رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-12-2024, 11:11 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الممثلة تماضر شيخ الدين جبريل(Tumadir)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-19-2003, 04:10 PM

رباح الصادق

تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى (Re: Tumadir)


    الأخ جمال عبد الرحمن أشكرك على الإطراء. - وأشكر أيضا الأخ بدرالدين شنا
    أما الأخ ود قاسم فإنني بعد شكري على الإطراء أقول أن افنسان يختار ما هو أفضل له لأن الناس لن تجمع أبدا على شيء مفضل لهم، وما تراه مفضلا لديك سيراه آخرون غير مفضل لهم. لقد روى لي أحد المثقفين أنه حينما علم أن نجل الزعيم إسماعيل الأزهري احمد يشتغل بالموسيقى كان رد فعله التقليدي: انتو ما بتعرفو في المزيكة دي خلوها لينا وشوفوا سياستكم.. وكثيرون يودون لو أني لا ألج وأزاحمهم في دروبهم ولأذهب من حيث أتيت، ولذلك فإنني لا يمكن أبدا أن أجعل مزاج (الآخرين) خطي ببساطة لأنهم لن يجمعوا على شيء أبدا: حكاية جحا وولدو معروفة
    أشكرك أيها الأخ السمندل وأرجو أن يعجبك النص الكامل كما اعجبك عرض تماضر الرائع مثلها
    الأخ الصاوي أشكرك أخي على ما قلته بحقي وحق النص.. تصور أن اقتراحك هذا وجه لي كثيرا أن أغير اسمي وأنا آبى إلا أن أكون باسمي ربما لآنني لا أجيد تقمص أدوار الآخرين، فلأكن أنا أنا وسأرضى بالنتيجة كما لاحظت، وأناشدك الله أن ترضى معي.
    الأخ نزار
    أشكرك أن كنت لي قارئا وكمان معجبا.. إنني فخورة لا شك بذاك.. تلك العديلة التي ذكرتها بالمناسبة لا زالت تقال حتى الآن، ونص العديلة هو:
    يا بارينا بي أنا نبينا السار شافع المذنبين يوم النهار القالي (دي العصاية زي ما بقولوا)
    الليلة العريس راكب على مراحة
    طالب قبة المهدي مكان الراحة
    عروسك يا الخزين من الجنان تفاحة
    بت المنتظر تصل البقيع بي جناحها

    طاقة السندس البطيب دخريك
    مسخت الشباب كل الفضايل فيك
    يا المن خلتك رب العباد هاديك
    لاح نورك سطع يا ام سلمة لي الجاييك

    شعرك شيبقو ودفقو الموازن خدو
    والزين يا أم قبيل عندك مكمل حدو
    أبواتك على ناسا كبار بتبدو
    وأخوانك نهار يوم القيامة يعدّوا

    شن تشبه بلا الجلبو الخدار لي زرعو
    حراسو مشمرين من قوة ما بنخلعو
    من تحت الدقر طلع النمر في فرعو

    وأزيدك من الشعر بيت، لا زال كل من يتزوج تعمل له عديلة وقد عملت واحدة للحبيب عبد الله الفاضل وهو عضو معنا هنا في هذا البورد حاولت فيها استلاف تلك الروح في عدايل المهدية ولا أدري كم أصبت غرضي. وفي الحقيقة أنني أعتبر في أسرتنا المباشرة من المعدلات الأساسيات ذلك أنني أول من حفظ العديلة عن عمتي وصال المهدي- وليس لحسن الأداء فمنا من هي أجمل صوتا خاصة وأن مسألة الصوت الرخيم هذه غير شائعة في الأسرة كثيرا. ويروى أن بعض بنات الإمام عبد الرحمن كن معه وأتاه شاعر الأنصار المجيد ود حاج العاقب ومعه مدحة جديدة، وطلب منه الإمام أن يرويها له ولم يكن هناك من (ِشيالين) فقمن (أي بنات الإمام) بالمهمة وكانت أصواتهن مش ولا بد خالص، ولذلك حينما انتهى ود حاج العاقب من المديح قال لهن: إنت تشيلن لي عدوي يا بنات سيدي
    الأخ محمد سيد أحمد أشكرك.. نعم نحن ككل الأسر فينا من كل أصناف البشر.. الأخ محمد وصفوة بخير والحمد لله وإن كان أبوهما العم عبد الله فرح قد توفي قبل شهور قليلة رحمه الله وأحسن إليه
    أشكرك يا لنا وارجو أن أكون عند حسن ظنك في أي طريق أسير
    شيري الودودة
    مهلا مهلا عن أي انتصار تتحدثين... أنت لم تقرأي القصة بعد.. ثم أن دربنا للانتصار لا زال بعيييييييدا وشائكا.. الصبر أختاه

    يللا يا شباب على نص القصة، وأرجو ألا يكون الجمل (كلمات تماضر الجميلة) قد ولد فأرا .. أرجو مجرد رجاء



    الأخوة الأحباب
    قبل الاطلاع على النص الذي رأيت أن أنزله بناء على رغبة الأخ محمد علي أحمد، ولنا، فإنني أقول إن الأخت تماضر لم تكن تجامل أحدا فكما قالت واقول أننا لم نتعرف على بعض إلا هذا الشهر على هذا البورد والبوست كانت قد أرسلته قبل شهور طويلة، ولكن ما سمعته من النقاد المتخصصين هنا يدفعني إلى أن أظهر الوجه الآخر لنقد لبلابة. ولعل أبرز ما وجه لها من نقد:
    - اتباع النهج الكلاسيكي في الزمن
    -وأنها مشروع غير مكتمل لقصة
    - وأنه ليس فيها تأطير للمكان وهما من ضرورات القصة
    -وأخيرا فإن أحدهم وصفها بانها قصة بيتية

    إنني أورد هذه الكلمات ليس لأنني أؤمن بها ولكن لنضع إطارا نقديا مغايرا بحيث يعرض أمام القراء آراء تماضر المحتفية بالقصة والآراء المخالفة وبحيث لا يقفل الباب (يا أخ تبلدي) والنقد سلبا أو إيجابا يفيد الكاتبة خاصة وهي قصتها الأولى- وأعترف أنني لم أكملها فهذه هي البابة الأولى- هنالك بعض النصوص النقدية بحوزتي سأجهد أن ألقاها وأبثها هنا ففي بعضها إضاءات لقراءة القصة

    نص القصة هو:

    لجنة الإصابة في تاربخ لبلابة
    بابة أولى

    إهداء

    إلى روح أمي رحمة، وذكرى الجمال الذي كانت تنثره بلا حساب.
    إلى ابنها الصادق الذي أخذ منها وزاد،
    إلى ود سعد، والخليل، ومصطفى، سلاطين الوجدان العدول،
    وإلى أهل بلادي الطيبين، أهدي بطاقة محبة.
    رباح


