الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 12:08 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عمر محمد أحمد عبد الله هواري(Omer Abdalla)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-26-2005, 10:57 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية (Re: Omer Abdalla)


    تعقيباً على دكتور النور حمد
    الفكرة الجمهورية والبراغماتية (5)
    النص وإشكالية النص
    خالد الحاج عبد المحمود

    قضية إشكالية النص قضية مطروحة بشدة في عالمنا العربي الاسلامي .. وهي مطروحة بهذه الصورة في تقديري بسبب الطرح الديني من الجماعات الاسلامية المختلفة ، واستناد هذه الجماعات على بعض النصوص الدينية في نشاطها السياسي والاجتماعي ، وفي تبريرها لأعمالها المخالفة لقيم العصر المتمثلة بصورة خاصة في حقوق الانسان الأساسية وفي الحريات العامة.. ومما زاد من أهمية معالجة إشكالية النص زيادة نفوذ جماعات الهوس الديني والاسلام السياسي ، وسعيها الحثيث للسلطة الزمنية وللهيمنة الاجتماعية وبصورة خاصة الارهاب باسم الدين ، والذي اتخذ طابعاً عالمياً واصبح ظاهرة خطيرة على حياة الناس وأمنهم ، في مختلف بقاع العالم .. وكل هذا النشاط الهدام يستند إلى استخدام النصوص الدينية استخداماً خاطئاً وبصورة بشعة بها يتم تبرير قتل الأبرياء حتى من المسلمين أنفسهم .. ونحن هنا لسنا بصدد معالجة هذه القضية المهمة وانما فقط نحاول مناقشة ما جاء حولها من أقوال د. النور في مقالاته التي نحن بصددها .. وحديثنا هنا هو استمرار للحديث عن البراغماتية والفكرة الجمهورية خصوصاً في جانب علاقة الفكر بالواقع.
    يقول دكتور النور "كل هذا يسوق في بعض جوانبه إلى القضية المركزية المتعلقة بتاريخانية النص التي يمكن تلمسها بقدر من المقادير في أعمال الأستاذ محمود محمد طه وفي أعمال محمد أركون وفي أعمال نصر حامد أبوزيد وسيد محمود القمني وخليل عبد الكريم" 1 ـ 2 .. ومع تقديرنا التام لكل النفر الكرام المذكورين إلا أننا نقول: ولا واحد منهم قام بعمل يشبه ولو من بعيد التأسيس الديني للتعامل مع إشكالية النص الذي قام به الأستاذ محمود.
    أما ما حاول دكتور النور القيام به من ربط إشكالية النص بموضوع البراغماتية فأقل ما يقال عنه انه عمل بعيد كل البعد عن التفكير الموضوعي .. فالإشكالية بطبيعتها لا تتعلق إلا تعلقاً فنياً بمجال دراسة علم اللغة والنقد الأدبي وما عدا ذلك هي لا تتعلق إلا بالفكر الديني عموماً ، حيث النص مقدس ، وهو أساس المرجعية في التفكير الديني وفي العمل والسلوك ، وبصورة خاصة التفكير الديني الاسلامي ، حيث إن القرآن بين دفتي المصحف موحى به من الله نصاً ومعنًى ، وهذا بخلاف الكتب السماوية الأخرى حيث المعنى وحده هو من الله ، وهي في ذلك أشبه بالأحاديث القدسية في الإسلام.
    والبراغماتية بالذات هي آخر فلسفة يمكن أن تكون لها علاقة بهذا الموضوع لعدة اعتبارات منها:
    1/ البراغماتية ـ كما سبق أن بينا ـ اهتمامها الأساسي بالحاضر وبالمستقبل وليس بالماضي.. ليس يالتاريخ.
    2/ البراغماتية ترفض مبدئياً الأفكار والمبادىء والقيم القبلية خلِّ عنك النصوص.
    3/ لا توجد أي أرض مشتركة ـ كما سبق أن بينا ـ بين التعامل مع الواقع وفق النص الديني والتعامل مع الواقع وفق النظرة البراغماتية .. وأيسر ما يقوم عليه الخلاف بين النظرتين هو أن الواقع ، حسب الفهم الذي يقوم على النص الديني، هو تجسيد لإرادة الله .. وهذا أمر مرفوض من البراغماتية بصورة مبدئية وقاطعة.
    ورغم كل ذلك حاول د. النور ـ كشأنه في تبسيط الأمور والخروج بها من اطارها ـ حاول ربط البراغماتية بإشكالية النص!! فلنرى بعض أقواله في هذا الصدد فهو مثلاً يقول: "البراغماتية تعني فيما تعني مواجهة سلطة النص حين يصبح تطبيق النص غير عملي أو حين يقف النص ضد المصلحة عامة كانت أم خاصة" 1 ويقول: "فقد اتسم الفكر الجمهوري بالكثير من البراغماتية فيما يتعلق بفحص سلطة النص والوقوف بعقلانية راسخة أمام أقوال السلف.." 4 فهل كان الفكر الجمهوري في موقفه من النص يستلهم البراغماتية أو كانت البراغماتية بعض مصادره في التعامل مع النص؟!! من المؤكد أن شيئاً من هذا لم يحدث على الاطلاق .. وهل البراغماتية كمفهوم ـ لم تستلهمه الفكرة ـ وانما فقط كمفهوم يستخدمه النور لتوضيح موقف الفكرة من النص ، هل هذا الاستخدام يمكن أن يكون موضوعياًً وله وجه من الصحة؟! الإجابة: قطعاً لا!! وذلك لعدة اعتبارات أهمها ما سبق أن بيناه بصورة كافية من اختلاف جذري بين نظرة الفكرة للواقع ، ونظرة البراغماتية له ، ومن الأسس المتناقضة بين نظرة الفكرة للواقع وللنص ونظرة البراغماتية لهما.. فنظرة الفكرة تقوم على اسس دينية ، المحك فيها التوحيد والشريعة .. ونظرة البراغماتية تقوم على أسس فلسفية المحك فيها المنفعة ، دون أي اعتبارات أخرى كاعتبارات الدين المتمثلة في القيم والمبادىء.
    ومن أقوال د. النور: "من أهم السمات البراغماتية هي ألا يعمينا النص عن رؤية الواقع بعبارة أخرى ألا نستعيض بتصوراتنا المسبقة ـ سواء كانت حدساً أو نبوءات وردت في النصوص المقدسة أو تأويلات لتلك النصوص المقدسة أو حتى نظريات سياسية وضعها البشر ـ يجب ألا تعمينا تلك الأمور عن مراقبة حركة الواقع والتفاعل الظرفي معها.." 4 السؤال: على أي اسس تتم مراقبة حركة الواقع؟ وكيف يتم التفاعل الظرفي معه ولأي غاية؟! ما هي الموجهات التي تحدد هذه الأمور؟! في الفكرة الجمهورية ، الأمر واضح من حيث المبدأ ، فمراقبة حركة الواقع تتم من خلال خلق العلاقة بالله ، عن طريق منهج التوحيد ، لمعرفة حكمة الله في فعله ـ الواقع الظرفي ـ والعمل وفقها لتحقيق الغايات المنشودة في أنفسنا ، وفي الكون من حولنا .. وفي هذا المنهج ، النص لا يعمى عن الواقع وانما هو الذي يضىء الواقع ويستخرج منه دلالاته .. وحسب فهم الفكرة ، الواقع نفسه نص!! بمعنى أن الواقع هو كلام الله الخَلقي .. فكلام الله في حقيقته خلق وما القرآن بين دفتي المصحف إلا صورة لفظية لهذا الكلام ، ولذلك القرآن بين دفتي المصحف هو منهاج حياة وفقه نتخلق بأخلاق الله الموجودة في القرآن ، ونخلق الصلة به تعالى والتي بها نعلم عنه حديثه ، في كلامه الخلقي ، والذي أسماه النور "حركة الواقع" .. وفي هذا المجال ، وفي قمته ، يجىء حديث الأستاذ عن الحروف الصوتية والحروف الفكرية والذي جاء فيه:
    "وأما الحروف الصوتية، فهي لا حصر لها، وذلك لأنها تنتج عن حركات المتحركات، وكل ذرات المادة في حركة ما تنقطع .. ويقابل عددها في الخارج عدد مماثل في داخل النفس البشرية .. وهي، في ذلك، المسموع منها، وغير المسموع، تؤلف الخواطر التي تجيش في العقل الواعي، وفي طرف العقل الباطن، مما يلي العقل الواعي، مما تصح تسميته بالعقل شبه الواعي ..
