أذاع تلفزيون العربية قبل قليل أن المعتقلين قد اُفرج عنهم..
إذن على الحكومة أن تأمر باعتقال وفدها الذي شارك في اتفاقات مشاكوس.. وتطالب أمريكا بأن تخرج أنفها من هذا الموضوع.. لماذا؟؟ لأن الحكومة اكتشفت أنها كانت ضحية لمؤامرة تمرير العلمانية وهي لم تكتشف ذلك إلا بعد قراءة عمود الأستاذة لبنى أحمد الحسين، كلام رجال، وهو كلام تمام.. فارجو أن تقرأوه لتصدقوا.. عفارم عليك يا لبنى.. =========
بقلم لبني احمد حسين عشق المكان والتحنان الى الاوطان والتغني بالمدن والديار .. عشق قديم .. قدم مغادرة الشعراء لمتردمهم ومعرفتهم الديار بعد توهم ..والوقوف على الاطلال .. وكذا كان نصيب المدائن والحضر في شعر الشعراء وانشاد المغنين .. هذي دمشق وطليطلة والقاهرة.. وتلك الخرطوم ايضاً لها نصيب: خرطوم يا مهد الجمال ودرة الاوطان عندي /انا كم اخاف عليك من شوقي وتحناني ووجدي ويمضي الشاعر حتى يقسم انها ليلاه التي لن يعود اليها الا مجذوباً بوعده .. لكن المتنبي يقول:
وأخ لنا بعث الطلاق أليّة.. لأُعلّلنّ بهذه الخرطوم /فجعلت ردي عرسه كفارة .. من شربها وشربت غير أثيم غير ان مادح سيف الدولة وهاجي كافور ما كان يقصد بخرطومه ملتقى النيلين.. عاصمة السودان تكلفاً ـ الخرطوم ـ انما كان يقصد الخمر...فالخرطوم المشتق لفظها من احدى لهجات القبائل الزنجية النيلية بما يتصل بالماء القراح.. ليست هي كذلك في لغة المندكورو «الاقحاح» التي نبغ فيها المتنبي سليل الفرس.. انما تعني الخمر.. وليس اي بنت كأس وصهباء وعرق.. انما هي النبيذ المعتق.. فالخرطوم هي «الخمر سريعة الاسكار» والمعنى على ذمة شرح ديوان المتنبي في صفحته السادسة بعد العشرين، وعلى ذمة القاموس المحيط.. ولهذا يلزم اهل المشروع الحضاري.. واصحاب اللافتات والشعارات التي تملأ جدران الخرطوم هذه الايام في حملة منتظمة ان يبتدروها بأسلمة اسم عاصمة البلاد ابتداء.. قبل إثارة اللغط والسخط حول علمانيتها واسلاميتها.. او «جاذبيتها» على حد تعبير اتفاق الشعبي والشعبية.. عثمان بك جركس هو من نقل العاصمة من مدني الى الخرطوم في اواخر العام «1824م» ووضع الاساس لبناء دار الحكومة وثكنات اقامة الجند لولا ان عاجلته المنية في الربع الاول من العام «1825م» وما كانت الخرطوم قبله الاّ قرية صغيرة لاصطياد الاسماك.. تبذها جزيرة توتي في النماء والعمران اذ قدم اليها الشيخ ارباب العقائد واسس فيها مسجده وخلوته لتعليم علوم الدين.. كان ذلك في العام «1691م».. لكن الخرطوم لم تعمر كمدينة الا على ايدي الاتراك حين اتخذها عثمان جركس اول حاكم في العهد الجديد على السودان عاصمة له. لكن خرطوم جركس التي كان يسكنها ستون ألفاًً من المصريين والأتراك والاقباط والاغاريق والشوام والمغاربة وغيرهم من الاجانب الذين يعملون في الوظائف العامة والتجارة وقليل من السودانيين ليس هي خرطوم كتشنر 1900م.. ولا خرطوم الازهري 1956م ولا هي خرطوم الانتفاضة 1985م.. ولن تكون خرطوم السودان الحضاري «الجديد» عام 2003م. نقل العواصم ليس بالشئ المستحدث الذي