رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-08-2024, 10:23 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-04-2003, 04:08 PM

Alsawi

تاريخ التسجيل: 08-06-2002
مجموع المشاركات: 845

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات (Re: ahmad almalik)


    أستاذ أحمد لك التحية. ربما هي إشارة لأحداث ستأتي في سياق الرواية. وهي وصلتني عبر الايميل بالامس من داخل ارياف السودان الصابرة.

    فالي الجزء الثالث:

    ما كان محمد يقضي إجازته يحمل قلماً أو ورقة أو جالساً يتلقى التعليم، بل كان يقضيها راعياً لغنيمات والده، لقد كانت خلفيته عن الخلاء والسروح ثرة، فقد كان من قبل يلبس جلبابه القصير ويحمل (سفروقه) ويخرج للخلاء مع غنمه. كان محمد يقضي كل النهار مع غنمه في الخلاء يتغذى علي ما تجود به السدرة واللالوبة والهشابة ويشرب من اللبن و ( سعنه ) الصغير المملوء بالماء يروى ظمأه حتى المغيب. لقد كان يفضل هذه الحياة علي حياة المدرسة وما بها من جوع وبؤس وشقاء وشح في المصاريف.
    لقد كان مصدراً للعجب أن ترى طفلاً في عمر محمد وهو مسئول عن قطيع أغنام لوحده في الخلاء الفسيح، لقد كان يقضي معها النهار وينام وحده في الخلاء ليلاً حيث يجثم الظلام، وحيث السكون الرهيب الذي يوحي بالمجهول، كان ينام مفترشاً للتراب وأشواك ( الحسكنيت ) يصنع له مرقداً هو عبارة عن (فوجة) علي سطح الأرض دون أن يخشى من أن يفترسه ذئب أو تصيبه عقرب أو ثعبان بسوء. لقد كان لشكل الحياة هذا أثرا كبيراً على حياته. كان محمد يقطع مسافات طويلة بين البيت ومكان السروح، أو يقطعها هائماً وسط الفلاة الواسعة يجر نعله خلفه أحياناً نتيجة بعض الأعطاب التي تصيبها أو نتيجة بعض الأعطاب التي تصيب رجله جراء الشوك والأعواد المنتشرة، وقد يضطر أحياناً لأخذ لحاء الشجر ووضع رجله أعلي الحذاء مع الإبقاء علي كعبها الخلفي محيطاً بكعبه ثم يشدها إلي رجله حتى لا تفارقه. فهو يسبها ويشكوها وهي المظلوم الأكبر، إذ لا عذر لها وإن فقدت الكثير من أجزائها الأمامية، ولا أمل لها في الراحة، إذ يقوم محمد بترقيعها حتى يكاد يختفي لونها الأصلي تماماً، فكل ذلك سهل ما دام كعبها الأرضي سالم، ولاحظ لها في النجاة إلا أن تتفطر من اسفل بطريقة لا يمكن رتقها، أوانها كان يعتمد محمد علي رجليه أياما حتى يشترى له والده حذاءاً آخر بعد تأنيبه علي عدم المحافظة علي سابقه. وقد كان كثيراً ما يتأخر الحذاء الجديد ويطول اعتماد محمد علي رجله عاريةً كما خلقها الله حتى يتغير شكلها وتتكون لها حراشيف تستنكر لباس النعل بعد ذلك لأنها قد تصلبت من الأسفل لتقي نفسها الشوك والحر، وسبحان الله الذي يشكل المخلوقات لتتكيف مع بيئتها ومع متطلبات البقاء فيها. فقد يصادف أن يسير محمد لمسافات طويلة وسط الغابات والعيدان والأغصان المتساقطة معتمداً علي رجليه الحافيتين المصفحتين دون أن يتأثر بالأشواك إلا القليل القوى المعاند الذي يتسلط عليه من حين لآخر فيقتحم الحراشيف ويمتد إلي اللحم الحي فيتأثر به محمد كثيراً. وقد كان كثيراً ما يصل إلي البيت عتباً يحمل علي يديه رجله المصابة. فيما عدا ذلك فان الكثير من الأشواك الضعيفة كانت تجد حتفها، وتتحول إلي بقع سوداء علي الحزام الأمني الذي أقامه محمد من جانبه.
