بهجات مجانية ....البنسلين ياتمرجى

Quote: (1) برايان مات!! عبدالمنعم الجزولى مساءً وَخْـرِى..وكعادته، اتصل تاج السر الملك يسأل: - كيف حال برايان؟ - البركة فيكم ياخ. - مات؟! - صباح اليوم... وبرايان، امريكى اسود، كان كاكاوى اللون، قبل ان يستحيل سواده الى فاجعة لونية. طويل القامة بشكل لافت،وقيل انه كان رياضيا من النوع الذى تتعشقه النساء ( نحن لنا الله وعيشة السوق!! ) ووسيم بما يثير الشبهات، ومصاب بالايدز....ولله الحمد. قادتنى المقادير لكى ارافقه فى المستشفى، كجزء من عملى الجديد.... انا الآن تمرجى كامل الدسم!! تطلع من بيتك حزين.. تلقى الفرح عند مين ( مثل سودانى مصرى مشترك ) وهكذا، عندما لفظتنا اوطاننا الى المنافى، ودون سابق انذار، ولم نكن مستعدين لذلك، ففقدنا فجأة نعمة الاختيار، ولم نعد نملك خياراتنا. فى الواقع .. لم نعد نملك اية خيارات. وصرنا ( متملطشين ) ذات اليمين وذات اليسار و...وذات مابينهما. ننهض من حفرة لنقع فى اخرى. بالطبع..فان الكثيرين منا استطاعوا ان يحولِّوا حجر الطاحونة الى تورتة بالمايونيز!! فطابت لهم ( طابت ). اما التعساء من أمثالنا، وخائبى الرجاء، والذين لاصبر لهم على عَـوَر الدرس، ولا على عَوارة الدرَّاس، فقد اكتفينا بشهادة محو الامية الحضارية، مع شهادة لا اله الا الله، ثم انطلقنا فرحين بما أُوتينا، نكنس شوارع الامبريالية ونلمعها لهم، وننقل متعلقاتهم من بناية الى أخرى، وزبالتهم، من برميل الى آخر. فلم تتسع مواعيننا لاكثر من غسل مواعينهم. والله اكبر والعزة للسودان!! فقدت وظيفتى فى الفندق، نتيجة من نتائج ازمة الرأسمالية الاخيرة ( العبد لله، ولافخر، مسجل كأول ضحايا الانهيار الاقتصادى العالمى! ) ومثل الكثيرين غيرى، كدت ان أضيع بين الرجلين، حتى قيض الله لى ( نصرانيا ) رحيماً، ألبسنى لبوس التمرجية، واتخذنى تمرجيا فى شفخانة من شفخانات واشنطون الكبيرة. وهكذا وبدون مقدمات، رأيت فيما يرى الصاحى، اننى ارافق المرضى من أجزخانة الى أجزخانة، ومن أدبخانة الى أدبخانة. وأشرف على طعامهم وشرابهم ( وأنا نفسى احتاج الى من يشرف على طعامى وشرابى ) ثم وجدتنى اعتنى براحتهم وبموعد نومهم وموعد ادويتهم بل وقد اضطر مستقبلا للتغوط نيابة عنهم ان دعا داع الفدا!!! فأكل العيش صعب. كان برايان هو مريضى الاول. وما الحبُّ الا للمريضِ الاولِ! من مواليد مايو 69 ( لا أعرف بالضبط هل هو مريض فى الاصل، أم أنه انقلاب فى شكل مريض ). وقد التقط البذرة من صديقته الشقراء، الهيفاء، الميساء، الفاتنة، سليلة الحسب والنسب والذى يمكن ان يمتد نسبها فى التاريخ حتى يوحنا عم المسيح ( هل للمسيح عمٌ يُنتـَسَـبُ اليه، كما العباس عم الرسول صلعم؟ ). عند السسترات الخبر اليقين!! ( مثل طبى ) قلن انها كانت تعمل فى شركة من كبريات شركات الطيران فى وظيفة مرموقة ( لم يتحدد بعد درجة مرموقيتها ) ويبدو انها كانت تسافر كثيرا جدا. وكما فى فوائد السفر الكثيرة، ففى كل بلد ( سوَّالو وِلاد ). وقطع شك، فان واحدا من هؤلاء ( الولاد ) قد سواها، ولايخاف عقباها. فضاعت الفاتنة ضيعة ابدية. وتحولت الى مجرد تصويرة داخل برواز انيق، موضوع على المنضدة الصغيرة، بجانب سرير برايان، بعد ان سبقته الى الابدية ببضعة اشهر، وانا لله وانا اليه راجعون. منذ رحيلها الفاجع، وبرايان فى حالة اكتئاب مزمن، لايتحث الى أحد، ولا يأكل ولايشرب ولايطيق الحياة