|
|
 Re: تَعَسَّرَ الصبحُ واستعصت وِلادتُه ... خالد عثمان / ميلبورن (Re: خالد العبيد)
|
أحسب ان كل رفاق المهجر قد تنتابهم تلك الأشجان المتشطرة بين حياة ناعمة في كنف نظام يحترم الانسان ويحفظ حقوقه و قانون تحرسه صحافة حرة من جهة، ومن جهة أخرى تنزع أشواقه ونبضاته الي وطن يلحظه منزلقاً الى أتون ظلمات ومتاهات تشابكتْ أنوارها ودياجيها .
وأحمد الله أنني ما ظلت أتمتع بحماس لم يفترلهذا الوطن القارة وذلك الشعب الفريد ، وأحمد الله اني قد رفضت كل الاشكال السياسية القائمة منذ أكثر من عشرين عاماً متلمساً لفكر جديد مع وطنيين أنقياء، وكنت أحتفظ بأملي القديم في وطن واحد ينعم بالرفاهية والأمان قبل زيارتي الاخيرة لبلدي السودان.
لذلك قصدت في زيارتي أن أكون متفحصاً متفرساً حتى أظفر بحقيقة مايدور، ومايقال عن التنمية والنهضة العمرانية ، وما تعرضه الفضائية السودانية عن الدعم التلقائي للرئيس البشير في مواجهة قرار الجنائية . و نلت في خلال أسبوع معلومات تكفي لنشر كتاب بما فيها لائحة بنك السودان للمتعسرين بالمليارات، ولكني أكتفي ببعض الخواطر على الأقل في هذا المقال وهي لاتخرج عن تقديم النصح للحاكم ولا أظنها تستوجب تقطيع الأوصال.
نعم المباني التي تتبع لشركات البترول أو لأثرياء المصارف الجدد والتي تقدر بملايين الدولارات الامريكية غيرت كثيرا في ملامح الخرطوم ، ويقبع بعض أصحاب تلك البيانات في السجون ويُطارد البعض مابين كوالا لامبور ولندن، تلك العمارات الفخمة لاتسندها أي بنية تحتية ، لا مجاري ولا صرف صحي ، ولازالت مواسير الاسبستوس المتهالكة تحمل المياة والسرطان لبعض أحياء الخرطوم، مرض السرطان الذي بلغت معدلاته بين أطفال السودان 10% مسجلة لاعلى معدل عالمي. والكهرباء زاد إنقطاعها بعد السد والرد ، لتهالك شباكتها وسوء إدارتها.
الطرق والشوارع الأسفلتية محط أنظار المقاولون ناقصة من التخطيط والمسح الهندسي بلا إعتبار لمصارف الامطار ومستويات المنازل والمباني خُنقت بها ، في إنتظار ما تجود به السماء التي غيرتها الظروف المناخية وكمية الإنبعاث الحراري التي لو قيست لجاءت في أول قائمة المعدلات العالمية.
وتطبع الفوضى وجه أمدرمان وأطراف الخرطوم، وتزكم أنف العاصمة تلك الانانية الفجة التي تبين مدى الهلع الذي أنتاب مطاردي الارزاق بركشاتهم المنبعث منها المرض وثاني اكسيد الكربون ، وخلاف تفوح نتانته حول موقف للحافلات بناه رأسمالي لم يرض بالقسمة فسدت عليه منافذه بصهاريج للنفط.
ومكاتب بالإمارات يديرها أبناء الوزراء وخاصتهم في إنتظار ما تبعث به المكاتب الحكومية من خطابات الاعتماد بملايين الدولارات الامريكية لسلع لايستفيد منها الوطن ولايحتاجها، وتنزل الوفود الحكومية بضيافة هؤلاء السماسرة الفاسدين ليعودوا محملين بالرشاوي الرخيصة.
سياساً و بأمانه توحد معظم سكان العاصمة القومية في رفضهم لقرار الجنائية وكان هناك خروج جماعي تلقائي عشية صدور القرار ، ولكن فشلت كل محاولات الحشد لتأئيد السيد الرئيس منذ اليوم الثاني وحتى الآن، فخروج الشعب السوداني كان إستجابة لغريزته الموغلة في المحلية و التي ترفض تعاطي الأجنبي للشأن السوداني وخوفه من الجديد أي كان ،ولم يكن الخروج دعماً للنظام بأي حال من الأحوال، بل تجد الشعب الآن مغيباً لاهثاُ لايعينه شيء عدا قوت يومه، يرزح تحت وطأة البوس والفقر والعنت وهمّ الوصول الي ميدان جاكسون في قريظة ذلك اللهيب اللافح.
إقتصاديا تكرر كثيرا اسم الوزير السابق للشؤون المالية بالامارات محمد خلفان بن خرباش حينما اعلن رسمياً عن احالته الى المحكمة امام دائرتين قضائيتين بتهم الفساد واختلاس نحو 26 مليون دولار وكان الوزير الامارتي قد تبرع بأسهمه في شركة واحة الخرطوم وقدرها 40 مليون دولار الى فقراء السودان !!!. من هم فقراء السودان؟ ويمثل هذا أحد حالات غسيل الاموال والتي تمثل الضلع الاول للأموال الدماء الحرام مع الاموال الرباء المنهوبة من المصارف.
إقتصاديا أيصاً يتحدث العارفون عن سندات شهامة المعدومة السند وعن طباعة العملة المعدومة القيمة ، وعن فساد البنوك بعد ان أتضح أن الديون في بعض البنوك بلغت 55% من رأس مال البنك، وأن بعضها تجاوز المعايير البنكية العالمية, حيث يتحدث معيار (بازل) أن أقصى حد للديون المعدومة والهالكة 6% وقد بلغت 26% من ديون البنوك السودانية.
والوضع في السودان مختلف يا سادتي عن الأزمة العالمية لأن الديون المعدومة في البنوك المحلية هي ودائع قطاع خاص، وحجمها كبير جداً حيث بلغت أكثر من 30 مليار جنيه سوداني (15 مليار دولار أمريكي).
إقتصاديا توجد طبقة واحدة الآن وغالبية الشعب يرزح تحت الجوع والمرض، وسياساً تحكم قبيلة واحدة تجاوزت الإنقاذ والتنظيم لتكرس لحكم الفرد ، ونفس الحال في الجنوب حيث تقهر قبيلة واحدة كل القبائل الاخرى بل ترغب في ابادتها.
المستقبل مظلم ....مظلم ....مظلم....مظلم ....مظلم ّّ!!! في غياب النظام الذي هو ( عبارة عن مجموعة من الأجزاء ذات الخصائص المشتركة أو مجموعة من العلاقات تؤدي إلى هدف مشترك)، وفي غياب الوظائف والمكونات.
والحل أخشى أن يكمن في طرح الدكتورة أحلام حسب الرسول المحجوزة قسرا بمستشفى الامراض العقلية ، بعد إعلانها الصريح عن فشل النخب السودانية وبعد ان ان أعلنت عن تضجرها من الفوضى المأساوية التي تغرق فيها البلاد.
وأخشى أن تكون الفاجعة كما رأيت ضياع لوطن وبعثرت لأمة بعد ان تعَسَّرَ الصبحُ واستعصت وِلادتُه..
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
خالد العبيد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست