|
|
 بنت حرام.
|
الطقس جهنمي قبيل ذلك الفجر العجيب، صداع نصفي يمضغ راسه ويكاد ينشره نصفين، وهي المرة الوحيدة التي يشعر به في حياته التي اشرفت على الخمسين سنة، كانت تنام بالقرب منه، كطفل ملائكي، كنسمة، الهدوء تمدد على احشاء القرية ومفاصلها، باستثناء عواء كلب ياتي من بعيد.. بعيد ..بعيد.
انسل وبهدوء نحو حوش الدار الكبير، وطاقيته الخضراء تنتصف راسه، الضلام يلفُ الامكنة الا وجه القمر الشاحب، الافق قطيفة سوداء تلبست بالانجم المبعثرة في الافلاك، اجال الحاج صابر النظر في الفضاء اللامتناهي، واسترق السمع، اصوات صراصير من ناحية زريبة الغنم، بكاء طفل متقطع، نعيق اصوات الضفادع منبعث من جهة الترعة، حفيف ورق الاشجار، مواء قطط خلف جزارة طه ود ريا، نظر الى الارض والحزن اطبق على قلبه وكيانه، وهو يحك باصبعه الايمن طرف راسه، ثم رفع كفيه الى السماء هامسا (اللهم ارزقني طفلا تغر به عيني بقية العمر المتبقي، وانت تعلم يا علام الغيوب حالي، اللهم ان اعجز عقمي الاطباء، فانت الحكيم الخبير..) واسترسل الحاج صابر في الدعاء، تكاد يداه المرتعشتان تلامسان قبة السماء، وهو يمسح دمعات ساخنات حرقن خديه، ثم مسح كفيه على وجهه وهو يتمتم.. اللهم اميييين، اللهم اميين، ودخل غرفته اليتيمة، ليجد زوجته تجلس القرفصاء وسط سرير النوم الابنوسي الذي اهداه اياهما بلال تاجر الخشب.
-الساعة كم يالمبروكة؟
وباتسامتها التي ولدت بها اجابته وهي تدعك ظهره بخفة:
-الثالثة والنصف فجرا.
ثم نظر اليها، كانما يراها لتوه اول مرة، كانت ثلاثينية العمر، حنطية اللون كقمح البنادر، نحيفة مثل عود السيسبان، متوسطة الطول، ابتسامة ثغرها كوميض كوكب ُدري، خدومة لا يعرف الملل اليها دربا، يتدلى شعرها الاسود حتى بلغ ردفيها، لا تعرف في هذه الحياة الدنيا الا بيت ابيها عوضا الله ود سبيل، وبيت زوجها صابر، لا تخرج من مخدعها الا مرات معدودات في الحُوُل، كجنيية، تزوجها قبل خمسة عشرة عاما، عندما كان يعمل غفيرا في دوانكي (صهاريج المياه) في الصعيد.
اضجع على يمناه يحدث نفسه(هل ياربي اجرمت في حق هذه المسكينة؟ هل ارمي لها يمين الطلاق كي تتزوج من غيري وتسعد بطفل يملأ عليها دنياها قبطة وسرورا؟ بعد ان اكد الاطباء باني عقيم ولن انجب قط؟ما ذنبها تتحمل معي مصيبتي؟ ما ذنبها؟؟؟ استغر الله.. اهه.. هييي... هه).
واخذ يتقلب في فراشه كأنه مضجع على صفيح مشتعل بالجمر، ثم ارتدى جلبابه الوحيد وانتعل حذائه اليتيم، وخرج صوب المسجد لاداء صلاة الفجر، الدروب مقفرة، ونسيم عليل يمسح جسد بيوتات الطين المكدسة مع بعضها البعض، تحسبها سبيطة بلح، عنقود عنب، تحسبها قنديل ذرة، وهو يخطو خطواته التي تشع بركة وطمأنية، وفي نهاية الدرب عند المنحنى، سمع صوت امرأة تولول، كانت زوجة مختار الميكانيكي، ابتسم، ثم اسرع في خطواته متمتما استغفر الله، استغفر الله، اللهم اغفر لي، وارزقهما الزرية الصالحة.