    كثيراً ما كان محمد يبقي مع غنمه حتى منتصف النهار، وبعدها يأتي للبيت للقيلولة وتناول الغداء. كان يأتي للبيت متعباً يستحث خطاه ووهج الشمس يكاد يحرق جبينه ورجليه وهو يتسلل من ظل شجرة إلي أخرى، وكان يهرول كلما بعدت المسافة بين الشجرتين، أو أنه يمط خطاه قبل أن تصل سخونة الرمل إلي مناطق لازالت تحتفظ بطراوتها وحساسيتها في رجليه خلف الحراشيف. وبعد أن يصل البيت يتسلل داخل (الراكوبة) ويأخذ كوباً بارداً من الماء يبل به جوفه الظامئ، ويستلقي في ظل (الراكوبة) البارد متجافياً بقع الشمس البيضاء التي تتسلل من سقف الراكوبة ويروح في استرخاء لذيذ ثم يقط في نوم عميق متوسداً ذراعه. فلذة النوم بعد التعب لا تشبه النوم بالحبوب أو الأنوار الغامغه أو الألحان الموسيقية الهادئة التي تصيب أصاحبها بالأرق والسهاد والنوم المتقطع، لقد كان محمد ينام نوماً عميقاً لا تكدره إلا نملة كانت تجوس خلال الراكوبة بحثاً عما تقتات به، ولا تجد ما تقتات به إلا جسده الغض الطري، فتنشب فمها القارص في جسمه اللدن، فينهض مذعوراً حتى تسمي أمه الله، خشية أن يكون مسه الشيطان بشيء، ولكنه لا يلبث أن يقوم بسحق حبيبات الرمل التي تكون قد علقت بجسمه علي مكان القرصة، ويلتفت حوله مستدركاً موضعه وما حوله دون أن يرمي لشيء معين ثم يأخذ نفساً عميقاً وينكفئ علي وجهه مستدركاً نومته الفائتة وكأنه يريد اللحاق بها قبل أن تغوص في التراب بعيداً عنه.
    بالطبع فإن قرصة النملة تختلف عن قرصة ( الجعران ) التي يمكنها أن تضع حداً لنومته اللذيذة، ولكن الجعران لا يتواجد إلا في موسم الخريف، وكما قد عفاه الله شرور العقارب والثعابين، فعلي الرغم من أنه شاهد الكثير من زملائه في القرية وقد تفسخت أرجلهم نتيجة لدغة عقرب أو ثعبان أو شاهدهم يعلقون عليها صرة من (زوارة ) الشيخ معلا التي تعالج الملدوغ، إلا انه لم يحدث له في حياته أن تعرض لمثل هذه المحن.
    هكذا كانت حياة محمد، يقضي فترة الدراسة بمدرسة حلة مرجي الابتدائية وفي الإجازة تراه أحياناً يحمل (محجاماً ) في مواسم ( العليف ) وغنمه تقتفي أثره في شوق ورجاء، كلما حاول أن يعلق المحجام علي شجرة أسرعت الغنم تنبش تحته عن الساقط من ثمارها. في موسم ( الرشاش ) حيث تجف الأرض وينعدم ما يمكن أن تتغذى عليه الأغنام، تراه يأخذ فأسه ويصعد الأشجار يقطع الأغصان المخضرة ويلقيها أرضاً للأغنام لتأكلها. مجموعة من الأشواك تنغرس في جسمه الغض، فكنت ترى بقعاً سوداء لدماء متجلطة من آثار عمل الأمس، بينما ظلت الأخرى مفتوحة تتدفق منها الدماء الحمراء الغانية. تراه في بعض المرات يحاول اجتثاث شجرة ما من ساقها، يعلق عليها (محجامه) ويجذبها في عنف يستعجل سقوطها ولكنها تأبي في عناد، وكأنها تتشبث بالحياة وغنمه إلي جواره ترقب الموقف وتتصايح مستجديه حاثة.
    هكذا كانت تمر المواسم علي محمد، ولكل موسم عمله وتعبه الخاص. يستمر التعب والعناء حتى تأتي مواعيد الخريف حيث ينزل المطر فترى محمد يخرج تداعب وجهه نسمات الخريف الباردة، ورائحة الرمال المبللة بالمطر، رائحة الأشجار الطيبة وقد بللت أزهارها ذرات المطر المتساقط.. عقب هطول المطر تكون القرية ساكنة هادئة إلا من شقشقة العصافير وصوت أطفال يلعبون في مكان ما بعيد فرحين بنزول المطر، يحمل الندى والبلل أصواتهم بعيداً. يخرج محمد يستنشق الهواء الطلق ويحمد الله علي هذه النعمة التي طال انتظاره لها.
    هكذا كان محمد علي الطبيعة مصاحباً للبيئة علي طول طفولته. كان يخرج في الخريف علي اثر هبوب النسيم البارد الذي يحمل رائحة المطر المنعشة، والأشجار الخضراء المبتلة، والأرض كلها خضراء سندسية، الطيور تغرد وتتقافز من غصن إلى غصن، هذا هو موسم فرحها هي أيضا وموسم تكاثرها. كان محمد يتمتع بمهارة عالية في تسلق الأشجار ونصب الشراك للطيور التي تضع بيضها علي فروع الشجر. كان يضع شركاً يسميه ( أم كشمبيرة ) من أعواد شجر المرخ اللين. إذ كان يشق عود المرخ إلي نصفين، يجعل الأول في شكل دائرة بحجم العش ويجعل الثاني في شكل هرم مقوساً إلى اعلي ويثبت طرفيه عند طرف