ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-17-2024, 07:19 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة رجاء العباسى(Raja)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-28-2003, 03:10 PM

Raja
<aRaja
تاريخ التسجيل: 05-19-2002
مجموع المشاركات: 16054

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان

    إنه آت لا محالة!:


    بقلم: د. الشفيع خضر سعيد

    تفاؤل عند الكثيرين وأمنية عند الأكثر بأن تنتهي المفاوضات بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية بتوقيع اتفاق نهائي في القريب العاجل، والشعب السوداني الصابر يتطلع بلهفة وقلق إلى أن تتحقق أمنية هؤلاء وتفاؤل أولئك، ونحن نقع ضمن دائرة المتفائلين والمتمنين والمتلهفين، ليس من منطلق العاطفة والرغبة المحض، وإنما بالاستناد إلى الوقائع الموضوعية التي تجعلنا نتوقع نجاح المفاوضات بنسبة 85% على الأقل، على أن النسبة المتبقية للفشل 15% قابلة للزيادة والمضاعفة، فما تم انجازه حتى الآن، بما في ذلك اتفاق الترتيبات العسكرية الأخير، لا يشكل في تقديري تخطي العقبة أو العقدة الأساسية على عكس ما تقول الحكومة، مقارنة بالقضايا العالقة والتي يبتعد الطرفان كثيرا عن نقطة الإلتقاء حولها، وخلال الجولة الأخيرة إنهمك الوسطاء في دفع الطرفين للإتفاق على إحدى هذه القضايا أو جزء من إحداها على الأقل إستقبالا لوزير الخارجية الأميركي كولن باول الذي وطئت قدماه أرض نيفاشا ليواجه بأن عثرات التفاوض أكبر من أن تتخطاها قدما من عبر وتخطى المحيطات!

    بالنسبة لقضايا المناطق الثلاث توقفت جولة سبتمبر الماضي عند الخلاف حول وضع منطقة أبيي التي ترى الحركة الشعبية ضمها لمنطقة بحر الغزال في الجنوب تصحيحا لوضعها الإداري، بينما ترى الحكومة ان أبيي تقع خارج حدود الجنوب المتفق عليها في أول يناير 1956، إضافة إلى ضرورة الأخذ في الإعتبار التغيرات الديموغرافية التي حدثت في المنطقة، ولم تتطرق المفاوضات إلى المنطقتين الأخريين، جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، وهما في تقديري أكثر تعقيدا من قضية أبيي على الرغم من أن الحكومة تبسَط المسألة بالإشارة إلى أن المنطقتين تقعان داخل حدود الشمال، فالمنطقتان تشكلان بالنسبة للحركة الشعبية واقعا من الصعب تخطيه، حيث تدخل المنطقتان ضمن التركيبة التنظيمية للحركة قيادة وجيشا، كما تدخلان ضمن منظومتها السياسية والفكرية من حيث مفهوم «المناطق المهمشة» ومفهوم البعد الإفريقي في مواجهة الاستعلاء العربي، أضف إلى ذلك ما تحمله الحركة الشعبية من تفويض للتعامل مع هذه القضية والذي قدم للحركة خلال المؤتمرات التي نظمتها في كل من جبال النوبة والنيل الأزرق وشارك فيها د. قرنق.

    وبالنسبة لقضية توزيع الثروة فهنالك الاختلاف حول نسب توزيع عائدات البترول حيث تطالب الحركة بنسبة 60% بينما يقترح الوسطاء 40% إلى 50% وبينما تقترح الحكومة تحديد حصص من الناتج الإجمالي المحلي لكل إقليم من أقاليم السودان بما في ذلك الجنوب، تطالب الحركة بتخصيص ميزانية محددة ومستقرة للجنوب وذات موارد محددة ومعروفة تفاديا للقصور الذي شاب تطبيق اتفاقية أديس أبابا 1972، وتفاديا لاعتماد الجنوب على الموارد المخصصة من الحكومة المركزية في الشمال، وردا على إصرار الحكومة على تطبيق النظام المصرفي الإسلامي في الشمال في مواجهة لدعوة الحركة إلى تبني المعايير المصرفية الدولية، تطرح الحركة قيام مصرف مركزي في الجنوب واعتماد عملة خاصة به.