نفسها، وقد حاول الانتحار عدة مرات!! وهذا بالضبط هو سبب تعيين تمرجى مرافق له. فوظيفة التمرجى المرافق اقرب الى وظيفة ضابط المراقبة، منها الى اى شئ يمت الى الطب بصلة. برايان لم يعد يطيق الماء العذب!!! يفضل عليه الكحول العذبة!! لهذا اخترعوا له نظاما غذائيا يعتمد على الكحول كمكون اساسى!! ولابد ان الدكتور قال لذات نفسه ( الراجل ميت.. ميت ). فى زيارتى الأخيرة للسودان طلبت منى الصديقة ايمان عبد الغفور، ان اكتب لهم تمثيليات قصيرة لصالح منظمة تعمل فى مجال التوعية بمرض الايدز وسط معسكرات النازحين. يريدون بها ( التمثيليات ) ان تساعد على ترسيخ معارف الناس فى شأن انتقال العدوى، وطرق الوقاية، وضرورة الفحص الطوعى، وما إلى ذلك من طرق التعامل مع المريض. وهكذا، توفرت لدى مادة طيبة من الكتيبات والنشرات، استزدت عليها بعضا مما توفر لى فى الانترنت ( جزى الله اهل النت خير الجزاء ) فصارت لدى بعضا من المعارف النظرية!! بشكل عام....ولكن!! بعد كل الدروس العسكرية والتدريبات على اطلاق النار والطرق النظرية فى الاقتحام والالتحام مع العدو، وكيفية أخذ الساتر ( والساتر الله ) ..و..فجأة تجد نفسك وجها لوجه امام العدو بشحمه ولحمه وكافة اسلحته الفتاكة... وكما يقول الشاعر البنا الحربُ صبرٌ واللقاءُ ثباتُ والموتُ فى شأنِ الالهِ حياةُ والبحر خلفى والايدز امامى...ضاع الطريق الى السلامة مرة والى الابد... اللهم ارحم عبدك الضعيف، واسكنه فى جنانك يا أرحم الراحمين، آمين يارب العالمين. يقول المتفائلون: الضربة التى لاتقتلك، تقويك!! ( مثل مجهول الاصل ) ويقول المتشائمون: الثعبان الوحيد الذى لايعض، هو الثعبان الميت!! ( مثل غالبا صينى ) جاءونى بحمولة قندران من القفازات البلاستيكية، وحمولة مماثلة من المرايل البلاستيكية والكمامات البلاستيكية وأطنان من الدعوات البلاستيكية الصفراء، وغمرونى بمشاعر بلاستيكية فياضة، وصفقوا لى كثيرا جدا وهتفوا باسمى فى محافلهم البلاستيكية ثم ادخلونى الى عرين الاسد!! الاسد لم يكن اشحم من قشة الكبريت الا قليلا! هده الداء، ونال منه الإكتئاب، فتحول الى شبح نائم اغلب الوقت، ويكح الاغلب الباقى، فاذا توفر له بعد ذلك اى وقت فهو يقضيه فى تجرع الفودكا من زجاجة على جانب السرير. لا ماء ولاثلج ولا صودا!! لاطعام ولاشراب الا الفودكا. اما لماذا الفودكا تحديدا وليس الكحوليات الاخرى فهذا مما ليس لى به علم. وأدركت عندها كيف ان الطب قد تقدم بخطوات حثيثة نحو الشعشعة!! براين لم يكن يتغوط!! كان كثير التبول ( والبول واحد من أهم المحظورات فى مثل هذه الحالة، مع الدم واللعاب ) ويفعلها فى السرير!! عمدا أم سهوا، لست أدرى. وكانت التمرجية ( ست الاسم ) تأتى ثلاث مرات فى اليوم لحقنه بمادة لا أعرف ( بالطبع ) ماهى ولكنها على كل حال حفظته حتى فجر السبت، وحين حضرت فى ذلك الصباح الى المستشفى أحمل بقية من نعاس، وقليلا من الزاد الذى ازدرده على عجل خلال اليوم، وبعضا من الامل فى ان تبتسم لى الحياة.. كان السرير عاريا من أية آثار للفراش أو الاغطية. فلم اسأل بالطبع، وغدوت من توى الى مكتب منسقة البرنامج على أمل ان تلحقنى بمريض آخر انفق فى مرافقته بضعة ساعات كل يوم اتقاضى مقابلها الاجر الذى يؤمن لى دفع قيمة الايجار الشهرى، وبعضا من الفواتير المتراكمة. والجاتك فى صحتك سامحتك ( مثل حداثى، من امثال مابعد الانهيار الاقتصادى ).