الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 09:38 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عمر محمد أحمد عبد الله هواري(Omer Abdalla)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-06-2005, 03:34 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية (Re: Omer Abdalla)


    تعقيباً على دكتور النور حمد
    الفكرة الجمهورية والبراغماتية (13)
    الحياة .. وتجليات الحياة
    خالد الحاج عبد المحمود

    زعم د. النور محمد حمد، أن "مدخل التسليك، الذي صممه الأستاذ محمود محمد طه، ورعاه بنفسه، كان مدخلاًً محاطاًً بإطار محكم من العزلة، عن حياة المجتمع العريض"!! وقد رأينا، كم هي هائلة المفارقة في هذا القول.. ولكن المفارقة التي هي أكبر بكثير، من هذه المفارقة، هي زعم النور، بأن التجربة التسليكية التي رعاها الأستاذ، بنفسه، حالت دون الجمهوريين "والتمتع بما تهبه الحياة في تجلياتها المختلفة"!! .. وأنها أدت إلى ابتعاد الجمهوريين "عن ممارسة سائر صور الحياة الطبيعية التي يمارسها بنو البشر، دون أن يحسوا بأي شعور بالذنب، حين يمارسونها" !! وهو يقول، عن الحياة في التجربة التسليكية المعنية: "لا فن، ولا رياضة، ولا موسيقى، ولا ترويح، ولا نزهة، ولا ولا!!"!! شدة المبالغة هذه، دليل واضح على البعد الشديد، عن الموضوعية . فمزاعم النور، لا يمكن أن تنطبق حرفياً، إلا على من هم أموات، الموت الحسي.. .. ولقد سبق لنا أن قمنا بالرد على بعض جوانب، هذه المزاعم .. ونحن هنا بصدد الرد، على الجانب المتعلق بالحياة، فحديث النور في هذا الجانب، يشكل أكبر، وأوضح جوانب المفارقة، في كتابة النور، هذه الغريبة جداً .. ولقد سبق لنا أن أوضحنا، منذ البداية، عدم الوضوح وعدم التحديد في تعامل النور مع المفاهيم .. وهو كالعهد به، لم يورد أي شئ عن مفهوم الحياة عند الجمهوريين، ولاحتى عنده هو!! ولقد كان الأولى به، أن يورد مفهوم الحياة، عند الجمهوريين ـ وهو مفهوم واضح ومحدد ـ ثم بعد ذلك يعرض رأيه حول هذا المفهوم، وحول الحياة التي قامت عليه، ليرى القارئ هل ما يدعو له الجمهوريون، ويعيشونه، هو الحياة، أم الحياة هي ما يريد أن يصرفهم النور إليه!!
    فعلينا نحن، أن نوضح ماتركه النور، من مفهوم الحياة، والمنهاج الذي يؤدي إليها.

    ماهي الحياة؟
    أصل الحياة، في الإسلام، كما يدعو له الأستاذ محمود محمد طه، هو حياة الله تعالى .. . فهو وحده تعالى، الحي بذاته .. . وكل من عداه، قيوميته به تعالى، ويستمد حياته منه.. فأصل الحياة، ومصدرها، في الإسلام، واحد هو الله تعالى .. وحياة كل حي من المخلوقات، هي عبارة عن تجلي الله عليه، باسمه الحي.. وهذا التجلي، لا يكون إلا حسب استعداد الحي لتلقي الحياة، المفاضة منه تعالى.. ولذلك، الحياة مستويات ودرجات متفاوتة، تفاوتاً كبيراً .. فهي تبدأ من حياة حيوان الخلية الواحدة وتنتهي عند حياة، الله تعالى، في إطلاقه!! فكل حي يبرز إلى موقعه، في سلم الحياة، حسب استعداد المحل عنده للتلقي .. وكل مستوى من مستويات الحياة، له من أسباب الحياة في الشريعة، ما يناسبه ويكون به قوام حياته.. ويكفي أن نشير هنا، أنه قد مر على الحياة في الأرض وقت، كان فيه الأكسجين، هو أكبر خطر يهددها ثم أصبح الأكسجين لاحقاً، العامل الأساسي لقيام الحياة في الشريعة!! وبالطبع تعبير الحياة عن نفسها، يختلف باختلاف مستويات الأحياء، حسب مواقعهم في سلم الحياة.