    مدخل:
    رأيت خيال الظل أعظم عـــبرة لمن كان في علم الحقائق راق
    شخوصا وأصواتا يخالف بعضهــا لبعض وأشكالا بغير وفـــــــــــاق
    تجيء وتمضي بابة بعد بابـــــة وتفنى جميعا والمحرك واحـــــد
    وجيه الدين ضياء بن عبد الكريم
    ولدت لبلابة في عام الطيور، في بؤرة البحور، وعاشت سبعة عشر. طافت بين الصحارى والجبال وضفاف الأنهر والمواني والأدغال في عشر، ولقيها من الخلق كثر، فإذا سألت عن حديثها خلط الناس، فمن قائل أن حديثها كالسنا لا يستقر، ومن ذاكر أنه لخبطة وشر.
    شغلت لبلابة الأنام، وتناقلوا ذكرها بين حامد وذام. فلما رأى ذلك السلطان، رغب في اكتناه الشأن، واستشار خلص أصحابه فدلوه للجنة يسميها "الإصابة في تاريخ لبلابة" لتتولى الإفتاء العام فيما شاع بين الخاصة والعوام حول هذا الأمر الهام.
    بعد تدبر تم اختيار الأعضاء، والتقوا أكثر من لقاء، ثم لاقت اللجنة عقبات سيأتي ذكرها في الختام. أما هذه البابة فتخبر عن السادة الكرام الذين وقع عليهم التأريخ للبلابة. وتعرض أهم ما دونوا، لرفد الألباب والتيسير على من يقوم بإجلاء الأفهام، في مقبل الأيام.
    وأعضاء اللجنة المختارون هم:
    ود المبشور
    ولدته أمه في سبعة مكتوم الصرخة. وأرضعته سبعة أشهر جف منها بعدها اللبن. حفظ القرآن في سبعة وغير اسمه من حامد إلى محمود. تلقى الدرس على يد الفكي ود الأمين صاحب المخلاية، والفكي العجب، والفكي محجوب، وعمل كل المطلوب، وما مر عليه شيء إلا قال عنه شيئا.
    تزوج السرة بت أبو حليمة بعد صد ورد، ولما ما أنجبت له ولد تزوج في يوم واحد ثلاثا هن: ختمة بت الختم، وسعيدة بت سعد الله، والنعمة التي قال فيها الشاعر ود سر الختم:
    النعمة كان جازت عتب
    توقد على جوفي اللهب.
    وقيل له طلق السرة ما دام لا يأتي منها ولد، فقال: ما بخلها.
    وصار يولد له كل عام ولد، ويموت له كل عامين ولد، فمشى له المشاءون وقالوا له: "السرة بتمشي للفكيا تكتب ضراتها تدرج ليهم الضرر، الولية العاقر فتنة وشوم، وبراك شايف وليداتك بنحتو متل الصفق في القر". فقال قولته المشهورة التي جرت مجرى المثل: "السرة هيلي براي، ما بخلها إن حتت جناي، حقها، تدي بي جاي، وتشيل بي جاي".
    كان ود المبشور أول المختارين في اللجنة، فالجميع يشهد له بعلو القدر وقوة الحجة، وكان له لدى السلطان مكانة خاصة لم يرق لها أحد من قبل.


    سليمان الأعرج

    مدخل: باب الروح متاكا، انسربي
    صاحيات الحدايق، أرعي.. (عاطف خيري)

    قيل ولد عام الفيضان، وإذا صح التاريخ فذلك يعني أنه أكبر من ود المبشور بما يقارب الثلاثة أعوام. وقد شال السيل بيت أهله فولدته أمه في العراء. وكانت تسمى الجودلية بت حمدان، وكسائر نساء ذلك الزمان المختونات على سنة فرعون فلم تكن لتلد إلا بشق. وبينما كانت تغالب آلام الجرح والنساء منشغلات من حولها، اقترب كلب جائع من الوليد فجره من رجله يريد أن يختطفه ويفترسه بعد حين. قيل، فما التفتوا إلا رأوا ثلة من الطيور تهاجم الكلب من كل صوب. ففقأت عينيه ثم تكالبت عليه آلاف من النمال. فأسموه سليمان لأنه خاطب الطير والنمل. وقد أصابت رجله عاهة إثر ذاك الحدث فصار اعرج.
    درس سليمان على يد الفكي المحجوب ولبث سنة فلم يجاوز حفظه بعض سور من عم، فعد ذلك الفكي المحجوب غباء فلفظه من خلوته فانتقل إلى الفكي طه المجذوب. فقال عنه: ما رأيت ولدا نابها مثل سليمان، سوى أنه يطارد شيئا هو لا يدريه.
    فأتم حفظ القرآن مع الفكي المجذوب في أربعين يوما. فبهت الفكي المحجوب وقال: الفكي المجذوب عنده جان سكنهم في جوف الوليد الغبيان.
    وأبى سليمان الزواج فقيل له أراغب أنت عنه رغم ما سمعت عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، قال إنما لا أحتمل كفاي ما بي. وهو إذا أنصت خلته قبرا وإذا تحدث لم يفهمه إلا ود المبشور.
    لما تكونت اللجنة ذهب رسول السلطان لود المبشور ليبلغه باختيار السلطان إياه، فقال: إن ما معاي سليمان ماني جاي، فأجيب طلبه.
    وسليمان حاله عجيب، فكم كذب كذبا لا يجني فائدة منه، وإذا جاء داعي الكذب يقول الصدق ولا يخلص نفسه بالباطل. ويصمت إذا سئل، ويتحدث حينما لا يطلب منه رأي. وأكثر الناس ما كانوا ليحبوه إلا قليل منهم ود المبشور وخادم له يدعى مرجان. وقد قالت إحداهن لمرجان وهي تغازله: "حسي إن ما الدنيا أم قدود هو ولا ات السيد، أعرج وغبيان وقبيح وبطران" فلم يمسك نفسه حتى صفعها وقام من عندها وداخله يمور.
    لما سمع بعض شانئيه أنه اختير عضوا باللجنة غضبوا ومشوا للسلطان مراجعين. فوجدوا عنده امرأة تبكي وتولول وتقول: وليدي ما لامة فيه، الليل بطوله بفتش فيه مع الأعرج ما لقيناه، طالباك يا سيدي تقول لي خدمك يطوفوا يشوفوه في البلد. فأمر لها بما أرادت ثم سألها: الأعرج طاف معاك شن عنده فيك وفي وليدك؟ فقالت: حالو الأعرج بمش ويلم ما هماه شن لاقط، ويودر دوام ما هماه شن منو ساقط! فأطرق السلطان ثم قال: عجيب. ولما كان في حديثه لكنة استحسان، فقد غيروا نبرتهم من الغضب إلى العتاب. فقال لهم السلطان بحزم: طلب ود المبشور لا يرد. فرجعوا مغبونين. وما دروا لماذا غضبوا في البداية ولماذا من بعد غبنوا. ولكن الأعرج عجيب ومعه الناس تكون عجيبة.


    الزين ود حماد
    وقد ولد في بيت علم ودرس الشرع والفقه وحفظ القرآن، وختم علومه بالأزهر الشريف. وهو وقور إذا تحدث أصغى الناس، ولم يكن أحد ليسأله إلا بما يرضى هيبة له وتوقيرا. امتدحته امرأته لزائراتها فقالت أنها ما رأته يضحك قط، ولا رأته إلا بكامل لباسه. وأنه إذا حدثها ما سمعته من فرط هيبته، وإذا نظر لها سقط قلبها بين قدميها.
    كان أبوه رجلا كريما شجاعا دينا تهابه نساؤه ويحترمنه. ويروى أن إحداهن عصت أمره وخرجت إلى السوق فرآها خادمه تتحدث إلى أجنبي فأخبر سيده. فلما رجعت ذبحت وبعث إلى أهلها بالجثمان والدية فقبلوها صاغرين. وحمد أبوه الله أن لم يكن له من تلك البغي ولد، وصارت بذلك مثلا لتأديب البقية دون أن يحمل عار ولد من صلبه يحمل شيئا من لحمها. وإن كان البعض قد عد فعله هذا قمة في القسوة، فقد عده البعض غاية في الشرف.
    أما الزين فقد اعتبر الابن الأكثر شبها بأبيه، سوى أن علمه أغزر وأفقه أوسع وذكره أعلى.
    وقد قيل له لماذا لا تتزوج بأكثر من واحدة فتمتع نفسك بين مذاقات متنوعة، فقال: النساء كلهن شر وإن أبدين غير ذلك. وكفاي من تحفظ نسلي، فهذه المرأة ولود، ولا أبغي من ودها شيئا.
    وبما أن الزين من علية القوم، عالم بين أترابه، فقد اختير عضوا باللجنة. ولما علم بالاختيار قال: لا أظننا نجني شيئا بالبحث وراء أخبار امرأة. ولكني أقبل بالاختيار لسببين: معزة السلطان، ولئلا يتحكم بالتأريخ تباع الهوى فيزيدوا المرأة مما ليس لها. وهكذا صار ثالث الأعضاء المختارين.