الدائرة بحيث يكون في شكل قوس أعلى العش، ثم يربط عليه خيوطاً رقيقة أو سبيباً ينتزعه من ذيول البقر أو الحمير يجعله في شكل حلقات سهلة الإنشراع تغطي المساحة بين الهرم والدائرة، ثم يثبت هذا الشكل الكلي علي العش ويربطه إلي غصن الشجرة، وعندما تأتي القمرية لتأخذ وضعها علي العش محتضنةً بيضها تكون الخيوط الرقيقة قد أحاطت بعنقها، فيأتي محمد متخفياً ومتسللاً ومغتبطاً لرؤية المفاجأة عندما يوغظ القمرية مهلوعةً، فبمجرد محاولتها الإقلاع عن العش تكون الخيوط قد لفتها من عنقها، فتسمع لها فرفرة اثر اصطدام أجنحتها بالأغصان وهي تحاول الطيران. فيأخذها محمد تملأه نشوة الانتصار، لحماً طيباً طرياً كل ثمنه هو عودان من المرخ وخيوط رقيقة تصلح لاصطياد المزيد.
    لقد كانت حياة الريف حلوة حيث يستمتع محمد بكل خيرات الطبيعة من نبق ولالوب وقضيم ولبن ودخن...الخ كما يستمتع باللعب مع زملائه... تراهم يشكلون فريقين متحاربين يغير بعضهم علي الآخر متخذين من أيديهم جمالاً. يمدونها أمامهم كرقبة البعير ويصيحون خلفها رغاء البعير ويصنعون لها حوايا وسروج وأرسنة. تراهم يغير هذا الفريق علي الفريق الآخر ويغنم منه شيئاً، ثم يقوم الفريق الآخر بالفزع وتراهم تارة يصنعون بيوتاً من الرمال المبللة ويتسابقون في تجميلها، كما يصنعون تماثيلاً مختلفة للبهائم.
    هكذا استمرت الحياة بمحمد حسن ساري الليل تبادلية من المدرسة إلي قريته الساكنة البسيطة يمارس مهاماً روتينية. لقد كان محمد شاذاً في دروسه مجتهداً طوال سنيه حتى جلس لامتحان الشهادة المتوسطة ولكن الأقدار لم تكن لتسمح له بمواصلة تعليمه، فقد توفي والده.
    لقد شاءت إرادة الله لأسرة فقيرة مؤمنة أن يتوفى عائلها وما كان من محمد إلا أن يقطع دراسته ليعول أسرة كبيرة كل أعضائها من الصغار. تولي محمد رعاية الأسرة كأخ اكبر بعد وفاة والده، ولم يكن أمامه من بد سوى أن يهجر المدرسة والقرية متجهاً إلي الأُبيّض بحثاً عن عمل يقيه وأسرته ذل السؤال. حزم محمد شنطته وذكرى والده وهو علي فراش الموت يوصيه لا تفارق ذهنه. يتذكره بعينيه الغائرتين اللذين انهكهما المرض يوصيه:
    وصيتي لك يا محمد هي اخوتك. ترعاهم وتتولاهم وربنا يعينك.
                  

العنوان الكاتب Date
رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-04-03, 01:18 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-04-03, 01:20 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات ahmad almalik08-04-03, 02:55 PM
    Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-04-03, 04:08 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-10-03, 09:01 AM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-21-03, 06:55 AM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات ahmad almalik08-28-03, 01:08 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-28-03, 04:49 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Nada Amin08-28-03, 10:07 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-29-03, 12:39 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Nada Amin08-29-03, 03:56 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-29-03, 09:04 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Nada Amin08-29-03, 09:31 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات bushra suleiman08-29-03, 11:40 PM
  Re: رواية جديدة للدكتور حمد عمر حاوي: أفواه وفتات Alsawi08-30-03, 08:26 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de