جادت به قريحة وسطاء ايقاد في مشاكوس لحل الاشكال في مشكلة السودان العويصة.. انما هو امر مألوف.. فعلت ذلك في العصر الحديث نيجيريا وعرفه السودان في عهود سالفة. سنار كانت عاصمة السلطنة الزرقاء.. نقلها الترك بسبب الامطار الى مدني وما لبثت ان نقلت الى الخرطوم قبل ثمانية عشر عقداً من السنوات لم تشهد خلالها تحولاً الا سنوات المهدية التي اتخذت من البقعة المباركة ام درمان مقراً لها .. عادت بعدها الخرطوم عاصمة للحكم الانجليزي المصري الثنائى .. ولا تزال.. الحكومات الوطنية عقب الاستقلال لم تطرح الامر للنقاش بل لم تفكر فيه.. لم تفكر في تغيير العاصمة وتحويلها الى اي مكان آخر في السودان.. الحركة الشعبية نفسها وفي ادبياتها وحديثها عن سودان جديد سكتت عن الخوض في امر العاصمة.. لم تعلن ان رمبيك هي العاصمة المرتقبة ولم تناد ببقاء الخرطوم .. زُجّ بالامر في احدى مسودات المفاوضات التي طالما دفع بها الوسطاء الى طاولة المفاوضات بين فريقي الحكومة والحركة في مشاكوس ... تسرب المقترح الداعي لاتفاق الطرفين على «مدينة تكون مقراً للحكومة القومية» الى خارج قاعة التفاوض التي يضرب عليها الجنرال الصارم لازاراس سيمبويا جداراً من السرية في وقت كانت تتأهب فيه الحكومة بمجلس وزرائها من شارع المك نمر الى شارع الجامعة.. بضعة كيلو مترات او عشرات... قطعتها الحكومة لمقرها الجديد.. وبما ان «الرحول عزّ العرب» فلا شئ يمنع نقلة مماثلة لمئات الكيلو مترات جنوباً .. فما المانع ان تكون ملكال هي العاصمة؟ دستور السودان لعام 1998م كما سبق بالاشارة الاستاذ محجوب محمد صالح لم ينص على عاصمة اتحادية! وللسخرية نشير إلى انه ابدع في النص الدستوري على عواصم الولايات الست والعشرين.. وهذه لعمري «دقسة».. ما تراه فاعلاً مولانا جلال علي لطفي اذا تقدمت اليه بطعن دستوري بعيداً عن مشاكوس ومشاكساتها، ادعي فيه ان العاصمة ليست الخرطوم انما كاب الجداد.. ما تراه يقول والدستور خالٍ من نص يدعم كون الخرطوم عاصمة الا اشارة لانعقاد المجلس الوطني في مقره الرئيسي بام درمان.. وعدا ذلك.. فمن الممكن ان تنازع ولاية اعالي النيل ولاية الخرطوم في كونها العاصمة عبر دستور الانقاذ للعام 1998 لا عبر مشاكوس فحسب. الجميع بما فيهم الحركة الشعبية تحاشى اقتراح عاصمة بديلة للخرطوم .. الحكومة وحدها على لسان مستشارها الاعلامي ظلت تلوّح بأنها على استعداد لنقل العاصمة الى الجنوب وتأكيداً لذلك احتفلت بعيد الاستقلال في ملكال ونكاية في قرنق تحتفل بعيدها الانقاذي الرابع عشر نهاية هذا الشهر بمدينة جوبا.. وعلى القوى السياسية المختلفة بما فيها الحركة الشعبية الادلاء برأيها حول تحويل العاصمة الى الجنوب. لان محور التفاوض حول الموضوع الذي دفع به الوسطاء هو «اين العاصمة» وليس «وضع العاصمة» من حيث القومية او العلمانية او الجاذبية او الحضارية او غيرها من شعارات تحلق في فضاءات التنظير.. ولحسن الحظ ان للوسطاء قدرة على تجاوزها على ارض الواقع.. فبعيدا عن اعلان القاهرة الذي وقعه السادة الثلاثة