    فبداية الحياة، بالمعنى الاصطلاحي، هي بروز المادة العضوية، من المادة غيرالعضوية .. وبذلك برزت ثنائية الجسد، والروح، أو الكثيف، واللطيف .. وبتطور الحياة، أخذ الكثيف يلطف، واللطيف يزداد لطافة .. وأصبحت حركة التطور كلها، بالنسبة للحياة هي عبارة عن زيادة، في اللطافة .. وقد كان الحي الأول، يحس بجلده كله، وقد دفعته إرادة الحياة بدافع الخوف، عن طريق اللذة والألم إلى الفرار من ما يؤلم إلى مايلذ .. وقد أدى صراع الحياة إلى ظهور الحواس، إلى أن اكتملت بالحواس الخمسة عند الحيوانات العليا.. وقد اتسعت الحياة، بظهور هذه الحواس، وتعمقت . ثم في قفزة ظهر العقل، كتتويج للحواس.. وبدخول العقل في المسرح، ظهرت حياة الإنسان، وبذلك تم أكبر تحول في تاريخ الحياة .. وأصبحت الحياة، حياة فكر وشعور .. والفكر، هو رأس الرمح، في تطور حياة الإنسان.. وبظهور العقل، وظهور المجتمع، وحتى تصبح حياة المجتمع ممكنة، أمر العقل بترويض اندفاعات الشهوة الحيوانية، عند الإنسان .. فدخلت القيمة في الحياة الإنسانية وبذلك تميزت عن حياة الحيوان.. . فالعقل، والقيمة، هما العنصران الأساسيان، اللذان تتميز بهما حياة الإنسان عن حياة الحيوان، ولذلك هما المعيار، الذي به يقاس كمال الحياة، عند الإنسان .. ولم تتخلص حياة الإنسان من حياة الحيوان بصورة كاملة، وانما ظل الحيوان، رابضاً، داخل الانسان وأصبح على الوافد الجديد ـ العقل ـ أن يروضه، ويهذبه أو قل "يؤنسنه" .. وبذلك بدأت مسيرة الإنسان، نحو تحقيق حياة الإنسانية، مبتعداًً عن الحيوانية .. وكل مشقة يتحملها في هذا الاتجاه، انما هي منزلة قرب من إنسانيته، تمثل في حد ذاتها، منزلة بعد عن حيوانيته.
    فبالتجافي عن اللذة الحرام العاجلة، استجابة لما أوجب المجتمع وما أوجب الشارع، في القانون، وفي الدين، وابتغاء اللذة الحلال الآجلة، قوي عقل الإنسان، وقويت إرادته .. قوي عقله لحاجته للتمييز بين ما ينبغي، وما لا ينبغي، وقويت إرادته لحاجته للسيطرة على دواعي نفسه في الاندفاع نحو اللذة الحاضرة، كما هو شأن الحيوان، الذي لا يزال داخله.. وبهذا الصنيع انكبتت رغائب، أصبح بها الإنسان منقسماً، بين عقل كابت، ورغائب مكبوته.. وبالكبت اتخذ الإنسان الخطوة الأولى في سيره إلى مقام إنسانيته.. وستكون الخطوة الثانية هي فض الكبت .. . ولقد وقع الكبت بين عقل المعاش، وعقل المعاد .. وعقل المعاد هو الطبقات التي تلي عقل المعاش فيما بينه وبين سويداء القلب.. وطبقات العقل سبعة، تطابق النفوس السبعة .. وسبب الكبت الخوف، ولا يكون التحرر منه إلا عن طريق العلم الذي به يتم التحرر من الخوف .. فلقد كان الانقسام في جميع أطواره بدافع الخوف.. فلولا الخوف لما ظهرت الحياة في المكان الأول، ولولاه ماترقت الحياة، بظهور العقل في المكان الثاني .. ومع ذلك فإن الحياة، لن تبلغ كمالها، إلا إذا تحررت من الخوف.

