|
خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع
|
خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع
الخرطوم عاصمة للثقافة العربية والعنوان الأصح هو أن تكون الخرطوم – نصف – عاصمة للثقافة العربية، ولولا الحياء لقلت ثلث عاصمة. أنا على يقين من أن إختيار الخرطوم قد تم، وهو على كل حال ليس اختيارا بقدر ما هو إجراء دورى بحكم أن إسم السودان مدرج ضمن قائمة الدول الأعضاء فى ما يسمونه جامعة الدول العربية، وقد يكون الدور جاء الى اسم السودان مثلما كان لغيره من قبل.
فكم هى يا ترى نسبة السودانيين الذين تمثل اللغة العربية اللغة الأم Mother Tongue بالنسبة لهم، على إعتبار أن اللغة هى الوعاء الناقل والعامل الرئيسى فى أى ثقافة، ولا املك إحصاء صحيحا ولكن من السهولة بمكان إجراء تخمين بسيط لمعرفة ذلك، صحيح إن العربية هى اللغة الرسمية للدولة ويتحدثها، سواء كلغة أم أو لغة متعلمة معظم السودانيين، وأنها لغة الإعلام والنشر الرسمى والخطاب اليومى، ولكن هل تشكل الثقافة العربية ثقافة جميع السودانيين؟ هذا هو محك السؤال والذى تتفرع منه أسئلة أشد إلحاحا فإذا حل العام 2005م وبدأت فعالياته وأنشطته المتنوعة من مهرجانات وندوات وورش عمل واحتفالات الخ الأنشطة، فماذا سنقدم ولمن سنقدم؟ بمعنى ما هى المادة المشكلة لهذه الأنشطة وما هى طبيعتها وشكلها ومحتواها، وتحت أى إسم أو تصنيف سيتم طرحها، ومن هو المتلقى المباشر، فنحن ازا فسيفساء عميقة التنوع والتباين، ونحن أمام ثقافات عديدة، وهى قطعا ليست ثقافات هامشية أو ضعيفة البنية أو مجهولة المصدر والمنبع، فكل واحدة منها تساوى إن لم تتفوق على الثقافة العربية فى كثير من النواحى، ولنأخذ مثلا بالثقافة النوبية تلك التى فى الشمال وكذلك الموجودة فى منطقة جبال النوبة فى جنوب أواسط السودان، أو ثقافة المجموعات السكانية النيلية الجنوبية، أو ثقافات أهل الشرق وغنى ثقافة أهلنا فى الغرب، ولا أود الدخول فى تفاصيل ذلك فهى معروفة للجميع، ما أود الوصول اليه، هو القول بوجود عديد من الثقافات القائمة بنفسها فى السودان، بعيدا عن الثقافة الرسمية المفروضة من الدولة، فالثقافة كما أفهمها وبمعناها الأوسع والأشمل، هى كل الفعل الحياتى بكل ما فيه من ممارسة وحياة، ولا يذهب الفهم الى حصر مدلول أو معنى الثقافة فى الإطار الضيق المتعارف عليه، من قراءة وإطلاع وأنشطة محددة بعينها الخ. ولنكن أكثر واقعية فى طرح الأسئلة، إذ كيف مثلا إذا اردنا أن نقدم أعمالا فنية موسيقية تشارك فيها فرق موسيقى الوازا من الإنقسنا، أو رقصات شعبية من شرق السودان وحتما ستكون مصحوبة بلغة البجا، أو رقصة الكمبلا، أو غناءا شعبيا من منطقة حلفا، أو نقدم فرقا من جنوب السودان بموسيقاها ورقصاتها، أو حتى بعضا من فنون أهل السودان فى الوسط أو الغرب، كيف يا ترى وتحت أى مسمى سيتم طرح ذلك، هل سنقول للآخرين هذه هى الثقافة العربية، ساعتها سنكون إما كاذبين فيما نقول أو جهلة بما نفعل، اللهم الا اذا اقتصر عام ثقافتهم العربية فقط على ثقافة أهل السودان القاطنين على ضفتى النيل والنيلين من الغابة شمالا وحتى كوستى وسنار جنوبا، اضافة لبعض مناطق كردفان ودارفور ونقول لهم هاكم ثقافتنا العربية، اذ ان مدلول ان الخرطوم عاصمة، المعنى به السودان كله وليس مدينة واحدة، وحين يقولون ذلك فهم يعنون عاصمة السودان كله، وحتى فى لب هذه الثقافات بالمناطق التى ذكرتها، تكمن العديد من المكونات والعناصر الأصيلة المتحدرة من جذر هو بلا شك غير عربى، والشواهد كثيرة ومعروفة أيضا، ففى مدينى التى ولدت بها، وللتدليل أكثر، فأنا واهل بلدتى من أهل السودان الذين لا لغة أخرى لهم غير العربية، كانوا وحتى وقت قريب يذهبون بالمرأة بعد أربعين يوما من وضعها لحملها الى النيل، ويمارسون طقوسا تبينت فيما بعد أنها ترجع الى الحضارة المروية القديمة، والى هذه اللحظة، يمكن وبكل وضوح وبشكل أصيل، ملاحظة طقوس الجرتق المتبعة فى