والذي ينص على قومية العاصمة ومساواتها بين الاديان والمعتقدات كافة نجد ان الحكومة التي تدعو للتمسك ببروتكول مشاكوس في هذا الاطار كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال. فحسب بروتكول مشاكوس ان المساجد التي تبنى بالدور والوزارات والمؤسسات الحكومية.. امامها خياران.. اما ان تُزال من الوزارة المعنية.. او تقابلها كنيسة مماثلة.. هذا ليس في رمبيك او الخرطوم انما في دار جعل ايضا.. اما المساجد التي تبنى على حساب الخيرين واهل البر والتقوى فان بروتكول مشاكوس لايمانع ان يكون بين كل جامع وجامع جامع، او بين كل كنيسة وكنيسة كنيسة سواء كان هذا في نمولي او حلفا.. اما التعليم الديني فان جامعة القرآن الكريم وجامعة ام درمان الاسلامية امامهما خياران اما ان تتولي مؤسسات غير حكومية تمويلهما كما هو الامر بالنسبة لجامعة افريقيا العالمية.. او ان تنشأ جامعات حكومية لاهوتية وكنسية تتبع لوزارة التعليم العالي وتنفق عليها الحكومة مثلما تنفق على سواها.. اما في مستوى التعليم المدرسي .. فان كلمة «في اماكن مناسبة» التي ارتبطت بها في بروتكول مشاكوس ستدخر معارك كلامية وسياسية وصحافية اخرى اذ يحين الوقت لنفاذ البند المتفق عليه والذي يقول: «تعليم الدين والمعتقدات في اماكن مناسبة لهذا الغرض»، فقد تقول الانقاذ إن المدارس الحكومية هي المكان المناسب لهذا التعليم الديني المسيحي او الاسلامي، وقد تقول الحركة الشعبية بل المكان المناسب هو الخلاوى والكنائس فحسب.. وقد تنشأ مستشارية بالقصر الجمهوري للاهوت ووزارة للإرشاد المسيحي .. او يتم الاستغناء عن الدكتورين احمد علي الامام وعصام البشير.. فبروتكول مشاكوس الذي وقعت عليه الحكومة بكامل قواها العقلية يتحدث عن مؤسسات «خيرية» لممارسة الشعائر الدينية وعن اماكن «مناسبة» للتعليم الديني مع عدم الاشارة لمؤسسات «حكومية» وعدم الاتفاق على المعيار الذي يجعل مكاناً ما مناسباً ودونه غير مناسب لهذا التعليم الديني .. كما ان قيام المؤسسات وانشاء الدور لممارسة الطقوس الدينية والعادات المرتبطة بذلك الدين عند من يدين بالمسيحية لاتخضع للمعايير الاسلامية حتى اذا كانت تلك الطقوس هي تناول الخمر، وحتى ولو كان ذلك في ولايات الشمال. ذا تأويلي للبنود من «6ـ1» الى «6ـ 6» وما سبقها من فقرات في بروتكول مشاكوس..ومن له رأي مخالف فليقارعنا الحجة بالحجة. وعلى الذين انكبوا لتأويل كلمة «القومية» الواردة في اعلان القاهرة بما يعني انها العلمانية ان يعملوا اذهانهم بالمثل لتأويل الجزء السادس من بروتكول مشاكوس، والخاص بمسألة الدين والدولة.. فان لم يكن يعني قيام كنيسة مجاورة لمسجد القصر داخل القصر الجمهوري وشرب الخمر داخلها اذا دعت الطقوس الدينية سأكسر قلمي .. فقد لحس الجماعة كوعهم من حيث لايشعرون.. ولئن تعاطى المتنبي «الخرطوم» غير أثيم في ظنه ..فان على الخرطوم ان تستفيق لتفهم بروتكول ميشاكوس قبل ان ترمي اعلان القاهرة بالاثم والعدوان.. والسلام..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة