|
ماتديلا "العنيد".. يزور السودان للمرة الرابعة !! 1-3
|
بمناسبة عيد ميلاده الخامس والثمانين مانديلا "العنيد" .. يزور السودان للمرة الرابعة!! (1-3)
منذ أن وعت أعيننا على الدنيا, و”روليهلاهلا مانديلا“ خلف القضبان. لم يخطر على بالنا قط ونحن نرقص, فى الثمانينات, على أنغام: "Free Nelson Mandela", أنه قد وطأت أقدامه المباركة أرض السودان ثلاثة مرات. لا ذكر لاحداها فيما حرص السودانيون على ذكره من زيارات سياسيين - بل وممثلين مصريين !- للسودان أصبح لهم فيما بعد شأن فى بلادهم. ليس لأن ”أبو الشعوب الأفريقية“,"The Father of the Nations",الآن كان نكرة وقتها, بحيث لم يلحظ المسؤولون السودانيون تواجده فى بلادهم, و إنما لأن الحكومة السودانية حينها لم تكن لتعر انتباها أمثال ”مانديلا“, أولئك الأفارقة ”السود“ المقاتلون من أجل الحرية آنذاك. إذ كانت حينها منهمكة فى تطهير جنوب السودان من العنصر" الزنجي ! ". فكيف لها أن تهتم لمن أخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن "الزنوج", و تطهير أفريقيا من السياسات العنصرية,.. فأخذ يجوب القارة طلبا للدعم والعون اللازمين لتصفية من يطمح حكام السودان التشبه بهم ؟!.. و هذا ما لم يفت على فطنة "مانديلا العنيد" فى تلك السنين الباكرة,.. إلا أن دبلوماسيته ما كانت لتسمح له بالإفصاح عن ذلك فى كتابه الذي يروى سيرة حياته "Long Walk to Freedom". نقول لم يفت على فطنته وهو الذي كان فى جولاته تلك, لا يكتفى بالاستمتاع برحلته داخل أروقة الفنادق,.. و إنما كان, بمجرد أن يضع حقيبته, يهرع الى الخارج ليختلط بالناس يحاورهم, يسأل, ويحصل على إجابات. وما كان الأمر يحتاج لكبير عناء لإدراك أن أصحاب أولى الدول الإفريقية استقلالا, الذين أعلنوا على الملأ - عن طيب خاطر !- اسم دولتهم الجديدة: "السودان!",.. وكأن لسان حالهم مغنى "الجاز": "James Brown", يرفع عقيرته ويجأر ملء فيه: "! Say it Loud.. Iam Black..I am Proud" , يعانون من مشكلة ما ..!؟, لا شك أربكته كثيرا حينها,.. بحيث بعد خروجه من المعتقل بعد 28 عاما, كانت هاجسه وموضوع زيارته الرابعة للسودان..!!
ماذا حدث فى تلك الزيارات؟ و هل قدمت بلدنا – الدولة المستقلة ذات السيادة آنذاك - فيها ما يشرفنا أمام ما قدمته بقية الدول الأفريقية دعما لنضاله ضد نظام "البوير" العنصرى؟.. تعالوا لنرى إن كان هناك بعض ما قد يحفظ ماء وجهنا أمام "بنى جلدتنا" و"أبو الشعوب الأفريقية" "ماديبا العنيد"..!
* الـزيـــارة الأولـــى: بعد أن أقنع "ماديبا العنيد" , بصعوبة شديدة, (المؤتمر الوطني الأفريقي) بعدم جدوى أساليب النضال السلمي ضد نظام "الفصل العنصرى", .. لأن "المؤتمر", على حد تعبيره: ( لن يستطع القضاء على وحش ضاري بأيدي خاوية). وافق المؤتمر على تكوين جناح عسكري أوكل مهمة تكوينه و الإشراف عليه "لمانديلا", الذي قال ساخرا: (.. أنا الذي لم أكن أبدا فى حياتي جنديا, ولم أشارك فى حرب قط, أو أطلق رصاصة على أي عدو من قبل, أوكل الى مهمة تكوين جيش بأكمله ..)...