    أما بالنسبة لمسألة تقسيم السلطة فإن جولة سبتمبر لم تناقشها، كما لم يتم التطرق إلى قضية أوضاع أجهزة الأمن والمخابرات والتي لم يشملها اتفاق الترتيبات العسكرية الموقع بين الطرفين، بل تم ترحيلها لتناقش ضمن قضية تقسيم السلطة.

    إذن... القضايا العالقة كبيرة وشائكة، ومع ذلك فإن الراجح هو الاتفاق، قد يتأخر شهرا أو ثلاثة، لكنه آت لا محالة، ومن الواضح أن هنالك عدة ضغوطات تدفع باتجاه ترجيح كفة الاتفاق، منها:

    ـ قوة الدفع الذاتي الكامنة في عملية التفاوض نفسها.

    ـ ضغوط الواقع وحالة التوازن الراهنة بما في ذلك توازن الإرهاق من الحرب.

    ـ ضغط الرغبة الشعبية العارمة من أجل نبذ الحرب وتحقيق السلام.

    ـ الضغط الدولي والإقليمي من الحكومات والمنظمات المختلفة.

    ـ الضغوطات من داخل الطرفين، الحركة والحكومة، للإسراع بالتوقيع.

    ثنائية حتى النهاية!

    بتاريخ 27/1/2002 التقى مندوب من الولايات المتحدة الأمريكية بأحد قادة التجمع وأبلغه بأن الإدارة الأمريكية قررت التحرك تجاه المسألة السودانية وفق النقاط التالية:

    أ- أن تكون الأولوية لوقف الحرب ثم يأتي بعد ذلك البحث عن اتفاق سياسي.

    ب ـ هدف الإتفاق السياسي هو الحفاظ على وحدة السودان وفق صيغة تعالج موضوع علاقة الدين بالسياسة وتخفف من حدة شعار حق تقرير المصير.

    ج ـ الآلية المطروحة هي التفاوض الثنائي المباشر بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية إلى أن يتوصلا لإتفاق نهائي حتى ولو كان جزئيا، لأن ذلك خيار«أفضل من عدم التوصل لاتفاق !».

    د ـ استبعاد التجمع تماما في هذه المرحلة.

    هـ ـ أيضا استبعاد مصر في هذه المرحلة وتكليف كينيا بدور الوسيط الرئيسي تحت مظلة الايغاد.

    وهكذا منذ البداية خطط للمفاوضات أن تكون ثنائية، فبدأت ثنائية وتستمر الآن ثنائية، صحيح أنه منذ تلك البداية وحتى هذه اللحظة لم نتراجع عن موقف الرفض التام لمنهج التجزئة الذي تسير عليه عملية التفاوض، وصحيح أن هذا الموقف لم يؤد إلى تعديل مسار التفاوض لصالح شمولية التمثيل والقضايا، إلا أنه أحدث شروخا في جبهة دعاة الحل الجزئي من حيث التشكيك في إمكانية استمرار ورسوخ السلام، إذا تحقق، في ظل غياب دور فاعل للقوى السياسية الأخرى، ومن حيث التساؤل حول كيف يمكن للفترة الانتقالية أن تكون جاذبة لتيار الوحدة في ظل بعض الترتيبات الواردة في بروتوكول مشاكوس والتي تدفع بالمسار في الإتجاه المعاكس؟

    عموما، قناعتي أنه مثلما بدأت المفاوضات ثنائية فستنتهي ثنائية بتوقيع اتفاق للسلام بين الحركة الشعبية والحكومة.