    وأما الحروف الفكرية، فهي ملكوت كل شيء .. وهي كلمات الله التي قال عنها، جل من قائل: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي، لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي، ولو جئنا بمثله مددا)".
    الشاهد أن هذا العالم وأحداثه ، حسب الفكرة الجمهورية ، مصنوع من مادة الفكر .. يقول الأستاذ محمود: " فالعالم هو تجسيد علم الله – هو تجسيد فكر العقل الكلي، المحيط، والمطلق، في ذلك – وإنه لحق أن العالم قد صنع من مادة الفكر، ومن أجل ذلك جاءت كرامة الفكر .. ولم يجعل الله هاديا في شعاب ظلمات العالم غير نور العقل القوي الفكر .. وإنما من أجل تقوية الفكر أرسل الله الرسل، وأنزل القرآن، وشرع الشرائع" كتاب "لا اله الا الله" .. والعقل المعني هنا هو العقل المروض ، المؤدب بأدب الشريعة وأدب الحقيقة - (أدب الوقت) - فهو الذي يدرك "حكم الوقت" ، في كل وقت .. لقد حلت الفكرة الجمهورية قضية إشكالية النص بصورة نهائية عن طريق مفهوم التأويل وما يقوم عليه من منهج التوحيد.. وأما بحثك لحل القضية في البراغماتية وغيرها فبحث عن الشىء في غير مظانه وهو لن يفلح في شىء ولم يفلح في شىء.
    يقول دكتور النور: "يقول الأستاذ محمود: إن الدليل على كبر جسد الواقع على جلباب النص هو أننا اليوم نرسل بناتنا إلى الجامعات وإلى كليات القانون فيتخرجن قاضيات.."!!4 الأستاذ محمود لم يقل ذلك!! لم يقل إن "الواقع كبر على جلباب النص" بهذا التعميم!! فالأستاذ يتحدث عن الشريعة وليس عن النص وهو قد قال: " لدينا اليوم، في الخرطوم، قاضية شرعية، تخرجت من كلية الحقوق، بجامعة الخرطوم .. وهذا يعني أنها تمارس، أو من حقها أن تمارس حقها في تطبيق الشريعة الإسلامية على المتحاكمين إليها، على قدم المساواة مع زميلها الذي تخرج معها .. ولكن هذه الشريعة تقول أن شهادة هذه القاضية إنما هي على النصف من شهادة زميلها هذا .. أكثر من هذا!! فإن شهادتها إنما هي على النصف من شهادة رجل الشارع!! فهل هذا قول سليم؟؟ لعمري!! إن الخلل ليس في الدين، ولكنه إنما هو في العقول التي لا يحركها مثل هذا التناقض لتدرك أن في الأمر سرا .. هذا السر هو ببساطة شديدة، أن شريعتنا السلفية مرحلية .. " كتاب "تطوير شريعة الاحوال الشخصية" ط 2 ص 48 .. والأستاذ محمود في هذا الموضوع يعتمد على النص وهو قوله تعالى "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" .. حقوقهن لقاء واجباتهن "حذوك النعل بالنعل" .. وهذا وارد في نفس الصفحة .. والنور ينسب للأستاذ خلاف ما يقول وهذا أمر غير مقبول وغير لائق .. وهو أمر عند النور متكرر، وقد سبق لنا أن أوردنا، تحويره لقول الأستاذ عن "الفاعل الحقيقي والفاعل المباشر" ليصبح الفاعل المباشر، والفاعل غير المباشر!! وهو تحوير مخل جداً لأن قضية الفاعل الحقيقي تتعلق بالقضية المحورية في الفكرة ـ وهي وحدة الفاعل، وهي مدلول كلمة التوحيد "لا إله إلا الله".. ود. النور يرى كبر الواقع على النص بصورة عامة، وهذا أمر يختلف اختلافاً أساسياً مع رؤية الأستاذ، والذي يرى أن آيات الأصول ـ وهي نصوص بالطبع ـ تستوعب طاقات العصر، وتحل مشكلاته.. بل يذهب الأستاذ إلى أبعد من ذلك ـ فهو يقول: "هل تريدون الحق؟؟ إذاً فاسمعوا!! لا كرامة لمطلق حي على هذا الكوكب، إلا ببعث أصول الإسلام.. إلا ببعث آيات الأصول التي كانت منسوخة، ونسخ آيات الفروع التي كانت ناسخة في القرن السابع"!! وسنرى كيف أن النور يرى أن الواقع أكبر من أي نص، بما في ذلك آيات الأصول، خصوصاً عندما نتحدث عن الربا!!.