    الحياة الدنيا والحياة العليا:
    يتضح مما تقدم، أن الحياة تقع في مستويين: الحياة الدنيا وهي حياة الحيوان في الإنسان .. والحياة العليا، وهي حياة الإنسان.. وهذه الحياة الثانية، هي" الفطرة" .. فطرة الله التي فطر الناس عليها.. يقول الأستاذ محمود عن الحياتين: "وما حياة الحيوان إلا الخطوة الأولى، في السير إلى حياة الإنسان .. .حياة الإنسان عالمة، وحياة الحيوان جاهلة .. وحياة الإنسان هي الحياة الاخرى، وحياة الحيوان هي الحياة الدنيا .. للحياة الأخرى عقل المعاد.. وللحياة الدنيا عقل المعاش، وانما جاء الدين ليهذب عقل المعاش، ليرتفع إلى عقل المعاد.. ولما كانت حياة الإنسان عالمة، كانت أيضاً طائعة لله، ومؤمنة به".. وهكذا، ترتبط حياة الإنسان بالعلم، وبالطاعة لله، وهذا خلاف ما تكون عليه الحياة الدنيا .. ويقول الأستاذ محمود: "الإسلام يقسم الحياة إلى درجتين، بينهما اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع: الحياة الدنيا والحياة العليا .. أما الحياة الدنيا فهي حيوانية، وأما الحياة العليا فهي إنسانية .. فالإنسان ما دامت مسيطرة عليه، صفات الحيوان، خضع لها، أو قاومها، فهو في الحياة الدنيا .. فإذا تخلص من حياة الحيوان، بفضل الله، ثم بفضل المجاهدة المستمرة، لدواعي هذه الصفات، فقد أصبح في الحياة الأخرى، أو الدار الآخرة، كما يرد عنها التعبير في بعض الأحيان" .. ويقول: "فالإسلام، انما يميز بين قيم الحياة، ويجعل وكده تسيير الناس إلى الحياة الإنسانية بتزهيدهم ،وإزعاجهم عن الحياة الحيوانية" .. والتخلص من الصفات الحيوانية عندنا، بالصورة التي تفضي إلى حياتنا الإنسانية، لا يتم بصورة تلقائية، وإنما هو يحتاج إلى مجهود، في الفكر وفي العمل .. كما يحتاج إلى منهاج، يوجه الفكر، ويوجه العمل .. وهذا المنهاج هو ماتدعو له الفكرة الجمهورية، في دعوتها لطريق محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .. .. وهذا المنهاج هو ما يقوم عليه العمل، عند الجمهوريين، وهو ما قامت عليه التجربة التسليكية، التى يتحدث عنها النور، تحت رعاية المرشد .. وهذا المنهاج ـ منهاج السنة ـ يقوم في كل تفاصيله على ترويض الفكر، وتهذيبه وتحريره، حتى يقوى، ويستحصد، ويستطيع أن يقود النفس، ويهذبها، ويخلصها من نوازع الحيوانية .. فللفكر الدور الأساسي في تحقيق الحياة الإنسانية، ولذلك سميت: حياة الفكر والشعور .. ونحن بالطبع هنا لا نملك أن نفصل في المنهاج، ونبين كيف يتسامى بالحياة في المراقي، المختلفة .. فليراجع ذلك، من شاء، في كتب الفكرة الجمهورية الأساسية.
    المهم أن نقرر هنا، أن الفكرة تتحدث عن مستويين من الحياة، بصورة واضحة لا لبس فيها .. هما: الحياة الدنيا، والحياة العليا.. وتعتبر أن الحياة العليا ـ حياة الانسان، وحدها هي الحياة، ولذلك تدعو لها، وتنفر، وتزهد في الحياة الدنيا ـ حياة الحيوان .. فكان على د. النور أن يبرز هذا الأمر، ثم يناقشه، وهذا هو الحد الأدنى من الموضوعية .
    التخلص من النزعات الحيوانية، في حياتنا، وسيلته الفكر، المروض، وهذا الفكر يقوم على معرفة عيوب السلوك للتخلص منها.. وجماع عيوب السلوك اتباع هوى النفس .. فالعقل الذي يتخلص من هوى النفس ـ العقل المتحرر من الرغبة، هو الذي تقوم عليه الحياة الإنسانية، وهو عقل المعاد.
    هنالك دراسات عصرية، قيمة، عن السلوك الحيواني عند الإنسان، نذكر منها الدراسة الممتعة، لعالم الحيوان: دزمون مورس Dezman Moris التي وردت، في كتابه "القرد العاري" "The Naked Ape" وكذلك، لنفس الكاتب، "حديقة الحيوان الانساني" "The Human Zoo" .
