المكان: مركز الخدمات التعليمية للناضجين من مختلف الثقافات والمعروف اختصــاراً بالـ”AMES” وهو مركز مختص بتقديم كافة التسهيلات للقادمين الجدد إلى استراليا من منطلق تيسير اندماجهم في المجتمع، وبعدة طرق منها تعليم الإنجليزية واكتساب مهارات العمل وكذلك التعريف بطبيعة وتركيبة المجتمع الأسترالي المتعدد الثقافات ..الى آخره من الخدمات المتعددة.
ومن عجائب المفارقات إن هذا المركز أول ما يذكرك به ويدعوك على العض بالنواجذ عليه هو المحافظة على هويتك وعكسها في كل اوجه حياتك المقبلة حتى تساهم عن جد في إثراء المجتمع الأسترالي المستمد أصلاً قوته من تنوع ثقافاته ... فتأمل وأنت القادم من بلد لم ينهكه ويضعفه شيء قدر صراع ثقافاته، وانصراف أهله للبحث عن نقاء العرق حتى وان دعى الأمر إلى "زوجة بيضاء زي اللمبة دي !!!" حسب رسالة أحد أصدقائي يوما ما إلى أسرته لكي يختاروا له زوجة... ونزوع أولي الأمر فيه إلى منهج إقصائي اتفقوا عليه منذ زمن بعيد .. الذوبان في هوية واحدة أو الطوفان!!.
ما علينا.. كان لزاما علي أن اسلم واجبي الدراسي أوالـ “Homework” كما يسمونه إلى أستاذة المادة المختصة، وبما أن فكرة المنهج الدراسي في المعهد قائمة في الغالب في كيف تعبر عن هويتك وابراز رموزها ما استطعت ، فقد وجدت أنها فرصة طيبة أن اكتب عن الطيب صالح وأدبه. انفعلت الأستاذة المعنية بالموضوع واندهشت للوهلة الأولى عندما علمت أنني سوداني واعتذرت لي بأدب لأنها كانت تعتقد أن السودانيون هم الاخوة الجنوبيين فقط ، وقالت فيما معناه أنني بذلك عززت من قناعة أن السودانيين وبمختلف تنوعهم من أكثر الشعوب التي قدمت إلى استراليا أدباً وخلقاً وتواضعاً وسعة أفق، وان هذه القناعة التي توصلت إليها ليست وليدة اللحظة ولكنها نتاج خبرة عشرين عاماً في التعامل مع مختلف الثقافات من خلال الجامعات ومراكز المهاجرين الجدد. ولم تكتفي بذلك بل جذبتني من يدي منوهة بأن اذهب معها إلى مكتبها، وبالفعل انصعت لأمرها وهناك فتحت جهاز كمبيوترها ثم عرجت إلى بريدها الإلكتروني وطبعت منه رسالة سلمتني لها مضيفة بابتسامة عريضة : هذه نص رسالتي التي بعثت بها إلى حكومة ولاية فكتوريا أطالبهم فيها من واقع خبرتي أن يزيدوا من أعداد السودانيين القادمين إلى استراليا لأنهم يشكلون إضافة حقيقية لمجتمعها.. انتهى!!.
كانت لحظات درامية بالفعل خرجت منها وأنا متعثر الخطى مختلط المشاعر، فكم جميلاً أن يثني عليك الآخرون ويعرفون حق قدرك، ولكن ...كم هو حزيناً أن تكون أنت آخر من يعرف حق قدره ويعيه ويتصرف بحجمه، وكم هو بشع أن الثقة التي يولينا لها الآخرون نفتقدها نحن في دواخلنا... خرجت وأنا أسال الله أن لا يزيد اهتمام هذه المرأة بالسودانيين عن هذا الحد وإلا انقلب عليها الأمر إلى كارثة حين تكتشف يوما أننا وطن لم يتفق أبناؤه على شيء سوى أن يختلفوا، ولو سارت المسكينة أكثر من ذلك وبحثت حولها هنا بمدينة ملبورن على الأقل لراعها الأمر إلى حد احتمال تغيير رأيها دفعة واحدة حين تكتشف أن الجالية السودانية “Sudanese Community” هي الأضعف والأقل شأناً من بين كل الجاليات الموجودة في هذه المدينة، هذا بافتراض عدم علمها بتسرب ثقافة العنف اللفظي مؤخراً بين الأعضاء إلى حد التهديد الجالية نفسها منقول. عبد الخالق السر/ملبورن
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة