ما تكتبه الصحــ آفة: عن المديح المستدر للرثاء

Quote: الخرطوم اليوم فضل الله محمد أمس جاء «يوم شكر» ابن الشعب السوداني الأصيل جعفر محمد محمد نميري، واحتشدت الأمة على قلب رجل واحد وهي تشيعه إلى مثواه الأخير وتستودعه رّباً لا تضيع ودائعه.. ارتفعت أصوات الوفاء وهتفت الحناجر بالعرفان لمن أعطى لشعبه بلا من ولا أذى.. وخرست الألسن التي اعتادت على تسقُّط الهفوات والعثرات الانسانية ودرجت على تجاهل المحاسن والايجابيات التي سارت بذكرها الركبان.. جحافل الشعب التي احتشدت في أم درمان أمس، وضمت بين صفوفها منتسبين لسائر طوائف الشعب وأقاليمه وأحزابه وقطاعاته العمرية، أثبتت أن شعبنا، كالعهد به، بخير، يعرف قدر الرجال ويرد الجميل ولو بكلمة حق وشهادة إنصاف.. الذين حملوا نعش الرئيس نميري أمس والذين ساروا خلفه ورفعوا الأكف بالدعاء الحار، والثاكلات الباكيات اللائي امتلأت بهن داره حتى فاضت... كل هؤلاء كانوا يبكون رجلاً من عامة الناس، خرج من صفوف أبناء العمال البسطاء ليسهم بنصيب وافر في بناء نهضة السودان الحديث... كانوا يبكون فارساً رفع لواء العزة الوطنية وأحيا أمجاد الاباء والأجداد... ورفاق السلاح الذين حملوا نعشه على اكتافهم كانوا يذكرون بطولاته وثباته وبلاءه الحسن في حماية الأمن والاستقرار ووحدة الوطن.. وقد بكاه أبناء الجنوب كما بكاه أبناء الشمال، ولا غرو، فالراحل رائد السلام والحكم الذاتي الاقليمي واتفاقية أديس أبابا وباسط السلام والطمأنينة في أرجاء المديريات الجنوبية الحبيبة... بكاه السودان بأقاليمه كافة لأنه نجح في اعادة السلطة للاقاليم بعيداً عن تعريض وحدة تراب الوطن لمخاطر التقسيم والتفتيت... جاء اليوم الذي تراجعت فيه الضغائن والخلافات وانجلت الحقيقة عن طود شامخ من البنيات الاساسية والمصانع الاستراتيجية والمزارع المورقة والخدمات واسعة النطاق. جاء أمس يوم شكر القائد الذي حضر المسيرة واستنهض الهمم، وخاض المعارك، وتحملّ الأذى، وشاءت ارادة الله أن يترجل ويتقدم نحو قدره المحتوم ويتوسد ثرى أم درمان.