    ومع أهمية مواصلة الطرق على قصور هذا المنهج وعلى ضرورة شمولية التمثيل، إلا أن من الأجدى أن نركز على المرحلة التي ستعقب التوقيع على اتفاقية السلام، وهذا لايعني إتخاذ موقف الفرجة والانتظار السلبي إلى حين ظهور نتائج التفاوض، بل النظر إلى مجريات التفاوض باعتبارها من ضمن آليات الصراع السياسي في البلاد، وبالتالي المساعدة في بذل كل ما هو ممكن لإنجاحها، وفي نفس الوقت بذل مزيد من الضغط على مسار المفاوضات عبر الوسطاء والمراقبين والمفاوضين، من أجل البناء فوق الإيجابيات التي تضمنها بروتوكول ماشا كوس، ومن أجل التأثير الممكن على بنود الاتفاقية النهائية حتى تأتي لصالح الوطن والمواطن.

    إن العملية التفاوضية الجارية الآن، وبغض النظر عن نتائجها النهائية، وعن درجة الرضى عن هذه النتائج، ستحقق على الأقل ثلاثة إنجازات أساسية هي:

    أولا: وقف الحرب والقتال وتدمير الوطن.

    ثانيا: الاتفاقية اختراق قوي في جدار الشمولية وتأكيد آخر لفشل مشروع إعادة بناء الدولة السودانية على أساس آيديولوجي، أيا كانت هذه الأيديولوجية.

    ثالثا: ستخلق الاتفاقية واقعا جديدا في البلاد يفتح آفاقا نحو التحول الديمقراطي، ويهيئ مناخا أفضل للصراع السياسي من أجل إرساء قواعد السلام العادل والشامل في كل ربوع الوطن، ومن أجل استعادة الديمقراطية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان وضمان تصفية دولة الحزب الواحد لصالح النظام الديمقراطي التعددي، ومن أجل المحاسبة القضائية لكل من أفسد أو ارتكب جرما ضد الوطن والمواطنين، صحيح أن مجرد اعلان الاتفاق والاحتفال بتوقيعه لن يعالج مفاصل الأزمة، ناهيك عن أن منهج التفاوض الذي استمر قاصرا حتى النهاية سيلقي بتبعاته السالبة دون شك، ولكن العبرة هنا في كيفية استثمار الحركة السياسية والجماهيرية لهذا الواقع الجديد لصالح استنهاض نشاط شعبي فعّال، وحراك جماهيري متصل ومتقد يقوم على تكامل مختلف أشكال العمل السياسي والجماهيري، وذلك من أجل التصدي لحزمة من القضايا الأساسية الملموسة والتي من ضمنها:

    1ـ العمل على تحويل الاتفاق الثنائي بين الحكومة والحركة الى اتفاق شامل في اطار صيغة للاجماع الوطني، ويأتي ضمن ذلك التمسك بضرورة عقد المؤتمر الدستوري خلال الستة شهور الأولى من الفترة الانتقالية، باعتبار أن ذلك هو السبيل الأمثل لتحقيق إجماع وطني حول دستور البلاد وحول مشروع قومي لحماية السلام وتعزيز الوحدة، كذلك الاستعداد منذ الآن في بحث كيفية المشاركة في تنفيذ التدابير الناتجة من واقع التفاوض والتي سيوقع عليها الطرفان، مثلا: تكوين لجنة الجهاز القضائي، لجنة الخدمة العامة، اللجنة القومية لمراجعة الدستور، لجنة الترتيبات العسكرية والأمنية، اللجنة القومية للانتخابات، لجان مراقبة أوضاع حقوق الإنسان... الخ، إن هذه العملية تستوجب أن يتم منذ اللحظة تقوية مركز العمل المعارض في الداخل بكل الوسائل بما في ذلك نقل نشاط تجمع الخارج إلى الداخل.

    2ـ مخاطبة قضايا المعيشة ومعاناة الحياة اليومية للمواطن السوداني بما في ذلك قضايا المفصولين والمشردين والنازحين، فالسلام وحده لن يشبع الجوعى ويكسو العراة!