وعند اقترابه من فضاء المسجد، راى جُبارة السِكير، كان قادما من انداية الكمبو ناحية كمائن الطوب، وهو يغني بصوته الشجي:
-يا غالية يا زينة حياتي.
مُشتاق لشوووووفتِك لي زمن.
نظر الحاج صابر اليه من بعيد، مسكين جبارة، ذهب الى الجنوب لمقاتلة الخوارج عندما كان في الجيش، ونبأ الى اهالي القرية ان (جُبارتكُم) قد استشهد في سبيل الله، واقام الناس له سراديق العزاء وصلوا عليه صلاة الجنازة على روح الغائب، وبكوا، وتباكوا علي خصالة السمحة، وتزوجت زوجته كلتوم من ود سعد الذي سافر بها الى العراق، ليتفاجأ اهل القرية به قبل سنتين، بانه حي يرزق، طويل القامة، سمين الجثة، وعندما علم بامر زواج زوجته التي تركها عروس، تنكب الصراط وادمنت قداماه طريق الانداية والبنقو، كان يشرب بشراهه ويردد مقولته (المراة زي موكييت مكتب المحامي عباس، مابتنضف الا بالدق والضرب).
فتح الحاج صابر باب المسجد، ورفع الاذان مؤذنا لصلاة الفجر، ثم جلس في انتظار المصلين وهو يقراء ايات من القران الكريم من مصحف بين يديه، خييل اليه انه يسمع صوت انين مكتوم، اشاح بنظره ناحية نافذة المسجد الجهة المقابلة للترعة، ولكن لاشيء ثم عاود قراءة القران الكريم، لكن صوت الانين كان ابلج هذه المرة، قام بتقبيل المصحف الشريف ثم وضعه جانبا، ودلف الى الخارج محدقا في محيط المسجد، ولكن لاشيء، توافد المصلين وهم اربعة، الحاج جبارة الخير الفران، الحاج ابكر غفير المدرسة، كوكو سائق شاحنة الاستاذ الفتيح، وهو.
عندما اكملوا الركعة الاولى تحول الانين الى صراخ ممض وبقوة، انهمك كوكو في اغلاق باب المسجد بينما حمل الحاج صابر الطفلة التي وجودوها امام مدخل الجامع بين يديه، كانت ملفوفة بخرقة متسخة، واثار دماء متناثرة عليها، وضعها احدهم في قُفة كبيرة من السعف امام باب المسجد كي تواجه مصيرها.
احتار القوم في امر الطفلة التي ما انفكت تصرخ، وزعق كوكو امام الشاويش عبده في مخفر الشرطة، بنت زنا امام المسجد.. بنت حرام؟؟؟؟
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| بنت حرام. | محمود الدقم | 04-19-09, 08:22 PM |
| Re: بنت حرام. | عزام حسن فرح | 04-19-09, 08:29 PM |
| Re: بنت حرام. | محمود الدقم | 04-20-09, 10:52 AM |
| Re: بنت حرام. | rani | 04-19-09, 09:34 PM |
| Re: بنت حرام. | rani | 04-20-09, 05:20 AM |
| Re: بنت حرام. | محمود الدقم | 04-20-09, 11:14 AM |
| Re: بنت حرام. | محمود الدقم | 04-19-09, 09:53 PM |
| Re: بنت حرام. | اسعد الريفى | 04-20-09, 06:45 AM |
| Re: بنت حرام. | ALZOLZATOO | 04-20-09, 10:57 AM |
| Re: بنت حرام. | محمود الدقم | 04-20-09, 11:03 PM |
| Re: بنت حرام. | محمود الدقم | 04-20-09, 04:24 PM |
| Re: بنت حرام. | محمد على طه الملك | 04-20-09, 08:31 PM |
| Re: بنت حرام. | محمود الدقم | 04-21-09, 11:15 AM |
| Re: بنت حرام. | محمود الدقم | 04-21-09, 05:43 PM |
|
| |
محمود الدقم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست