|
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 (Re: NAZIM IBRAHIM ALI)
|
كان المؤذن يرفع آذان العشاء ليقطع سكوناً يشبه صمت المقابر يحاصر مستشفى "دار الفؤاد" في ضاحية السادس من أكتوبر غرب القاهرة، وهو المستشفى الذي أصبح خلال السنوات الماضية ملاذ المرضى المتعبين من علية القوم، ورمزاً للطب النخبوي في مصر، فالمكان على أناقته ورصانته يبدو مثل مقر جهاز استخبارات عربي، لا شئ يوحي في البداية بأنه ثكنة عسكرية صريحة، فليس هناك سوى بضع جنود يتثاءب أحدهم ويسترخي الآخر على مقعده لا ينتظر سوى مرور ساعات "نوبة الحراسة"، لكن مع ذلك يمضي الجميع داخل هذه المستشفى كما لو كان هناك برنامج معد سلفاً لكل ما يجري في داخله، فهناك بشر يمضون في كافة الاتجاهات، يساراً ويميناً، أعلى وأسفل، في الداخل والخارج، لكن الصمت هو السمة الغالبة، فلا أحد يتحدث سوى همساً قصيراً وبعبارات مبتسرة لا يكاد المرء يتبينها، وملامح التجهم مزجت بشموخ يتكئ على شهرة أو نفوذ أو مال أو نجومية، وفي الطابق الأول من هذا المستشفى "الثكنة"، يرقد فتى أسمر "الحزن عليه هو المكتوب"، لعله لم يدخل هذه الثكنة أو يفكر بها أساساً، قبل أن يشتبه أطباؤه في إصابته بالسرطان اللعين، كان وقتها يتصور الأمر مجرد "سعال تدخين"، وهي الضريبة التي يدفعها عن طيب خاطر منذ أيام "انكسار القلب" عقب انفصاله عن حب عمره الوحيد الراحلة هالة فؤاد، فلم يبق له إذن سوى السيكارة صديقاً ورفيقاً، يشعلها .. يستمتع بدخانها كما لو كان بالونة طالما حلم بها دون الحصول عليها في طفولته الفقيرة بإحدى قرى محافظة الشرقية، التي لم تبخل يوماً في تقديم أجمل الأبناء لمصر، من الأسرة الأباظية العريقة، إلى "آل غيث"، مروراً بـ "آل سرحان"، ثم العندليب الأسمر، وأبو النجوم الفاجومي، فضلاً عن الزعيم التاريخي أحمد عرابي وغيرهم من رموز أزمان جميلة خلت.
الأعمار بيد الله أجرى الرئيس المصري حسني مبارك الليلة الماضية اتصالا هاتفيا بأحمد زكي للاطمئنان على صحته، كما رفعت الكنيسة الأرثوذكسية في صلاة أمس دعوات له بالشفاء، كما توافد حشد من نجوم السينما والغناء في مصر على المستشفى، كانت أولى الحاضرات هي الفنانة يسرا، وتبعتها شهيرة ورغدة ونبيلة عبيد وجميل راتب، ومحمد هنيدي الذي بكى بشدة فشفعت له دموعه في الدخول إلى غرفة العناية المركزة لدقائق، وقال الدكتور ياسر عبد القادر رئيس الفريق الطبي المعالج لزكي إن اتصال الرئيس مبارك به منحه "دفعة معنوية قوية"، موضحا أن الحالة العامة لزكي في تحسن، وأن هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها تتراجع نسبيا، مشيراً إلى أنه بدأ بالفعل التحرك والخروج من غرفته، وأنه حرص على تناول طعام الافطار وسط العاملين في كافتيريا المستشفى، غير أن مصدراً طبياً مرموقاً يتابع الحالة عن كثب، تحدثت معه (إيلاف) أعرب عن قلقه إزاء صحة زكي، قائلاً إنه دخل ما أسماه "المرحلة الثالثة" من الصراع مع السرطان، وهي مرحلة بالغة الحرج، نتيجة لمضاعفات الورم السرطاني في صدره، وانتشاره إلى الكبد والغدد الليمفاوية في البطن، وأضاف أنه يعاني نتيجة ذلك من "استسقاء في الغشاء البروتوني"، كما أصيب بالتهاب رئوي وضيق حاد في الشعب الهوائية، غير أنه أكد مع تأكيده على أن "الأعمار بيد الله"، لكن حالة زكي لن تبقيه حيا أكثر من بضع شهور على أقصى تقدير سيخضع خلالها للعلاج بالمسكنات، مع توقف عن علاجه بالكيماويات حتى لا يصبح الأمر "رحلة عذاب" أخيرة للفنان الكبير في محنته التي يسانده ولو بالدعاء له ملايين من محبيه وعشاق فنه .