    الجاك الشولابي
    وهو من قبيلة الشولاب. جدهم اسمه الاعيسر ود كرقوس، وقد تزوج من ثلاث نساء هن: الشول، حميدة، ومريم. ولما مات احترب أبناؤه حول تركته حسب أمهاتهم فلم يرضوا الانتساب لاسم واحد فنسبوا أنفسهم لأمهاتهم وصاروا يدعون على التوالي: الشولاب، الحميداب، والمريماب.
    نشأ الجاك محبا لمجالس الكبار يحفظ شعر القوم وأنسابهم، وحكمهم وأمثالهم. وكان متعلقا بجده أشد التعلق. ولما مات وهو بعد صبي كان يمشي يجلس بقرب قبره لعله يبخع نفسه على آثاره وهو ما لم يكن. وكتب في رثائه شعرا ونثرا كثيرا، من ذلك قوله:
    ذاهبون الأحبة ذاهبون
    يا فؤادي غيب
    نبضك تحت الثرى
    قبل أن تبتلع ما سوف يكون
    وما قد جرى
    ثم رأى في المنام أن جده يقول له ستلحق بي إذا مقت الموت كأنه عدو، فكف عن تمني الهلاك، وعن البكاء. وعاد الاختلاف لمجالس الكبار. وكان كلما تقدم في عمره ازداد رفعة بين الجماعة لما يعرف عنه من أنه ما أزلفت له معضلة إلا حلها، وكان من الأجاويد الذين يفصلون في النزاعات ويقصده ذوو الحاجات.
    ولما أزلفت اللجنة كان من أثبت المرشحين. وقال لرسول السلطان: سمعت جدي يذكرها بالخير، وينصحني ألا اصدق فيها الشانئين. كما أحفظ فيها شعرا كثيرا قاله المغنون. تلك والله امرأة. سأكون معكم بإذن الله.
    كلتوم بت أدومة
    وأمها بنونة بت أبو حليمة، أخت السرة زوج ود المبشور التي قال فيها قولته "حقها، تدي بي جاي وتشيل بي جاي". مرضت أمها مرضا شديدا وهي بعد رضيعة. وكانت أمها حوارة للفكي المجذوب فأرسلت له من يخبره أنها تحتضر وتريد أن توصيه، قالت له: البنية دي أبوها غريب عننا ومات وهي في بطني، وأنا ما قاعدة أربيها. صح أعمامها في بلدهم وخيلانها في دارنا كان دارو يسدو عين الشمش ما بنغلبو، لكن أنا ناضراها للعلوم، تكون حوارتك يا شيخي وأمرها بين يديك، أشهدوا يا جماعة.. وكان أهلها حضورا- ثم تصبرت نظرتها وفارقت. فسبّل الشيخ عينيها وقرأ على روحها الفاتحة، وحمل البنت إلى زوجة له كانت نفساء فأرضعتها وصارت ابنته بالرضاع.
    وكانت تذهب للخلوة مع غيرها من البنات. فلما قعدن في بيوتهن واستعددن للزواج واصلت هي الدورس وكانت تتلفلف وتقعد في حجرة الصبيان في ركن قصي. والشيخ يرعاها أشد الرعاية. وقد أوكل لها مهمة تحفيظ سليمان الأعرج لما جاءه في الخلوة مطرودا من خلوة الفكي المحجوب. قيل، وضع يده فوق صدره وسأله: لماذا يا ولدي صدرك هكذا هائج؟ امشي لي أخيتك دي بالا طويل. وقد سبق وذكرنا أنه أتم حفظ الكتاب في أربعين يوما لا تزيد.
    بقيت كلتوم في المسيد حتى قاربت العشرين ترد خطابا من أهل العلم غير قليلين. ثم وجدت في مخدعها يوما ورقة مطوية مكتوب عليها:
    فرستن كشفت المستور
    وغزّت روحي جوة النور
    بعيد منك عيوني تـــــدور
    وكاد الضي عما المأسور
    صعيبة الوحّة كان نــادت
    فراشة نارك القـــــــادت
    تشد ترحل بعيـــد قـــالت
    عليها تفوقي لي المقدور
    قيل أنها اتت بالورقة للشيخ المجذوب وقلبها ثقيل فاستفسرها عما يؤرقها فأرته الورقة، فغضب وسأل عن صاحبها فقالت له يا شيخي هذا ليس قول فجور، ولكنه غمني من حيث دريت وصعب علي شرحه. إذا أتاك خاطب ترضاه لي فإني موافقة. قيل، فلما خرجت من عنده دخل عليه الشيخ زيادة خاطبا لكلتوم لما سمعه من علمها وورعها. فاستخار الشيخ المجذوب الله ثم عرض عليها الأمر فأجازت اختياره على أن تملك عصمة نفسها، وأن تتحلل من جميع عادات النساء من حناء ودخان وتدليك ورشة وخلافه ليتوفر لها وقت للدرس. فوافق الشيخ زيادة وغبط لما علم بمن صدتهم من قبل.
    وولدت له بنتين وولدا، ثم استأذنته أنها لا تريد المزيد من العيال وقد كان له ولد كثير من غيرها ونساؤه لا تزال تحبل منهن في العام اثنتان أو ثلاث، فأذن لها، وكان ياتيها في أيام معلومات أو يعزل. وفتحت لها خلوة لتعليم الصبية والفتيات.
    وفي يوم أتاها الشيخ في غير أيام النكاح الموثوقات فرجته أن يعزل، ولم يستجب لها فغضبت غضبا شديدا وقالت له هذا فراق بيني وبينك، خذ الولد واترك لي البنتين. ثم دخلت في خلوة تبتهل لله ألا يصور في رحمها ولدا، ولم تخرج منها حتى أتاها المحيض.
    وقد استسمحها الشيخ زيادة بعد ذلك وساق الأجاويد وما نفع.
    واستمرت تعلم الصغار أصول الدين، ولما شارفت الأربعين صار لها مجلس يضم العديد من العلماء والمتحدثين، ورواة الشعر والشعراء والمغنين. يجلسون إليها ويوقرونها ويشهدون لها برجاحة العقل. فكان الواحد لا يقوم من ذلك المجلس إلا وأصابه رضا من طيب المعشر، وذكاء المنطق، ولطف التعبير. وهكذا اعتبرت من أحق الناس للبت في تاريخ لبلابة كونها مثلها امرأة، وأنها وافرة العلم حميدة الأخلاق.




    عثمان يوم القيامة
    زد فوقها حطبا
    فليل الهول تعقبه القيامة
    عبد العزيز سيد أحمد
    وهذا كان أبوه تاجرا تنوء خزائنه بالعصبة أولي القوة، فأخرجه من الخلوة باكرا وأرسله لتلقي العلم في بلاد الفرنجة. فمكث فيها سنين عددا يترقى في الدرس حتى رجع في يوم كانت فيه هبوب شديدة اسودت فيها السماء ثم احمرت، وكان الوقت عصرا واليوم جمعة فقال البعض هذا يوم القيامة. فما انقشع الغبار حتى رأى الناس عثمان محملا بأحزمته فلقب بـ "يوم القيامة".
    وقد كان عثمان ممن يختلفون إلى مجلس كلتوم فيدهش الجالسين بما أتى به من بلاد الفرنجة، وحينما يحكي عن تجاربه تشد إليه الألباب كأنما يتحدث عن عالم الجن، وكنت تسمع همهمات التعجب والاستحسان متى ما نطق عثمان.
    وأكثر ما يدهش العالمين بشأنه أنه كان إذا عرض أمر تحدث حديثا ليس من عادة أهل البلاد قوله، كأنما يتحرك في لغة أخرى، مع أنه كان يحرص على استعمال ذات الحديث واستعمال ذات المفردات، وبالرغم من ان بعض كلمات الفرنجة كانت تنفلت منه انفلاتا، إلا أنه كان يبترها ويترجمها للغة القوم في الحال.
    فإذا زار زائر مطلع على الدنيا عالم بلغة الفرنجة كان عثمان يكثر من حديثهم وترى في عينيه بريق المتعة. وكان الناس ينظرون إليه كأنما هو الغد، فأخذ في القلوب سحره، وصار يرجع له في كل المهمات. واستحق بذلك أن يكون عضوا دائما باللجنة.