    والحياة الانسانية، تقوم على الحرية، وهي القيمة الأساسية، التي تميز بها الإنسان، عن الحيوان، وعن المَلَك .. وأما الأخلاق، فما هي إلا حسن التصرف في الحرية .. ومجال الحرية الفردية كله، يقوم على تسليم الإرادة البشرية الحادثة، للإرادة الإلهية القديمة .. وهذا هو الإسلام .. فتحقيق إنسانية الإنسان، إنما يتحقق بإقامة العلاقة بيننا وبين الله، وهذا هو معني الحياة، في هذا المستوى .. الحياة، هنا هي وصل حياة الإنسان، بمصدرها ـ الله ـ لتلقي المزيد من الحياة .. وعلى ذلك، فإن الموت الحقيقي، هو الغفلة عن الله والجهل به تعالي، وهذا هو موت القلوب، وهو الموت الأعظم .. يقول الأستاذ محمود: "هذا هو البعث الأعظم ـ بعث موتي القلوب .. وهو الموت الأعظم عند الله .. قال تعالى: (أو من كان ميتاً فأحييناه، وجعلنا له نوراًً يمشي به في الناس، كمن مثله في الظلمات، ليس بخارج منها ؟؟ كذلك زين للكافرين ماكانوا يعملون) قوله (أو من كان ميتاً) بالجهل بالله .. (فأحييناه) بالعلم بالله .. يعني أومن كان ميت القلب بظلام الكفر، فبعثنا قلبه وأحييناه بنور الإيمان، كمن هو في ظلمات الجهالات يتخبط فيها على غير هدى" .. فالموت هو الجهل بالله .. والحياة هي العلم بالله .. فالسير إلى الله تعالى هو عمل في تلقي الحياة الباقية، وترقٍ في مدارجها .. وهذا السير، انما هو تقريب الصفات من الصفات . تقريب صفات العبد، من صفات الرب.. فليس بيننا وبين الله تعالى، مسافات نقطعها، انما هي حجب نرفعها .. والفكر هو وسيلة رفع هذه الحجب .. وأعلى الصفات الحياة، وجميع الصفات متعلقة بها.. فالله تعالى: حي، عالم، مريد، قادر، سميع، بصير، متكلم .. وقد خلق الإنسان، وجعل له هذه الصفات .. غير أن صفاته تعالى في مطلق الكمال، وصفات العبد في طرف النقص .. ولقد دعينا للتخلق بأخلاق الله، قال تعالى: "كونوا ربانيين، بما كنتم تعلمون الكتاب، وبما كنتم تدرسون" .. وقال المعصوم: "تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على صراط مستقيم".. والتخلق بأخلاق الله هو عمل في التزام العبودية، وأدبها .. والحجب التي بيننا، وبين الله، تقع في مستويين: مستوى حجب الظلمات ـ وهي شهوات الجسد .. ومستوى حجب الأنوار، حجب العقول .. ولا دخول في الحياة الإنسانية، إلا بعد تجاوز حجب الظلمات ـ وهي منطقة الحياة الحيوانية .. وذلك باخضاع رغائب النفس للعقل، فلا تعبر عن نفسها إلا في إطر شريعة تراعي جانب الله، وجانب الآخرين من البشر في نفس الوقت .. هذه لمحة عن الحياة في الفكرة الجمهورية .. وهذه الحياة هي الغاية ـ غاية الوجود كله .. وهي التي جعل الله تعالى، بها الإنسان خليفته ـ وذلك، دون سائر خلق الله.