    ومن حق النور أن يرى، ما يرى، ولكن ليس من حقه، بأي حال من الأحوال، أن يحور، أقوال الأستاذ، فيجعلها بغير حق تعبر عن آرائه هو!!.
    يقول د. النور: "من الكبسولات المعرفية الممتلئة معنى التي وردت في كتابات الأستاذ محمود محمد طه قوله إن الدين قد نشأ في الأرض وألمت به أسباب السماء فهذبته وهذا يعني أن التشريع لا يجىء كلياً من الغيب وإنما يتشكل التشريع نتيجة لظروف الصراع الاجتماعي على أرض الواقع.. ولقد تضمن القرآن الكثير من التشاريع اليهودية.." عبارة: "وهذا يعني أن التشريع لا يجىء كلياً من الغيب..الخ" ليست من أقوال الأستاذ وأقوال الأستاذ لا تؤدي إليها بهذا المعنى الذي يريده النور ـ فعند الأستاذ لا يوجد شىء ليس هو من "الله".. فهو تعالى الفاعل لكل شىء في الوجود.
    هذا مبدأ أساسي في الفكرة.. الاختلاف فقط في الطريقة التي تصدر بها الأشياء عن الله.. فقول النور: "وانما يتشكل التشريع نتيجة لظروف الصراع الاجتماعي". ظروف هذا الصراع الاجتماعي هي من الله، من الغيب، هي كلام الله الخلقي ـ الإسلام العام.. والتشريع الذي يجىء به كلام الله، والمصبوب في قوالب اللغة العربية ـ القرآن بين دفتي المصحف ـ انما به تتم تصفية الرضا من الإرادة وقد أشار د. النور إلى موضوع الرضا والإرادة بقوله: "كما أشار الأستاذ محمود إلى ضرورة التفرقة بين "الرضا" و"الإرادة" فالواقع هو تجسيد الإرادة والفكرة التي تمثل الحلم انما هي تجسيد الرضا" وهذا قول غير صحيح ، فالواقع يجسد الرضا والإرادة معاً.. و"الفكرة" لا تجسد الرضا إلا عندما تعاش.. فمعيشة الرضا هي تجسيد الفكرة.. وبدل هذا التعميم والتخريج غير الصحيح كان الأولى بالنور أن يورد نص كلام الأستاذ ثم يقدم فهمه ليعطي القارىء فرصة الحكم.. فلنورد نحن كلام الأستاذ لنرى هل يتمشى مع ما فهمه النور؟!..يقول الأستاذ محمود من كتاب "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" ما نصه: " هذا يسوقنا، في استطراد بسيط، إلى تصحيح خطأ شائع، وهو الزعم بأن الدين قد نزل من السماء .. والحق أن الدين نبت في الأرض، وألمت به أسباب السماء، فهذبته، ونقته، ووجهته .. في تسام مقصود به أن تلحق الأرض بأسباب السماء، فإن رب الأرض، ورب السماء واحد .. قال تعالى: ((وهو الذي في السماء إله، وفي الأرض إله، وهو الحكيم العليم)) ..
    فإله الأرض، إله الإرادة .. وإله السماء، إله الرضا .. إله الأرض الرحمن، وإله السماء الله .. وإنما هما إله واحد: ((قل ادعوا الله، أو ادعوا الرحمن، أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى .. ولا تجهر بصلاتك، ولا تخافت بها .. وابتغ بين ذلك سبيلا)) وإنما، من ههنا، قررنا أن دين الإسلام العام هو الإرادة، ودين الإسلام الخاص هو الرضا .. وقررنا أن مهمة الوحي هي استخلاص الرضا من الإرادة بواسطة العقول البشرية المؤدبة بأدب السماء .. "
    فإله السماء وإله الأرض إله واحد.. وما يحدث في الواقع في الأرض وما ينزل من السماء لا يخرجان من فعل هذا الإله الواحد .. واستخلاص الرضا من الإرادة بواسطة العقول البشرية المؤدبة بأدب السماء هو السبيل لأخذ الجانب المستنير والإنساني من الحضارة الغربية الوارد في قول النور "وعلينا نحن الآن أن نأخذ بالجانب المستنير والإنساني من بنية الحضارة الغربية" .. وهذا ما قامت به الفكرة الجمهورية بالفعل ، وهي لم تكن في ذلك بحاجة للأخذ بالفلسفة البراغماتية ، ولم تفعل .. ولا سبيل لأخذ هذا الجانب المستنير من الحضارة بغير العقول المؤدبة بأدب السماء ، ولا سبيل لهذه العقول بغير المنهج الذي يفضي إليها ، وهو "طريق محمد" صلى الله عليه وسلم وليس أي منهج غيره .