    نفيسة التاجرة
    وهي امرأة توفى عنها زوجها ولم يكن لها منه ولد. وكانت أسرتها فقيرة كثيرة العيال فصارت تدخل بيوت الموسرين حاملة بعض البضائع تسوقها، وكانت خفيفة الظل شديدة الاعتداد بنفسها مما جعل الكثيرات يؤثرنها ويشترين منها إكراما لها وتمييزا عن باقي زميلاتها اللواتي يتكالبن على الربح بالغش ويتملقن النساء.وقد اقترحتها كلتوم لما تعلمه فيها من الاهتمام بأخبار لبلابة. ولكن وجودها في مجلس رجال كان يمثل لها مسألة مستعصية، حتى أقنعتها كلتوم بأنه ليس ضروريا أن تتحدث مباشرة بل تسمع وتقول رأيها لكلتوم وهي حرية بنقله للبقية. فوافقت على الانضمام وكانت بذلك سابع الأعضاء الدائمين.

    مداولات اللجنة
    يريدون إدراك المعاني حقيقة وهل يجد التحقيق من لم يجد الوصفا؟
    وما الحق إلا ظاهر في وجوده وأسراره في شرح آياته تلفـــــــــــى
    ابن أرقم النميري الأندلسي

    اجتمع الأعضاء لأول مرة بدعوة من السلطان وجلسوا حول مائدة مدورة، وجلس إليهم مندوبه وابتدر الحديث عما يتداوله الناس من أمر لبلابة، واختلافهم حولها لدرجة شقت المسيرة، وسببت الحيرة. ثم ذكر أن أكثر المحدثين عن لبلابة سبعة هم:
     فالح الطرشان ملازمها، وصاحبها الأمين.
     سعدان ود أم مريوم، من أصحابها.
     بخيتة بت بابكر، من صاحباتها.
     أختها لبابة.
     الباقر ود الناجي، من أصحابها.
     حميد التاجر، من أصحابها.
     حبيب ابن الدغل، من أصحابها.
    وأشار عليهم بحصر رواياتهم، وجمع الروايات المتفرقة بين المهتمين، ثم رجا لهم التوفيق، ووعدهم بأجزل الثواب، إن أدوا مهمتهم على الوجه المطلوب. ثم انصرف.
    ولما أقبل الأعضاء على تداول الأمر بدأ بالكلام عثمان الذي كان يحمل كراسة وقلما فقال: يا جماعة لا بد ندون كل الروايات. حسب علمي لبلابة ماتت في الفترة الماضية. أول هام لازم نعرف مين من أصحابها المذكورين لسة موجود؟
    كان سليمان واجما وود المبشور يجلس إلى يمينه يرمقه من حين لآخر بعطف. ثم دنا منه هامسا: قادر ولا ....؟
    - نور على نور، لبلابة واخيتها هود. يشيبن الصبي.
    - بعيد منك عيوني تدور، وكاد الضي عما المأسور! لسّاك؟!
    - أسكت يا محمود لا تزيد.
    - إن ما حامل تفصح خليه علي.
    - يكون آخر ما بينا يا ود المبشور، لسة عاد على الحريق.
    رفع سليمان جمجمته وغز محجريها في لا شيء، بينما أضلعه تلفتت نحو كلتوم. جمرة حياته التي كلما نضج جلده القابض عليها أبدل جلدا غيره. عشق لا يقدر ولا يبغي وصولا. تكثفت على ناظريه دمعة بخرها على نار صوته الذي انطلق: " واتّ يا يوم القيامة شن عرّفك كمان بي لبلابة، ولا البرص الحتلت عندهم بعرفو ليها قول؟".
    وعثمان الذي كان ينتظر جواب سؤاله، فتوسم خيرا في الهمس بين سليمان وود المبشور، لم يحسب لهذا الهجوم حسابا. ولكن بديهته الحاضرة، واللقطات التي جمعته بسليمان من مناوشات وخلقت بينهما حميمية غير مرتقبة، جعلتاه يقدر أن الأعرج يود خوض مشاجرة جديدة، لا يتحملها الأمر الجلل الذي يجلس على الطاولة، فرد على الفور: "والله الولية دي ما خابر عنها شي، لكن شن نسوي يا سليمان في البقولو السلطان، التجي من السما يا شيخي، نهايتو، اعتبروني كاتب اللجنة يا زول".
    وكلتوم التي ساءتها انصرافية سليمان التي ما بارحته، ساءتها مزيدا إشارة عثمان للبلابة بـ "الولية"، فارتسمت على وجهها امتعاضة وقالت وهي تضغط على لقب لبلابة: "حسب كلام نفيسة لم يمت من أصحاب الشيخة الجليلة لبلابة سوى حبيب ، ولكن أخوه يحفظ الكثير من أحاديثه حولها".
    وقال الجاك الشولابي مضيفا: "هناك العديد من الأشعار التي قيلت في لبلابة أحفظ بعضها ويمكن تدوينها".
    هنا تدخل الزين ود حماد بصوته الجهوري: "أرى أنكم تحصرون الروايات بين مؤيدي تلك المرأة وتابعيها. ولكن هناك العديد ممن يتتبع أخبارها غيرهم، أذكر مثلا الواعظ بشار الذي يدارس النساء عقب صلاة الجمعة، والشيخة سعاد بت ابراهيم التي طالما حذرت منها الناس".
    فرد الجاك على الفور: "لبابة اختها برضو ما بتذكرها بالخير، لكن الخلق دي كلها عندها غرض وأهلنا بقولو الغرض مرض، يا جماعة احنا بندور نلم أي كلام ساكت بلا فرز، ولا دايرين نشوف الكلام الموثوق وندونه؟"
    عثمان: احنا يا شيخ الجاك بندور نلم كل الكلام الداير حوالين الشيخة لبلابة، وبعد داك نراجع الوقايع الحصلت ومثبوتة عند الناس، وبعدين نشغل عقولنا ونفرز الحقيقة وين؟ أما بالنسبة لمسألة الأشعار فبرضو في شعر هجا لبلابة زي ما في شعر مدحها. وأنا بشوف ات والشيخة كلتوم أصلح اتنين يدونو لينا الأبيات المفرّقة عند الناس.
    وتقسم الأعضاء –ما عدا نفيسة التي لم تكن تحسن الكتابة- مهام الرجوع للمحدثين المذكورين وتدوين إفاداتهم. فاختار ود المبشور أن يأخذ إفادات حميد وود الناجي، واختار الجاك أن يدون أحاديث شقيق حبيب، وفضل الزين أن يدون إفادات بشار وبت إبراهيم، وكلتوم تبرعت بأخذ إفادات سعدان، وسليمان رضي بتدوين إفادات فالح، وعثمان وقع عليه تدوين إفادات لبابة، أما الأشعار فقد اتفق على أن يجمعها الجاك وكلتوم ويدوناها سويا.
    وانفض اللقاء على أن ينفذ الجميع المطلوب منهم ويلتقوا بعد الفراغ منه. وقد جمعت بذلك الإفادات التالية:
    إفادات فالح
    غزالة حلم زخرفي تهدجت
    إلى نبعها السحري في الليل تبتل
    فعالجها إذا أشرق البدر صائد
    خفيف كنسم الريح ليس له نبل
    فمن دمها مسك على الرمل فائر
    ومن لحمها قد أيسر الدود والنمل
    ولم أك أدري والشباب مطية
    إلى الجهل أن البرق يعقبه القتل
    محمد عبد الحي
    وهو المشهور بفالح الطرشان. وكان ملازما للبلابة لا يحيد عنها. والناس تقول له الطرشان لأنه كان يكثر من استعمال الإشارة قليل الإفصاح برغم مقدرته على الكلام. ولفالح مناحة حفظها عنه الكثيرون. كان إذا ناح بها اهتزت مناطقه وارتجفت مفاصله وجرت عيناه وأنفه. منها:
    يا أهــــــل الجمعة.. دوب
    شايليــــــن اللمعة .. دوب
    كابيــــــــن الدمعة .. دوب
    لامتيـــــن الرجعة .. دوب
    لا صمـــة وقحـــــة .. دوب
    لي القولة السمحة ..دوب
    لي التبرا الجـــرحة .. دوب
    عاد كيف ننــــــزحّ .. دوب
    قال:
    كانت بعد صلاة الفجر تجرع كوب لبن، ثم تستقبل القبلة وتذر بقايا خبز الأمس للطير الذي يتجمع حولها باعداد غفيرة كأنما هو معها على موعد. ثم نذهب سويا للحواشة نعمل اللازم : نحرت أو نبذر أو ننظف أو نشق، والحق أقول، لم نحصد يوما قط. فإذا تعبت هي وصبرت تقول لي: فالح حقا، أما لو ضجرت قبلها وقلت كفانا تقول: إذن فيم فلاحك. فقضيت حياتي معها مقل المنام كثير القيام، وكان ثمن التقرب إليها نقص الطعام، وهد الهام.
    ما رأيتها تبكي قط. ولا يقطب لها جبين. مرضت مرة وهي تمارضني وأنا متآخذ أن تمسك بيدي أو رأسي، فقلت لها اعفيني أن تمسني يداك الشريفتان، فضحكت وقالت: وهل أنت من طين المالح يا فالح؟
    كانت كريمة لا تقدم قدحا إلا ملأته، ولا ترد زائرا خاويا ولو قطعا في الجلود. وقد بارك الله قدحها فكان يشبع ضيوفها بأي عدد.
    لما رفعت صدحت الطيور حتى العصر. كان يوم الجمعة. كسفت الشمس وأتانا رجال يلبسون زيا أبيض نظيفا. وقالوا هتف بهم هاتف وهم يصلون الصبح جماعة قال لهم بصوت سمعوه بلا أدنى ريب: هلموا خذوا لبلابة ولا تعيدوها حتى يأذن الله، فقد فتن الله محبيها، وما فقهوا باطن قولها ولا رددوا ظاهره. ثم ذهبوا بها ما رجعوا لا أحد يدري إلى أين؟
    سمعتها يوما في منتصف الليل تتحرك بين الشجر، فقمت إثرها فإذا بها تعمل بالفأس في شجرتها التي بها تستظل من قيظ النهار. تعجبت فقالت لي: "سيأتي يوم تفرغ فيه جوفك في العراء وتأكل الآفات كل زرعك، وأراك يا فالح ما أعملت محراثك ولا أدري ما منعك؟". ثم ما أوقفت فأسها حتى انفصل اللحاء عن العود وهو مبيض. ثم طنطنت بكلمات عن زرقة ونار. وكان في عينيها أسف، وعلى يديها سوار جال. ثم نظرت إلى وقالت: سيسألونك عني فإن خنت ذكري بلاك ربك بالحرور. قلت لها: وهل يخون أحد صحبتك يا لبلابة؟ قالت: كثيرون يا فالح ينزعون جلدهم ويلبسون جلودا غيرها، كثيرون يا فالح لهم ألسنة تارة غلاظ وتارة رقاق، كثيرون يا فالح.. يأتي يوم إذا شتم الرجل الرجل قال: أنت تبعت لبلابة. حينها، ينفض عني حتى أخلص الأحباب.
    يوم أخذت كنت قبل ذاك معها فوجدتها تكيل الرماد على رأسها قلت ما بالك؟ قالت: جزعت على الذهاب والعود أعوج، ما همك بالظل؟
    وحينما ذهبت حدثت لي كسرة في روحي ما برحتني، ولو استطعت أن أفدي ذهابها بشيء حتى روحي ما بخلت. ولكنها أخذت قبل أن يشفى الطين، وتنضج الغلال. فلما دوت صرخة الذهاب نزع عني من قولها جل ما كنت أحفظ، ولم يبق سوى الصدى.


