجنيد النفوس الملهوفة.
                  

العنوان الكاتب Date
أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-08-06, 02:40 PM
  Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-08-06, 02:50 PM
    Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-08-06, 06:32 PM
      Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-08-06, 11:48 PM
        Re: أويتلا ـ "رواية" Sidig Rahama Elnour08-09-06, 03:45 AM
          Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-09-06, 12:38 PM
            Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-09-06, 01:09 PM
              Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-09-06, 02:16 PM
                Re: أويتلا ـ "رواية" تولوس08-09-06, 02:34 PM
                  Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-09-06, 05:10 PM
                    Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-10-06, 10:55 AM
      Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-18-06, 01:17 AM
      Re: أويتلا ـ "رواية" جمال عثمان همد10-07-06, 06:03 PM
      Re: أويتلا ـ "رواية" جمال عثمان همد10-07-06, 06:06 PM
    Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج10-09-06, 10:35 PM
  Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-11-06, 02:54 AM
    Re: أويتلا ـ "رواية" غادة عبدالعزيز خالد08-11-06, 03:19 AM
      Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-11-06, 04:49 PM
        Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-13-06, 01:47 AM
          Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-14-06, 01:51 PM
            Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم سيد احمد08-15-06, 08:44 AM
              Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-16-06, 09:48 AM
                Re: أويتلا ـ "رواية" تولوس08-18-06, 02:45 AM
                  Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-20-06, 00:39 AM
  Re: أويتلا ـ "رواية" Hadia Mohamed08-18-06, 08:14 AM
    Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-20-06, 08:29 PM
  Re: أويتلا ـ "رواية" ibrahim sidahmed08-20-06, 08:10 AM
    Re: أويتلا ـ "رواية" osama elkhawad08-20-06, 11:55 PM
      Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-21-06, 00:37 AM
    Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-21-06, 00:08 AM
  Re: أويتلا ـ "رواية" أحمد طه08-21-06, 05:31 AM
    Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-21-06, 11:04 PM
      Re: أويتلا ـ "رواية" osama elkhawad08-21-06, 11:07 PM
        Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-21-06, 11:36 PM
          Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم سيد احمد08-22-06, 07:09 PM
            Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-23-06, 09:06 PM
  Re: أويتلا ـ "رواية" أبوذر بابكر08-23-06, 01:13 AM
    Re: أويتلا ـ "رواية" تولوس08-26-06, 03:51 AM
    Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-28-06, 03:16 PM
      Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج08-29-06, 11:43 AM
  Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج09-17-06, 11:25 AM
  رمضان كريم... ابي عزالدين البشري09-25-06, 05:20 AM
    Re: رمضان كريم... عبد المنعم ابراهيم الحاج09-25-06, 11:38 AM
  Re: أويتلا ـ "رواية" يوسف الولى10-07-06, 05:40 PM
    Re: أويتلا ـ "رواية" malamih10-07-06, 07:29 PM
      Re: أويتلا ـ "رواية" malamih10-08-06, 06:59 PM
        Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج10-09-06, 01:26 AM
          Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج10-09-06, 02:27 AM
            Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج10-09-06, 03:04 AM
              Re: أويتلا ـ "رواية" أيزابيلا10-09-06, 06:40 AM
                Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج10-09-06, 10:55 AM
                  Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج10-10-06, 03:31 PM
                    Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج11-15-06, 02:58 PM
                      Re: أويتلا ـ "رواية" malamih11-15-06, 04:59 PM
                        Re: أويتلا ـ "رواية" الصادق اسماعيل11-15-06, 07:58 PM
                          Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج11-16-06, 01:43 AM
                            Re: أويتلا ـ "رواية" malamih11-16-06, 06:09 AM
                              Re: أويتلا ـ "رواية" malamih11-16-06, 06:21 AM
                              Re: أويتلا ـ "رواية" malamih11-16-06, 06:21 AM
                              Re: أويتلا ـ "رواية" malamih11-16-06, 06:21 AM
                              Re: أويتلا ـ "رواية" malamih11-16-06, 06:22 AM
                              Re: أويتلا ـ "رواية" malamih11-16-06, 06:22 AM
                              Re: أويتلا ـ "رواية" malamih11-16-06, 06:26 AM
                                Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج11-17-06, 01:56 AM
                                  Re: أويتلا ـ "رواية" malamih11-18-06, 03:47 AM
                                    Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج11-18-06, 01:48 PM
                                      Re: أويتلا ـ "رواية" عبد المنعم ابراهيم الحاج11-18-06, 02:13 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de