    3ـ مخاطبة قضايا التوتر العرقي والمناطق المهمشة والتي ستظل بؤرا للصراعات المتفجرة، فالصراعات القبلية تجاوزت طابعها التقليدي، وتحولت إلى صراع على الموارد الطبيعية المتدهورة، وتطلع مشروع نحو اقتسام عادل للثروة والسلطة، والمشاركة الديمقراطية في القرار السياسي والإداري، وفي هذا السياق تحتل الأزمة في دارفور موقعا خاصا، فأزمة دارفور، رغم حيزها الجغرافي وخصوصيتها، امتداد للأزمة الوطنية العامة، كما أن سياسات وتجاوزات حكومة الإنقاذ، فاقمت الأزمة وحولتها إلى مأساة إنسانية مرشحة للتدويل.

    4ـ إعادة تأهيل الحركة النقابية، والمشاركة الواسعة في اعادة تأهيل الاقتصاد، إصلاح الخدمة المدنية، إضافة إلى خلق أوسع قاعدة جماهيرية لحماية حقوق الإنسان وترسيخ التحول الديمقراطي.

    5ـ مقاومة إفرازات فشل مشروع السلطة الحضاري وما أفرزه من هوس ديني وإرهاب.

    6ـ المحاسبة والمساءلة لكل من ارتكب جرما في حق الوطن والمواطن.

    7ـ الاستعداد لخوض الانتخابات وفق برنامج انتخابي مستمد من قرارات مؤتمر القضايا المصيرية، ووفق قائمة موحدة.

    الاتفاق والشراكة!

    موضوعيا فإن أي اتفاق بين الحركة والحكومة هو درجة من درجات الشراكة، وهذه مسألة مقبولة ومفهومة، لكن السؤال هنا ما هو محتوى ومدى هذه الشراكة؟! دوائر النظام تستعجل التوصل لاتفاق يقوم أساسه على شراكة سياسية كاملة بينه وبين الحركة الشعبية، وذلك بهدف الحفاظ على البنية التحتية للنظام، خاصة الاقتصادية والأمنية، مما يعني احتفاظ هذه الدوائر بقدرتها على إفراغ أي اتفاق أو مسعى للتحول الديمقراطي من محتواه، وكذلك الحفاظ على ما غنمته من مكاسب طيلة سنوات الحكم، و السعي في نفس الوقت للإفلات والهروب من المحاسبة والمساءلة، هذه الدوائر بقيت في السلطة بقوة القمع والبندقية، والآن تريد مواصلة البقاء في الحكم والهروب من المحاسبة بواسطة الحلول الجزئية والشراكة، لكن هل يمكن أن تغامر الحركة الشعبية لتحرير السودان بكل ما قدمته من تضحيات جسام لصالح قضيتها العادلة؟ وهل يمكن أن تضحي بكل تاريخها الزاخر بالمفاهيم والشعارات النضالية من نوع: السودان الجديد، الاجماع الوطني، الوحدة الطوعية على أسس جديدة، التمسك بمقررات مؤتمر أسمرا 1995 للقضايا المصيرية... الخ، وتختزل هذا النضال في اقتسام السلطة والثروة مع نظام الإنقاذ على نمط اتفاقية أديس أبابا 1972؟

    إن مشاركة الجماهير الواسعة في كل شيء، في التفاوض وفي تنفيذ نتائجه، هي الشراكة الوحيدة التي يمكن أن تخرج بلادنا من الأزمة، وهذه لن تتأتى إلا عبر التحول الديمقراطي الواسع والحقيقي، ونحن ندرك أن نظام الخرطوم يرفض هذه الشراكة لأن محصلتها النهائية هي تفكيكه.

    من زاوية أخرى تدور الآن أحاديث حول التحالفات في المرحلة المقبلة، وهي أحاديث لانجد تفسيرا لها سوى بدء السباق نحو كراسي السلطة، ونظام الخرطوم يناور في هذه الوجهة من منطلق توسيع الشراكة عبر «صرف» العديد من كراسي الحكم بعد صنع المزيد منها، إن إختزال التغيير في مجرد إعادة إقتسام وتوزيع كراسي السلطة هو المدخل لاستمرار إعادة انتاج الأزمة.