    نستميح القراء عذراً في أن ننقل لهم هذا النص المطول من حديث الدكتور النور فهو يقول: "الفكرة ـ أي فكرة ـ والنص ـ أي نص ـ بما في ذلك النصوص المقدسة إنما هي حلم .. والواقع يستهدف الحلم ويسترشد بالحلم فالمثال أي "الفكرة" في تجربة آدم ليس هو "المثال" في تجربة موسى و"المثال" في تجربة موسى ليس هو "المثال" في تجربة عيسى و"المثال" في المسيحية ليس هو "المثال" في الإسلام.
    المثال والحلم يتغيران بتغير الأزمنة ومن طبيعة الواقع ـ أي واقع ـ أن يفلت من الفكرة في كل تجلياتها أرضية كانت أم سماوية .. فالواقع لدى النظر الشامل والثاقب هو أيضاً تجلٍ سماوي به تتم محاورة "الفكرة" ومقارعة سلطة "المثال" .. هذه المقارعة هي التي ينتج عنها التوسع والتعميق وهي التي تقود إلى الخروج على النصوص حيث يكبر جسد الواقع على جلباب النص .. ولو طبقنا هذا المفهوم على حالة الصراع التي جرت بين علي ومعاوية لأدركنا معنى عبارة "يحتاج إلى فكر يغطس الزانة ويطفِّح المسحانة" .. فجسد الواقع قد كبر في تلك اللحظة التاريخية على جلباب الدين في النسخة التي كان يمثلها علي بن أبي طالب وغيره من زاهدة الصحابة وأتقيائهم"!! 2 .
    ما معنى كون الفكرة أي فكرة والنص أي نص بما في ذلك النصوص المقدسة إنما هي حلم؟! هل نص الدكتور هذا حلم؟! وكيف؟! وهل الأفكار عن التاريخ والنصوص عن التاريخ هي حلم؟! كيف هي كذلك؟! هل النص القرآني مثلاً في قوله تعالى: "تبت يدا أبي لهب وتب" هذا حلم؟! وبأي معنى؟! وكيف يستهدف الواقع هذه النصوص التاريخية التي يفترض فيها أن تكون حلماً ولا يذوب فيها؟!.
    ما هو دليل الدكتور أن المثال في تجربة الأنبياء الذين ذكرهم يختلف من واحد للآخر؟! هو لم يوضح المثال المعني هنا!! ولكن "المثال" أو "الفكرة" في تجربة هؤلاء الأنبياء هو "لا إله إلا الله" التي جاءوا بها جميعاً .. فالمثال لا يختلف وإنما التحقيق هو الذي يختلف ، ومنهج التحقيق هو الذي يختلف .. والقول بأن الواقع ، أي واقع ، من طبيعته أن يفلت من الفكرة في كل تجلياتها ، أرضية كانت أم سماوية ، قول خاطىء ، شديد الخطأ .. فالواقع حسب التوحيد، أي واقع، لا يفلت ولا يمكن أن يفلت من كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" .. فالواقع ، أي واقع ، وكل واقع ، هو مظهر وتحقيق لهذه الحقيقة الكبرى وهذا سرمداً .. و"المثال" في النهاية هو ذات الله ، التي تتسامى عن كل قيد وتعلو على كل واقع أو فكر.. ومن هذا الإطلاق يجىء التنزل في المستويات المختلفة.. والقرآن نفسه كنص عند التناهي هو "الذات المطلقة" وإنما في مرحلة معينة من التنزل تم صبه في قوالب اللغة العربية ، لعلِّة أن نفهم نحن الذين نفهم عن طريق اللغة ، وإلا فان الله تعالى ليست له لغة.. يقول الأستاذ محمود عن القرآن من كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام": " ومن أجل هذا فإنه باطل ، زعم من زعم أن القرآن يمكن أن يستقصى تبيينه.. ذلك بأن القرآن هو ذات الله.. وهذه الذات تنزلت ، بمحض الفضل، إلى مدارك العباد ليعرفوها، فكانت القرآن في تنزلاته المختلفة: الذكر، والقرآن، والفرقان. وفي منزلة الفرقان هذه انصب في قوالب التعبير العربية ، واستعملت هذه القوالب أبلغ استعمال لتشير الى منزلتي القرآن ، والذكر ..".
