|
Re: طوق الحمامه...أبن حزم (Re: bint_alahfad)
|
الباب الثاني علامات الحب
وللحب علامات يقفوها الفطن ويهتدي إليها الذكي. فأولها إدمان النظر والعين باب النفس الشارع وهي المنقبة عن سرائرها والمعبرة لضمائرها والمعربة عن بواطنها. فترى الناظر لا يطرف يتنقل بتنقل المحبوب وينزوي بانزوائه ويميل حيث مال كالحرباء مع الشمس. وفي ذلك أقول شعراً منه: فليس لعيني عند غيرك موقفكأنك ما يحكون من حجر الهت أصرفها حيث انصرفت وكيفماتقلبت كالمنعوت في النحو والنعت ومنها الإقبال بالحديث. فما يكاد يقبل على سوى محبوبه ولو تعمد غير ذلك وإن التكلف ليستبين لمن يرمقه فيه والإنصات لحديثه إذا حدث واستغراب كل ما يأتي به وكأنه عين المحال وخرق العادات وتصديقه وإن كذب وموافقته وإن ظلم والشهادة له وإن جار وأتباعه كيف سلك وأي وجه من وجوه القول تناول. ومنها الاسراع بالسير نحو المكان الذي يكون فيه والتعمد للقعود بقربه والدنو منه واطراح الأشغال الموجبة للزوال عنه والاستهانة بكل خطب جليل داع إلى مفارقته والتباطؤ في الشيء عند القيام عنه. وفي ذلك أقول شعراً وإذا قمت عنك لم أمش إلامشي عان يقاد في نحو الفناء في مجيئي إليك أحتّث كالبدر إذا كان قاطعاً للسماء وقيامي إن قمت كالأنجم العالية الثابتات في الإبطاء ومنها بهت يقع وروعة تبدو على المحب عند رؤية من يحب فجأة وطلوعه بغته. ومنها اضطراب يبدو على المحب عند رؤية من يشبه محبوبه أو عند سماع إسمه فجأة وفي ذلك أقول قطعة منها. إذا ما رأت عيناي لا بس حمرةتقطع قلبي حسرة وتفطرا
ألا إن عيناً لم تجد يوم واسطعليك بباقي دمعها لجمود وهو في رثاء يزيد بن عمر بن هبيرة رحمه الله. ونحن وقوف على ساحل البحر بمالقة وجعلت أنا أكثر التفجع والأسف ولا تساعدني عيني فقلت مجيباً لأبي بكر: إذا كتم المشغوف سر ضلوعهفإن دموع العين تبدي وتفضح إذا ما جفون العين سالت شئونهاففي القلب داء للغرام مبرح ويعرض في الحب سوء الظن واتهام كل كلمة من أحدهما وتوجيهها إلى غير وجهها وهذا أصل العتاب بين المحبين. وإني لأعلم من كان أحسن الناس ظناً وأوسعهم نفساً وأكثرهم صبراً وأشدهم احتمالا وأرحبهم صدراً ثم لا يحتمل ممن يحب شيئاً ولا يقع له معه أيسر مخالفة حتى يبدي من التعديد فنوناً ومن سوء الظن وجوها. وفي ذلك أقول شعراً منه: أسيء ظني بكل محتقرتأتي به والحقير من حقر كي لا يرى أصل هجرة وقلىفالنار في بدء أمرها شرر وأصل عظم الأمور أهونهاومن صغير النوى ترى الشجر وترى المحب إذا لم يثق بنقاء طوية محبوبه له كثير التحفظ مما لم يكن يتحفظ منه قبل ذلك مثقفاً لكلامه مزيناً لحركاته ومرامي طرفه ولا سيما إن دهى بمتجن وبلى بمعربد. ومن آياته مراعاة المحب لمحبوبه وحفظه لكل ما يقع منه وبحثه عن أخباره حتى لا تسقط عنه دقيقة ولا جليلة وتتبعه لحركاته. ولعمري لقد ترى البليد بصيراً في هذه الحالة ذكياً والغافل فطناً. ولقد كنت يوماً بالمرية قاعداً في دكان إسماعيل بن يونس الطبيب الإسرائيلي وكان بصيراً بالفراسة محسناً لها وكنا في لمة فقال له مجاهد بن الحصين القيسي: ما تقول في هذا وأشار إلى رجل منتبذ عنا ناحية اسمه حاتم ويكنى أبا البقاء فنظر إليه ساعة يسيرة ثم قال: هو رجل عاشق فقال له: صدقت فمن أين قلت هذا قال: لبهت مفرط ظاهر على وجهه فقط دون سائر حركاته فعلمت أنه عاشق وليس بمريب
وفى أمان الله
لا اله الا الله
|
|
![ICQ](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif) ![URL](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif) ![Edit](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif)
|
|
|
|
|
|
|