    إن التحول الديمقراطي هو مفتاح الحل لأزمات الوطن، ولكن فإن أي تغيير قادم في السودان لا يهز في وقت واحد البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي، سيظل مشوها وناقصا ويحمل في طياته إمكانية الانتكاسة، ولنا في تجربة ثورة أكتوبر 1964 وإنتفاضة أبريل 1985 خير درس، إن عملية الهز هذه لن تتم بالرغبة الذاتية، وإنما عبر صراع سلمي وطويل يشكل الأساس لوجهة نظرنا حول صيغة التجمع الوطني الديمقراطي، كما يشكل الأساس حول كيفية إعادة اصطفاف قواه في مرحلة لاحقة بالارتكاز على أربع ركائز أساسية هي:

    1ـ الطابع الجماهيري لعملية التغيير حتى وان تم عبر التسوية المتفاوض عليها.

    2ـ التعددية بمفهومها الواسع والذي يلبي الواقع السياسي والاجتماعي والعرقي والثقافي والديني.

    3ـ الديمقراطية الواسعة المرتبطة بواقع التعددية أعلاه، والتي تمارس وفق أرضية سودانية تلبي في الأساس الحاجات الرئيسية للمواطن (لقمة العيش).

    4ـ دور المناطق المهمشة وقضايا القوميات في اتجاه جذب طلائع هذه المناطق للتحالف مع قوى القطاع الحديث بهدف التصدي لعلاج المشكل السوداني حيث في إطار ذلك فقط سيتم حل قضايا مناطقهم التي عانت طويلا من التهميش والإهمال والظلم.

    مستقبل التجمع

    وفي إطار السباق المحتدم نحو السلطة خلال الفترة الانتقالية، في حال التوصل لاتفاق، تعمل منذ الآن قوى مرئية وأخرى مستترة، لتفكيك التجمع باعتبار أن مرحلته قد انتهت، إن هذه القوى - بوعي أو بدون وعي - تعبر عن اتجاهات الأزمة وإعادة انتاجها، إن التجمع الوطني الديمقراطي وعاء يضم الأحزاب والنقابات وممثلي القوات المسلحة والشخصيات الوطنية، لكنه ليس مجرد كم حسابي - حاصل جمع مكوناته - وإنما هو صيغة جديدة في التجربة السياسية السودانية، صيغة نبعت من جملة من التناقضات الملازمة للممارسة السياسية في السودان منذ الاستقلال: الحلقة الشريرة، التناقضات المرتبطة بالممارسة الحزبية والبرلمانية، ارتباط السياسة بالطائفة والقبيلة، التناقضات الناتجة عن تهميش قوى مراكز الإنتاج الحديث (القوى الحديثة) وفى نفس الوقت تهميش قوى الأطراف (مراكز التوتر العرقي)، وصيغة التجمع تمثل أحد أوجه الصراع الاجتماعي في السودان وذلك على أرضية الصراع في إطار التحالف، لذلك فهو ليس مجرد جبهة معارضة من أجل إزالة النظام الديكتاتوري الحالي وحسب ، وإنما هو وعاء يدار فيه الصراع الاجتماعي حول كافة قضايا الوطن بصورة سلمية وديمقراطية وفق منهج جديد يصحح سلبيات الماضي ويمنع إعادة إنتاج الأزمة، والتصدي لقضية بهذا العمق يستوجب استنفار الشعب بأسره، وصيغة التجمع مساهمة فعّالة في هذا الصدد حيث ألتفت حوله الجماهير وعقدت عليه آمالها لا في الخلاص من الديكتاتورية فحسب وانما في إخراجها من ما يقرب من خمسين عاما من الإحباط وفي تحقيق تطلعاتها إلى وطن تترجم فيه الديمقراطية والحرية السياسية إلى حياة تزدهر ماديا وروحيا، وعلى هذا الأساس أدار التجمع نقاشا واسعا وعميقا حول قضايا إعادة بناء الدولة السودانية حيث تم التوصل إلى نقاط اتفاق واسعة ضمنت في مواثيق ومقررات التجمع، ولعل أكبر إنجاز كان مؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا - يونيو 1995 - والذي يعتبر شكلاً مصغراً للمؤتمر الدستوري حيث تم الاتفاق على قضايا فصل الدين والسياسة ، شكل الحكم في الفترة الانتقالية بعد إزالة الديكتاتورية، إيقاف الحرب والسلام، البرنامج الاقتصادي الانتقالي، عقد المؤتمر القومي الدستوري خلال الستة أشهر الأولى من الفترة الانتقالية وصولا لصياغة دستور دائم للبلاد، كيفية تنظيم الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية على أساس النظام الديمقراطي التعددي... الخ، وقد التزمت كافة أطراف الحركة السياسية السودانية باعتبار ميثاق التجمع وملحقاته من قرارات مؤتمر أسمرا التاريخي بمثابة الثوابت التي ستبنى عليها الدولة السودانية الحديثة الموحدة والمستقرة، ومؤخرا طرح التجمع مشروعا للإجماع الوطني يستند إلى تلك المقررات التاريخية، وذلك في مواجهة الحلول الجزئية التي في تقديرنا لن تتصدى لعلاج جذور الأزمة، وفي الحقيقة فإن مواثيق التجمع ومقرراته وحدت قوى متباينة، بل ومتعارضة، ظلت - لأسباب سياسية واجتماعية وتاريخية وإقليمية... الخ - تتخاصم وتتصارع حقبا طويلة قبل أن تقتنع بأن الوطن كله أصبح في مهب الريح وان خطرا داهما يتهددها جميعا، وان التفكير السليم يقول بان ما يجمعها من مصالح- في الحد الأدنى الضروري للحياة - أقوى مما يفرقها، وأنه آن الأوان كيما تلتقي بجدية واخلاص لصياغة واقع جديد في السودان يحافظ على دولته الديمقراطية الموحدة، ويهيئ مناخا ملائما للتداول السلمي للسلطة ولإنجاز مشروع تنموي لصالح الجماهير السودانية التي ظلت صابرة لعقود من الزمن لا تحصد سوى الريح، ولكن أبدا لم تفقد الأمل.

    إن هذا التشخيص يفترض أن يظل التجمع موحدا ومتماسكا طيلة الفترة الانتقالية، وفي نفس الوقت ينفتح على كافة القوى الأخرى على أساس مواثيق أسمرا ومشروع الإجماع الوطني، فهل شطحنا يا ترى؟

    خاتمة

    لقد ظللنا نكرر، ولن نمل التكرار، بأن الأزمة السودانية ليست أزمة عابرة أو مؤقتة، وإنما هي أزمة وطنية عميقة وشاملة تخللت كل أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية، إنها أزمة مزمنة تمتد جذورها إلى فجر الاستقلال، لكنها تفاقمت وتعقدت بالمعالجات القاصرة والخاطئة على أيدي القوى الاجتماعية التي شكلت الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت على الحكم طيلة الفترة التي أعقبت الاستقلال وحتى يومنا هذا.

    وما يشهده السودان اليوم ليس سوى التعبير الأوضح والنتاج المنطقي لهذه الأزمة التي وصلت مداها الأقصى في ظل النظام الحالي، بحيث تشهد بلادنا اليوم مأزقا مأساويا حقيقيا... نورد هنا - باختصار - بعض مظاهره: ـ سيادة الإرهاب والطغيان وانتهاك حقوق الإنسان في السودان بدرجة لم تشهدها بلادنا من قبل.

    ـ اتساع رقعة الحرب الأهلية المدمرة لتشمل كل البلاد غربا وجنوبا وشرقا، ونتيجة للحرب الأهلية يفقد السودان الآلاف من شبابه كما تتضاعف أعداد المعوقين، وتتضاعف أعداد النزوح واللجوء حيث الآلاف يبحثون عن ملاذ ومأمن لأطفالهم في كندا واستراليا وهولندا وبريطانيا ونيوزيلندا والولايات المتحدة... الخ.

    ـ انعدام المقومات الأساسية للحياة وتفشي المجاعة واستجداء قوت الطعام وانهيارات الطبقة الوسطى لدرجة التسول... الخ.