و لكن بلا تردد شرع "مانديلا" فى مهمته التاريخية, و أطلق اسم: "رمح الشعب""The Spear of the Nation", على هذه المنظمة العسكرية الجديدة. و كان وقتها مختفيا "تحت الأرض", فأطلقت عليه الصحافة العنصرية, من باب التهكم,اسم:"The Black Pimpernel" ومنذ البداية وجد و رفاقه أمامهم أربعة خيارات لتصعيد نضالهم المشروع: أولا أسلوب التخريب, ثانيا أسلوب حرب العصابات, ثالثا أسلوب الإرهاب, رابعا أسلوب الثورة المفتوحة.
و توصلوا الى أن خيار الثورة المفتوحة لا يمكن أن يتوفر لجيش صغير و محدود الإمكانيات كجيشهم فى بداياته, كما أن أسلوب الإرهاب ينعكس سلبا على من يعتمده وسيلة للنضال, بجانب أنه يضعف الدعم الشعبي الذي لا يمكن أن يفرطوا فيه. أما أسلوب حرب العصابات فهو احتمال وارد التحقيق. لكن لما كان "المؤتمر الوطني الأفريقي " غير متحمس منذ البداية لاعتماد العنف وسيلة فى الصراع السياسي, كان لابد التفكير بأقل الأساليب عنفا التي لا تتطلب خسائر بشرية, فكان المتاح من تلك الخيارات والأكثر قبولا فى تلك المرحلة, هو أسلوب التخريب. ولما كان أيضا أسلوب التخريب لا يتطلب خسائر فى الأرواح, فان ذلك سيساعد كثيرا فى التئام الجروح التي خلفها النظام العنصرى عبر السنوات بين شعوب جنوب إفريقيا, حين يتم التخلص من جنوب إفريقيا القديمة وبناء جنوب أفريقيا الجديدة بألوان طيف شعبها"The Rainbow Nation".إذ يرى"مانديلا" و رفاقه, أن العداء والكراهية التي انبنت بين "الإنجليز" و "البوير", نتيجة الصراع الدموي بينهما, مازالت ماثلة حتى بعد مضى خمسين عاما على الحرب بينهما – ذلك حوالي منتصف الستينات - و المسماة "الأنجلو بوير",.. فكيف إذا سيكون شكل العلاقة بين البيض و السود, على ما بينهما من عداء واختلاف عرقي ثقافي, إذا ما دارت بينهما حرب أهلية. لهذه الأسباب رأى "مانديلا" و رفاقه فى ذلك الوقت أن أسلوب التخريب كخيار ضغط كان أفضل الخيارات أمامهم. ولكن كما أكد "ماديبا": ( إذا لم يف خيار التخريب بغرض استخدامه , وهو التخلص من النظام العنصرى, فنحن على استعداد للانتقال الى المرحلة التالية, و هي حرب العصابات و الإرهاب).
قام "المؤتمر الوطني الأفريقي" بترتيبات سفر "مانديلا" الى "دار السلام" و منها الى "أديس أبابا", حيث سيتلقى هناك التدريب العسكري لمدة ستة اشهر. و لكن قبل ذلك كان عليه, حسب برنامج الرحلة, أن يشارك فى مؤتمر "حركة الحرية الأفريقية القومية لشرق و وسط و جنوب إفريقيا", المنعقد "بأديس أبابا" آنذاك, و أن يقوم بجولة فى الدول الأفريقية بعد المؤتمر, يعرف فيها الزعماء و السياسيين بأهداف و برامج" المؤتمر الأفريقي", ويحشد المساعدة والدعم اللازمين للجناح العسكري "رمح الشعب""The Spear of the Nation".