    إفادات سعدان
    كان ندى الليل على شعرها
    وفي قميصي من قميصها طيوب
    محمد عبد الحي
    قال..
    كنت مرة في الخلاء، فرأيت امرأة منكفئة على الأرض تبنى بالرمال، فحدثتني نفسي بها فاقتربت فإذا بها كما لو أدركتها راجفة. سألتها من تكوينين فقالت: سائحة ضاق صدري علي، بالله يا هذا ضمني إليك. فضممتها فتشممتني ثم ارتجفت، وهدأت. سألتها عن اسمها فقالت: ادعني بما شئت فالأسماء ظل وأنا بلور. وكنت على عهد مع امرأة تشبهها تسمى لبابة، ولكني لما رأيتها أخذني سحرها فطلبتها للزواج فأبت وقالت لي: إنما ستتزوج باختي لبابة.
    كنت إذا زرتها تكرفتني مثلما فعلت أول مرة. وإذا غبت عنها ترسل لي فالحا ليقول: أين قميص يوسف؟ وقد تزوجت باختها ولم تكن مثلها في شيء فطلقتها. وقد نظرت في جميع النساء باحثا عن روحها في إحداهن فما ظفرت.
    قلت لها مرة ما تجدين في ريحي وأنت تكثرين من العشاق ولا تبغيني زوجا، مقت لهوك يا لبلابة. فقالت: إنما وددت أن تختلط ريحي بريحك فتبرأ يا معلول. أنت عمي فلا ترى، وأبكم فلا تفصح، وأصم فلا تسمع، بقى لك الشم فحده يقودك يا سقيم. قلبك من ذهب وكثرت عليك الشوائب، أنا جمرك يا سعدان، ومن حرقتك علي تتنقى. أنظر إليك حينما يساوي ظلك قامتك.. حتام تكون الشمس في منتصف السماء، تحرق جبينك وتغمت طولك الفارع؟
    في يوم موتها ذهبت فوجدتها في نفس المكان الأول تنظر لبنائها تسفه الهبوب، اقتربت منها كما في البداية، ولكنها كانت ضامرة شديدة الإعياء وعلى خدودها بلل بدا دائما، ضممتها دون أن تطلبني فكنت كلما سمعت نحيبها قربتها إلي أكثر فما تنبهت إلا وهي تتسرب داخلي كما لو كانت حفنة ماء سكبت على حوض رمل، وسمعتها تقول: أنت قبري يا سعدان، ثم وجدتني أضم ذراعي على صدري ولا أحد. لبلابة في أنا، هذا هو الحق.