    ـ انعدام الأمن والأمان، الطفولة المشردة، تحطم الأسر وتفسخ النسيج الاجتماعي، الخوف من المستقبل، نزيف العقول والكفاءات والمهارات وسواعد الشباب.... الخ.

    ـ محاولة فرض مشروع اجتماعي متخلف تحت مسميات «إعادة صياغة المجتمع» و «المشروع الحضاري»، صحيح أن هذا المشروع أصابه الفشل الذريع، لكنه أفرز مجموعات الهوس الديني، كما أدخل على البنية الاجتماعية عددا من الممارسات الغريبة.

    ـ صعود شرائح الطفيلية الجديدة وأثرياء الحرب وسماسرة المجاعة وناهبي المال العام.

    وكانت حصيلة هذا الواقع المأساوي:

    ـ شكل جديد من الاستلاب والاغتراب ليس تجاه الدولة أو مؤسساتها فحسب، وانما تجاه الكيان السوداني ذاته، وهنا تكمن الخطورة.

    ـ إعاقة نمو واتساع القوى الحديثة في المجتمع، القوى التي يفترض أن تبني المستقبل.

    ـ ترييف المدينة التي خبا بريقها كمركز إشعاع ثقافي وسياسي.

    ـ إنهاك مؤسسات المجتمع المدني، ثم فقدان الثقة في هذه المؤسسات بما في ذلك الأحزاب، وتراجع المواطن إلى رحاب القبيلة والعشيرة بحثا عن الأمن والأمان، وما يحمل ذلك في طياته من إمكانية تصدع الدولة.

    إن الصراع السياسي في السودان ليس مجرد صراع حول السلطة بين المعارضة والحكومة،كما لا يمكن حصره في أنه معركة بين الشمال والجنوب، مثلما لا يمكن توهم حله بمجرد وقف القتال بين المتحاربين، لكن جوهر الصراع هو في الحقيقة حول إعادة بناء الدولة السودانية الحديثة، القائمة على الاعتراف بالتعدد الاثني والديني والثقافي، والمرتكزة على أسس النظام المدني الديمقراطي التعددي، وعلى التنمية المتوازنة بين كل أطراف البلاد، وذلك في ظل نظام للحكم يحقق هذه الأهداف.

    ومثلما أن الأزمة في السودان لم تبدأ بانقلاب الجبهة الإسلامية القومية في 30 يونيو 1989، فإن حلها لن يتم بمجرد تصفية هذا الانقلاب واستعادة الديمقراطية وإن كان هذا هو المدخل الوحيد لحلها، ومن الواضح أننا لا نتحدث عن تأزم سياسي فقط ، وإنما نشير إلى أزمة ذات حلقات متشابكة ومتداخلة ومترابطة ولا يمكن حلها بفض إحدى الحلقات دون الأخريات، والحلقات هي:

    /1 وحدة السودان /2 السلام /3 الديمقراطية /4 التنمية.

    وأزمة بهذا العمق لا يمكن أن يحلها حزب واحد أو حزبان أو ائتلاف أغلبية أو نظام عسكري، وفى ظل الوضع الراهن لا يمكن أن تحل عبر تفاوض بين حكومة الخرطوم وأحد الأطراف في الجنوب أو الشمال، أو عبر وساطة أقوى دولة في العالم، كما لايمكن حلها بمجرد التوقيع في البيت الأبيض، حل الأزمة، أي فض كل حلقاتها، يعنى إعادة صياغة السودان وإعادة بناء الدولة السودانية الحديثة، وهذه مهمة شعب بأسره، وهى مهمة لا يمكن أن تنجز إلا في ظل الحرية والديمقراطية ودون وصاية من أحد، وبالتالي فإن تهيئة المناخ المناسب لحلها تتطلب إزالة الديكتاتورية الجاثمة الآن على صدر السودان، ونقطة البداية تبدأ بالوعي بضرورة الانطلاق من حقيقة أن السودان وطن متعدد بالمعنى الواسع للكلمة: متعدد في مستويات التطور الاجتماعي ، ومتعدد الأعراق والعناصر والقوميات والتكوينات القومية ، متعدد الديانات والحضارات والتقاليد واللغات، وإذا كانت حقيقة التعدد القومي والعرقي والديني والثقافي لا تعنى شيئا كثيرا فيما سبق ، بالنسبة للكثيرين، فإنها الآن قد صارت معترفا بها - ولو لفظيا- من قبل كل القوى والشرائح في المجتمع السوداني، التحدي الذي يواجهنا يبدأ بالاعتراف بالتعدد لا بالوقوف عنده فحسب، بل التقدم لصياغة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تترتب عليه، كما أن رؤية التنوع لا تعمى نظرنا عن عوامل وحدة المجتمع السوداني والتي تراكمت عبر القرون.