    الحياة هي الغاية:
    الشئ الوحيد، الذي هو غاية في ذاته، هو الحياة .. فكل ماعداها هو وسيلة لها.. والحياة، هذه، هي مشروع يبدأ من مجرد محاولة التخلص من صفات الحيوان، والدخول في حياة الإنسان، ثم هي تتسامى، منفتحة على الإطلاق، في سير سرمدي لا نهاية له .. فالحياة الكاملة هي تكليفنا الأساسي، والسبيل إليها هو التوحيد .. والتوحيد هو صفة الموحِّد "بكسر الحاء" .. والتوحيد، يبدأ بتوحيد ثالوث "الفكر" وهو الفكر، والقول، والعمل .. وهذه الوحدة هي وسيلة، واسلة للوحدة الكبرى ـ لوحدة ثالوث "الحياة" ـ وهو العقل والقلب والجسد ـ وهذا هو نهاية المطاف (وليس للمطاف نهاية) ولكنه غاية الغايات، ونهاية النهايات .. وهو جماع التكليف الديني، في جميع أكوان وجود الإنسان .. في هذه الحياة الدنيا، وفي حياة البرزخ، وفي النار، وفي الجنة .. بل الحياة الكاملة ليست تكليفنا الديني فحسب، وانما هي القدر المقدور لنا .. فإن الانسان مكتوب عليه الحرية، ومكتوب له الكمال .. فهذه الحياة هي أصل الإنسان الذي منه صدر، يقول تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم".. هذا في عالم الملكوت .. وإلى هذا الأصل يعود الإنسان، فيحقق ماكان في الملكوت، في الملك، وهذا عليه حتم مقضي.. يقول تعالى: "كما بدأنا أول خلق نعيده، وعداً علينا، إنا كنا فاعلين" .. وهذا هو معنى السير إلى الله وهو ـ كما قلنا ـ تقريب الصفات من الصفات .. تقريب صفات العبد، من صفات الرب، عملاً بقوله تعالى: "كونوا ربانيين، بما كنتم تعلمون الكتاب، وبما كنتم تدرسون" وقول المعصوم "تخلفوا باخلاق الله، إن ربي على صراط مستقيم ".. وأخلاق الله المعنية، هي القرآن بين دفتي المصحف، وقد جسدها المعصوم، في اللحم، والدم، ولذلك أصبحت حياته، مفتاح مغاليق القرآن .. وهذا يعني أن حياته صلى الله عليه وسلم هي نموذج الحياة الإنسانية، الذي جعله الله تعالى وسيلة لكل فرد بشري، يطمح إلى تكميل حياته، وتحقيق إنسانيته .. . فلا سبيل لتحقيق الحياة، بالمعنى الذي نتحدث عنه إلا باتباع النبي الكريم، في سنته ـ في عبادته وفيما يطاق من عادته.
    وهذه الصفات التي ذكرناها، هي ما يعرف بالصفات النفسية السبعة وهي التي يراد التخلق بها، وقد جاء القرآن ليعرف بهذه الصفات الإلهية، حتى تدركها العقول، وليختط لها طريق السير الذي به يتم تأديب العقول، حتى تقوم هي بدورها في تأديب النفوس .. . والأدب جماعة، أدب العبودية، ويبدأ بالعمل على التخلص من وهم الإرادة المتوهم، بتسليمها لصاحب الإرادة الحقيقية، فتصير إرادتنا من إرادته وعلمنا من علمه، وحياتنا من حياته، .. فالعبودية لله، هي الحياة به تعالى، وهذه هي الحياة .. هذه هي الحياة التي يفضي اليها منهج التوحيد .. . والفرق بينها وبين حياة الحيوان، أن حياة الحيوان حياة ناقصة، وهي حياة مفقودة بالموت الحسى .. أما حياة الإنسان، فهي حياة تسير في طريق الكمال، وهي تزيد بالموت الحسى .. وذلك لأن الموت الحسي، بالنسبة للعارف، زيادة قرب من الله، وهذا القرب هو الحياة .

    الفكر هو طريق الحياة:
    واضح مما تقدم، أن الحياة في الفكرة الجمهورية، ليست هي مجرد العيش.. بل الفرق بين الحياة، والعيش، جد كبير .. فليس كل من هو عائش حي، وما أكثر أموات الأحياء.. والفكرة في جوهرها، دعوة، وبشارة، بالبعث ـ بعث موتى القلوب، وهذا هو الموت الحقيقي عند الله، والبعث منه، هو البعث الحقيقي .. وفي إطار الحضارة الغربية، السائدة، اليوم فان أسباب العيش قد توسعت، بصورة لم تحدث في التاريخ، وينتظر، بعون الله، وفضله أن يكون هذا الواقع الجديد، البناء التحتي، لبعث حياتي عظيم، وذلك بنفخ الروح في الهيكل المادي للحضارة .. ولا سبيل لذلك إلا سبيل الإسلام، وكما تبشر به الفكرة الجمهورية .. فالحياة، وفق قيم الحضارة الغربية السائدة ليست حياة، وذلك لأنها تقوم على بعد واحد، كما يقول هربرت ماركوز، وغيره، من المفكرين الغربيين .. ولأنها تقلص الشخصية البشرية، إلى إطار من الحياة، يتشكل كله، حول الملكية .. ونحن لا نستطيع هنا، أن نفصل في هذا الأمر، ولذلك نحيل القارئ للتحليل الرائع، لنمط الحياة الذي تقوم عليه الحضارة الغربية، الوارد، في كتابات إريك فروم، خصوصاً كتابه: To have or to be ـ أعتقد أن هنالك ترجمة عربية للكتاب ..