    إفادات بخيتة
    قالت..
    لم أر في حياتي امراة أشد ورعا من لبلابة ولا أكثر تقاة. كنت معها في الخلوة ولكنها سبقتني في كل العلوم بل سبقت كل الباقيات. كانت شيختنا عشة تحبها كثيرا، ولكنها رأتها يوما تنظم شعرا في العشق فقدرت أنها غوت، فهددتها إن لم ترعو أن تطردها، فقالت لها: يا عشة يا شيختي، تميت شرابك لحدي القعر، ولحست باقي السكر، المواعين كتار والشراب أكتر، لكني دايرة رضاك أو ذنبي عليك. ثم فارقت الخلوة وهي بنت سبع سنين. ثم ساحت البلاد في ثلاث، فلما رجعت كانت امرأة إذا نظرتها ظننتها في الثلاثين. وهذه ليست كرامتها الوحيدة. كانت إذا تلت القرآن ارتجت الأرض من تحتها، وإذا سجدت لان الحجر.
    كثر حديث الناس عن عشاقها فلما سألتها قالت لي: دعيهم يخوضوا في الذي هم فيه خائضون. إن أصاب الله عدوك بالعمى فما أظفر لك من أن يسير بين الحفر.
    لما ماتت جاء رجل مهيب الطلعة قيل هو نبي الله الخضر، فكفنها وحملها ثم رمى بجثتها في البحر، لغرض عنده يعلمه الله مثلما قتل الفتى وخرق المركب وأقام الحائط. قلت سبحان الله يفعل ما يريد. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    إفادات لبابة
    قالت..
    لبلابة أختي ولكن هذا لا يمنع من ذكر الحق.
    لقد ولدنا من رحم واحد وإن كنت سبقتها بنحو ستين شهرا أو يزيد. كانت تشبهني كأنها توأمي وإن كانت أقوى مني بنية. لقد كانت –رحمها الله- تغار مني غيرة شديدة. ولم ترع حق الأخوة. ومن محامدها حبها الشديد لأختنا الصغرى مستورة، حتى أنها لما ولدت ابنها الثاني "جابر" ومرضت مرضا شديدا فلم ترضعه سال ثدي لبلابة باللبن فأرضعته. وكانت تقبع لأمه تحت قدميها فإذا طلبت شيئا هرعت إليه كمن خوّف بالسياط.
    ولكن لا بد من ذكر ما فعلته معي من مخاز، فقد لاقت خطيبي في الخلاء زاعمة أنها في سياحة وهي تعلم بمروره بذلك المكان متوجها للصيد. فلما رآها تشبهني اقترب منها وحادثها لأنه كان يحبني حبا جما. فاغوته حتى ضمها وقبلها، بل أظنها ملكته نفسها وأسرت قلبه بذلك. فلما تأكدت من تحقق مرماها صدته وجعلته معلقا في الهواء فلا هو تركني ولا هو تركها.
    ولما تزوجني ظل أبدا يذكرها فإن نسيها أرسلت له خادمها يذكّره ويقيد بيننا النيران، وبسببها مقتني زوجي وطلقني. ولكنه عائد لي دون شك فلن يجد من تناسبه غيري، بعد موت لبلابة.
    لما ماتت مرضت مستورة مرضا شديدا حتى خلناها ستلحقها. وليس عندي ما أزيده سوى تكرار دعائي لها بالمغفرة، وأن يخلصها من ذنبي، آمين.


    إفادات الباقر ود الناجي

    قال..
    كانت لي بعض أغراض في قرية وسط الجبال، وبينما أنا راكب راحلتي رأيت شبحا يقترب من البعد فإذا هي صبية تلبس زيا نصفه أبيض ونصفه أزرق وتتلفح بطرحة تكثر فيها الألوان. سألتني إن كان قد بقي للقمة مشوار طويل. سألتها إن كانت ذاهبة لها وحدها وراجلة؟ أجابتني أن معها فالحا فلما التفت رأيت رجلا يتبعها من على البعد لم يكن قد وصل بعد. ثم عرضت عليها أن أحملها معي في الراحلة فشكرتني وطلبتني أن أحمل فالحا فهي أسرع منه، ثم قالت مازحة: ألا تخاف أن أكون جنية تريد إيقاد بركان جبلكم الخامد منذ دهور سحيقة؟
    ولما وصلنا جلست على صخرة تطل على منحدر ثم قالت لي: بعد عشر سنوات ونيف سأغوص في هذه الفوهة وستود أن تكون معي ولن تقدر. قلت لها متعجبا: من تظنين نفسك يا بنية؟
    - سترى أنني امرأة.
    ثم قامت، ويا للعجب، فجأة ارتفعت قامتها وتكور ثدياها وأمتلأ فخذاها حتى ضاقت عليها ثيابها الفضفاضة قبلا. وصارت تتستر بطرحتها العريضة ويزداد على معارج جسدها أثر رسوماتها الملونة. سألتها من أين أتيت؟
    - كنت في بؤرة بحور بعيدة ولكن مزاجي جبلي في الجبال سحر حياتي، هنا سأفنى.
    سألتني أن أصطحبها فقبلت.وكنت كلما استمعت لها أمد جسرا للأرض وآخر للسماء. وأحس أن صدري يجلو وعقلي يعمل.
    وفي يومها الأخير أرسلت لي فالحا أن حانت رحلة الفناء. فهرعت لها مسرعا فلما مشينا طويت الأرض من تحتنا. وصلنا الجبل. أوصتني قالت: لا تنكث عهدك، لا توقف نحوي مدك.
    ثم شيعت حزني ببسمة، وقفزت في فوهة الجبل، وقد شهد الناس أنها المرة الأولى التي يثور فيها البركان بعد خمود طويل.

    إفادات حميد
    طال ارتحالك من عيون الهم
    والأرق اللجوج
    طال ارتحالك من صياح الديك حتى الليل تبحث عن خروج
    طال ارتحالك
    نامت الطرقات والقطط المضيعة الدروب
    عمر عبد الماجد
    كان حميد يتاجر عبر البحار ويتنقل بين الموانئ، كان شابا مفتل العضلات كث الشعر . على وجهه بقايا شجارات قديمة وفي عينيه حدة، يشهد الجميع أنه لما تعرف على لبلابة تغيرت ملامح حياته، قال..
    وجدتها على المرسى وقد تجمعت حولها القطط، فلما اقتربت نهضت على رجليها وتوجهت نحوي وقالت: تكثرون أموالكم والقطط جياع!.
    لم ألق لها بالا وانصرفت إلى حالي. ولما قضيت أشغالي اتكأت فرأيتني تطاردني الأشباح من جميع الجهات، وأنا أجري حتى بلغت مكانا كانت تقف فيه فتلقفتني ذراعاها ودفنت رأسي في صدرها ثم تراجعت الأشباح حتى اختفت. ومشيت معها فإذا بها تدخل على عرش بهي تزينه التماثيل يحرسه جنود يحملون رماحا. فلما وصلنا جلست على الأرض وقالت للجنود: هل بقي من قطعة أرض لم تعط لفالحها؟ قالوا : لا. قالت: إذن فاحملوا كرسي العرش هذا واصنعوا منه درعا لهذا الفتى. فم أزل مبصرا لما يتم حتى أيقظوني وقالوا: غشك شريكك وباع البضاعة وهرب بالذهب. فلم أحزن، بل طفقت أبحث عنها حتى وجدتها في مكانها السابق، فقالت لي: لم تتأخر عن موعدك، لعلك لم تحزن على أغراضك الزائلة؟ فتحول قلبي دفعة واحدة كأنما نزع عني الإصر وتبعتها أينما ذهبت.
    ولما كنا نغادر المدينة ودعتها جميع القطط.
    جاءها مرة أحدهم بريالات مجيدية، فانتفضت كالمتقي جمرا وقالت لي: خذها ووزعها لمحتاجيها. هل تحبها يا حميد؟ قلت لها بلى، قالت: فهل تحبني؟ قلت لها بلى. قالت لي: ولكنا لا نسكن قلب رجل واحد، فإذا دخلت خرجتُ اطردها فهي تنبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب.
    سألتها مرة أن تتزوجني، فقالت لي: أأكثر مما تزوجتك؟ أيشنق القتيل؟ أيهد البحر؟ ماذا تريد مني حتى الذرية أنجبتها؟ ووالله ما مسستها قط.
    لما ماتت نزع عن الأشياء لونها، ولم يعد لي من طعم إلا في عيون القطط.. رحم الله لبلابة، ورضي عنها، وألحقني بها في الجنة. آمين.