    وقول الدكتور: "فجسد الواقع قد كبر في تلك اللحظة التاريخية على جلباب الدين في النسخة التي كان يمثلها علي بن أبي طالب وغيره من زاهدة الصحابة" قول خاطىء .. فليس لسيدنا علي وزاهدة الصحابة دين خلاف الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .. والواقع في تلك اللحظة لم يكبر على جلباب هذا الدين وهو لن يكبر عليه في لحظة من لحظات الزمان المقبل!! وإنما كبر على الشريعة .. بل لدى الدقة ، بدأ يكبر على الشريعة في بعض جوانبها المتعلقة بتنظيم المجتمع .. ان حديث الأخ الدكتور عن الواقع والفكرة، يقوم على تخيل كبير ، والواقع أنه استأنس ببعض كتابات النقد الأدبي ونقلها إلى غير مجالها .. فالتاريخانية في الأدب لا تقوم على التاريخ الموضوعي ، فزمن الرواية مثلاً في التكنيك الروائي، ليس هو الزمن التاريخي .. وكذلك الواقع في العمل الأدبي، والفني، ليس هو الواقع الموضوعي .. وعندما يناقش النقد الأدبي قضية إشكالية النص فهو يناقشها في إطار النص الأدبي ، وفي هذا الإطار ، الكاتب للنص محكوم بإطره الاجتماعية والفكرية والثقافية والنفسية ، والنص الذي يكتبه أيضا .. وكذلك زمن النص في الأدب هو الزمن الذي يفترضه المؤلف كزمن متخيل حسب التكنيك للعمل الفني المعين.. ولكن الزمن في التاريخ ، والواقع في التاريخ ، يختلفان تماماً عن الزمن والواقع في العمل الفني.. والنص في القرآن لا تحكمه القيم والمعايير التي تحكم النص الفني لأن المتكلم فيه هو الله!!.
    المهم الواضح أن هناك تخليطاً واضحاً في مفهوم الواقع ومفهوم النص فيما كتب د. النور بصورة تجعل حديثه الذي أوردنا منه النص المطول أعلاه مجرد حديث إنشائي خالٍ من المفاهيم المحددة.
    نواصل ...
                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-21-05, 09:36 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Murtada Gafar08-21-05, 10:52 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-22-05, 06:01 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-22-05, 06:03 AM
    Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Dr.Elnour Hamad08-22-05, 06:56 AM
      Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Haydar Badawi Sadig08-22-05, 07:23 AM
        Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Haydar Badawi Sadig08-22-05, 07:27 AM
        Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Elmosley12-11-05, 10:06 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-22-05, 06:02 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-24-05, 09:43 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-25-05, 06:17 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-26-05, 10:57 AM
    Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية عاطف عمر08-29-05, 01:26 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-31-05, 09:25 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-31-05, 09:31 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla09-05-05, 08:13 AM
    Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية عبد العزيز الكمبالى09-05-05, 10:08 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla09-06-05, 09:26 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla09-06-05, 09:29 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla09-07-05, 01:47 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla10-02-05, 08:30 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla10-03-05, 06:52 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla10-04-05, 09:39 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla10-06-05, 03:34 PM
    Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية تاج السر حسن10-10-05, 09:23 PM
      Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية أبوبكر حسن خليفة حسن10-11-05, 11:02 AM
        Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية عاطف عمر10-11-05, 01:57 PM
      Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية فتح العليم عبدالحي10-11-05, 01:26 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية أبوبكر حسن خليفة حسن10-11-05, 03:36 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de