    مانريد أن نؤكده هنا، هو أن الفكر، هو طريق الحياة الإنسانية، ولاسبيل، لها بغيره .. والفكر المعني، ليس هو كل فكر، وانما هو الفكر الحر، الدقيق، المروض المؤدب .. والفكر موءوف بآفات لاحصر لها، وسببها جميعاً الخوف .. وقد ذكرنا أنه لا سبيل لكمال الحياة، إلا بالتخلص من الخوف، البدائي العنصري .. فالخوف هو الذي أزعجنا من العيش، في اللحظة الحاضرة ـ حيث الحياة الحقيقية وجعل بندول فكرنا متأرجحاً، بين الماضي والمستقبل.. والماضي قد انقضى، والمستقبل لم يحن حينه، ونحن لن نغير فيهما شيئاً .. والمنهاج، في التجربة التسليكية، كله، سواء كان في العبادة، أو المعاملة، يقوم على الرياضة والمران على تقليل الذبذبة بين الماضي والمستقبل .. ومحاولة العيش في اللحظة الحاضرة، وهذا ما يعرف بـ" أدب الوقت" .. وهو كله عمل في وصل الحياة بمصدرها، لتلقي المزيد منها.
    فعن طريق الفكر، يتم رفع الحجب التي بيننا وبين الله، فنتلقى عنه تعالى، العلم، والحياة .. والحياة تعمق وتتسع بحسب تحرر الفكر، ودقته، وهذا يتم وفق تصور محدد، ومنهج مرسوم لرياضة العقول، عن طريق التسامي في التقوى، من مستوى المؤمن العادي، والورع وصاحب اليمين، والبر، والمقرب.. . والمقرب هو من يكون حضوره مع الله، أكثر من غفلته عنه، وهذا الحضور يشكل مستوى الحياة عنده .. وعن المقربين وحياة المقربين، جاء من أقوال الأستاذ محمود: "والمقربون هم الذين يكونون عند ربهم، غالب أحوالهم فهم علماء قد وسع العلم عليهم، ما ضيق الجهل على سواهم، فأصبحوا، بفضل الله، ثم بفضل سعة علمهم، رحماء، طيبين، متسامحين، محبين للأشياء، والأحياء، في سلام مع ربهم، ومع أنفسهم ومع الناس .. .يدعون الرضا بالله والمصالحة مع الناس وينشرون الحب، والسلام، والمسرة، بين الناس، كما ينشر الزهر العطر، وكما تنشر الشمس النور، والحرارة الدفء .. . هؤلاء هم ملح الأرض، عرفوا أو لم يعرفوا .. وتقوى هؤلاء هي عمل، أو ترك للعمل، ابتغاء وجه الله ، وزمنهم فكر متصل .. فجميع أوقاتهم معمورة بالفكر، والعمل وفكرهم ليس تعملاً، وانما أصبح طبيعة، تنبع فيهم المعاني، والمعارف كما ينبع الماء النمير من العين الثرة، وقد تطهرت من أوساخها وأوضارها . وعبادة المقربين الاستقامة .. والاستقامة أن تكون على السراط المستقيم في الفكر، والقول والعمل، فلا تميل يسرة , ولا يمنة"!! هذا نموذج الحياة الذي تدعو له الفكرة الجمهورية، والذي استهدفته التجربة التسليكية، عند الجمهوريين، وسارت في طريقه، تحت رعاية وإرشاد المرشد، الأستاذ محمود محمد طه.. وهذه الحياة رغم أنها منفتحة على الإطلاق، إلا أنها تبدأ من بدايات بسيطة، في العمل في ما لا تصح العبادة إلا به، وفق منهاج السنة، في تقليد المعصوم ثم تتدرج، عن طريق ادخال الفكر، في العمل متسامية على نفسها، مسترشدة ومهتدية بحياة أعظم حياة، تجسدت في الأرض .. حياة محمد النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .. والفكرة الجمهورية، تبشر بكمال الحياة، على الأرض، بظهور الحاسة السادسة، والحاسة السابعة: "وانما نرد، بظهور الحاسة السابعة، مورد الحياة الكاملة .. وليس للحياة الكاملة نهاية كمال، وانما كمالها دائما نسبي" .. وفي سبيل تحقيق هذه الحياة، جاء المنهاج، الذي يوقظ الفكر، ويحرره، حتى يوجه العمل، والترك للعمل، ليكون كله في سبيل مرضاة الله "فإن كل عمل، نعمله ،أو ندعه، لا يكون اعتبار مرضاة الله فيه هو دافعنا للعمل، أو الترك، فهو باطل".. ومن هاهنا يجئ الموقف، مما أسماه د. النور باللهو البرئ .. فهذا اللهو ليس حياة، وانما هو انصراف عن الحياة .. .أو قل هو حياة، في مستوى الحياة الدنيا ـ حياة "القرد العارى"!! فلم يكن اللهو، في أي يوم من الأيام، وهو لن يكون، من أغراض الدين .. أغراض الحياة الإنسانية .. فعندما يتأذن الله، ستكون الكثير من صور، ما أسماه النور باللهو البري، من وسائل السير إلى الله، ووقتها لن تكون لهواً، فاللهو غفلة عن الله، وهو بما هو كذلك، نقص في الحياة .. ولقد وردت كلمة "لهو" ومشتقاتها عديد المرات، في القرآن الكريم، وليس فيها ولاحالة واحدة لا تدين اللهو وتنفر عنه.. وأينما وردت كلمة "لهو" في القرآن، مرتبطة بالحياة فهي، دائماً تكون الحياة الدنيا!! فضروب التسلية، واللهو، التي انتشرت في الحياة العصرية، هي قتل للوقت وهي على ذلك قتل للحياة!! وقد تفطن لذلك، حتى بعض المفكرين العلمانيين فها هو إريك فروم، مثلاًً يقول: "لقد أصبحنا أناساً، يكونون سعداء بقتل الزمن الذي عملنا جاهدين على توفيره"!!.