تأتي هذه التطورات المحزنة بعد إصابة أحمد زكي بسرطان في الرئة قبل عام تقريباً، وقد بدأ علاجه في مصر ثم انتقل إلى باريس حيث طلب منه الاستمرار في العلاج الكيميائي، وبعد عودته ساهم في علاجه فريق طبي صيني، وقد تعرض أحمد زكي خلال تصويره فيلماً عن الفنان عبد الحليم حافظ الذي كتب له السيناريو محفوظ عبد الرحمن، ويخرجه شريف عرفة إلى جلطات في أوردة الركبة والساقين، إلا أنه كان يعود لاستكمال التصوير الذي أنهى ما يربو على تسعين بالمائة من المشاهد التي يتضمنها، ولم يبق من الفيلم سوى عشرة مشاهد سيكون تصوير أغلبها بصوت زكي فقط، وهي ـ حسب مسؤول في الشركة المنتجة ـ لم تكن أساسية في موضوع الفيلم، بل إضافات على السيناريو طالب بها زكي والمخرج، وأن بقية المشاهد سيتم تصويرها في الإسكندرية والمغرب ولندن ولكن سيتم إيقافها لمدة من 10 - 15 يوما حتى تستقر حالته الصحية ولو بشكل نسبي يسمح له بالعودة إلى أجواء التصوير وأعبائه .
يخاف ثلاثة الحاصل الآن أن أحمد زكي يرقد على رجاء رحمة ربه، يضمه جسده النحيل سرير صغير أنيق، وتحاصره رائحة المشافي، وأجواء التعقيم، وكهنوت الأطباء، ودقات كعوب أحذية الممرضات وجنود الحراسة، ولعل الفتى الذي تؤكد شهادة ميلاده أنه تجاوز الخامسة والخمسين من عمره، ومع ذلك فما زال حتى الآن حين ينفرد بوحيده "هيثم" يتحول إلى كائن آخر يحاول تعويض نفسه عن سنوات الحرمان التي لازمت سنوات طفولته وصدر شبابه، حين كان وقتئذ ابن بلده عبد الحليم حافظ عندليب مصر الأسمر، وفتى أحلام ملايين العربيات، بينما "صاحبنا" يتردد على مقاهي "وسط البلد" سواء في شارع 26 يوليو، أو يتناول ساندويتش فول مدمس لدى مطعم "الجحش"، أو طبق كشري من أحد الباعة الجائلين، يعد نقوده مرة واثنتين قبل أن يقتحم المحل، أو يتوقف أمام بائع الكشري أو الكبدة، فالفتى الريفي الذي قال ذات مرة لأصدقائه أيام سعادته القصيرة مع "ام هيثم"، إنه لا يخشى سوى ثلاثة في هذه الحياة، "يخشى الله والحكومة وهالة" لهذا فإنه يفضل الجوع على الوقوف متهماً أمام الشرطة بعدم سداد ثمن ما تناوله من مأكولات، ولعله يرتضي مقاسمة "عساكر الجيش" في "جمعية" يدفع كل منهم قروشاً لشراء بعض الفول والفلافل والخبز الطازج، بينما لا يعرف أي منهم الآخر، لكن يجمعهم الجوع والفقر والمصادفة و"قطار الزقازيق"، وكما يقال في مصر "لقمة هنية تكفي مية"، ويعود "أبو الزيك" كما كان رفاقه ينادونه وهو لم يزل طالباً يحاول تقليد معلميه في تلك السنوات الجميلة البعيدة، ليواصل الحفر بأظافره في الصخر، بينما الساحة تعج بالنجوم في الغناء والتمثيل والمسرح والشعر والسياسة وكل شئ، كان هناك من بين رفاقه قطارات الكوميديا القادمة من أحياء القاهرة الشعبية، كعادل إمام ابن "حي الخليفة" ومنطقة القلعة التي تفوح بعبق التاريخ، وسعيد صالح ابن حي "السيدة زينب"، وغيرهما من فتيان المدينة "المدردحين"، بينما هذا الفتى الريفي "الخام" الذي لازال يتحدث حين يغضب بلهجة "الشراقوة" يتحسس طريقه ملتمساً أي دور وسط هؤلاء "الغيلان"، فكان دور الشاب الجاد الوحيد في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، وبعدها انطلق "زكي" بعنفوان موهبته وإخلاصه لعمله ليصبح واحداً من أهم النجوم في السينما المصرية والعربية، بعد رحلة شقاء وجدية ودأب واتساق مع الذات واحترام للجمهور والنفس، صنعت في مجملها حالة خاصة لنجم استثنائي يعشق فنه ملايين البشر من شتى المشارب.