بدأت الرحلة بتهريب "مانديلا" و رفيقه "جو ماثيوس" الى مدينة "لوبيتس"على الحدود مع "بتسوانا". و تم بعد أيام تجهيز طائرة صغيرة نقلتهما الى "كاسان" فى شمال "بتسوانا", حيث شاهد "مانديلا" هناك لأول مرة فى حياته أدغال أفريقيا الخرافية و الأسطورية, و منها استقلا طائرة أخرى الى "مبيا" فى "تنجانيقا- تنزانيا حاليا" على الحدود مع "زيمبابوي". و يقول "مانديلا" أن سوء الأحوال الجوية فى هذه الرحلة جعله يعتقد أنها نهايتهما المحتومة, حيث كادت أن تؤدى بالطائرة الصغيرة على قمم الجبال.
فى "مبيا" استقبلهما عضو حزب "الوحدة الوطني الأفريقي" و عضو البرلمان السيد "مواكانجيل", و رافقهم الى فندق كان أول فندق يقيم فيه "مانديلا" لا يعترف بالحواجز اللونية. و فى "تنزانيا" توفرت له لأول مرة فرصة مشاهدة دولة تحكم فعلا بواسطة الأفارقة, و ذلك من خلال ملاحظته للحوار الذي دار بين "مواكانجيل" و موظفة الاستقبال البيضاء و هو يعطيها تعليمات صارمة للاهتمام بضيفيه الهامين, و كذلك بالمعاملة التي لقيها فى "تنزانيا" التي لم تكن تعير أي اهتمام الى لونه بقدر الاهتمام بشخصيته و عقله.
و وصلا فى اليوم التالي الى "دار السلام", حيث التقى "مانديلا ""بيوليوس نيريرى" الرئيس الأول "لتنزانيا" حديثة الاستقلال آنذاك, و دار بينهما حوار فى منزله المتواضع. و يتذكر "مانديلا" أن "نيريرى" كان يقود بنفسه سيارة "أوستن" صغيرة و بسيطة, و قد كان تأثير ذلك عليه كبيرا, لم لا و "نيريرى" كان يكرر عليه دائما : ( الطبقية الاجتماعية غريبة على المجتمعات الأفريقية , بينما الاشتراكية شئ طبيعي فى هذه المجتمعات و منسجم معها).
كانت وجهة نظر "نيريرى" أن يؤجل "المؤتمر الوطني الأفريقي" الكفاح المسلح لحين خروج "سيبوكوى" زعيم "المؤتمر القومي الأفريقي". حيث كان نفوذ "المؤتمر القومي الأفريقي ", رغم ضعفه داخل جنوب إفريقيا, أقوى من نفوذ "المؤتمر الوطني الأفريقي " فى الدول الأفريقية. و خرج "مانديلا" من اللقاء بوعد من "نيريرى" بترتيب لقاء له مع الإمبراطور "هيلاسيلاسى" ليبحث معه موضوع الكفاح المسلح.
كان من المؤمل أن يلتقي "مانديلا" فى "دار السلام" بصديقه و مسؤول العمل الخارجي "للمؤتمر الوطني الإفريقي" "أوليفر تامبو", ولكن لوصوله متأخرا ترك له "تامبو" مذكرة ليتبعه الى "لاقوس", حيث ينعقد "مؤتمر الدول المستقلة", الذي كان يهدف الى تحقيق وحدة بين الدول الأفريقية. و قبل أن يستقل الطائرة من مطار "دار السلام", التقى "مانديلا" مصادفة بالسيد "هايمى باسنر" و زوجته. "باسنر" الرجل الأبيض, صاحب مكتب المحاماة فى "جوهانسبيرج", و الذي كان يعمل لديه "مانديلا" قبل أن يستقل بعمله و يفتح مع "تامبو" أول مكتب محاماة لقانونيين أفارقة سود فى جنوب أفريقيا, باسم "مانديلا و تامبو للمحاماة".