    فالتجربة التسليكية، التي قامت عليها حياة الجمهوريين هي تجربة لا مثيل لها على الإطلاق في معرفة الحياة، ومعرفة السبيل إلى تحقيقها، والترقي في مراقيها، بل هي التجربة الوحيدة الموجودة على الأرض، في هذا الصدد، وما دونها، هو ليس حياة، وانما هو "عيش" والعقل الذي يقوم عليه هذا العيش هو عقل "المعاش" .. والحياة ـ حياة الانسان ـ لاتقوم إلا على عقل المعاد .. أما عن الاستمتاع فيكفي أن نقول إن من عاشوا التجربة، هم إلى اليوم، يتذوقون حلاوتها، ويحنون إليها، ويجترون ذكراها، فيترنمون مع الأخ العوض مصطفى:
    "يكفيني أني عشتُ زماناً كان له معنًى ومذاق
    يكفيني أني كنتُ جليسك رغم شعور الابن العاق"
    إذا كان ماينقص حياتنا هو اللهو البرىء , فهي إذاً لاينقصها شئ!! ولكننا كسالكين، نعلم أننا ينقصنا الكثير، من ما هو أهم وأكثر ضرورة للنهوض بحياتنا، في مراقي الحياة، التي تفتح ذهننا عليها.
                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-21-05, 09:36 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Murtada Gafar08-21-05, 10:52 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-22-05, 06:01 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-22-05, 06:03 AM
    Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Dr.Elnour Hamad08-22-05, 06:56 AM
      Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Haydar Badawi Sadig08-22-05, 07:23 AM
        Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Haydar Badawi Sadig08-22-05, 07:27 AM
        Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Elmosley12-11-05, 10:06 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-22-05, 06:02 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-24-05, 09:43 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-25-05, 06:17 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-26-05, 10:57 AM
    Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية عاطف عمر08-29-05, 01:26 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-31-05, 09:25 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-31-05, 09:31 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla09-05-05, 08:13 AM
    Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية عبد العزيز الكمبالى09-05-05, 10:08 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla09-06-05, 09:26 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla09-06-05, 09:29 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla09-07-05, 01:47 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla10-02-05, 08:30 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla10-03-05, 06:52 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla10-04-05, 09:39 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla10-06-05, 03:34 PM
    Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية تاج السر حسن10-10-05, 09:23 PM
      Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية أبوبكر حسن خليفة حسن10-11-05, 11:02 AM
        Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية عاطف عمر10-11-05, 01:57 PM
      Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية فتح العليم عبدالحي10-11-05, 01:26 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية أبوبكر حسن خليفة حسن10-11-05, 03:36 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de