وأحمد زكي من مواليد عام 1949 في الزقازيق بمحافظة الشرقية بمصر، والتحق بقسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية منتصف الستينيات، بدأ يحقق شهرة جماهيرية واسعة بعد أن قدم سلسلة من الأفلام السينمائية التي حققت نجاحاً شعبياً كاسحاً، ورسخت الشخصيات التي جسدها في أذهان ملايين البشر، ومنها "زوجة رجل مهم"، و"ناصر 56"، و"أيام السادات" و"لا أكذب لكني أتجمل"، و"الحب فوق هضبة الهرم"، و"البيه البواب"، و"البرئ" و"كابوريا" وغيرها من الأفلام، فضلاً عن مساهماته المتميزة في الدراما التلفزيونية كمسلسلات "هو وهي" و"الأيام" عن سيرة حياة العميد طه حسين.
نقلا عن ايلاف الالكترونية
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | Raja | 03-08-05, 02:24 PM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | aymen | 03-08-05, 02:43 PM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | Raja | 03-08-05, 03:01 PM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | سجيمان | 03-08-05, 04:22 PM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | ودالعباسية | 03-08-05, 04:34 PM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | Raja | 03-08-05, 04:56 PM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | adel alsaed | 03-09-05, 03:45 AM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | manubia | 03-09-05, 05:34 AM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | عبدالله | 03-09-05, 06:35 AM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | محمد بهنس | 03-09-05, 06:38 AM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | Raja | 03-09-05, 10:32 AM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | Raja | 03-09-05, 10:25 AM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | بلدى يا حبوب | 03-09-05, 06:49 AM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | جمال ادريس | 03-09-05, 07:33 AM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | Raja | 03-09-05, 10:40 AM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | Zongiya | 03-09-05, 02:28 PM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | jini | 03-09-05, 03:10 PM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | Raja | 03-09-05, 03:58 PM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | معتصم دفع الله | 03-09-05, 04:13 PM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | Raja | 03-09-05, 04:01 PM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | مبيوع | 03-09-05, 09:28 PM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | بلدى يا حبوب | 03-10-05, 05:42 AM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | NAZIM IBRAHIM ALI | 03-10-05, 09:09 AM |
Re: الـفـنـان أحــمــد زكــي فـي حـالـة خـطـرة 2 | جمال ادريس | 03-10-05, 03:00 PM |
|
|
|