|
ماعون .باب لايوصد . وصمتا جميلا
|
قمنا فوجدناه .اسمر اللون نحيف الجسم هادئ الطبع شفيف الحضور . أنيف. يسافر ثم يجىء يغيب ثم يحضر بهدوء وبصمت ساعيا وراء الرزق الحلال يلهث .و يكد و يتحدث بهدوء يصمت بصمت أليف . ويحترم الجميع ونحن أطفال . كان بيته مفتوحا وظل مشرعا حتى كبرنا ثم تزوجنا فأنجبنا أطفالا دخلوا بيته بنفس دخولنا الأول . فى فنائه تربينا ولعبنا ونمنا وشاهدنا (أحلام الفتى الطائر) فى تلفازه حين لم يكن هناك تلفزيونات فى المنازل عرفنا عادل امام وورده الجزائرية فى اوراق الورد . وبرامج صور شعبية والطيب محمد الطيب. وابداعات بلادى هل تذكرون محمد البصير ؟. من داخل بيته حيث كانت المشاهدة بلا ألوان ولما كان للمصريين ألق أكثر ولبلادى طعما يشبه طعم عمنا عبد العاطى (ماعون) . وأبناؤنا اليوم يشاهدون اسبيس تون وMBC3 ويلعبون الكمبيوتر فى نفس الفناء الرحيم وبنفس الحضور الطيب للأب القديم والجد الحالى والجالوص المعتق. تربينا تحت عباءته وشب ابناؤنا فى كنفه يلاحظون الصمت والطيبة وهدؤء الروح للشيخ الجميل الواسع الصدر الوارف الصبر لشقاوات الاطفال. هو من الجيل الذى لم يتعلم فى جامعة الخرطوم على حساب حكوماتنا، لم يكلف الحكومة كلفة الكراريس والمراجع والأكل فى الداخليات. وتذاكر السينما . لم يتعلم الانجليزية ليتشدق بها بين الحين والاخر ، وحينما يصبح وزير يتخلى عن أهله البسطاء. هو (أهله البسطاء) شأنه شأن كل الشماليين فى ذلك الزمان أتوا بحرفة وحيدة هي الطورية ، هربوا من الزراعة الظالمة وعملوا فى البناء . فشيدوا البيوت وأرسلوا المصاريف لذويهم وتزوجوا وربوا أبنائهم بصبر جميل وروح عفيفة. ماعون .. فى بيته ..عادة ما تجد وجوه جديدة لا تعرفها قد تألفها وقد لا تألفها ذلك شأن آخر المهم أن البيت يحتويهم جميعا وذلك هو السر . تجالسهم فى غرفة واحدة أصدقاء ابنائه وأحفاده الجدد وأبناء الجيران المغرميين ببيته البسيط. من منهم شاهد الباب مغلق ؟ من منهم شاهده موارب ؟ ناهيك عن أنه مقفول ؟ من منهم سمع كلمة خشنة من ماعون ؟ من منهم شاهده (صارى وشو ؟) لا أحد . أجيال وأجيال . وصداقات كثيرة شباب وصبية واطفال دخول وخروج وأقارب وغرباء. نساء ورجال سنوات فسنوات والبيت هو نفس البيت له سحره البهى وجالوصه التليد وبساطته المستمدة من بساطة (ماعون) الراعى الواعى يعشق الأغنام يربيها ويطعم كبدها الرطب يعايشها بكل الود.و يعشق الاطفال ، والجميع . دفق من الحب لا ينتهى وفلسفة لا يمكن فهمها بسهولة وفهم سهل للحياة وذكرى لا تنضب، وباب لا يوصد ، ماعون. ذهب بصمت مثلما عاش. ترك بهيمتيه ورحل وبهوه لا زال يستقبل الأطفال ، ونساء الحى وأصدقاء الجالوص . لخص تاريخه العتيق بكل بساطة وكأنه يقول لا للغربة والاغتراب لا لأموال البترول والعقالات فى الرياض، لدينا ما هو أفضل وعندنا ثرواتنا وطبيعتنا الخاصة . لا للبنايات الكبيرة، هنا الحياة حيث يختلط الجالوص بثياب (الزراق).لا للنقاب والتدين العنيف لدينا ديننا المخصوص حيث (شعرات الوشى) و(المرقة) للأفراح وللأتراح والدنيا البسيطة لدى النساء. ماعون ترك بهيمتيه ورحل حيث الصمت وما هو عن الصمت بغريب .
|
|
|
|
|
|
|
|
|