    أقوال شقيق حبيب
    هل رأيتم يا سادتي أو سمعتم أن ضدين قط يجتمعــــــــان؟
    لو ترانا برامـــــــــــة نتعاطــــى أكؤسا للهوى بغير بنـــــــان
    والهوى بيننا يسوق حديثــــــا طيبا مطربا بغير لســــــــان
    لرأيتم ما يذهب العقل فيــــه يمن والعراق معتنقـــــــــان
    ابن عربي
    خضرا ويانعة وحزنك سبيب
    كأنك هلال البنات الخصيب
    وتسقي كأنك ولدتي الحبيب
    عيونك سما ورمشك قريب
    يهش في الغمامة ويخزلو النحيب
    ...
    بلاد أنجبتني وقالت غريب
    بلاد أنجبتني
    ورحت ولقتني
    عطشت وسقتني
    فكيف علقتني بذاك الصليب؟
    عاطف خيري
    قال..
    نشأ أخي زولا فتى جريئا ومحاربا قويا وقد باركه الآباء فكان زينة الشباب. حكى لنا أنه بينما كان في الغابة رأى رهطا معهم امرأة يجلسون بين الأدغال والوحوش تحوم حولهم مستأنسة، فتعجب ورجع للقرية فخبر أهلنا بما رأى. دخل الكاهن إلى قطيته ثم عاد بكامل زيه وقال: إئتنا بها الروح المقدسة. يامبا أرسلها لنا وعقد لها صلحا مع الوحش. روى زولا أنه لما خبّر المرأة بكلام الكاهن قالت له: إنما أنت بغيتنا. جئنا نأخذك فتعزز جمعنا وسميناك "حبيبا". قل للكاهن يعطيك رماح القبيلة نباركها فلا يهزموا ولا يحاربوا أخا بإذن الله.
    قال لي حبيب، رجعت للكاهن وقلت له المرأة تحدثت عن الله ولم أفهم، قال له الكاهن إنها تقصد يامبا إلهنا هي تسميه الله، وهو هو إله العالم الذي سوى كل شيء.
    قال لي حبيب، جئتها مرة وأنا من شدة سواد بشرتي في ضيق. فقالت: الأبيض ضيّق بالنور فيصده عنه ويعكسه أما أنت يا حبيب فتتشرب السنا وبه تتعتم، تخزن الشمس وبها تزيد مودة وحرارة. أنت الأفوز يا حبيب. قال، قلت لها: أعرف يامبا الذي سواك يا لبلابة، الله الذي بيده أمر العالمين، يقولون أني غيرت سلاحي لك، إني فقط أشحذ سكيني القديمة. وعرف الناس بعد حين أنه أعلن إسلامه.
    قال حبيب أنها نادته يوما وقالت له أريد أن نتزوج يا حبيب، ولما كان العقد تضجر بعض أهلها لأنهم لم يكونوا يصاهرون أهل الدغل. قال: كان يبيت عندها فيضاجعها ثم لا يرقد بجانبها ويفترش الأرض، فلما حبلت منه طلبته أن يفارقها ففعل. فلما ولدت بنتها الوحيدة ولدتها ميتة. قال حبيب: لم أرها تبكي بحرقة مثل ذلك اليوم فقلت لها: ليعوضك الله بأخرى فلا تجزعي فأطرقت وقالت: رماحكم مسحت عنها البركة ويكون المحذور.
    وفي يوم موتها رأى حبيب في المنام أن الكاهن يأتي ويقول له اهرع إلى المرأة المقدسة وقل لها أدرجناك فينا فلترعنا روحك. فلما وصلها وجدها تنازع الموت فقالت له: قل للكاهن إنني.. وفاضت روحها قبل أن تكمل ما ودت أن تقول.
    كان حبيب ما يأتي ذكر لبلابة إلا انجذب ثم اندمج في ترانيم القبيلة. ويوم مات أوصاني بلبابة خيرا فقلت له ولكنها تكرهها وتسيء ذكرها فقال لي: كفى أنها تشبهها ماذا يهمني من قلبها إذا كان قلب لبلابة يغمر الوجود؟
    ولا زلت أزورها فتذكر أختها بالسوء وتقول لي: ألو كان لها لب تتزوج بمن هو مثل أخيك، كم حمدت الله أن ماتت بنتها منه ولم تكن لي بنت أخت من ذلك الدم الفاسد. فما زال دعائي لها: هداك الله وسامحك.
    أقوال ماريال
    إفادات بشار الواعظ
    قال..
    ما رأيت أحدا يتبع هواه ويلحن قوله ويحيد عن ظاهر الحق إلا ذكر لبلابة بالخير. وما رأيت أحدا محمود السيرة مستقيما إلا نفر من ذكرها. فطفقت أسأل عنها وأتتبع أخبارها حتى علمت عنها ما أكد لي أن تلك المرأة فتنة أرسلها الله ليميز الخبيث من الطيب.
    أول ما فعلته أنها لم تكن تنقاد لولي أو تسمع لكبير. وقد لاقيتها وناظرتها فيما تحمل من علوم فلم ترعو. ترحلت في البلاد بصحبة رجال أجانب عنها بلا عقد شرعي ولا محرم. وفرقت بين أختها وزوجها عن طريق الغواية. ثم تزوجت من عبد وثني لا يعرف الله ولا رسوله، كسير الأسنان قبيح المنظر، وقد ذكر لي شهود عيان أنها يوم موتها انتفخت جثتها وتعصت حفرة قبرها على الحفارين، لعن الله لبلابة وأسدل ستره على نسائنا فلا يسمعن عنها حتى لا يقتدين بها.

    إفادات الشيخة سعاد بت ابراهيم
    قالت..
    كانت لبلابة زميلة لي في الخلوة عند الشيخة عيشة. وكانت الشيخة عيشة تظن فيها الخير، أما أنا فقد عرفني حدسي الذي لا يكذب منذ البداية أن هذه الصبية شر عظيم أرسله رب العباد فتنة لنا نحن معشر النساء.
    ولأني كنت أكيدة من صدق حدسي فقد طفقت أرقبها عن كثب من حيث لا تشعر. وفي مرة وجدتها منزوية في ركن تكتب، ثم قامت لحاجة وأخفت أوراقها. ولما أخرجتها من مخبأها وجدتها قد كتبت شعرا فاضحا أذكر منه:
    اعطني من ريقك رشفة
    واروني فالحلق جف

    ما هواك سوى عهودي
    منذ أن قد كنت نطفة
    فحملت الوريقة إلى الشيخة التي فضحتها أمام بقية الحوارات وطردتها مذمومة. إذ كيف تفكر بنية صغيرة مثلها في تلك الأفكار الفاجرة؟
    وقيل أنها بعد ذلك تعاملت مع السفلي فزاد عمرها وتحولت لامرأة قبل الأوان حتى تطفئ شبقها المبكر ذاك.
    أما سيرتها الذميمة في علاقاتها المشبوهة بالرجال فمعلومة، ولطالما فضحت أختها لبابة مزاعمها بحسن النية.
    ولي شيء واحد فقط أطلبه من لجنتكم الموقرة هذه، أن تجعلوا الروايات المجموعة عن تلك المرأة سرية فكيف تطلع العذارى على مثل تلك التفاصيل ولا تجرح عذريتهن؟!


    الأشعار
    انفخ بالشفاه النار كي تبقى على الموقد
    ألا بلغت يا خمار فلتشهد
    (من قصيدة المغني الجوال)
    عبد العزيز سيد أحمد
    والأشعار حول لبلابة كثيرة، وأكثر من ارتبط حولها بشعر ثلاثة هم: نعيم ود فرح المغني، محمد ود صباح المادح، والشاعر ود تاج السر.

    نعيم المغني:
    وقد كان من محبيها وإن لم يكن لصيقا كود الناجي أو حميد . وله غناء كثير ومحبوبات كثر، أما ما نظم حول لبلابة فلم يكن ذائعا كغيره، ومنه:
    (1) بيوت الضي بي جوة خربانة
    قليبي الني ممكون علا شانا
    سلكت الغي حلقت فوق بانا
    عرفت البي لبلابة صدقانــــة
    (2) لبلابة شوفك كيف؟
    يا باردة عز الصيف
    ونداكي ما بكمل
    يا باكر إتي وكيف
    جيتينا عامن أوّل
    (3) عاذلنا فيك ضلام أمبارح الغتّ
    شايلنا ليكي ملام بالليل سرى وشتّ
    الجابو لينا غلام ضل شنبو ما ختّ
    لبلابة قال قدام القعدة لا إمتى
    نادت هيا خدام يا خلي وين إتّ؟
    ضاقت على الأفهام صعبت على الجتّة
    وقال في رثائها:
    (4) ضي الضو الهادي سلام
    رشة لصادي سلام
    ضاق الواسع ضايقك كيف ينضام
    يا لبلابة
    يا شوفتنا الما كضابة
    سلام
    ما بنبكيكي عيونك لسّع فيها كلام
    ما بنرثيكي وإتي معانا دوام.
    وله فيها شعر فصيح منه:
    (5) جددي لبـــــي تخــــــرّب أو صدئ
    حدثيــــني إن لــــــي قلبــا ظمـــــئ
    واعطنــــي قربا يبل الشــــــــوق
    عـــــل الشـــــوق عنـــــدك ينطفــئ
    ها هــــو النيل امتطاك لعرســــه
    ها هـــي الأحــــــراش عندك تلتجئ
    ها هي الشمس المهيبة حرقتني
    في هواك مصمــم بعزيمة لا تهترئ