معظم مناطق السودان خاصة الوسطى منه، وهى ممارسة وطقس نوبى أصيل أيضا، أو أن يظل فرع النخيل معلقا فى اعلى باب بيت العريس لمدة طويلة أو الى أن يجئ طفله الأول، هذا كمثل على دخول ثقافات غير عربية فى ثقافة من يسمون أو من يغلب عليهم العنصر العربى إثنيا. لا أريد الخوض فى اشكالية وسؤال الهوية، وإن كان الأمر هو بعينه ذات السؤال، ولكن وربما قد يوقظنا هذا الحدث القادم من سبات التوحل فى أوهام صارت من المسلمات وهى فى نظرى من أخطر ما يهدد كيان الأمة السودانية المتميزة، والتى إن هى فطنت لحقيقتها لانقلبت الصورة الى وجهها الأفضل حتما، فضياع الهوية وتأرجح الحسم، يمثل العائق الأقوى والأخطر فى لحظة السودان الراهنة، وأستطيع أن أجزم قاطعا، أن كل ما يدور الآن فى السودان مرده وسببه الوحيد الأوحد هو الضياع الكامن فى هوية السودانيين، واذا رجعت الى أصل كل المشاكل الراهنة فستجد أن الصراع فى حقيقته صراع ثقافى فى المقام الأول، وهو المسكوت عنه، ولا يزال الطعن متواصلا فى ظل الفيل، رغم ضخامة ذلك الفيل ووضوحه، ولماذا لا تقوم أمة سودانية بذاتها، إذ كيف أصلا تنشأ الأمم والأعراق، إنصهار وتماذج وتفاعل بين عرق أو اثنين أو ثلاثة، ويتشكل الجذع وتكبر السيقان وتزهر الأوراق، وبموازاة أمة عربية، هناك أمة سودانية، ما المانع فى ذلك، ولن يضيرنا بعد ذلك إن صارت العربية هى لغة الدولة أو لغة المنازل، فلتكن لغتنا أو ليكن غيرها من لغات، فليس من الضرورى أو الحتمى أو تصنف الأمم عرقيا تبعا للغتها التى تتحدثها وتمارس بها حياتها، والأمثلة كثيرة أيضا على ذلك، فدوننا أمم ذات حضارة وثقافة ضاربة فى الأصالة فى امريكا الجنوبية من حضارات المايا والأنكا والازتك وهم كما نعرف من الهنود الحمر فى معظمهم، ولكن تظل اللغة الإسبانية هى لغتهم الأولى، واللغة البرتغالية الى حد ما كذلك، ولم يقولو يوما بأنهم قد أصبحو لاتينيين أو اسبان أو أوربيين
لماذا لا تكون الخرطوم عاصمة للثقافة السودانية؟ نعم السودانية وربما يراد لبلدنا خير ما كنا نحلم به اذا قمنا بذلك، فقد يأتينا الخلاص من حيث لا نحتسب، وقد تكون مناسبة لتكريس اللحمة الثقافية السودانية والتى ستستصحب معها حلا لكل الإشكالات القائمة والمستعصية، بدلا من تكريس الإقصاء وتعميقه لثقافات هى نحن ونحن هى، والتمسح بآفاق هى سراب السراب، فما بالك إذا لم يكن واردا حتى فى تفكير أهل ذلك السراب الإعتراف بما نحن واهمين به ومتعلقين بحباله الواهنة.
هذا مجرد رأى
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | THE RAIN | 07-16-03, 10:18 AM |
Re: خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | Dr_Bringy | 07-16-03, 11:33 AM |
Re: خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | THE RAIN | 07-21-03, 08:14 AM |
Re: خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | Deng | 11-02-03, 07:23 PM |
Re: خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | THE RAIN | 11-03-03, 09:36 AM |
Re: خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | Ahlalawad | 11-03-03, 10:08 AM |
Re: خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | Dr.Abbas Mustafa | 11-03-03, 10:35 AM |
Re: خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | THE RAIN | 11-03-03, 10:54 AM |
Re: خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | THE RAIN | 11-03-03, 10:36 AM |
Re: خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | Dr.Abbas Mustafa | 11-03-03, 11:28 AM |
Re: خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | ahmad almalik | 11-03-03, 11:16 AM |
Re: خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | Dr.Abbas Mustafa | 11-03-03, 11:45 AM |
Re: خرطوم 2005م -- تكريس الإقصاء وإنكار الواقع | doma | 11-03-03, 01:32 PM |
|
|
|