    عبقرية الشعب السوداني تفتقت عن فكرة المؤتمر القومي الدستوري باعتباره الماعون المناسب لحل الأزمة وإعادة صياغة الدولة السودانية، والمؤتمر الدستوري ليس مجرد جلسات حوار عادية تختتم بتوصيات وقرارات، وإنما هو سلسلة عمليات مركبة process تستوجب مشاركة كافة الأحزاب والنقابات والمنظمات والشخصيات ورجالات القبائل وممثلي القوميات... الخ، ويشارك في أعماله أوسع قطاع من الجماهير عبر الإعلام المسموع والمقروء والمرئي وعبر ورش العمل والسمنارات والندوات... الخ، لذلك فإن انعقاده يتطلب جوا من الحرية والديمقراطية والحوار الحر الواسع، والمؤتمر الدستوري سيؤدى مهام ووظائف ذات طابع تأسيسي ظلت مؤجلة ومتراكمة منذ فجر الاستقلال، أسقطتها القوى الاجتماعية السياسية التي اعتلت دست القيادة، سواء عبر الانقلاب العسكري أو الانتخاب الديمقراطي، فلم تركز إلا على مسألة السلطة وبقائها فيها.

    وهكذا فإن فكرة المؤتمر الدستوري أقرب في دلالتها إلى أن يختط السودان بتعدد كياناته القومية والعرقية ومعتقداته الدينية المتعددة وجذوره الثقافية الحضارية المتنوعة، منهجا لحل معضلاته المزمنة كيما يستقر دولة حديثة جديرة بأهله، ورقما ينتزع الاعتراف به في هذا العالم، من ناحية أخرى فإن فكرة المؤتمر الدستوري والمهام التأسيسية المناط به حلها، ترتبط تماما بمفهوم آخر، محوري وأساسي لإعادة بناء السودان، ألا وهو مفهوم الفترة الانتقالية، إن جوهر أهمية الفترة الانتقالية يمكن إدراكه في إطار فشل المشروع الديمقراطي في السودان والذي يأتي عقب فترات انتقال فاشلة ، بمعنى لم تستكمل مهامها، والمسئولية هنا تقع على عاتق الحركة السياسية السودانية، وفي الحقيقة فإن السودان يعيش في فترة انتقالية منذ فجر استقلاله، انجز خلالها خروج المستعمر وتطور الحركة السياسية والجماهيرية على أساس ترسيخ مفاهيم التعددية والانتفاضة ودور المنظمات الجماهيرية... الخ في حين ظلت قضايا التنمية والهوية والحكم... الخ معلقة دون علاج.
                  

العنوان الكاتب Date
ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان Raja11-28-03, 03:10 PM
  Re: ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان Raja11-28-03, 03:26 PM
    Re: ملف صحيفة البيان السياسي.. البحث عن سلام السودان sultan11-28-03, 06:40 PM
      Re: ملف صحيفة البيان السياسي.. البحث عن سلام السودان Raja11-28-03, 08:29 PM
    Re: ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان Raja12-10-03, 04:38 PM
  Re: ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان elsharief11-28-03, 09:15 PM
  Re: ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان Osman Hamid11-28-03, 09:33 PM
  Re: ملف صحيفة "البيان" السياسي.. البحث عن سلام السودان Raja12-07-03, 05:43 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de