    (6) جئتنا والوقت أدهم والسفوح خباءْ
    عميا نتابع مدلجين قلوبهم عميــــاءْ
    ونــــزعت عنا غل أن نفنـــى هبــــاء
    وزّعتنا بين المعالي جملة ألفا ويـــاء

    محمد ود صباح المادح:
    قال أن قصائده التي كتبها في مدح لبلابة رفعت من صدره معها كما رفع الكلام من فالح. وعاد لمديح النبي (ص). وأشهر قصيدة له قالها في لبلابة هي:
    بـــشكــــــّر يــــــا أخـــــوان
    لبلابة التي في طاعة الرحمن
    أبرأت القلوب من كل ما قد شان
    شقّت للدروب القاسية ما لانت
    زي ضو الشمش في كل خير بانت
    أصحابا الكرام يدرّجو الشانت
    والأرض انتشت بي خطوهم زانت
    قول في فالحا كمّل به الأوزان
    ود الناجي لا تطفف لـــه الميـــزان
    في حميد أمين السر لا تختان
    مولاي الكريم ارفع لشان سعدان

    الشاعر ود تاج السر:
    وهذا لم يلق لبلابة ولا عاصرها. ولكنه متربص بأخبارها وأخبار أصحابها يجمعها. وله شعر في ذمها كما له غير ذلك شعر منه ما قال في النعمة زوج ود المبشور سبق ذكره. ومن شعره عن لبلابة قوله:
    (1) عجوزن فتنت الغاوين
    وما شافو الدروب بي وين
    يقبلو جاي يوجهو جاي وما خابرين
    ببارو سراب وبتبعو مين
    ويروى أن أصحاب لبلابة أقاموا احتفالا بحولية رحيلها وأنشدوا من أشعار نعيم المغني وغيره، فلما بلغ ذلك ود تاج السر قال:
    (2) بشـرى بـأن غابــت
    ونجم النحس بشرى أن طمر
    القـــوم لا زالـــــــوا بها
    في غيــــهم ولنـــــــا نظـــر
    حتما تفرقهم رياح الحق
    ثم ليذعنـــوا ليـــــد القـــــدر
    ولناظري غـــــد قريـــب
    وغــدا لنــــــا فيـــــه الظفر


    خاتمة
    مدخل:
    فهل نحن نحن؟
    وهل تلكم اليد تلك اليد المستطيعة؟
    أم القول ضل فبارك للمتخمين
    .....
    أم الأرض ما عادت الأرض
    والأفق أدبر
    والقلب للقلب أنكر
    والبر في الناس زمجر
    أم الغيب منهمك في النسيج
    ليهديك جلباب تلك السنين الرفيعة؟
    إلياس فتح الرحمن
    اجتمعت اللجنة بعد جمع الإفادات اجتماعا شب فيه نزاع ووعيد. وإذ الأعضاء فيما هم فيه غرقت البلاد في سنة غفت فيها لحين من الزمان، فحلت اللجنة وفرق بين أعضائها وقيل لا يعرفون سوى لجج الخصام، ثم قيل بعدا للبلابة وقربا لمن رماها بحجر، ثم انتظم الناس في عقود المشي الليلي، وفي مشية مشهودة خرج القمر مطعونا ونزف أحد الثقاة حتى مات. وبكى مجذوب المدينة حائما في الطرقات:
    ليلة المولد يا قلبي يئز مع المطر
    ذهب الفؤاد مع الغداة وما أمر
    وكواكب سجدت لآفاق العلا
    الله يا ربي أتتك مجندلة
    الله ياربي بها سبعة عشر
    ويظل يردد الرقم حتى يمل السامع. ثم يطلق آهة من العظام يظن أن ليس من نهاية لها. والناس من خلفه تمشي بين دار وجاهل.


    ثم أطبق الليل فمه وقال قائل نعيد لجنة الإصابة في تاريخ لبلابة. وقبل أن يكتمل النصاب دهم يوم الرمادة. كان يوما طوله أعوام طوال، أذهل المرضعات عما يرضعن وفرق فيه بين المرء وزوجه وأمه وأبيه وذريته وأخيه وقبيلته التي تؤويه وسيقت الجماعات للمدافن وأزلفت الرقاب للمقاصل، وجرت فيه الأهوال. ثم أتى يوم فيه عصر الناس وفيه نفضوا ما كان يوم الرمادة وأقبلوا على بعضهم يتسالمون. ثم ما لبثوا أن غشيتهم غاشية من ربك.
    هكذا جمدت لجنة الإصابة، وما بين السنة ويوم الرمادة وحديث الغاشية ذابت أوراقها في الخزائن أو أكلتها دابة الأرض.
    أخبار لبلابة موزعة بين الصدور، وذكراها في صافيات الليالي تزور، ومع البرق خوفا وطمعا وحبا.
    ولا أحد يدري متى تكون نوبتها التالية؟
                  

العنوان الكاتب Date
رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Tumadir10-05-02, 01:08 AM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى WAD ELGAALI#410-05-02, 01:24 AM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Abomihyar10-05-02, 08:58 AM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Ahlalawad10-05-02, 09:55 AM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Mandela10-05-02, 11:48 AM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى al_msaa10-05-02, 12:05 PM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Tumadir10-05-02, 12:49 PM
      Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Tumadir10-05-02, 01:12 PM
        Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى خالد عويس10-05-02, 02:09 PM
          Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Tumadir10-05-02, 02:13 PM
            Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى خالد عويس10-05-02, 02:26 PM
              Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Tumadir10-05-02, 02:57 PM
                Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Tumadir10-05-02, 08:27 PM
        Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى رباح الصادق05-19-03, 03:15 PM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى رباح الصادق05-18-03, 02:40 AM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى رباح الصادق05-18-03, 02:45 AM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى HOPELESS05-18-03, 05:08 AM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى بدرالدين شنا05-18-03, 05:19 AM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى HOPELESS05-18-03, 05:40 AM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى ودقاسم05-18-03, 07:07 AM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى السمندل05-18-03, 08:47 AM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Alsawi05-18-03, 08:35 AM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى nazar hussien05-18-03, 09:11 AM
  رباح الصادق mohmmed said ahmed05-18-03, 09:35 AM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى lana mahdi05-18-03, 12:28 PM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Tumadir05-19-03, 00:49 AM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى tabaldy05-19-03, 01:08 AM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Tumadir05-19-03, 09:47 AM
      Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى shiry05-19-03, 01:54 PM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى رباح الصادق05-19-03, 04:10 PM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى ودقاسم05-19-03, 04:21 PM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى رباح الصادق05-19-03, 04:42 PM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Tumadir05-20-03, 08:34 AM
      Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى الجندرية05-20-03, 10:39 AM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Ahlalawad05-20-03, 11:18 AM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Hozy05-20-03, 01:14 PM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى رباح الصادق05-20-03, 02:40 PM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى Yahya Fadlalla05-20-03, 06:50 PM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى رباح الصادق05-20-03, 09:03 PM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى ودرملية05-20-03, 09:27 PM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى رباح الصادق05-20-03, 09:57 PM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى lana mahdi05-24-03, 09:44 PM
  Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى رباح الصادق05-24-03, 10:34 PM
    Re: رباح الصادق المهدى... فاجأتنى بكتابتها بنكهة مقامات الحريرى ebrahim_ali05-25-03, 04:54 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de