حصل "باسنر" على عمل فى "أكرا", ويسعى للحصول على لجوء سياسي هناك حيث تم إعلامه, بواسطة سلطات جنوب إفريقيا, أنه شخص غير مرغوب تواجده فى جنوب إفريقيا نظرا لنشاطاته اليسارية. و كان يتعين على الطائرة التي ستقلهم من "دار السلام" إلى "أكرا" الهبوط فى "الـخـرطـــــــوم".
هبطت ... الطائرة فى مطار "الخرطوم", وانتظم الركاب فى طابور أمام بوابة الجوازات. "جو ماثيوس" فى المقدمة, يليه "مانديلا" ثم "باسنر" و زوجته....,.... يقول "مانديلا" : ... (...لأنني لا أملك جواز سفر, كنت أحمل وثيقة سفر كتب عليها: هذا"نلسون مانديلا" مواطن من جنوب أفريقيا, مسموح له بمغادرة "تنجانيقا" والعودة إليها). قدمت هذه الورقة الى الرجل السوداني العجوز الذي يجلس خلف "الكاونتر". فنظر الى الرجل راسما ابتسامة عريضة على وجهه قائلا: "مرحبا بك فى السودان يا ابني", وسلم على بحرارة, ثم ختم وثيقة السفر..., ... "باسنر" الذي يقف خلفي مباشرة, قدم وثيقة سفره - التي لا تختلف عن وثيقة سفري - الى الرجل العجوز, فتأملها للحظات ثم قال بعصبية و انزعاج: " ما هذا ؟!! .. ما هذه القطعة الصغيرة من الورق ؟؟! .. هذه ليست ورقة رسمية.".. "باسنر" بهدوء شرح أن هذه الوثيقة أعطيت له فى "تنجانيقا" لأنه ليس لديه جواز سفر, فرد عليه ضابط الجوازات العجوز باستنكار و احتقار: "ليس لديك جواز سفر ؟! .. كيف يمكن أن لا يكون لديك جواز سفر و أنت رجل أبيض ؟!! ..". أجاب "باسنر" بأنه قد تم اضطهاده و معاقبته فى وطنه لأنه يناضل من أجل حقوق الأفارقة السود. فرد السوداني و قد بدت عليه علامات الارتياب والشك: ".. ولكنك أبيض !!", ... نظر الى "جو ماثيوس", و أدرك ما كان يدور فى ذهني, فهمس لي بأن لا أتدخل فى الموضوع, إذ نحن ضيوف على السودان و لا نريد أن نتسبب فى ما يعكر صفو ضيافة مضيفنا الكريم, .... و لكن بعيدا عن اعتبار أنني كنت موظفا من قبل لدى "باسنر", فان "باسنر" أحد أولئك البيض القلائل الذين, عن إيمان, يخاطرون بحياتهم من أجل تحرير الأفارقة السود. لذلك لم أستطع أن أتركه يواجه ذلك الموقف وحيدا, فانتظرت بدلا من أن أغادر مع "جو ماثيوس", و وقفت قريبا من ضابط الجوازات, و فى كل مرة يتحدث فيها "باسنر" كنت أنحني ببساطة مؤيدا, و أومئ الى الضابط برأسي تأكيدا على صحة كلام "باسنر". الرجل العجوز بعد فترة لاحظ ما أقوم به, فهدأت ثائرته, , و أخيرا ختم وثيقة "باسنر", مغمغما بصوت منخفض : ".. مرحــبا بك فى الـســـــــودان .." ..) !!. ......................... يـــــتـــــــبــــع.
زارح ------------------------------------------------------------------------------
(عدل بواسطة Tanash on 07-25-2003, 10:39 PM) (عدل بواسطة Tanash on 07-26-2003, 11:49 AM) (عدل بواسطة Tanash on 07-26-2003, 12:00 PM) (عدل بواسطة Tanash on 07-26-2003, 12:01 PM) (عدل بواسطة Tanash on 07-28-2003, 05:02 PM) (عدل بواسطة Tanash on 07-31-2003, 10:35 AM)
|
|
|
|
|
|